نص كلمة:التواضع النبوي وأثره على الذات
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف المرسلين محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على اعدائهم اعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
شواهد من التواضع النبوي
في حياة النبي (ص) دروس فيها شيءٌ كثير من العبر، دروسٌ اذا اخذنا بهديها استقامت حياتنا واستقامت حياة المحيطين بنا أيضاً من آباء وامهات وزوجات وابناء وأهل وعشيرة واخوة في الاسلام واخوة في الانسانية، لان النبي (ص) بعث للناس كافة لم يستثنى من ذلك احد، فرسالته فيها هداية، فيها توفيق بعد الارشاد والتطبيق، من هذه المفردات التي كرسها النبي الاعظم (ص) بفعله بعد قوله والتي من الجميل ان نجسدها نحن ايضا في واقعنا الخارجي في الحياة التي نعيشها مع الآخرين سواء قربوا منا ام بعدوا، هي مفردة «التواضع» ونحن اليوم بمسيس الحاجة في ان نتواضع فيما بيننا، ان تكون لغة التواضع هي سيدة الموقف، لأننا متى ما تواضعنا باتت امور الحياة سهلةً ومتى ما تشددنا وصرنا نعيش العنف ضاقت الدنيا علينا واخذتنا الى حيث لا نحب ولا نرغب، حيث الخسائر الكبيرة الباهظة التكاليف التي لم يكن احدٌ منا في منجا منها، بل سوف يكون شريكاً في دفع الضريبة التي تترتب على فرض ان الانسان لم يعمل بمفردة التواضع، بصفة التواضع، بالسلوك التواضعي، بالتواضع نكسب الآخر اذا تركنا التواضع نفرنا الآخرين من حولنا ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾[2] فيما بينهم، المسلمون كذلك اخوة، وهذه دعوى صريحة من القرآن وبينة للناس كافة ان يعتصموا، ان يتحدوا.
رفضه لأسلوب القيام والانحناء أمامه
جاء في الحديث الشريف ان النبي (ص) كما ورد في الحديث: «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوكئ على عصاه فقمنا إليه [أي قام الصحابة لاستقبال النبي (ص)] فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا»[3]، احياناً للقيام مستوجباته كما لو دخل الاب والام والاخ الكبير والعم والخال ومن له يد علينا في الحياة أو البسنا معروفا في الحياة او قدم لنا خدمةً في الحياة والخدمة على نوعين خدمة مادية كأن يساعدني في زواجي، أو يقف معي في تخليص واحدة من القضايا الرسمية أو يسلّك لي الامور مثلا في الدوائر وما الى ذلك من الأمور، النوع الثاني الخدمة المعنوية، كمن يعلمني احكام الدين أو من يعلمني السلوك القويم أو من يقدح في ذهني مسألة الارتباط والتشديد على ذلك في محبة محمد وآل محمد و...، اذن القيام في حد ذاته حسن، لكن اذا اخذ مثل الاسلوب الذي يتعاطاه الملوك والقياصرة في الازمنة السابقة الذين يحنون رؤوسهم وهم قيام لكسرى وقيصر هذا سلوك منبوذ والحديث الذي قرأناه يدلل على هذا المعنى.
شدة حيائه
من مدرسة النبي (ص) في التواضع ايضا الحديث الشريف الذي يقول كان النبي (ص) «أشد حياء من العذراء في خدرها»[4]، البنت عندما تكون صغيرة تكون شديدة الحياء والخجل حتى عند ليلة العقد عندما يريد العاقد ان يأخذ منطوقها في القبول تكون في حالة من الحرج تقول لامها والام تعطي الجواب مثلا لحيائها، النبي (ص) كان اشد حياءً من هذه العذراء وهي في خدرها، لذلك ينبغي ان تسود حالة الحياء فيما بيننا في ملابسنا، في محاوراتنا، في القضايا التي يراد منا ان ننهض بها يفترض ان يكون هنالك تواضع لا انتظر من يصب لي الماء او من يحضر لي الزاد الى المحل الذي انا فيه، بل عليَّ ان اشارك الآخرين على اساس من حالة الحياء التي تدفعني، يعني الحياء الروحي النفسي الذي يدفعني الى مساحات المشاركة.
كان كأحد الناس ولا يرضى بأكثر من ذلك
النبي (ص) أيضاً يضرب لنا امثلةً حية مارسها وما زال المؤمنون الاتقياء الصالحون العلماء يحاولون ان يحاكوا تلك الطريقة التي كان عليها النبي الاعظم محمد (ص)، ورد في الحديث الشريف أن النبي كلم رجلاً فأرعد يعني النبي (ص) خاطب شخصاً من الصحابة فأخذت الرجل الرجفة وارتعدت فرائصه فقال (ص) عندما وجد الصحابي بتلك الحالة من القول والارباك هون عليّ فإني لست بملك انما انا ابن امرأة تأكل القديد[5]، النبي (ص) يؤكد على انه انما انا منكم، القرآن ايضا يصف النبي (ص) بهذه الصف ويؤكد على انه بشر يأكل الطعام ويمشي في الاسواق، حتى انه اذا جلس مع اصحابه كان كأحدهم لا يختار مكانا مميزا عليهم ولا طعاماً افضل مما هم فيه، وعندما كان يخرج مع اصحابه في رحلة او في سرية كان يشارك المسلمين فيما هم منشغلين به. هناك حديث شريف آخر وقضية اخرى منقولة وهي انه (ص) قال لأصحابه «آكل كما يأكل العبيد»[6] وايضا من الامور الأخرى التي وردت في الحديث انه كان اذا دخل احدهم على رسول الله (ص) مجلسه لا يمايز بينه وبين الجلساء من اصحابه او الجالسين من حوله الا من خلال اشراقة وجهه بأنوار الرسالة وبأنوار النبوة.
لم يقل «لا» قط
وكان النبي (ص) اذا سأل شيئاً فأراد ان يعلمه قال (ص) نعم، يعني اذا أراد ان يعلّمه أي ذلك الشيء ويبين حدوده قال نعم واذا اراد ان لا يفعل سكت وكان لا يقول لشيء لا، لذلك الفرزدق يقول في قصيدته مخاطبا الامام السجاد (ع):
مَا قَالَ: لاَ، قَطُّ إلاَّ فِي تَشَهُّدِهِ *** لَوْلاَ التَّشَهُّدُ كَانَتْ لاَؤهُ نَعَمُ.
اذن، فيما بيننا اذا طلب منا شخص شيء وكنا على مقدرة في القيام به والرغبة ايضا في القيام به علينا ان لا نقول لا، بل نجيب بنعم ونبادر للنهوض بالمهمة والقيام بأعبائها، لأننا بذلك نكون ممثلين للرسول (ص) في الحياة التي نعيشها اما اذا جاءنا الصديق وطلب مني مد يد العون في قضية من القضايا مثلا؛ تعطلت سيارته فأراد معينا أو لديه مريض فأراد معيناً لنقله الى المستشفى أو ... حينها عليّ ان لا ابخل، أو شخصٌ اراد مني رقم فلان او عنوان فلان او الاستشعار عن الجلسة في اين تكون، عليّ ان لا ابخل بل ابادر.
كان يبتدئ الصبيان بالسلام
كان (ص) يسلم على الصبيان يعني يبتدأهم، نحن في حياتنا ربما تكون هذه الحالة غير شائعة ومنطلقها الخاطئ أساسه قد يكون من البيوت، حيث تجد الاب لا يبدأ ابناءه بالسلام، لأنه كبير والاخ الكبير لا يسلم على اخيه الصغير ابتداءا لأنه الكبير وهكذا الحال، في حين المفترض ان يبادر الانسان بالسلام لأي شخص كان سواء كان كبير أو صغير، قريب أم بعيد، صاحب مقام أو كان لا يمتلك مقاما بين ايدي الناس هذا الامر مهم جداً.
بعض الأمور التي يتمناها الانسان في الآخرة:
لكل واحد منكم امنيات، القرآن تحدث نيابة عنا في الامنيات، جميل ان نقف عليها وان ننتزعها انتزاعاً كي نحولها الى سلوك عملي نصحبه ويصحبنا في كل مجالات حياتنا وفي كل لحظة من لحظات العمر التي نعيشها.
1ـ ﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾
القرآن يقول على لسان الانسان: ﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾[7]، أي الحياة الآخرة نحن في مزرعة نزرع الحسنات؛ من العبادة، من الطاعة، من الامتثال، من الابتعاد عن المحرم هذا الامر هو الذي نقدمه للحياة الدائمة، حياتنا هذه قصيرة ما عسى ان يعيش الانسان في النهاية الموت، في النهاية القبر، لتبدأ حياة جديدة، القبر محطة استراحة، مدرج مطار للانتقال الى عالم آخر وبه حسابٌ وكتاب للأرواح، بطبيعة الحال القبر مثال:
ولو أنا إذا متنا تُركنا *** لكانَ المَوْتُ راحَة َ كُلِّ حَيِّ
ولكنا إذا متنا بُعثنا *** ونُسأل بعد ذا عن كل شيء
أي كلمة أي حركة مرصودة من قبل الله، هناك ملكان عن اليمين وعن الشمال يقيدون، يكتبون، يحصون من وراءنا ما نقوم به.
2ـ ﴿لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا﴾
امر آخر يتمناه الانسان يقول: ﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا﴾[8] اذا كانت الصحبة سيئة واشترك الاثنان في فعل سيئ يوم القيامة يتمنى انه لم يتعرف على ذلك الانسان، فإذا اردتم ان تتخذوا الاصدقاء والاخوة فانتقوا المتدينين منهم اصحاب السلوك الطيب الذين يؤدون العبادة ويبتعدون عن المحرم.
3ـ ﴿يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾
ايضا يتمنى الانسان احيانا شيئاً في منتهى الخطورة يقول يوم الحساب والكتاب يوم القيامة: ﴿يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾[9] من الذي يتمنى في الدنيا أن يكون تراباً يوطئ عليه؟ طبعاً لا احد، لكن في الآخرة يتمنى الانسان ان يكون تراب يسحق بالأقدام ولا يؤخذ به الى حيث يراد به وهو الخلود بالنار والعياذ بالله.
4ـ ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ﴾
شخصٌ آخر يقول: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ﴾[10] البعض يدرس سنة كاملة يتعب نفسه في الدراسة يريد ان يرى الشهادة وما هو مكتوب فيها في نهاية العام الدراسي، لكن في الآخرة الانسان لا يتمنى تلك اللحظة الذي يطرح كتابه بين يديه، لان الدوائر الحمر كثيرة، النقاط السوداء كثيرة.
5ـ ﴿يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا﴾
امرٌ اخير وهو ما نجتمع عليه جميعاً ايها الاحبة الكل يقول يوم القيامة: ﴿يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا﴾[11] الكل يتمنى يوم القيامة لو ان الطاعة لله وللرسول كانت في الدنيا، ايها المؤمنون ايها الاحبة ايها الطيبون اننا جميعا في دائرة المسؤولية وان ثمة شيء ينتظرنا يوم القيامة ألا وهي الشفاعة، النبي (ص) يشفع وآل البيت عليهم السلام يشفعون، لكن لمن يشفعون؟ لمن يبقي في قلبه مساحةً للاستقطاب نور الشفاعة، اما الذين يستحوذ الرين والسواد على قلوبهم فإن الشفاعة لن تصل اليهم، فعلينا ان نحافظ على مساحة بيضاء في داخل قلوبنا كي نستقطب النور المحمدي والعلوي والفاطمي والحسني والحسيني وانوار الأئمة المعصومين والخاتم للائمة المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف أسال من الله سبحانه وتعالى ان يكتب لكم ولنا وللمؤمنين والمسلمين عامة الحياة السعيدة الطيبة.
أهمية التواضع مع الزوجة
اريد ان انبه على شيء ذكره لي سماحة السيد ألا وهو ما تحدثنا فيه من التواضع ينبغي ان نكون مع زوجاتنا بحالة من المحبة والرفق والابتعاد عن التكبر والغطرسة فكلنا من آدم وآدم من تراب، الرجل المرأة، السيد أو غير السيد الجميع من التراب فعلى ما يتكبر الواحد على الآخر حتى على زوجته؟ مع شديد الاسف هناك ثلاثة او اربعة اشخاص تم الطلاق بينهم (من هذه الفئة) لأن الزوج لا يعطي الزوجة حقها من المحبة والاحترام والتقدير وانما يعنفها ويشعرها بحالة من الاستعلاء والتكبر عليها، ثلاثة او اربعة طلقوا نسائهم وبقي الاطفال في حالة من الضياع لماذا؟ لأنه لا يتواضع، لا يتنازل يفترض ان يكون هنالك تواضع وبساطة، النبي (ص) كان خير الناس لأزواجه، لا توجد زوجة من زوجات النبي (ص) التسع وجدت في سلوك النبي تعنيف، بل وجدنا فيه المحبة والحنان والانس والشفقة وحريٌ بالجميع ان يأخذ من النبي (ص) قدوة ويلبي نداء السماء: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾[12].
السهر في الاستراحات
اخيراً أنبه على مسألة السهر في الاستراحات ايها الاحبة! ان السهر الى ساعات متأخرة من الليل وعدم الرجوع الى البيت إلا وقد اخذ التعب نصيبه بعد يوم شاق من العمل وسهر طويل مع الاصحاب او يوم طويل من الدراسة وسهر يتعقبه في الليل ثم يأتي الى بيته كالسكران يتمايل يمينا وشمالا يكاد ان يقع على الارض والمرأة بعد يوم متعب مرهق استسلمت للنوم، يريد ان يوقظها! اين الرحمة من قلبه! اين الشعور بالمسؤولية! اين الشراكة في الحياة! انا لا اقول لا تذهبوا للاستراحة اذهبوا وتلاطفوا فيما بينكم وتناقلوا الاخبار وادرسوا الاوضاع وارسموا خطةً للمستقبل، لحياة اجمل ولكن لا الى آخر ساعات الليل، لان للمرأة نصيب تنتظرك في البيت بعد تعب وهي في حالة من اللهفة والشوق.. نسال من الله سبحانه وتعالى ان يوفقكم وان يأخذ بأيديكم وان يحفظ هذا السيد وان يحفظ الاخوة الاساتذة الذين اسهموا في بيان الحقيقة وربط هذه الشريحة من المجتمع المحترمة المقدرة المحبوبة عندنا، ربطوها بالمبدأ، ربطوها برسول الله (ص) وبأهل البيت عليهم السلام وبالقرآن وبالعبادات وبالاحتفالات وبمجالس العزاء هذه كلها من حسنات الاعمال، وهي تنتظرهم يوم القيامة ومن لا يشكر المخلوق لا يشكر الخالق فعلينا ان نشكر هؤلاء الاساتذة الافاضل الاخوان الذين يقومون بالخدمة خصوصا سماحة السيد علينا ان نحافظ على وجودهم ونقف الى جانبهم، وفق الله الجميع، فقدنا شباب كانوا معنا في السنوات السابقة انتقلوا الآن الى عالم الاخرة لنقرأ لهم الفاتحة ولروح آية الله السيد محمد علي آل سلمان الذي غادرنا قبل ايام لروح الجميع الفاتحة مع الصلاة على محمد وآل محمد.