نص كلمة: الامام علي (ع) مدرسة البناء الشامل
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين، ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
«إن عليا مني بمنزلة النور من النور»[2]
بعض الخصال الفريدة لعلي (ع) من لسان النبي (ص)
جاء في الحديث عن جابر بن عبدالله الانصاري، هذا الصحابي الجليل الذي ظلمه التاريخ كثيراً وظلمته مدرسة الحديث كثيراً، عاش ردحا من الزمن ببركة دعاء النبي الأعظم (ص) له بطول العمر وهو الذي تحمل نقل السلام من الرسول الأعظم (ص) إلى الإمام الباقر (ع)، وهذه الفترة الزمنية تعد طويلة الا انها تحققت ببركة دعاء النبي (ص) له بطول العمر، ولجابر خصوصيات اخرى فهو أيضا ممن شمله الحديث: «اليّ إليّ يا جابر وأنت منا»[3] الرواية الطويلة العريضة التي حتما طرقت اسماعكم في يوم من الأيام، عاش أيضا مع الامام علي (ع)، سمع منه وكان مقربا منه، وسمع من الإمام الحسن ومن الإمام الحسين ومن علي بن الحسين ثم من الباقر عليهم السلام، كوكبة من الأئمة المعصومين، أولياء التشريع والتكوين، سمع منهم الكثير لكن لا تجد لهذا الصحابي الجليل في مدونات التاريخ والحديث الا ما هو القليل القليل القليل، ولا تسأل بعد ذلك لماذا، لان الجواب على السؤال حاضرٌ يفرض نفسه ليس في هذا المقام وحدة وإنما في المقامات الأخرى، جابر بن عبدالله الانصاري رضوان الله تعالى عليه يقول:لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في علي عليه السلام خصالا لو كانت واحدة منها في جميع الناس لاكتفوا بها فضلا، كيف بمن يكون مجمع لهذه الفضائل، لا يشاركه فيها أحد، تخصص بامتياز، ليست فضيلة واحدة، وليست في عداد المحصور وإنما هي عناوين طرحها النبي (ص).
قوله صلى الله عليه وآله: «من كنت مولاه فعلي مولاه»
عليٌ مولى المؤمنين، عليٌ أميرالمؤمنين، عليٌ سيد الوصيين، عليٌ عليٌ ... ينقطع نفسك ولا تنقطع الفضائل التي هي من صفات علي (ع) الثابتة المستقرة،
وقوله صلى الله عليه وآله: «علي مني كهارون من موسى»، من يصل إلى هذا المقام في الأخوة، في تحمل أعباء الرسالة، الرسول (ص) اختار هارون من موسى ولم يختر أحدا من الأوصياء، كل الأنبياء لهم أوصياء، لكن لماذا هارون بالذات، لان الدور الذي قام به هارون والذي نهض به في زمن نبوة موسى الكليم (ع) كانت مهمة صعبة وشاقة بحيث تناصفها مع النبي موسى عليه وعلى نبينا آلاف التحايا والسلام قال: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي* و اجعَل لى وَزيرًا مِن اَهلى * هـٰرونَ اَخى﴾[4]، هارون له خصوصيته، في حديث الدار أيضا الأمر يعود من جديد، النبي مع علي (ع)، يعني التاريخ يأخذ دورته ويتجسد الواقع خارجا، في حديث الدار النبي (ص) يقول: «فأيكم يؤازرني على أمري أن يكون أخي ووصيي ووليي وخليفتي فيكم ...» قام عليٌ (ع) وأجلسه النبي (ص)، قام عليٌ (ع) وأجلسه النبي (ص)، قام عليٌ «فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيده، وقال: هذا أخي ووصيي ووليي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا»[5] فمسالة الخلافة والوصايا والولاية لعلي (ع) لم تكن بدايتها من يوم الغدير، الغدير كان محفلا لإعلان البيعة لعلي (ع)، لإجراء مراسيم البيعة، لوضع اليد في اليد حتى لا ينكر المنكر بان هناك بيعة في رقبته لعلي (ع)، وإلا فالبيعة كانت في مكة المكرمة، بالنتيجة النبي (ص) يأتي باسم هارون لما لهارون من الخصوصية مع موسى (ع)، أي وصي من أوصياء الأنبياء غير هارون لم يحظى بنفس الخصوصية التي نهض بها هارون، لذلك استدعاه لينظر به، كاف التشبيه في كهارون من موسى يعني كل الخصوصيات التي تكفل بها موسى فان هارون قد تكفل بلسان البلاغ عن موسى، ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ هارون تكفل بالمسيرة في كل الموارد.
علي من الرسول و
وقوله صلى الله عليه وآله: «علي مني وأنا منه»
لاحظوا هذه الـ «من» بعضهم يقول تبعيضية، يعني شطر منه، لكن هذا المعنى لا يتناسب هنا، لأن النبي (ص) ابتدأ فيكون جزء من علي، ثم علي جزء من النبي، بل ان الـ «من» هنا تعين ان علي (ع) كالنبي، والنبي (ص) كعلي (ع)، وما ثبت للنبي ثبت لعلي، خلا النبوة التي انفرد بها الرسول (ص) وإلا فالمقام والمكان والتكوين واحدٌ
وقوله صلى الله عليه وآله «علي مني كنفسي، طاعته طاعتي ومعصيته معصيتي
هذا أيضاً أمر مهم وفضيلة عالية جدا، يعني من أطاع علي أطاع رسول الله، ومن عصى علي عصى رسول الله (ص)، ثم لا تحتاج بعد ذلك إذا أمسكت بمثل هذا النص والذي هو وارد حتى في كتب العامة بعدها لا تحتاج إلى مزيد بحث وجهد وعناء لإثبات شيء او نفي شيء، لان النبي (ص) لا ينطق عن الهوى ولا يتحرك بناءا على الرغبات وبناءا على المحسوبيات وبناءا على العواطف وبناءا على العشيرة وبناءا وبناءاً ... كلامه عند ما يتحدث هو كلام السماء، سواءٌ جاء في القرآن المنزل وهذا واضح، القرآن كلام الله لا يختلف عليه اثنان والحديث الثابت عن النبي (ص) أيضا لا يختلف عليه اثنان، نعم نحن نختلف في بعض الأحاديث، لأنها لم تثبت عن النبي (ص) وأما ما ثبت منها لا يختلف فيه أحدا، لان لازم ذلك الرد على الرسول (ص) ومن رد عليه رادٌ على الله سبحانه وتعالى، فطاعة علي (ع) المفترضة على الناس وعلى المسلمين هي نفس الطاعة للنبي (ص) هي في عينها، أيضا المعصية له عين المعصية للنبي (ص)، يعني من يعصي علي في أي أمر كان كبُر أو صغُر هي معصية للنبي (ص) وبالتالي العصيان لله سبحانه وتعالى ومآل ذلك العصيان ان يكب العاصي على منخريه في نار جهنم.
وقوله صلى الله عليه وآله :«حرب علي حرب الله»
هنا لاحظوا النبي (ص) لم يقل حربي، لان هناك قال: كنفسي، هنا النبي (ص) مباشرة يجعل الربط مع السماء، قوله: حرب علي حرب الله، وسلم علي سلم الله، امثال هذه العبارات: سلمٌ لمن سالمكم، حربٌ لمن حاربكم، محب لمن أحببتم، مبغض لمن أبغضتم.. هذه من المسلمات الثابتة التي جاءت فيها النصوص الكثيرة، البعض يتصور انه انفردت بها الزيارة الجامعة الكبيرة المروية عن الإمام الهادي (ع) الذي عشنا ذكرى مولده وشهادته قبل أيام، في حين ان الزيارة الجامعة جمعت الفضائل والمقامات والمراتب العلى التي ثبتت لمحمد وآل محمد وإلا فهي وردت في الكثير من المواطن وجرت على لسان النبي (ص) في الكثير من الأزمنة بمحضر الصحابة في أكثر من موطن وموطن، الفضيلة الأخيرة وليست الأخيرة إلا فيما ذكر جابر لان ما ثبت لعلي (ع) حدث ولا حرج نحن لم ندخل في الكرامات والمعاجز والمقامات والفضائل والرتب التي حصل لها علي (ع) من مكة المكرمة إلى الكوفة وإنما شذرات ذكرها جابر على لسان النبي (ص) سمعها منه بالمباشرة.
وقوله صلى الله عليه وآله: «ولي علي ولي الله»
حاجات الأمور منكم يا أتباع علي (ع)، يا شيعة علي (ع)، يا محبي علي (ع)، يا مريدي علي (ع)، ولي علي ولي الله وعدو علي عدو الله فلابد للإنسان ان يضرب حسابه، ويتقيد بضوابط الأمور وثوابتها، مثلا الإنسان يكون من أولياء علي (ع) فيدخل في ولاية الله، متى ما يكون الإنسان عدو لعلي (ع) فهو عدو الله، ليس في هذا زيادة ولا نقيصة المعادلة واضحة وبينة، عليٌ (ع) بالنتيجة هو مدرسة العشق الإلهي مسافته من مكة المكرمة، من الكعبة المشرفة، من الرخامة الحمراء، نهايتها إلى الانتهاء إلى الكوفة، إلى المسجد الجامع الأعظم، والضلع الرابع من المساجد المقدسة الكبيرة جدا جداً التي فيها رواياتٌ وخصوصيات، في جامع الكوفة وفي محرابها فيها تختم هذه الحيات التي كلها عشق الهي وذوبان في الذات المقدسة، الذات المطلقة، ما من موطن أراد الله ان يرى الإنسان فيه، إلا والامام علي (ع) فيه، وما من موطن أراد الله للإنسان ان لا يكون فيه الا والامام علي (ع) لم يكن فيه، وكفاه فخرا وكفاه سموا وكفاه علوا وارتفاعا فعندما أنا وأنت والمؤمنون يقدمون عليا (ع) على غيره بناءا على ما قام به النبي الأعظم (ص) من تقديم فلابد ان نلتفت لهذه القضية لابد ان نتوجه لهذا الأمر.
الزمن الحالي ومسؤولية الآباء
أيها الأحبة اليوم توجد عواصف مثيرة للكثير من الإشكاليات والفتن وما الى .. أبناؤنا أمانة في أيدينا، آباؤنا لم يقصروا في حقنا، هم أوصلونا إلى الموطن الذي نحن فيه اليوم من الحب، من الولاء، من الذوبان، من الانصهار، من التمثل بنهجهم، جزاءهم الله خيرا:
لا عذب الله أمي أنها شربت *** حب الوصي وغذتنيه باللبن
وكان لي والد يهوى أبا حسن *** فصرت من ذي وذا اهوى أبا حسن
هذا الخصوصية وهذا الواقع الذي كانوا عليه وأوصلوه لنا بكل أمانة، جزاءهم الله خيرا، رحم الله من مضى منهم، أطال الله في أعمار الموجودين ومن بقى منهم، نحن اليوم دورنا اخطر من دور آبائنا، لان حياتهم كانت بسيطة، حيث كان يخرج الصبح للمزرعة ويرجع المغرب إلى البيت، يسمع مجلس او لا يسمع مجلس، يضع رأسه وينام وينتهي الامر، ما كان هناك مشاكل للحيات ولا فتن ولا قضايا، اليوم الأمور الموجودة في أيدينا بادئ ذي بدء نعمة، الجوال نعمة، الكمبيوتر نعمة، وسائل التواصل الاجتماعي أيضا هي من النعم، لكن إذا أحسن الإنسان استعمالها، إذا وضعها في الاتجاه الصحيح، في غير هذه الحالة ستتحول إلى نقمة، كسائر الأشياء وكسائر النعم، حتى في الأموال والأولاد الفتنة موجودة لكن لا يوجد شخص يقول أنا لا أريد أموال ولا أريد أولاد، لان الإنسان اذا زينهم أصبحوا زينة له، وإذا أساء التعامل معهم صاروا وبالا عليه، كذلك الموجود في الأيدي من الأجهزة الحديثة علينا ان نتعامل معها بذكاء وبحيطة حتى يستفيد منها أبناؤنا، من غير الصحيح ان تحرم، من غير الصحيح ان نضع عليها رقابة بحيث ننفر أبناءنا منا، علينا ان نبني وان نزرع الثقة فيهم، ان نضع البوصلة في الاتجاه الصحيح، ثم نقف من ورائهم، لا ان نقف متعقبين متهمين لهم لكل حركة وسكنة، هذا لا يبني، إذا كنت جادا في بناء أبناءك فازرع الثقة في أنفسهم، قوي من شخصيتهم، احدث حالة التوجيه الصحيح في مسارات حياتهم، هذا مسؤوليتنا جميعا أيها الأحبة، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا وإياكم من المتمسكين بولاية علي (ع)، من السائرين على نهج علي (ع)، من الآخذين بحجزة علي (ع)، رزقتنا الله وإياكم في الدنيا زيارته وفي الآخرة شفاعته، بارك الله لنا ولكم جميعا هذه الليلة، أعادها الله علينا وعليكم باليمن والسعادة والخير والبركة انه ولي ذلك، اشكر جميع الأحبة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.