نص كلمة: الزهراء عليها السلام مدرسة الأخلاق

نص كلمة: الزهراء عليها السلام مدرسة الأخلاق

عدد الزوار: 915

2018-02-12

كلمة في مسجد العباس بالمطيرفي ليلة الثلاثاء 1439/3/19هـ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على اشرف المرسلين محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

سئل الإمام الصادق (ع) عن اسم فاطمة، فقال عليه الصلاة والسلام: «سميت فاطمة لان الخلق فطموا عن معرفتها»[2]

في الاسبوع الماضي كان الكلام عن الزهراء سلام الله عليها مع تسليط الضوء على حياة أمها أم المؤمنين السيدة خديجة عليها السلام، مرت علينا الأيام الفاطمية مشبّعة بالحزن واللوعة جراء ما جرى على الزهراء سلام الله عليها من الظلم والتعدي، استغرقنا في ذلك كثيراً رجاء الثواب والأجر العظيم، وهذا ما سنحصل عليه إن شاء الله في ذلك اليوم الموعود حيث يوفى لكل انسان ما قدّم في دار الدنيا.

آلية الارتباط بأهل البيت عليهم السلام

الارتباط بأهل البيت عليهم السلام مكسب عظيم لمن وفق، لكن للارتباط انحاء وصور؛ منها سهل قريب يشترك فيه الجميع، ومنها يحمل طابع التركيز والدقة والبحث والعناية وهذا ما لا يتحقق الا لمن اوجد في داخل نفسه حالة من الرغبة في الوصول الى ذلك، فاعدّ له عدته وهيأ له أسبابه، اهل البيت عليهم السلام في مسافة قريبة منا، فنحن خُلقنا من فاضل طينتهم وعجنا بنور ولايتهم[3]، إذن الارضية مهيأة، يبقى شيء وهو حركتنا في هذه الارضية التي منحنا إياها على نحو النعمة، على نحو اللطف من قبل الله سبحانه وتعالى بنا، أن نولد على محبة علي، على الولاء لعلي وآل علي، هذا يؤمّن لنا فتح الأبواب على مصراعيها في الكثير من الجوانب والاتجاهات، من حق كل واحد منا أن يسأل من نفسه: ما الذي قدّم وما الذي أخّر خلال الايام المحسوبة على الزهراء (ايام الفاطمية) رفع الشعار في اكثر من موطن وموطن، شعار لـ (أيام الفاطمية) جميل حسن هادف يحمل مغازي كثيرة، لكن كم تفاعلنا مع هذا العنوان الذي يتصف بما وصفت وبما هو عليه فعلا؟ ما الذي قرأناه؟ ما الذي كتبناه؟ ما الذي تباحثناه؟ ما الذي حققناه؟ ما الذي تبادلنا وجهات النظر فيه فيما بيننا؟ هل كان المناخ مهيئ؟ أم كان مقفلا؟ هل كان مبسوطاً؟ أم كان ملغّماً؟ حياة أهل البيت عليهم السلام واسعة شاملة لجميع جوانب الحياة.

مظلومية الزهراء سلام الله عليها في وسط الأمة

في مدرسة الزهراء اصول تعنى بتفسير القرآن، في حياة الزهراء سلام الله عليها فصول تعنى ببيان علل الاحكام الشرعية في جانبيها المتمثلة في الاصول والمتمثلة في الفروع، خطبتها الكبرى شاهدٌ على ما للزهراء سلام الله عليها من قدم راسخة وسعة معرفة، لذلك الإمام الصادق (ع) يقول: «لان الخلق فطموا عن معرفتها» ليس فقط لم يعرفوا كينونتها ولم يعرفوا تلك النواة التي تشكلت منها، بل اكثر من ذلك حتى ما صدر عنها من التعاليم والمعارف مع شديد الاسف إلى اليوم الكثير منه إما مهمّش أو ملغى أو محارب، أنت اليوم لا تجد في وسائط الاعلام للزهراء حضور، حال أنها مذ ولدت والوحي يباشر سمعيها، عندما كان يهبط الأمين جبرائيل على النبي (ص) كانت الزهراء إلى جانبه وكان الامام عليٌ إلى جانبه، وعندما كان يتلو النبي الآيات بعد انصراف الأمين جبرائيل كان الامام عليٌ (ع) أول مستمع من الرجال، وكانت الزهراء سلام الله عليها اول مستمع من النساء، فهذه الكمية الهائلة من الاحاديث الشريفة والمقدرة بمئات الآلاف التي رواها الصحابة هنا وهناك ومن عاش في وقت النبي (ص) أو ذكرها من جاء زائراً للمدينة، ألا يستوجب ان يكون للزهراء نصيب يعتنى به منها؟! لماذا لا يمرّ ذكر الزهراء إلا بخطفة الخاطف وعبور العابر! حال أن ذكر اسم الزهراء في حد ذاته نور وهل يصدر من النور إلا النور! معارفها نور، هدي، شرف، كرامة، هي لا تنطق إلا عن وحي، لأن كلام النبي مصدره الاول هو السماء ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى[4]، فاطمة الزهراء سلام الله عليها هي صنيعة الوحي، فاطمة ربيبة الوحي، فاطمة بضعة الوحي، فاطمة اصلاً جمال الوحي.

وقفة توضيحية قصيرة عند «مصحف فاطمة»

بعض الأشخاص اليوم يستثقل ان يكون للزهراء سلام الله عليها مصحف! ولا أدري لماذا!؟ أليس فلان له مصحف!؟ نحن عندما نقول «مصحف فلان» الكل يقبلها منا، لكن عندما نقول «مصحف فاطمة» يستثقل هذا الأمر ولا يقبل أحد منا ويجعلون من عنده مصحف في مقابل القرآن! ما ضر ان يكون الزهراء قد كتبت القرآن بيديها! لماذا يبقى هذا المصحف وهذا القرآن ذخيرة وسرّ حتى يأذن الله للخلف الباقي من آل محمد ليظهره كي يكشف أسرار هذا المصحف، هل هذا من حُبّ الامة لفاطمة سلام الله عليها، أم لتنكب الامة الطريق عن فاطمة! ما ضرّ ان القرآن تكتبه فاطمة بنت الرسول محمد (ص) أليس هذا هو اقصر الطرق وأنزه الطرق وأكمل الطرق، أن يكون الأمين جبرائيل من السماء واسطة فيض على قلب الحبيب المصطفى محمد (ص)، السامع الاول الزهراء، بعدها تبدء الزهراء بكتابة آياته الشريفة، ما هو الضير في ذلك!؟ أليس عبدالله بن مسعود له قرآنه، أليس عثمان ابن عفان الخليفة الثالث له قرآنه، أليس فلان له قرآنه، أي مصحفه، بعبارة أخرى كتبه هو، فما هو المانع؟ لماذا هذه الحساسية مع الزهراء سلام الله عليها، من ناحية اخرى نحن أيضا لماذا نلف وندور؟ لماذا لا نقول بصريح اللفظ: نعم للزهراء مصحف، بعدها نبين ما هو هذا المصحف، والقول في هذا المصحف لا يخلو من امرين: إما أن يكون المصحف هو «القرآن الكريم» كتبته فاطمة بيدها، إذن هو أضمن لنا في أسباب النزول، في مواقعها الزمانية والمكانية وكفاه تقدماً على سائر المصاحف، يعني الآية حينما نزلت وضعت في محلها، ليس فيها تقديم وتأخير و...، أو لا «المصحف» هو ما أملاه الامين جبرائيل أو الإمام علي (ع) على الزهراء في بيان ما قال النبي في حق كل آية من آيات الكتاب الحكيم، فبالتالي سواء هذه أو تلك ما هو الضير في ذلك!؟ ألم تحرم الامة من شيء كبير؟!

قبس من نور الزهراء

الزهراء البتول سلام الله عليها مدرسة في الاخلاق، في القيم، في الشرف، في النُبل لنرى كيف حالنا نحن مع الزهراء، لنرى ماذا تقول الزهراء سلام الله عليها وما هو عملنا، هل خرجنا في موسمها الفاطمي بما تحب ام لا؟ تقول سلام الله عليها كما هو المروي: «البشر في وجه المؤمن يوجب لصاحبه الجنة، والبشر في وجه المعاند المعادي يقي صاحبه عذاب النار»[5]

البشر في وجه المؤمن يوجب لصاحبه الجنة، لابد ان تستقبل الناس بوجه مستبشر وابتسامة طيبة، تصوروا وصلنا اليوم إلى حالة ـ مع الأسف الشديد ـ عندما يبتسم شخص في وجه شخص آخر يقول القائل لا يخدعك هذا بابتسامته عليك التروض! تروض على حالة من العُبس والقمطرير، لأنه لم يتعوّد على أن يبتسم في وجه خلق الله، فعندما يرى شخص يبتسم، يأخذ الحذر منه ويطلب من الآخرين ان يحذروا منه، لأنه يتصور ان هذه الابتسامة بالتأكيد يراد منها شيء! سوء الظن والعياذ بالله يجتاح الساحة، حتى ان شخصا يقول لي: سيدنا انا صرت في حالة بحيث اذا دخلت البيت وابتسمت زوجتي في وجهي، قلت حتما زوجتي من خلال هذه الابتسامة تريد مني شيء، اما تريد ان تخرج الى السوق، او تريد مني مقدارا من المال أو...! سوء الظن حتى مع زوجته! هل هذا هو الذي تريده منا الزهراء، هل الزهراء سلام الله عليها تطلب منا فقط ان نلطم على صدرنا ولا ندري إلى من نلطم ونهلّ الدموع ولا ندري لماذا؟ الدموع التي لا تغسل داخلنا ليس فيها بركة، نعم فيها ثواب لكن ليس فيها بركة، ألطم على صدري وضميري لا يتأنب على ظلم لأخ لا خير في ذلك اللطم، أو اضرب رأسي وأشجه وتخرج قطر أو قطرتين دم وهي لا تصحح مسيرتي ولا تقوّم منهجي ما هو ثمرتها؟ أو أخرج كي ازور لكن لا ادرك اهداف المزور ما الفائدة من هذا... الزهراء تقول الابتسامة هي اقل شيء، لكن انا اتصور انه سيأتي يوم عندما يسلم شخص على‌ شخص يظن ان هذا السلام يبغي من ورائه شيء! هذا في وجه المؤمن الموالي المحبّ لكن انظر الى الزهراء ماذا تقول:

والبشر في وجه المعاند المعادي يقي صاحبه عذاب النار؛ يعني ليس معاند فقط بل معادي! أي الذي ينصب الاعداء لمحمد وآل محمد، أي الذي يشترك في قتل علي (ع)، نحن مع اخواننا السنة لا توجد مشكلة فيما بيننا، اسلام في اسلام، الشيعي مسلم والسني مسلم، لكن المعاند المعادي يعني الناصبي، الزهراء تقول حتى هذا الناصبي عندما تبتسم في وجهه هناك شيء ينتظرك، ما هو هذا الشيء؟ تقول سلام الله عليها: والبشر في وجه المعاند المعادي يقي صاحبه عذاب النار، سبحان الله هذه هي الزهراء هذا كلام الزهراء، لكن مع الاسف يخرج لنا خطيب من على المنبر ويحرضك على عدم السلام على أخيك المؤمن! إلى أين نذهب!؟ الشيبة وكبار السن ـ الله يرحم الذين ذهبوا ويحفظ الموجودين ـ كانوا يحيون ليلة واحدة من أيام الفاطمية فقط، لكن انظر الى اخلاقهم، تخجل عندما يمر من عندك شيبة يسبقك بالسلام والتحية! أو انه يحاول أن يقبل رأسك أو شيء من ذلك لأنه في مقام الأب، الشيء الذي أوصل هؤلاء الى هذه الحالة انهم يعيشون الزهراء بشكل صحيح ليس فقط بالظاهر، ويعيشون أهل البيت عليهم السلام بشكل صحيح وليس بالمظاهر، نسأل من الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا قريبين من الزهراء سائرين على نهجها ممتثلين لمعطيات مدرستها، وأن يجعلنا متحابين في محمد وآل محمد، وفقنا الله وإياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.