نص كلمة:الدعاء طريق الإنسان للارتقاء

نص كلمة:الدعاء طريق الإنسان للارتقاء

عدد الزوار: 804

2019-02-12

كلمة في مسجد العباس بالمطيرفي ليلة الثلاثاء 1440/5/29هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ[2].

أهمية الدعاء

نواجه الكثير من المفاهيم التي بنى على اساس منها الإنسان المسلم نفسه، مرتقياً من خلال ذلك إلى أسمى المراتب وأعلاها، من ذلكم الدعاء، الدعاء سلّمٌ يوصل الانسان من عوالم أرضه إلى فضاءات السماء، في الدعاء لذة لا يدركها إلا السالكون المخلصون، الدعاء هو من أهم الروابط التي تربط الانسان بربه، نحن لا نذرع في الكثير من الاحايين للدعاء إلا عند الحاجة وإلا عند النازلة والمصيبة وما ان يتحقق المراد حتى نطوي صفحته ونلغي ابعاده من أذهاننا وان تعاطيناه فلا يعد ذلك ضربا من المجارات، من أجمل الفترات التي يقضيها الانسان مع ربه هي تلك الفترة الزمنية المنتزعة من آخر الليل، لذلك عنيت بعناية خاصة من قبل محمد وآل محمد (ص). وفي القرآن اساسٌ لذلك ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا[3] وروح ناشئة الليل هو الدعاء والتبتل والعروج بهذه الروح بعد تجريدها من كل العوالق، حيث يترك الشخص زوجته في فراشها ويترك دنياه ليتعلق بالمطلق هكذا هو الأمر، أحيانا تكسل النفس عن التفرد بساحة المطلق وتركن إلى مساعد ينتزعه أو يندك فيه من عناصر المادة من حوله وقد يكون هذا الذي ذرع إليه وأراده عونا في أمس الحاجة ان يقدم له قوى العون وبالنتيجة شيءٌ جميل، الأدعية التي يشترك فيها المؤمنون عادةً اصبحت كالرسوم من قبيل دعاء الصباح، دعاء العهد، أدعية الايام، تعقيبات الصلوات وبعض الادعية في لياليها الخاصة كدعاء‌ كميل في ليلة الجمعة ودعاء‌ السمات عند قبل الغروب من يوم الجمعة وهكذا .. النتيجة هذه الأمور اذا انفرد الانسان بها قد تضعف نفسه وقد لا يتعاطاها كثيرا، لكن إذا وفق لرحلة دينية وجد اصحابه في الرحلة ورفقاؤه في السفر يقومون بمثل هذه الامور تنشط نفسه، على أي اساس؟ بأي حساب ليس من حق الانسان ان يحاكم ضمائر الناس إذا رأيت أحداً قال شيئا أو فعل شيئا في الظاهر هو حسن وحسن الظاهر كاشف تعبدي كما عليه التقرير عند أعلامنا لكن هل من حقي ان ارتب الاثر البعيد واجعل له اسقاطاً على تلك المقولة او ذلك الفعل؟ القرآن يقول لا والآيات التي تتحدث عن سوء الظن كثيرة، كذلك الروايات عن أهل البيت عليهم السلام من الكثرة بمكان، علماؤنا في الصفحات الأولى من رسائلهم العملية يستعرضون مجموعة من الكبائر منها سوء الظن.

تفويض الأمر الى الله وعدم سوء الظن بالله عند الدعاء

سوء الظن أحياناً لا يقف عند حدود ظني فيك، أو عند ظنك في الآخر، بل والعياذ بالله يصل إلى حد الظن في الله سبحانه وتعالى سوءاً، فمثلا قد يعترض البعض ويقول أنا ادعو لكن الله لا يستجيب لي! بل يذهب الى ابعد من ذلك يقول: الله سبحانه وتعالى هو يقول: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ[4] وأنا ادعو ولكن الله لا يستجيب لي! والبعض يهبط في لحن الخطاب من سوء الظن إلى سوء الادب والخروج من ضوابط الدين واحكام الشريعة، نعم الكل يدعوا لكن ليس حتما على الله سبحانه وتعالى ان يستجيب، وذلك لأسباب، علينا ان لا نشك لحظةً واحدة ان الدعاء إذا صدر من العبد في اتجاه مولاه محفوظ عنده لا ينسى ولا يغفل عنه ولا تأخذه سنةٌ ولا نوم، لكن متى؟ أين؟ كيف؟ لماذا؟ هذا ليس من شأني انا الداعي هذا شأن الله سبحانه وتعالى، المصلحة أنا أراها في الظاهر، لكن كنه المصلحة لم يطلع عليها إلا الله سبحانه وتعالى، لذلك احيانا ترى شخص يرفع يديه إلى الله يتضرع فيستجاب له، كما حدث في يوم التاسع من محرم عندما طلب الامام الحسين (ع) من أم علي الاكبر (ع) ليلى ان تدعو لولدها وقال لها «ان دعاء الام مستجابٌ في حق ولدها» وفعلا ذهب ورجع سالما علي الاكبر (ع)، نحن أيضا أحياناً نحتاج أن نطلب من الأم ان تدعو لنا لأننا قد ندعو ولا يستجاب لنا ولكن عندما اقول لأمي ادعو لي، قد في ظرف معين نرى‌ الامور تنتهي ويستجاب الدعاء وهنا مصلحة تامة، لكن قد تكون هناك مصلحة لم تستجمع جميع المستوجبات لها.

المصلحة في التأخر لاستجابة الدعاء

 أحياناً الله سبحانه وتعالى يؤخر الاستجابة ولا يستجيب للإنسان وهذا التأخير الطويل يدخره لي ولك إلى عالم الآخرة، لان هناك نحن بحاجة أكثر، وهذه الحاجة في عالم الآخرة تارة نريد من الله سبحانه وتعالى أن يعطينا الحسنات، ـ لأنه ان شاء الله السيئات غير موجودة ـ لكن الحسنات لا ترتقي بنا الى المقامات التي نطمح إليها في يوم القيامة، عندما يكشف لك عن محمد وآل محمد في نورانيتهم واذا انت عندك حجب تمنع ان يكون لديك قابلية الانعكاس عليك والتأثر به هنالك الخسران المبين، الآية الشريفة تقول: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ[5] «زحزح» مقام لا يرغب فيه يوم القيامة أحد، بل نطمع ان نكون في حظيرة النورانية الكبرى لمحمد وآل محمد في دائرة البضعة الزهراء سلام الله عليها هذا مطلب كبير فإيهما أفضل أن يستجيب الله لي ويسهل لي في مورد رزقي؟ أو مثلا يؤمن مصلحة في صحتي أو غيرها ... او يدخرها لذاك اليوم؟ واصل إلى نتيجة من خلالها فينبغي ان لا نسيء الظن، اذا كان الله سبحانه وتعالى لا يستجيب لي اليوم ولا يشفيني من المرض الذي أبتليت به ولا يخلصني من مشكلة تعلقت بي وغيرها ... ففي علمه سبحانه وتعالى الشيء الكثير الكثير الذي ينتظرك، اطمئن انه ما من دعاء يرتفع ويرد إلا من أجل مصلحة‌ لذلك نقرأ في دعاء‌ الافتتاح في ليالي شهر رمضان: «ولعل الذي ابطأ عني هو خيرٌ لي لعلمك بعاقبة» أنا لا أعرف ظاهر الامور ولا أعلم بعاقبتها، بل ان الله سبحانه وتعالى يعلم بذلك. نسأل من الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا وإياكم من المرضين عند الله، من المسموع بصوتهم إذا ما ارتفع في ابتهال ودعاء، نسال من الله سبحانه وتعالى بحق هذا المكان وبحق أهل البيت عليهم السلام الشفاء العاجل للمرضى سيما المعنيين وان يحفظ المؤمنين ويقضي حوائجهم ويوفق أبناءنا في دراستهم وفي وظائفهم وان يجمع بين رأسين ورأسين من عزاب الأمة وان يبني أسراً كريمة شريفة مترفعة على‌ كل الصغائر انه ولي ذلك والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة‌ الله وبركاته.