نص كلمة: الرسول الأعظم (ص) والإمام الصادق (ع) وخُلُق القرآن

نص كلمة: الرسول الأعظم (ص) والإمام الصادق (ع) وخُلُق القرآن

عدد الزوار: 891

2017-12-11

كلمة في مسجد العباس بالمطيرفي ليلة الثلاثاء 1439/3/16هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه الأمين، محمد وآله الطاهرين. واللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

يا آل بيت رسول الله حبكم   فرضٌ من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الشأن أنكم   من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له

أسعد الله أيامنا وأيامكم بذكرى ميلاد النبي الأعظم (ص) وحفيده المعظم، الصادق من آل محمد (ع).

مناسبتان عظيمتان لهما من الأثر الشيء الكثير، الأولى من خلال موقع النبوة والرسالة في واقع الأمة، والثانية من خلال الإمامة وما لها من الأثر في الاستمرار الطبيعي لرسالات السماء، حيث الوصاية المنصوص عليها من قبل الله تعالى، والمصرِّح بها والمنفِّذ لها النبي محمد (ص).

والحديث في المناسبتين طويل عريض، نقتصر على زاوية منه تهمنا كثيراً، وهي ذات مساس بواقعنا الذي نعيشه في مثل هذه الأزمنة المتقلبة الأحوال.

فالإمام الصادق (ع) عرف بتفريعه الواسع لما أُصِّل من قبل آبائه وأجداده. فقد منحته الفترة الزمنية من زاويتين أرضية كافية في أن يؤسس ما أَسس، ويفرّع ما فرع. وهاتان الزاويتان هما:

1 ـ أنه مُنح عمراً فيه شيء من الامتداد نسبةً إلى آبائه وأجداده، وإن لم يكن لامس أطول الأئمة عمراً، لكنها كانت فترة ثرية غنية مع امتداد نسبي.

2 ـ أن هذه الفترة التي عاشها (ع) كانت تتميز بحالة من النقل والانتقال بين دولتين عظيمتين، لكل واحدة منهما ما لها وما عليها. فالدولة الأموية كانت تطوى صفحتها، والعباسية تمدّ بساطها. فكانت حكمة الإمام (ع) أن يوجد أرضية يتحرك على أساسها بعيداً عن دائرة ذلك الصراع المحموم الذي لم يُبق على شيء إلا تناوله.

من هنا انفرد الإمام الصادق (ع) بأصحابه، وانصرف إلى تهذيب سلوكهم والارتقاء بهم.

ومن أهم الحالات الصعبة التي طرأت بعد وفاة الإمام الصادق (ع) تشكُّل المذاهب الإسلامية وتفرع المسارات في أتباع مدرسة أهل البيت (ع) فمع وجوده (ع) لم تكن هناك فطحية، كما هو الحال بعد وفاته، حيث ثبتت تلك الفرقة ردحاً من الزمن. وكذلك الإسماعيلية التي رفعت رأسها من بعده، واكتسحت مجموعة من المساحات. لذا جاءت إمامة الإمام الكاظم (ع) والأجواء على هذا النحو.

لقد اعتمد الإمام الصادق (ع) على شد أواصر العلقة واللحمة الواحدة بين أتباع مدرسة أهل البيت (ع) ونحن في مسيس الحاجة في هذه الفترة الزمنية أن نُفعّل هذا البعد، فمما لا شك فيه أن العقد الأخير الذي عشناه، هو الأسوأ في الفترة الزمنية المعاصرة التي تمتد لما يربو على نصف قرن من الزمن.

فعندما نرجع إلى ما قبل عشر سنوات من الآن نرى شيئاً من التأرجح، وقبل هذا التأرجح كان هناك لونٌ من السكون والاستقرار، وقبله ثبات وهدوء. فما الذي حصل؟ هل أن التاريخ يعيد نفسه؟ أو أن الرجال ليسوا هم الرجال؟ هل أن عناصر التكامل في المجتمع تم نزعها وتفريغها؟ فإن كان ذلك كذلك، فمن يقف وراء هذا كله؟

هل أن هذا الخلل طارئ بسبب تسلُّل من الخارج ونفوذ في الأعماق والأوساط؟ أو أنه خلل في الداخل؟ أين هو منشأ بذرة ونواة التمزق والتفرق بين أبناء المجتمع وأتباع مدرسة أهل البيت (ع)؟

إننا في تعاملنا مع أمراضنا الجسدية، نعمد إلى تشخيص المرض ثم نسعى لتأمين الدواء، أما في مشاكلنا المعنوية فنعتمد مساراً معكوساً. فنحن نجتهد في الدواء دون أن نشخص موضع الخلل، بل إن أحدنا لو حاول أن يقترب من مرحلة تشخيص الداء، تقام عليه الدنيا ولا تقعد، وكأن هذه الأمة لا ترضى إلا بدواء لعلّةٍ غير مشخصة، مما يزيد المشهد إغراقاً وتشتيتاً وضياعاً.

إن البعض يتصور أن الإمام الصادق (ع) اتكأ على جانب العلم فقط، أي بناء المجتمع من حوله علمياً، وهذا خطأ كبير، فالإمام الصادق (ع) بقدر ما عمد إلى بناء الجانب العلمي والفكري والعقدي وغير ذلك، بقدر ما عمد إلى بناء الإنسان من الداخل روحاً وسلوكاً، وهذه هي العمدة في حياة الإنسان، فلو أصبح الجميع علماء فلا شك أن النتاج سيكون طيباً، والأثر واضحاً، ولكن العالم إذا كان مجرداً من القيم والمبادئ والأخلاق فما عسى أن ينفعه علمه؟ وما عسى أن ينتفع الناس بعلمه؟.

فالقرآن الكريم قدم إلينا النبي الأعظم (ص) في واحدة من أجلى الصور ودعانا من خلالها أن نتخذ من النبي (ص) نبراساً يهتدي بمعطيات مدرسته وفيوضاته الروحية جميع الخلق. تلك هي الصورة المتمثلة بقوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيْمٍ﴾([1]). فالنبي (ص) تحمل الأذى، وقدم ما قدم في سبيل دعوته، إلا أن القرآن الكريم لم يتكئ على هذه المفردة، ولم يصفه بأنه أكثر الأنبياء تحملاً للأذى من قومه. فالنبي (ص) صبور تحمل المشاق، وهو أعلم من تقدم ومن تأخر، ولكن القرآن الكريم وصفه بكونه على خلق عظيم.

فعمدة الأمر أن يكون المسلم متخلقاً بخلق القرآن الكريم أولاً، وهذا هو خُلق النبي الأعظم (ص) الذي كان يوصف بأن خلقه القرآن.

ومعنى أن يكون الخلق هو القرآن، أن لا تظلم ولا تحسد ولا تكذب ولا تغتاب ولا تشعل نار الفتنة في أي موقع كان، وأن تكون ودوداً، تغرس حالة الحب والمحبة والسلام في جميع الأطراف من حولك.

هذا هو المسار القرآني الذي اهتم به الإمام الصادق (ع) وهنالك روايات كثيرة يلتفت فيها الإمام الصادق (ع) إلى أصحابه يتفقد أحوالهم. لا كما نفعل نحن مع أصحابنا، إذ نهتم بهم حال وجودهم أمام أعيننا فقط، في القرية أو العمل أو المدرسة أو أي مكان آخر. وهذا خلاف الخلق القرآني الذي سار عليه النبي (ص) والإمام الصادق (ع)، فلا بد من تفقد الأخ العزيز والصديق المقرب، لا أن نتفقده حال الحاجة فقط.

يلتفت الإمام الصادق (ع) ذات يوم إلى أصحابه في مجلسه فيقول: «ما أحدٌ من الناس أحبَّ إليّ منكم، وإن الناس سلكوا سبلاً شتى، فمنهم من أخذ برأيه، ومنهم من اتبع هواه، ومنهم من اتبع الرواية، وإنكم أخذتم بأمر له أصلٌ، فعليكم بالورع والاجتهاد، واشهدوا الجنائز، وعودوا المرضى، واحضروا مع قومكم في مساجدهم للصلاة، أما يستحيي الرجل أن يعرف جارُه حقَّه ولا يعرف حق جاره»([2]).

لقد بدأ الإمام (ع) بتوطئة أعرب فيها عن حبه لمن حوله، وهذه رسالة تطمين وتهيئة لحمل الرسالة التي يراد تحميلها إياه، فإن عاش المخاطب حالة السكون والاستقرار والارتياح فقد تهيأ لحمل ما تريد تحميله من رسالة.

فالإمام الصادق (ع) بدأ بإظهار الحب للمخاطب المتلقي، وعندئذٍ أصبح المتلقي على استعداد تام للاستقبال والتلقي.

ثم بيّن (ع) السبب الذي دعاه لحب هؤلاء، وهو أنهم سلكوا طريقاً مختلفاً عن غيرهم. فالناس سلكوا طرقاً شتى، فمنهم من ذهب ذات اليمين، ومنهم من نحا ذات الشمال، ومنهم من وقف في القلب، ومنهم من وقف على التل ليسلم، ومنهم من اتبع هواه، ومنهم من أخذ برأيه، وهكذا. أما هؤلاء فقد أخذوا بأمر له أصل أصيل.

إن الأصل في الإنسان المسلم هو التقوى، وليس هنالك عامة أو خاصة في هذا الشأن، فتقسيم الناس إلى خاصة أو عامة عليه تحفظ كبير، ما لم يُلحظ فيه ميزان التقوى. فلا العمامة ولا العباءة تمنحان التميز، إنما هو الصدق عند المبدأ الذي يجعل الإنسان متقدماً أو متأخراً. قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾([3]). فميزان التقوى هو الأصل وهو المعيار في التمييز والتميّز.

ومما ورد في كلامه (ع): «ومنهم من أخذ برأيه» والرأي هنا غير الهوى، وهو ما سوف نبينه في يوم من الأيام. أما أهل الحق فقد أخذوا بأمر له أصل، وهذا الأصل هو محمد وآل محمد (ص).

فمن أراد أن يدخل في الامتحان فعليه أن يعرض نفسه على محمد وآل محمد ليرى النتائج، هل هي مطابقة لهديهم وسيرتهم وعطائهم وفكرهم أم لا؟ وهل هو قريب منهم أو بعيد؟

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.