نص كلمة:التأمل في حياة الزهراء عليها السلام

نص كلمة:التأمل في حياة الزهراء عليها السلام

عدد الزوار: 1271

2017-03-17

في مسجد العباس بالمطيرفي ليلة الثلاثاء 1438/6/8هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على اشرف انبيائه ورسله حبيب اله العالمين ابي قاسم محمد، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

جاء في الحديث الشريف عن النبي الأعظم محمد (ص) انه قال: «فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبيَّ»[2] وكانت تكنى صلوات الله وسلامه عليها بـ«أم أبيها»[3]

الزهراء سلام الله عليها؛ الكوثر بأتم معانيه وأكمل مصاديقه

بين مكة والمدينة مسيرةٌ مليئة بالعطاء والتضحية، كانت الزهراء سلام الله عليها سيدة الموقف فيها وقفت إلى جانب أمها وأبيها وهي تخطو الخطوات الأولى من عمرها الشريف، تستظل بكنف النبي (ص) وتتلمس مفردات الحياة مع أمها، الزهراء سلام الله عليها أنشودة الخلود، والزهراء سلام الله عليها رمز الكمال الإنساني في الجانب النسوي لا تقاس بها امرأة مهما حظيت تلك المرأة من مقام وتقدم وعلو رتبة، الزهراء سلام الله عليها أشارت إليها الآيات القرآنية لا على نحو التصريح ووراء ذلك مجموعةٌ من الأسباب ولعل الأجمل والأروع فيها هو ان عدم التصريح بالاسم كما هو مقررٌ في بحوث البلاغة في مواطن يعد أعلى درجات التعظيم للشخص، الزهراء سلام الله عليها في القرآن تربعت على سورة كاملة على نحو الاختصاص؛ «الكوثر» كما هو المستفاد من قول علمائنا وبعض علماء العامة في مدارس التفسير الذين يقولون بان ان المراد من الكوثر هي فاطمة بنت النبي محمد (ص)، الكوثر في كل شيء، الكوثر في علمها، في عبادتها، في نهجها، في عطائها اللا محدود والى اليوم لا زالت اشراقاتها وسوف تستمر.. ولعل من أجلى اشراقاتها هي اشراقة الخلف الباقي من آل محمد صلوات الله وسلامه عليه في آخر الزمان، فهو ابن الزهراء والحامل لظلامتها والآخذ بثأرها..

صبر الزهراء سلام الله عليها الذي لا يضاهيه صبر

الزهراء سلام الله عليها قدمناها في لون أو في جانب من جوانب حياتها واستغرقنا في ذلك كثيرا وأغفلنا الكثير من جوانب العظمة في ذاتها، الزهراء سلام الله عليها واسطة فيض النبوة على الأمة، فالمعصومون من ذريتها ومن نسلها، الزهراء سلام الله عليها مرآة الكمال في الجانب البنائي لفظا ومعنا وخطبتها خير دليل على ذلك، الزهراء سلام الله عليها ضربت القدح المعلى في باب الصبر عندما تحملت الكثير من الأحداث التي جرت مع النبي (ص) في حياته وحين مماته وبعد مماته، عليٌ (ع) في مواطن كان يلتفت إلى ذات اليمين والشمال يبحث عن الناصر ولا يلبي نداءه الا فاطمة، لان فاطمة الأعرف بحقيقة علي، الزهراء سلام الله عليها وهي البنت لها خصائصها في بيت محمد (ص) وخديجة والزهراء الزوجة أيضا لها خصائصها وهي تضاف لبيت علي (ع)، وأما الزهراء فيتجلى أعلى درجات النضج والرشد والكمال في ميادين التربية مع أبنائها الحسن والحسين وزينب سلام الله عليهم جميعا، الزهراء الإنسانة الرحيمة لبني قومها ما من بيت من بيوت المهاجرين والأنصار في المدينة إلا وامتدت إليه يد فاطمة سلام الله عليها بالجود والكرم والعون والمساعدة، الزهراء سلام الله عليها كانت تستقبل أباها وقد أخذت منه حجارة قريش مأخذها تضمد جراحه وتنشف الدم الذي يجري من جسده الشريف، الزهراء سلام الله عليها كانت تستقبل عليا (ع) وهو يدلف إلى بيته بعد حرب طحون لم ينهي فصولها إلا شفرات سيفه يقطر بالدم والزهراء تستقبله، الزهراء سلام الله عليها كان من أقسى الأحداث والأشد صعوبةً عليها في موطنين الموطن الأول بعد معركة اُحد عندما ضرب النبي (ص) على رباعيته حتى سال الدم على كريمته الشريفة وجاء إلى المدينة وضمدته الزهراء سلام الله عليها، لكن على أي حال وهي ترى أباها في ذلك الوضع! المرة الثانية عندما لاذت وراء الجدار ليأخذ الحدث مأخذه منها وتجري الدماء، الزهراء سلام الله عليها أيقونة صبر، أيقونة تضحية، الزهراء سلام الله عليها نورٌ أقدس لا يتشخص معالمه إلا من استغرق ذاته فيه.

المقصود من كون الزهراء سلام الله عليها «سيدة نساء العالمين»

 الزهراء سلام الله عليها لا كما يصورها البعض ويسوق أنها لم ترى رجلاً بالمطلق ولم يراها رجلٌ بالمطلق إلا في حدود ما استوجبته؛ إما الأبوة أو البنوة أي في رحم، أو علي (ع) في رحم ومصاهرة! لا! الزهراء سلام الله عليها لا تختصر في حدود هذا القالب بل هي اكبر من ذلك بكثير، الزهراء سلام الله عليها عندما يقال عنها سيدة نساء العالمين لابد وان تكون جميع مظاهر الكمال في الإنسان هي ضمن مكونها وعنها يصدر ما يدلل على ذلك، الزهراء سلام الله عليها تنحني على كف أبيها النبي الأعظم (ص) لتقبله عند كل صباح والنبي (ص) ينحني على ناصيتها ليطبع قبلته ثم يمرّ (ص) بيده على رأسها وفي ذلك دلالة عظيمة على ان القادم عظيم وعلى ان القادم خطير وعلى ان القادم لا تتحمله إلا الجبال وإلا رأس مرت عليه يد النبي، نبي العظمة (ص).

ما تريده منا الزهراء سلام الله عليها

 الزهراء سلام الله عليها أيها الأحبة لا تطلب منا مزيدا من بكاء ونواح ولطم وفي هذا اجرٌ ولكن تريد منا ان نتأمل في سيرتها لنستفيد من صبرها فإذا ما جزعنا فلسنا على نهج فاطمة، ان نتعلم منها الدروس التعليمية في مساحة التربية مع أبنائنا، فان أخفقنا فما عسى ان يقدم او يؤخّر اللطم والبكاء في ذلك! الزهراء سلام الله عليها كما قلت لكم حلقة الوصل بين النبوة والإمامة، وهذا يعني الشيء الكثير، يعني أن في الزهراء لونٌ من ألوان النبوة، وفي الزهراء لونٌ من ألوان الإمامة، تمازج، هنا كمالٌ نبوي وهنا كمالٌ للإمامة إذا انصهرا واندمجا ما عسى ان يكون المكون! ايها الاحبة الزهراء تستحثنا في ان نصنع من بناتنا من يمثل الزهراء في منطقها، والزهراء في تصرفاتها، من تمثل الزهراء سلام الله عليها في جانب الحب، من تمثل الزهراء سلام الله عليها في مساحة الوقوف خلف الزوج والأبناء لتؤمن أسرة فاضلة وأبناء نجباء يعول عليهم، ربما نحن لا نوفق لطلعة الامام المهدي (ع) ولكن قد يوفق أبناؤنا فما يجب علينا في حق أنفسنا يجب علينا في حق ابنائنا، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يحشرنا وإياكم في زمرة محمد وآل محمد وان يشفع فينا الزهراء المرضية وان يجعلنا ممن تنتقيهم في المحشر ان شاء الله، وفقنا الله وإياكم لكل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.