نص كلمة:الانتماء بين الواقعية و الإلتفاف

نص كلمة:الانتماء بين الواقعية و الإلتفاف

عدد الزوار: 602

2019-02-05

كلمة في مسجد العباس بالمطيرفي ليلة الثلاثاء 1440/5/8هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

غفر الله لنا ولكم واسعد الله أيامنا وأيامكم في ذكرى ميلاد عقيلة الطالبين زينب سلام الله عليها، رزقنا الله وإياكم في الدنيا زيارتها وفي الآخرة شفاعتها.

الإنتماء بين الادعاء والحقيقة

من السهل أن يدعي الانسان الانتماء إلى دين ما أو إلى مذهب ما أو إلى مرجع ما، لأنه لا ضريبة على ذلك والكلام يجر الكلام، لكن الأمر المهم الذي يفرض نفسه على من يدعي الانتماء والاضافة لشيء ما ان يعرف ما هي النسبة والتناسب بينه وبين ما يضاف إليه، الاسلام مبادئ وقيم، أحكام، تشريعات، دساتير، قوانين.. كم يتفاعل هذا الانسان المنتمي لهذه الأمور وكم يتعاطاها وكم يجسدها في عالم الخارج؟ والاسلام هو عنوان عام، يأتي بعده الايمان أنا في انتمائي المذهبي وعندما أقول «جعفري» قد أضفت نفسي الى الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) وهي عبارة عن منظومة من المبادئ والملكات والكمالات، ولكن كم أمثّل من هذه المبادئ والقيم والكمالات في وجودي الخارجي حتى أكون في إضافة على نحو كبير من المصداقية إذ لا يكفي أن أقول أنا جعفري أو أنا شيعي أو أنا مسلم أو أنا مؤمن ثم ماذا بعد ذلك! أثر الاسلام عليك ما هو؟ أثر المذهبية عليك ما هو؟ وتضيق الدائرة أكثر وأقول أنا سيستاني وذلك فياضي والآخر حكيمي وذلك وحيدي والآخر فلان ... ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو أن هذا المرجع أو ذاك المرجع لهم رسائل عملية، اقل علقة الارتباط أن تكون الرسالة العملية في البيت حتى ترجع إليها عند الحاجة، اسأل من نفسك: هل ان رسالة المرجع في بيتك؟ هل تعرفت على ابوابها، فصولها، مسائلها؟ هل عرّفت أبناءك؟ هل عرّفت بناتك؟ هل عرّفت الزوجة؟ هل عرّفت ما لهم من الاحكام وما عليهم؟ على الأقل معك أو فيما بينهم أو مع الناس في الخارج أو في ضبط العلاقة مع المرجع نفسه أو مع المعصوم (ع)، أو مع النبي الأعظم محمد (ص).

جملة من مصاديق الانتماء الحقيقي

إذن توجد هناك حقوق، رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع) التي تضم خمسين أو أربعين حق من حقوق الانسان وعلاقة الانسان بربه وفق منظومة الحقوق إلى الرسول (ص) والرسالة، إلى الأمة، إلى العائلة، إلى حتى اصحاب الذمة الذين لا تتفق معهم في دين .. كل هذه منظومة مسطرة ملحقة في الصحيفة السجادية، كم قرأناها؟ كم تعاطيناها؟ كم فعّلناها ناهيك عن حقوق أصّلها القرآن، ثبّتها القرآن وجرى في تطبيقها النبي الأعظم محمد وآل محمد (ص)، لتؤول النوبة مع مراجعنا حفظ الله الموجودين منهم ورحم الله الماضين، ما هي العلاقة معهم؟ هل ان الحكم الذي استنبطه الفقيه له واقعية في عباداتي ومعاملاتي وله سريان وله فاعلية وله تحريك؟ أم لا مجرد ادعاء وتشابك فيما بيننا، اليوم اصبح الاستنقاص من المرجع ومقلديه حالة شائعة وموجودة في كل مكان؛ في الانترنيت؛ في القنوات الفضائية، حتى أن القنوات الفضائية اليوم صار ضررها علينا أكثر من نفعها، لم تسلم شخصية كبرى تقدس في يوم من الأيام إلا وادينت! الإمام الصدر الأول لم يسلم، الصدر الثاني لم يسلم، الشيخ الوائلي لم يسلم، الإمام لم يسلم، السيد الخوئي لم يسلم، حتى الأموات لم يسلموا، القرآن الكريم يقول: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾[2]، يعني في الزمن السابق كانوا يجلسون ويذكر كل واحد من الجالسين أحد أفراد قبيلته البارزين واذا انتهوا منهم ذهبوا إلى المقابر وإلى الموتى وفتشوا عن الشاعر الفلاني أو الشجاع الفلاني أو الكريم الفلاني أو ... اليوم الأمور بالعكس اصبحنا نخرجهم من قبورهم لننشرهم ولنتجاوز عليهم! الأمة التي لا تحترم رموزها النتيجة ستكون محسومة.

بعض حقوق المسلم على المسلم

 أنقل لكم حديث مروي عن امامنا الصادق (ع) وهو لا يحتاج الى تعليق كثير، انتم علقوا عليه في داخلكم وهو ينظم لنا مجموعة من الأمور:

«للمسلم على أخيه المسلم من الحق أن يسلم عليه إذا لقيه، ويعوده إذا مرض، وينصح له إذا غاب، ويسمته إذا عطس، ويجيبه إذا دعاه، ويتبعه إذا مات»[3].

 للمسلم على أخيه المسلم من الحق أن يسلم عليه إذا لقيه؛ اليوم أخ لا يسلم على أخيه! وانا اقول لكم اليوم شيء وهو انه جاءني شخص وقال سيدنا ماذا تقول أنا حتى أبي لا أسلم عليه!! هذا سقوط، هذا انحدار، هذا الذي لم يحترم حتى والده كيف يستطيع ان يحترم الناس!؟

ويعوده إذا مرض؛ وكم اليوم الأمراض كثيرة، علم به أنه مريض، إذا كان المقتضي للزيارة موجود والمانع عن الزيارة غير موجود حينها يتعين عليه أن يذهب لعيادة المريض، لكن احيانا يوجد مانع فينبغي ان يعتذر.

وينصح له إذا غاب؛ فهل نحن ننصح اذا غاب الشخص أم لا ذبحٌ بلا تذكية! ونضع كل مخازي الدنيا فيه وكل السقطات والسيئات والسلبيات نجمعها من هنا وهناك ونلصقها به ظلما وعدوانا!

ويسمته إذا عطس؛ شيء بسيط جدا، شخص جالس بجانبك يعطس ألا تريد الثواب! قل له «يرحمك الله» لماذا صرنا شحيحين حتى في هذه! فقط جاهزين للغيبة، انا شخص يقول لي سيدنا انا وبسبب قلة الثقة الموجودة عندي لا انصرف من مجلس والمجلس فيه شخص لابد ان ينصرف الجميع حتى انصرف وإلا لم اسلم على نفسي! واعرف أنهم سيستغيبونني.

ويجيبه إذا دعاه؛ إذا دعاك شخص وقال تفضل معي تغدى أو تعال معي تعشى، أو مر علينا، لأن هذه المجالس يحبها الله ورسوله، بعض القرى والمناطق والضياع التي فيها بعض رجال الخير واصحاب الصدور الواسعة كانت مجالسهم مفتوحة، وكانوا يستقطبون الناس من حولهم، فكانوا محبوبين عند الناس وكانوا هم أيضا يحبون الناس كثيرا.

ويتبعه إذا مات؛ اليوم اصبحت الأمور هكذا إذا كان الميت له قيمة وسطوة وسلطان ووجاهة وقيمة واعتبار (طبعاً عند الناس وإلا عند الله غير معلوم لان ما عند الله شيء مخفي الناس غير مطلعين عليه) فإذا كان له عند الناس جاه ومقام يتزاحم على جنازته حتى ان البعض يبقون يرابطون في المقبرة من قبل أن تخرج الجنازة بساعة أو ساعتين! لكن اذا كان الميت فقير ومسكين وعائلته بسطاء كيف يكون الحال! أنا عندما يموت شخص أحضر حتى يراني ابنه أو نسيبه او زميله في العمل حتى في المستقبل اذا اذهب له في قضية في دائرة حكومية لا يردني، أو إذا كان موظف في مؤسسة اهلية يقضي لي حاجتي، أو إذا خطبت منه لا يردني! فهذه مصيبة وهذه بلوى ... فأنا عندما اقول أنا مسلم لابد ان استحضر الاسلام في وجداني وينبسط عليّ خارجا، هناك بعض الناس عندما ترى مجموعة من الناس متصالحين ومتسالمين تتحرك في داخلهم حسيكة النفاق لا يرضون بهذا ويغضبهم هذا الأمر وهذا ليس بالشيء الجديد، فقد روي أن «شأس بن قيس» وكان شيخا من اليهود (قد أسن)، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم، مر ذات يوم على نفر من أصحاب رسول الله (ص) من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم ـ إذا اجتمع ملؤهم بها ـ من قرار، فأمر شابا من يهود كان معه، فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم أذكر يوم «بعاث» وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا ما يتقاولون فيه من الأشعار. وكان يوم «بعاث» يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه يومئذ للأوس على الخزرج، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين، وتقاولا، وراح أحدهما يهدد الآخر، وكادت نيران الاقتتال تتأجج بينهم من جديد. فبلغ ذلك رسول الله (ص) فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم، وقال: «يا معشر المسلمين الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بين قلوبكم؟» فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم، فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا ثم انصرفوا مع رسول الله (ص) سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله «شأس بن قيس»[4].

فيا أيها الأحبة ويا أيها المؤمنون لا تتركوا ثغرات يتسلل منها الاوباش المنافقون الذين يظهرون التقى والصلاح ويبطنون الشر للمؤمنين، وفقنا الله وإياكم جميعا لكل خير ورزقنا الله وإياكم زيارة العقيلة زينب سلام الله عليها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.