نص كلمة: الزهراء عليها السلام رسالة الأرض والسماء
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف انبيائه ورسله محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
عظم الله اجورنا واجوركم بسيدة نساء العالمين من الاولين والآخرين، الزهراء المظلومة الشهيدة..
روي عن حبر الامة ابن عباس انه قال: قال رسول الله (ص): «... وأما ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهو نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي ... وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها...»[2]
الزهراء سلام الله عليها؛ بلسم لجراحات النبي والوصي
الزهراء سلام الله عليها لم تذق طعم الراحة يوم الا في مواطن محسوبة، عليٌ (ع) الى جانب النبي من معركة الى غزوة الى سرية، يعود عليٌ الى البيت والجراحات أخذت نصيبها من بدنه الشريف، الزهراء تضمد جراحه وتغسل سيفه، في بعض المعارك يعود الامام عليٌ (ع) يعضد للنبي جراء ما نال النبي من قسوة القوم، ولو لم يكن الا ما جرى في أحد لكفى، كيف والمواطن كثيرة.. اما في أحد فقد كسرت رباعيته ـ أي الاسنان الاربعة من مقدم فمه الشريف ـ جراء ضربة تعمده فيها أحدهم، وعندما عاد من إحدى غزواته وعند العقبة وفي سواد ليل دامس، دحرجت الدباب أمام ناقته كي تنفر به ويتردى في الوادي ويفضى على وجوده الشريف، جاء به الامام عليٌ (ع) الى بيته، بيت النبوة والإمامة، بيت فاطمة، قامت بدورها السيدة الزهراء بتضميد الجراح للنبي تارة وللوصي تارةً أخرى، ولو ان الامر بقي عند هذا الحد لقلنا كفى، لكن ذهب الى ما هو الابعد غاية ما في الامر كان الحائل بينه والسبب في تأخيره هو وجود النبي (ص) حيث تمت رعاية الحرمة نسبياً وما ان انتقل النبي (ص) الى جوار ربه، قيل بعد اربعين يوم، قيل بعد خمس وسبعين يوم، قيل تسعين يوم، قيل خمس وتسعين يوم وفي اقصى الحالات التي ذكرتها الروايات هي ستة أشهر واذا بالمشهد يتحول رأساً على عقب والصورة تتبدل معالمها.
انقلاب الأمة بعد النبي (ص)
النبي (ص) في تلك الحالة كما في نصها: «والنبي لما يقبض...» لا زال عليٌ مشغول بتجهيز النبي (ص)، البعض يتصور ان الفاصلة بين الهجوم على دار فاطمة وعلي والوفاة كانت كثيرة، في حين كانت عبارة عن أيام ثلاث فقط لا غير، يعني ما ان فرغ الامام عليٌ (ع) من تجهيز النبي (ص)، جرى ما طرق لأسماعكم طوال السنين الماضية، المطلوب هو علي (ع) والمراد منه ان يبايع، تسأل سؤال: القرآن ألم ينوه وان لم يصرح بان: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ...﴾[3]؟ ألم يصرح النبي (ص) في اكثر من موطن: الله الله في اهل بيتي من بعدي؟ ألم تكن هذه رسالة واضحة.. لكن لمن لديه الحس والوعي والادراك والايمان الثابت المستقر، في مسجد الرسول جرت البيعة لفلان من الناس، عليٌ لم يحضرها وعليٌ اول الناس اسلاماً واكثرهم جهاداً واعلاهم كعبا ومرتبة في الاسلام، وما حسمت حربٌ الا بسيف علي ولا اجري صلحٌ الا بمداد قلم علي وما نزلت آية الا وعليٌ الى جانب النبي محمد (ص)، اول من صلى مع النبي، خطب الزهراء كثيرون من عليّة القوم والمقدمين بينهم واختارت السماء لفاطمة علي، النبي (ص) يقول: عليٌ اعلمكم، عليٌ اتقاكم.. غاب عليٌ وغاب نفر من الصحابة المتقدمين.. لم يحدّث التاريخ ان هجوم تم على بيت الا بيت فاطمة! ولم يسحب صحابيٌ من تلابيبه إلا ما جرى مع علي! ولم يجر في الازقة حتى وصل مسجد النبي الا علي! وما شُتم في الطريق إلا علي! هذا جانبٌ من المشهد.
حديث الدار ومآسيه
وأما الجانب الثاني ما جرى مع فاطمة صاحبة هذه الليلة، فاطمة الزهراء سلام الله عليها لما سمعت بجلبة القوم شعرت بالخطر الداهم وان الطلب علي، هل كان عليٌ في البيت حديثٌ طويل عريض.. هناك من يثبت وهناك من ينفي، هل كانت فاطمة في بيتها لوحدها؟ ام كان في البيت الامام الحسن والحسين؟ بعض النصوص تقول بان بعض الصحابة أيضا كانوا هناك، وهنا مثار تساؤل طويل، بالنتيجة الذي يظهر ان علي لم يكن في الدار، ربما كان الامام علي (ع) في ضيعة، يصلح ارضه كما في بعض النصوص المؤيدة لهذا القول ـ وانا ممن يميل الى هذا الرأي ـ، ان علي لم يكن في الدار ولا يمكن ان تقيد علي الوصية كما يحلو للبعض، هذا شرف الأمة، كرامة الامة، ناموس الامة، لا قيمة للوجود من دون فاطمة، لا يمكن ان يسمع الامام علي فاطمة تنادي يا علي ثلاثا ولا يجيبها، لا يمكن، هم اخطأوا ضالتهم لكن هم لا يعلمون غيره، اصلا قد تكون نوايا مبيتة لهتك البيت، لماذا يتحاشى الباحث والناقد والقارئ والمحدث؟ ألم ينقل عنهم عليهم السلام أنهم قالوا حدثوا بما جرى علينا ولن تبلغوا.. ما جرى خطير، قيل اجتمع اكثر من ثلاثمائة شخص للهجوم على بيت فاطمة، بعضهم يحمل الجزل في يده والحطب، فقضية حرق الدار كانت مبيتة ولم تكن طارئة بالعارض، قنفذ غلام الرجل كان يمشي والسوط في يده يلوح به، والذي لم تكن لديه نية مبيتة لا يلوح بسوطه، عادةً يخفيه حتى يباغت الطرف الآخر.. الرجل نادى اين علي؟ الزهراء سلام الله عليها اجابته ان علي (ع) ليس في الدار، حسنا كان عليه ان يرجع ويرجع الذين كانوا معه، الا انه لم يقبل من فاطمة فعمد لدفع الباب، يقول فاغشاني نور وجهها فرفعت يدي ولطمتها على وجهها، فلاذت خلف الباب، اسندت ظهري الباب ورجلي في الجدار وعصرتها حتى سقطت على الارض ...
نسال من الله سبحانه وتعالى ان يجعل الزهراء شفيعة لنا ان يجعل كل واحد منا زيناً لها لا شيناً عليها، اصبحنا في زمن كل منا يقتل الآخر باسم فاطمة ويكذب على الآخر باسم فاطمة ويحارب الآخر باسم فاطمة ويزايد على الآخر باسم فاطمة، الزهراء راضيةٌ مرضية، ما يهمنا هو ان تكون الزهراء راضية علينا، هي راضية ومرضية عند ربها لكن لابد ان ترضى علينا، يجب أن نصفي نياتنا، نزكي انفسنا، نقلب قلوبنا ظهر على بطن ونجعلها بيضاء ونجعلها ظرف لاستقطاب نفحة من نفحات فاطمة سلام الله عليها، غفر الله لنا ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.