نص كلمة التدرج في الوصول إلى الهدف السامي
في التقرب الى الله للصول الى الهدف السامي
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
روي عن أبي عبد الله (ع) قال: «أوحى الله عز وجل إلى موسى (ع) يا موسى لا تفرح بكثرة المال ولا تدع ذكري على كل حال، فإن كثرة المال تنسي الذنوب وإن ترك ذكري يقسي القلوب»[2].
أدب الخطاب السماوي مع الانبياء
الخطابات التي جرت بين الله سبحانه وتعالى وكليمه موسى شملت عدة مواطن؛ الهدف منها تقريب الانسان من الله سبحانه وتعالى، خطابات السماء مع موسى، حوار السماء مع موسى في منتهى الرقة والعذوبة، رغم أن المهام الموكلة بنبي الله موسى جسام، تنوء بها العصبة أولى القوة، لكن مثلا في موضوع فرعون يبدأ الخطاب مع موسى: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾؟ وهذا يعتبر ضرب من ضروب التدليل والتقريب وبسط المحبة، وفي مقام الاجابة يقول موسى (ع): ﴿هِيَ عَصَايَ﴾، ويأتي الجواب أيضاً في منتهى المرونة والسهولة: ﴿قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى﴾، أمر من السماء يأتي، ﴿فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى﴾، بعد ذلك الخطاب يستمر الى ان ينتهي الى لب القضية: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾، ان فرعون تجبر وتكبر، لكن نبي الله موسى (ع) لم يخرق النواميس الطبيعية وانما تماشى وفق معطياتها
أدب الانبياء في التعاطي مع المعاجز
لم يطلب المعجزة من اليوم الاول وهي في يده وانما اراد ان يقدم للامة درسا؛ انك متى ما اردت ان تصل الى الهدف عليك ان تسلك الطرق الطبيعية، لا تتذرع بما هو وراء الطبيعة، الا ما اختطته السماء لك وفق متعرجات هذه الحياة كالصدقة لمن اراد ان يدفع البلاء أو يستدر خيرا مثلا، او الدعاء لمن اراد ان يصل الى غايته فيما تعثر ليسهل أمره، او فيما هو المأمول اكثر مما في اليد وهو من حق الانسان، ان يستزيد من الخير، ومن الخير المال، الذرية، الممتلكات .. هذه ما خلقها الله ليحرّمها على الناس وانما دفعهم في اتجاهها لذلك القرآن الكريم يقول: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾[3] الآخرة مسيرة نهايته هي هذه؛ من تقوى بدنياه على آخرته امسك بزمام الاثنتين، الدنيا من جهة وكذلك الآخرة من جهة اخرى، بعد ذلك يقول موسى (ع): ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾، يعني أنا لا استطيع ان اتحمل الكثير من الكلام فاعطني صدرا فيه سعة حتى اتحمل، ﴿ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾ يعني هيئ لي انصار، اعوان، اصحاب يعينوني على هذا الطريق، لأني لوحدي لا اتمكن من ذلك ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي﴾، مثل ما كان الامام علي (ع) للنبي الاعظم محمد (ص) أخ ووزير، لابد ان تكون لديه المقومات والمؤهلات المساعدة للوصول نحو الهدف، ﴿هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾، اذن القضية هي قضية امور ومسار طبيعي، حركة الانبياء في بدايتها مساراتها كانت طبيعية، لأنها تتماشى ومتطلبات البشر، ان الذي يحتاج الى المعجز هو ذلك المنكر، والمنكر هو الشخص الذي يعرف بحقيقة الشيء ثم يجري على خلافه، هذا يقال له منكر، لكن الذي لا يعلم بحقيقة الشيء ليس بمنكر وانما هو جاهل يجب ان ينبه على جهله، ولابد ان ترفع حالة الجهل والغشاوة منه، بخلاف المنكر الذي يعرف الأمور، مثلا يعرف عظمة النبي، عظمة الكتاب الذي جاء به، الاهداف النبيلة والسامية التي يسعى الى تحقيقها.. كل هذه الامور هي من الامور التي يفترض ان تكون طبيعية.
اثر المال وترك ذكر الله على الانسان
الكلام الذي جاء في الحديث القدسي والذي يروى عن الامام الصادق (ع) في خطاب بين موسى والله سبحانه وتعالى يقول له:
لا تفرح بكثرة المال؛ البعض عندما يصبح عنده مال و تصير الدنيا في يده، ينسى كل شيء.
ولا تدع ذكري على كل حال؛ سواء كنت قائماً او قاعداً، ذاهباً ام راجعاً، كنت في قوة او في ضعف، في صحة او في مرض، في غنى او فقر، في كل هذه الامور اجعلني انا في الدائرة، دائرة الذكر والحضور الالهي ليكون قلبك عامرا، بعد ذلك يوضح الهدف من هذا المطلب وذاك فيقول:
فإن كثرة المال تنسي الذنوب؛ لماذا؟ لأنه يؤمن لونا من الوان النعيم الاخروي فينسيه ما هو فيه، اليوم قد يكذب او ينم او يغتاب ثم يترقى في الفواحش ما ظهر منها وما بطن، الترائي يلغي تلك الحالة من يقظة الضمير التي يفترض ان تكون حاضرة بعد كل ذنب مادام الانسان مؤمنا أي في حضيرة الايمان فالأمور تكمن في هذا الجانب ولذلك انت تشاهد بان نعم الله تعالى تغدق على العاصي وعلى غير العاصي، لكنها ظاهرة على العاصي اكثر من غيره! لان المال في طبيعته يجر الانسان ويشد الانسان للدنيا، وحب الدنيا منظومة مظاهر من ضمن مظاهرها المعصية، لذلك انت عندما تذهب الى بيوت الثراء الفاحش ـ اجل الله المكان واجل الله اسماعكم ومن يصل اليه الصوت ـ خصوصاً في بعض الدول المنفتحة بعيدا، تراه يجعل له بارا صغيرا في بيته وتجبى اليه الحور الدنيوية من كل مكان، هذا وليد اي شيء؟ هذا وليدة ثراء فاحش ينسيه ان الشرب حرام وان الزنا حرام وان الاجتماع على المنكر حرام، لذلك يكرر العمل، وبدل ما ان يكون عنده محراب صغير في بيته يتعود عليه ابناءه التربية الاسلامية والصلاح والتقى واذا به يجعل موقعا مثل هذا!
وإن ترك ذكري يقسي القلوب؛ انت اذا اردت ان تقيس مستوى درجة القلب من الليونة والخشونة انظر هل انت قريب من الله ام بعيد عنه، لذلك القرآن في موضوع الصلاة التي هي اسهل العبادات ولا توجد عبادة اسهل من الصلاة ابدا يقول: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾[4] والخاشع هو صاحب القلب الرقيق الذي عمره بذكر الله سبحانه وتعالى من خلال امتثال اوامره والابتعاد عن نواهيه، فحضور الله سبحانه وتعالى من خلال ترديد: «لا اله الا الله»؛ «سبجان الله»؛ «الحمد لله» هذه كلها جسور تواصل، توصل الانسان الى مربع، لكن بقدر ما توصل بقدر ما ترجع الانسان ان لم يوجد تفعيلا للاستحضار الرباني في داخله، يعني أنا اكثر من قراءة القرآن، اتبتل في الادعية، اتردد في الاوراد، لكن في النتيجة الحضور القلبي غير موجود، انا في حضرتك ولكن غائب عنك، هذا الامر يحدث حتى في حياتنا اليومية، مثلا يقال لفلان نحن نتكلم معك ونعنيك الا انك بعيد عنا يعني بالك وفكرك ليس معنا وفقط انت حاضر معنا حضور مادي مجسد، فعلى الانسان ان يعيش هذه الحالة وان يوازن بين الامور حتى تخلص له الامور ويصل الى النتائج المرجوة.
نسال من الله سبحانه وتعالى التوفيق لنا ولكم ولجميع المؤمنين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.