نص كلمة الحمد الفعلي والحمد القولي
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف انبيائه ورسله حبيب اله العالمين ابي قاسم محمد، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
الحمد الفعلي والحمد القولي
جاء في الحديث الشريف عن امامنا الصادق (ع) انه قال: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء»[2]
بقدر ما تقدمت الحيات في جانبها المادي حيث انتقل الناس من حالة الفقر والفاقة إلى الغنى والسعة، أممٌ سبقتنا على ذلك، تقدمت كثيراً ثم انتكست، لا لشيء إلا لأن من عاشها لم يكن لله حامدا، «الحمد» أهم الضمانات لبقاء النعم والحمد على نحوين: حمد لفظيٌ؛ وما أسهل ذلك ان يقول الإنسان «الحمد لله» عند حدوث نعمة او تجددها.
أهمية الحمد العملي والحث عليه
والنحو الثاني من الحمد هو الحمد الفعلي وهو الأهم، لذلك جاءت الأحاديث عنهم عليهم السلام تأخذ بيد الإنسان في هذا الاتجاه ان ينهض بدور الحمد الفعلي وان لا يكتفي بالحمد القولي، الحمد الفعلي يعني ان يجعل الانسان من تلك النعمة التي انعم الله بها عليه سبيلاً للمعروف وصلةً للرحم وتوسيعا على الأهل ومعونةً للضعفاء.. الإمام السجاد (ع) عندما حسر عن جسده الشريف حال تغسيله الإمام الباقر (ع) وجد أثر الجراب في ظهره، لان الإمام زين العابدين (ع) كان يجسد الحمد الفعلي في أروع صوره، عن سفيان بن عيينة قال: رأى الزهري علي بن الحسين (ع) ليلة باردة مطيرة وعلى ظهره دقيق وحطب وهو يمشي فقال له يا بن رسول الله ما هذا؟ قال: أريد سفرا أعد له زادا أحمله إلى موضع حريز فقال الزهري: فهذا غلامي يحمله عنك فأبى، قال انا أحمله عنك فأني أرفعك عن حمله فقال علي بن الحسين (ع) لكني لا أرفع نفسي عما ينجيني في سفري ويحسن ورودي على ما أرد عليه أسألك بحق الله لما مضيت لحاجتك وتركتني، فانصرفت عنه فلما كان بعد أيام قلت له: يا بن رسول الله لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثرا، قال بلى يا زهري ليس ما ظننته ولكنه الموت وله كنت استعد، إنما الاستعداد للموت تجنب الحرام وبذل الندى والخير.[3]وفي ذات يوم اشتهى الإمام زين العابدين (ع) شواءً فأحضر جدي ذبح وطهي فوقف الإمام زين العابدين (ع) ووزعه على جيرانه والمسلمين من حوله فقال له احد الاشخاص يابن رسول الله وما الذي أبقيت لنفسك؟ فقال (ع) ما ذهب إلى الناس هو ما استبقيته لنفسي.
أهمية اظهار النعم وأقسامه
الحمد هو تجسيد، الحمد حاجة ماسة، خصوصا في هذه الأيام التي باتت المؤشرات تلقي بكل ضلالها على حيثيات المشهد ومكوناته فمن الجميل ان يلتفت الأب لأبنائه والأبناء لآبائهم والأخوة لإخوانهم والقرابة للقرابة والجيران للجيران وأبناء المجتمع فيما بينهم، فبقدر ما انعم الله سبحانه وتعالى عليهم فهو يحب ان يرى آثار تلك النعم ظاهرة عليهم، وهذا النحو من اظهار النعم ينقسم الى قسمين: قسم ما يتعلق بالشخص نفسه كأن يكون معتنيا بلباسه ومركوبه وسكنه وما الى ذلك ... القسم الآخر ان يستعمل ذلك المال في موارد المعروف، هذه الموارد كثيرة منها دعم الجمعيات الخيرية مثلا أو بناء الصروح الدينية والمدنية ونحن في مجتمع واضح للعيان ما يصدر من بعض الجهات التي انعم الله عليها وكذلك الأسر، من الأمور الحسنة والجميلة ومن الحسن ان يذكر هذا الاحسان لما يحدث من حالة من التأثر والرغبة في المحاكاة، مثلا في هذه البلدة الكريمة «الاحساء» الكريمة في إنسانها، في ارضها، في مائها وفي كل شيء من مكونها، واحد هذه الأسر الجليلة الكريمة هي اسرة «الجبر» التي تعتبر من العوائل التي قدمت أروع النماذج في تجسيد الشكر العملي للنعمة التي أنعمها الله عليهم؛ حيث قاموا بتشييد مستشفيات، مدارس، مراكز، مجمعات ودعم للجمعيات وتبني المرضى، والقائمة تطول... الامام الصادق (ع) يخاطب أحد الشيعة ويقول: «ان الحسن من كل أحد حسن وانه منك أحسن لمكانك منا وان القبيح من كل أحد قبيح وانه منك أقبح»[4]
صنائع المعروف تقي مصارع السوء
بالنتيجة «صنائع المعروف تقي مصارع السوء» المقصود من موتة السوء والعياذ بالله كأن يموت الانسان على محرم من محرمات الله، وأحد السواتر والموانع والتي تحدث صداً للإنسان عن الوقوع في مثل هذه النهاية السيئة هي صنيعة المعروف، ومن المعلوم ان الأقربين أولى بالمعروف، البعض يغدق الأموال هنا أو هناك ولكن لا يلتفت الى أخيه وما يعيشه من العوز والفقر والفاقة والحاجة الماسة، يمد يده للجمعيات ولكن لا يلتفت الى من يشترك معهم في رحم واحد، له الكثير من المشاريع والمبرات الخيرية خارج البلد ولكن لا يلتفت الى ابناء مجتمعه ودائرته الضيقة، ولا يختصر المعروف على الأموال فقط، بل اذا جاءك المستنصح ونصحته لله وفي الله محض النصيحة فهذا أيضا معروف يدفع موتة السوء، أو اذا جاءك شخصٌ مثلا يسأل من اجل ان يستكشف حال بيت من البيوتات يريد المصاهرة معه، عليك ان تمحضه النصيحة وكأن الخاطب هو ابنك، هذه ايضا فيها دفع لموتة السوء، أحيانا يأتي شخص ويسأل من عندك ويقول نحن نريد ان نخطب من آل فلان ما هو رأيك؟ لا ينبغي ان تلف وتدور، صارحه بالأمر وقل له الحقيقة لان كل ما يترتب من الآثار والأخطار والفرقة والطلاق سيكون في رقبتك، لأنك لم تمحضه النصيحة، وحينها عليك ان تنتظر موتة السوء في القادم، فعلينا أيها الأحبة ان نكون بهذا القدر، وأحد مصاديق الحديث المعروف «انصر أخاك ظالماً أو مظلوما»[5] هي منع وحجز لأخيك من ان يتجاوز إلى ظلم أكثر مما ارتكب، لكن بماذا يتم هذا الأمر هل يتم بالمجاملة؟! صحيح ان بالمجاملة تكسب رضى الآخرين وتضمن ودهم، لكن ماذا بعد ذلك؟! البناء ان لم يكن مستحكم القواعد مشدود الجسور معتنى بسقفه فانك لا تأمن غوائل الايام، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يبصرنا وإياكم في عيوبنا ان يجعلنا وإياكم من العاملين بالمعروف القائمين بتفعيله، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يقينا وإياكم من موتة السوء وعموم المؤمنين ان شاء الله وان يجعلنا وإياكم في هذا البلد آمنين مطمئنين انه ولي ذلك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.