نص كلمة:الاختلاف رحمة للأمة. لماذا؟

نص كلمة:الاختلاف رحمة للأمة. لماذا؟

عدد الزوار: 1301

2017-08-24

كلمة في مسجد العباس بالمطيرفي ليلة الثلاثاء 1438/11/8هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

روي عن عبد المؤمن الأنصاري انه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن قوما رووا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: «إن اختلاف أمتي رحمة»؟ فقال (ع): صدقوا، قلت: إن كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب؟ قال: ليس حيث ذهبت وذهبوا، إنما أراد قول الله عز وجل: ﴿فَلَولا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرقَةٍ مِنهُم طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهوا فِي الدّينِ و لِيُنذِروا قَومَهُم اِذا رَجَعوا اِلَيهِم لَعَلَّهُم يَحذَرون[2] فأمرهم أن ينفروا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ويختلفوا إليه فيتعلموا ثم يرجعوا إلى قومهم فيعلموهم، إنما أراد اختلافهم من البلدان لا اختلافا في دين الله، إنما الدين واحد.[3]

في بيان معنى الاختلاف والخلاف

الاختلاف من طبائع البشر يتماشى معهم في كل الازمنة، في كل الاماكن، في جميع القضايا، الاختلاف في حد ذاته ممدوح، الخلاف مذموم، الاختلاف يعطي المساحة الكافية للباحثين والدارسين والعاملين لتقديم ما هو الافضل في تحريك منطقة الجمود، الخلاف على العكس من الاختلاف يتسبب في عرقلة حركة الامة وتشتيت الجهود، الاختلاف بمعنى الورود من اكثر من اتجاه في اتجاه معين وهو امرٌ حسن في ذاته.

اختلاف الناس الى رسول الرحمة محمد (ص)

 في زمن الرسول الاعظم (ص) كانت القلوب تهفوا اليه والناس يدلفون الى مدينته فيحققون معنى الاختلاف، يسمعون منه، يسألونه فيجيبهم، يتبسط لهم في المقال، فكانوا يرجعون الى اقوامهم، عشائرهم، قبائلهم وهم يحملون نتاج ذلك الاختلاف، ثمرة يانعة، رسول الله (ص) هو الغارس لشجرتها والقاطف لثمرتها والمحول الثمرة لذلك الانسان السائل الراغب في المعرفة.

الآثار المرتبة على اختلاف الناس الى أهل البيت عليهم السلام

 بعد النبي (ص) جاء دور الائمة عليهم السلام، في زمن الامام علي (ع) باعتبار ان وسادة الخلافة الظاهرية قد ثنيت له والا هو الامام وهو الخليفة الحق من قبل الله، في الكوفة فتحت له الابواب او فتّحت له الابواب او فتح الابواب هو من خلال قوله المعروف: «سلوني قبل ان تفقدوني» عبارة فيها شيء من نعت النفس القريب، يعني استغلوا هذه الفرصة المتاحة فيما بقي من العمر، صار الناس يختلفون اليه ايضا من شتى البلدان والقوميات والاتجاهات، الامام عليٌ (ع) لم يبخل بمفردة ومعلومة بل كشف النقاب عن كل مغطى ورفع جميع السواتر والحجب في سبيل ان تعي الامة دورها وتأخذ نصيبها كي تستعين على القادم من ايامها، لكن ايضا عرقلت مسيرة الامام وحرمت الامة بل البشرية من اضاءات الامام علي (ع) ومن حكمه ومن عطائه، الامام علي (ع) ما ان استقر به الامر في الكوفة الا واشعلت نار حرب الجمل في البصرة، الحرب التي احدثت شرخا في البناء، في المكون لم يكن مألوفاً في واقع المسلمين، كانت حركة الفتوحات تتتابع، لكن اشغلت مع الامام علي (ع) كي لا يتجه في هذا الاتجاه، ما نفض يده من الجمل الا وادخل في حرب صفين ولم يكن ناويا لها، بل اكره عليها، عندما علم ان حدود الدولة الاسلامية مهددة وان التمرد على مركز القرار أصبح واضح بين، تحرك لاستئصال شأفة من اراد السوء بالمكون، فهل انتهت الى هذا الحد؟ كلا، وانما وقعت حرب داخلية اخرى هي النهروان على مشارف الكوفة. الائمة كان الناس يختلفون اليهم لكن اجلى مصاديق الاختلاف كان مع الامام الباقر والصادق عليهما السلام جراء فترة الانتقال بين الدولتين الاموية والعباسية، ضمور ونهاية للأولى (الدولة الأموية) ونشوء وعدم استقرار للثانية (الدولة العباسية)، الامام الباقر والامام الصادق عليهما السلام فتحوا الابواب، اخذوا بأسباب المعرفة والطالبين لها الى مسافات لم تكن مألوفة، لم يؤطروا انفسهم باتجاه معين، بل انفتحوا على جميع مكونات المجتمع الاسلامي دلف اليهم اصحاب الطرق والتوجهات و المدارس الكلامية والفقهية و... استوعبوهم ملأوا الدنيا بالعلوم والمعارف الى زمن الغيبة.

زمن الغيبة واختلاف الناس الى العلماء

بعد الغيبة بدأت مرحلة العلماء الامناء على الامة الذين اوصانا الائمة عليهم السلام في الرجوع لهم والاخذ منهم وعرض الاعمال بناءا على ما ينتهون اليه من البحث وبذل الجهد لاستنباط الحكم من مضانه الاربعة، الناس صاروا يدلفون لهؤلاء العلماء يسألون منهم، هنا تبدأ مفارقة تتكئ على مفردة في منتهى الحساسية والدقة ايضا وهي مسألة العصمة عندما يدلف الناس من شتى الاقطار لجهة واحدة تتمتع بالعصمة هنا لا مجال لتشعب الآراء واختلافها وانما تكون متحدة، قد تكون ادوارهم مختلفة لكن هدفهم واحد، لذلك العلم المأخوذ من الامام علي (ع) او اخذ من الامام الصادق في وسط السلسلة الذهبية لأهل البيت عليهم السلام او أخذ من الامام العسكري خاتمة الائمة في حال الظهور كلها عبارة عن منظومة علمية معرفية واحدة، مصدر واحد، المصدر بين واضح في منظومة معصومة هي عبارة عن الائمة وقبلهم الرسول الاعظم (ص)، العلماء الامر يختلف بالنسبة لهم، لان عنصر العصمة غير موجود عندهم مهما كان العالم او المرجع على درجة عالية من التقوى والايمان والزهد والعبادة والعلم يبقى دون المرتبة الاولى من مرتبة المعصوم التي رتبه الله فيها.

أسلوب التعاطي مع العلماء وآرائهم

 هذه الحيثية والحقيقة لابد ان نلتفت لها، عندما نقول عصمة، عندما ينتهي الكلام للمعصوم لا يجوز لنا ان نرفع او نضع او نقدم او نؤخر، لكن عندما يكون القول او الفتوى او الحكم لمجتهد أو مرجع أي كان ذلك الشخص حينها يمكن ان نأخذ ونعطي ولكن في حدود ما يؤمنه لنا التكليف الشرعي والا تتحول الامور الى هرج ومرج، يعني صاحب الاختصاص بمقدوره ان يناقش رأي الفقيه هذا ليس ممنوعا، بل بالعكس، تلامذة السيد الخوئي كانوا يناقشون آراء أستاذهم ويردونها، ولو كان السيد الخوئي يتمتع بعصمة لما جاز لهم ان يردوا عليه، الأمر بالنسبة للسيد الامام رضوان الله تعالى عليه ايضا كان كذلك، قبلهم كان السيد الامام الحكيم وقبلهم فلان وفلان .. الى اليوم المنظومة الموجودة حفظهم الله تعالى، تلاميذهم يردون عليهم لكن بالأدلة العلمية وليس بالجهل والتطاول ولا بالحرب والتسقيط ولا بالخروج عن دائرة المألوف وانما بالدليل والبرهان، يعني انا عندما ارد على فقيه او عندما فلان يرد على فقيه لابد ان اكون بمستوى أو على درجة من القدرة في ارجاع الفروع الى اصولها حتى استطيع ان اتكلم، يعني عندما اريد ان اتكلم ينبغي ان اتكلم عن علم واهم شيء ان اكون معذورا امام الله، اما اذا كان قصدي فقط التهريج والتسقيط والمحاربة هذا لا يجوز، هذا يضيع الامة وينتهي بها الى الضياع، الى الدمار، الى الشتات وربما والعياذ بالله الى الاضمحلال تصبح جماعة ضعيفة مهزوزة لذلك نحن ايضا علينا مسؤولية ان لا نقبل بكل من هب ودب ولا نسمح لاحد ان يتطاول ويتجاسر على حياض المرجعية لابد ان يكون عندنا موقف، وان لا تأخذنا في الله لومة لائم، قد لا يرضى فلان، ليس مهما هذا، المهم ان يرضى عنا الله سبحانه وتعالى، احيانا الانسان لا يرضى حتى عن نفسه! لابد ان تكون قبلة واحدة نتجه اليها، نبحث عن الرضا في دائرة الله سبحانه وتعالى وحساباته، المهم ان نعرف اي شيء يوضع في ميزان الاعمال يوم القيامة، هل هو ثقيل ام خفيف هذا هو المطلوب، ميزان زيد أو عمر أو رضا فلان أو فلان لا يقدم ولا يؤخر، فلان دعاني الى بيته ام لم يدعني، اذا لم يدعوني فتلك راحة واذا ما دعاني كلف نفسه وتكريم يشكر عليه، فلابد ان نلتفت الى هذا الشيء.

أهمية احترام آراء وشخصية العلماء

عندما نرى ان هذا المرجع له رأي وذاك المرجع له رأي آخر يختلف عن هذا فهذا امر طبيعي، هذا المنتج غير المعصوم طبيعي، لكن هذا لا يتيح لي الفرصة كي انال من ذلك المرجع، لان مرجعي لا يتفق معه في الرأي، لا، لابد ان تَحترم حتى تُحترم، احترم مراجع الآخرين، يحترم مرجعك واذا ما تجاوزت على مرجعهم سيتجاوزون على مرجعك، وكما ترى القدسية في مرجعك هم يرون القدسية في مرجعهم، كما ترى براءة الذمة في اخذ الاحكام الشرعية منه، ايضا هم يرون براءة الذمة في الأخذ عنه، هذه الامور طبيعية، لابد ان يكون الميزان واحد، قد تقول هل هذا يعني ان المرجع معصوم؟ لا، المرجع غير معصوم، المعصوم فقط اربعة عشر في منظومة الاسلام؛ محمد، علي، فاطمة، الحسن والحسين ثم السلسلة النيرة حتى الخلف الباقي من آل محمد، غيرهم ليس معصوم، كائن من كان، سلمان له درجة عاشرة من الايمان لكن غير معصوم لا تجد شخص يقول بعصمة سلمان، كذلك بالنسبة الى ابي ذر الذي هو في الدرجة العاشرة او التاسعة من الايمان كما تنص بعض الروايات، لكن لم يقل احد انه معصوم، لان العصمة شيء خاص، شيء رباني، منحة، كرامة من الله لمحمد وآل محمد، فلا ينبغي ان نفصلها ونوزعها على ميولنا، فالاختلاف حسن والخلاف مبغوض مردود، الخلاف نهايته مدمرة والاختلاف نهايته معمرة، لنبحث عن العمار وندفع دائرة الدمار عنا، وفقنا الله واياكم لكل خير، ان شاء الله ليلة الجمعة القادمة تصادف مولد الامام الرضا (ع)، نسأل من الله سبحانه وتعالى ان يهيئ لنا الاسباب للوصول الى عتبته الطاهرة ومشاهدة قبته النيرة بمحمد وآل محمد.