نص كلمة:الدين المعاملة

نص كلمة:الدين المعاملة

عدد الزوار: 773

2019-01-15

كلمة في مسجد العباس بالمطيرفي ليلة الثلاثاء 1440/5/1هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على اشرف أنبيائه ورسله حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

روي عن رسول الله (ص) أنه قال: «لا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»[2]

أهمية القلب في بعديه المادي والمعنوي

للقلب وظيفتان؛ وظيفةٌ ماديةٌ وهي عبارة عن ضخ الدم عبر العروق في سائر مكون الجسد وهي واضحةٌ بينّة، يعرض للقلب العوارض وتترتب عليها الكثير من المخاطر حتى يؤدي بصاحبه إذا ما أهمله ولم يقم بالواجب في اتجاهه، وجانبٌ آخر وهو الأهم ألا وهو الجانب المعنوي، اسند الى‌ القلب هذه المهمة وهي تأمين الجانب الروحي وتغذية النفس بالملكات، الانسان في قلبه المعنوي هو عبارة عن صحيفة بيضاء ليس فيها كدر ولم ينل منها تلوث لكن مع مرور الايام وتقدم الانسان في العمر والتقلب في مسارات الحياة يحصل له شيء الكثير من الدرن، تتراكب طبقة على طبقة حتى يغلّف ذلك القلب ويتحول من صفحة بيضاء ناصعة البياض إلى كتلة سوداء، حينها تتحول الطيبات إلى خبائث والحسنات إلى سيئات والمحبة إلى كره والصداقة إلى عداوة، القلب هو العضو المؤثر في مكون الانسان في بعديه ولا يمكن ان نصلح جانباً على حساب الآخر، بل علينا ان نعتني في الجانبين إذا ما أردنا لأنفسنا نصيبا من هذه الحياة في بعدها المادي من جهة وفي بعدها الروحي وهو الاهم من جهةً أخرى، هذا القلب الصغير في حجمه، يعني الشيء الكثير، فهل اخضعناه للرقابة في الجانبين؟ الكثير من الناس ـ وابدأ بنفسي ـ ربما يكون غير ملتفت فيعذر وقد يكون ملتفت ولكن يحاول أن يوحي لنفسه انه ليس على تلك الحالة من الالتفات، في الأولى موازين السماء تتطابق مع موازين الارض فتكون النهاية حميدة، اما على المسار الثاني أو الوجه الثاني فالأمور على العكس من ذلك تماماً.

الأسلوب الأمثل في إسداء النصح

البعض يتصور عندما يجد عند فرد ما خطأ قد يكون من أبنائه أو في أسرته أو من تلامذته في مدرسته أو حوزته أو من العمال الذين تحت امرته أو في جانب من تقاسيم الحياة الكثيرة أن توجيه النصيحة بالمطلق هي الفريضة التي تلقي بثقلها على عاتقه، باعتبار وكما يقول رسول الرحمة محمد (ص): «الدين نصيحة»[3] لا شك في ذلك، لكن أي نصيحة؟ النصيحة التي تأخذ نصيبها من حالة الاحتضان الطيب في ظرفها الخاص ألا وهو القلب الطيب، قد انصحك وأريد من وراء ذلك أن تصل إلى ساحل نجاة، وقد انصحك ولا يكون الأمر على هذا النسق، لذلك النصيحة لها ظرفان: ظرفٌ ظاهر وظرفٌ سري يكتنفه حالة من السرية، النصيحة في السر وما كان منها في العَلَن فهو تقريع ليس نصيحة، مثلاً قبل قليل جوال أحد المؤمنين المصلين الطيبين ـ تقبل الله عمله واعمال الجميع ـ دخل في الأذان كمنبه، صحيح بمقدور أي شخص ان يقوم ويعترض ويقول له لماذا لم تجعل جوالك على‌ الصامت؟ أو... ويدخل معه في نقاش غير موضوعي، وقد لا عندما تنتهي الصلاة تقف معه على جانب وتقول له يمكن تجاوز هذه الاشكالية ـ أي اشكالية الجوال ـ بشكل بسيط جداً، وأنا اتصور أن هذا الانسان قد يكون من شدة حرصه على اداء هذه النافلة جعل هذا المنبه في جواله ولكن يمكن تجاوز هذه الاشكالية ببساطة، يعني هو لو اخرج الجوال من جيبه وهو في صلاته وبحركة بسيطة‌ يجعل المفتاح على‌ الصامت وينهي الأمر وهذه الحركة غير منافية لتمام صحة الصلاة ولا تخدش النافلة الموجودة عنده، وقتها انا سوف ارتاح وحافظت على الفريضة التي في يدي والآخر أيضاً يرتاح من هذه القضية. لذلك ما حدث هذه الليلة وهذا الاذان في وقت الصلاة قد يكون فيه خير، كي تنطرح مثل هذه الأمور ونحن نبين هذا الأمر بأننا في بعض الأحيان مع شديد الأسف هل نريد أن نصحح المسار أم نخرب؟ فمثلا لو واجهنا هذا الذي رن جواله وبدأنا بتعنيفه وانه لماذا يرن جوالك في المسجد ولماذا لا تراقب جوالك؟! فهذا سوف لا يقبل وأيضا لا يقبل أحد على نفسه شيء من هذا القبيل، لكن لو نجعل الموضوع يسير ببساطة ومثلا عند خروج ذلك الشخص من المسجد بعد الصلاة نطرح معه هذا الأمر بمنتهى اللطف ونشعره بمنتهى المحبة والحرص عليه وعلى عبادته ونقول له يمكن التخلص من هذه المسألة بحيث لا تسبب خلل في الصلاة وشيء من هذا القبيل ونرى النتيجة كيف ستكون، سوف يصبح جندي مجند في يوم من الايام لإزداء النصيحة في هذا المسجد، فبالنتيجة النصيحة في السر ذات أهمية عالية لذلك الحديث الشريف يقول: «من وعظ أخاه سرا فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه»[4].

النصيحة؛‌ مسارها وظرفها

نحن مع الأولاد عندما نريد ان نتعامل في مسار النصيحة لابد وأن يكون في قالب الحب لا في قالب التعنيف، حتى يندمج الأولاد معك، كذلك مع العمال نفس الشيء، أيضا المدرس في المدرسة نفس الطريقة، ازرع الحب، لذلك ورد في الحديث النبوي الشريف: «الدين نصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه وللأئمة في الدين ولجماعة المسلمين»[5]، فإذن هناك مراحل؛ المرحلة الأولى النصيحة مع الله، إذ لم يكن الشخص صادقا مع الله لا يتمكن ان يكون ناصحا قربة إلى الله، وإذا كان الانسان هاجراً للقرآن الكريم لا يستطيع ان يكون ناصحاً بناءاً على مبادئ القرآن وقيمه، وإذا كان يتنكب الطريق الذي اختطه النبي الأعظم محمد (ص) فكيف يمكنه ان يقدم النصيحة للآخرين لا يمكن له ذلك، كذلك مع أئمة المسلمين الذين هم عبارة عن محمد وآل محمد (ص) نفس الكلام، ثم عامة المسلمين،‌ اليس القرآن يقول: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ﴾[6] فمادام أولياء بعض يعني أنا لي حق عليك وأنت لك حق عليَّ والذي في اليمين والذي في اليسار والذي في الأمام والذي في الخلف والذي في القلب والذي في الوسط والذي لم يحضر والذي حضر كلهم لهم حقوق، أحيانا يتصور البعض أنه يوم القيامة عندما يأتي انه مراهن على‌ صلاته وعلى زياراته وعلى العمرة أو على حجه أو على المبلغ البسيط الذي دفعه صدقة في الدنيا! في حين انه قد تدخل الجنة بسبب حسن التربية لأبنائك، ولحسن العشرة مع زوجتك أو لطيب الخلق مع الناس من حولك وهذا هو المطلوب وهو مهم جدا، فإذا كنا نريد ان نعيش النصيحة، فان جسر النصيحة قريب جدا واصدق الناس في النصيحة من بدأ بنفسه، وهناك ظرف مهم ينبغي استغلال ذلك الظرف في اتجاهه الصحيح وهو عندما يأوي الانسان إلى فراشه بعد عناء يوم طويل في العمل في العلاقة مع الناس وبعد أن يؤدي استحباب الطهارة عند النوم فيتوضأ ويأوي الى‌ فراشه يبدأ يدخل مع نفسه فينصحها، فهذا أعلى درجات الصدق في النصيحة، الانسان يبدأ مع نفسه وصار يلومها على نقطة الخلل ويشجعها ويحفزها على تنمية جهة الصواب والتماسك، أيها الأحبة أنا ابدأ بنفسي واسأل من الله سبحانه وتعالى بناءاً على مقاييس: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾[7] وانتم مؤمنون لذلك من الواجب على الانسان المتصدي أن يسدي النصيحة، أن يوفقنا لإسداء النصيحة، ونسأل من الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بأيدينا وأيديكم وان يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول ويأخذ أو يعمل بأحسنه، انه ولي ذلك والحمد لله رب العالمين.