نص كلمة:الإمام الهادي وجهاده للتصوف المنحرف
التعرف على الانوار الزاهرة لأهل البيت عليهم السلام
أسعد الله أيامنا وأيامكم في ذكرى ميلاد الكوكب العاشر من كوكبة آل محمد الإمام الهادي (ع)، أهل البيت عليهم السلام يمثلون منظومةً واحدة سرّ أسرارها النورانية التي أفاضها الله جلت قدرته عليهم، بنورهم أشرقت السماوات والأرض لهم عليهم السلام، الخصوصية الكبرى والآية العظمى والعروة الوثقى والحجة على أهل الآخرة والدنيا، لكل إمام منهم عليهم الصلاة والسلام رسالةٌ خاصة يقتضيها الزمان والمكان والأحداث المصاحبة، لذلك وان تعددت أدوارهم إلا أن الهدف المتوخى هو الهدف الواحد الذي لا يتغير ولا يتبدل من النبي الأعظم محمد(ص) إلى خاتم الكوكبة النيرة اي الإمام المهدي من آل محمد، كثير هم أولئك الذين يسعون للتعرف على ذوات هؤلاء المعصومين عليهم السلام لكنهم يجدون أنفسهم أمام طريق مسدود إلا في بعض المحطات التي تستوجب توقفاً معيناً محدوداً وهو ما وصل إلينا عبر نقلة الحديث أو ما سطرته أقلام المؤرخين واشترك في هذا أعلام الفريقين من الخاصة والعامة وكلنا يعرف عندما يتحرك الإنسان على أساس من الحب ما الذي يصدر منه وعندما لا يتحرك على هذا الأساس ما الذي يصدر عنه، الحب عندما يدفع الإنسان للكتابة أو للحديث فإنه يأخذه إلى عوالم يرتضيها على العكس من ذلك تماماً عندما يتحرك الإنسان لا على أساس من الحب ولا أقول البغض، لان الإنسان المبغض خارج الدائرة هذا لا مجال للحديث معه، لأنه لا يستحق أن يقف الإنسان أمام ما يقول، لانه مبغض، أما الإنسان المخالف الذي لا تتفق معه ولا يصل به الحال إلى درجة البغض فالأبواب مشرعة ومساحة الأخذ والرد والبدل مفتوحة، أصلاً القرآن يؤسس لنا، السنة تدفعنا الأعلام يأخذونا بأيدينا إلى هذه المساحات في أن ننفتح على الآخر، أن نأخذ من الآخر، أن نتقبل، أن نسمع، أن نصغي، نعم نضع الشيء على المحك، فإن تم دليله وقام برهانه لا مانع أن يخضع الإنسان للحقيقة، لأن الحقيقة هي الغاية التي من اجلها تحرك الأنبياء والرسل الأولياء والصالحون وهداة الأمة وعلماؤها.
التصوف؛ التاريخ، الافكار، والحراك الفكري مع الامام الهادي (ع)
الإمام الهادي (ع) هذا الكوكب المنير اصطدم بواقع مرّ هذا الواقع هو عبارة عن تنامي حالة التصوف في وسط الأمة على حساب الثوابت من معتقدها والمستقر من أصولها لذلك وجه جهاده سلام الله عليه وعلى أبائه وأبنائه لوضع الحلول المنجية لأبناء الأمة من غائلة ما قد يترتب على هذا السلوك وهذا التوجه من اثار خطيرة تحرف مسار الأمة عن هدفيتها، التصوف بادئ ذي بدء منطلقاته حسنة طيبة سهلة هي عبارة عن ترويض النفس وأبعاد النفس قدر الإمكان عن الدنيا وزبرجها لكن مع مرور الأيام عملت الدولة العباسية على إثارة واذكاء الكثير من مواطن الافتراق رغبةً في السيطرة على الوضع، تسللت هذه الحالة إلى الواقع الصوفي الذي كان ينأ بنفسه ويجد ملاذه في المساجد والتكايا حتى أن جماعة الصفة باتوا يشغلون مواقع معينة لهم في الكثير من دور العبادة يخلصون أنفسهم من الماديات يحاولوا أن يقتربوا من الله ولهذه امتدت مسيرتهم والى اليوم وعندما نقول هذا الكلام لا نعني المطلق من الصوفيين وإنما نعني أولئك الذين لم يقفوا عند حدود ما يمليه عليهم الثابت من الدين من المعتقد، الصوفيون بدأوا في زمن الإمام علي (ع) ثم تطورت حالتهم، جذبوا مجاميع من الناس واستقطبوا الكثيرة ممن لا حول لهم ولا طول ثم دخلوا في أعقد المسائل وأكثرها تكليفا البحث عن وجود الصانع وان لا معلومة حقيقية إلا ما أشرقت على النفس وما عداها فلا نصيب له من التسليم! إذا سلمنا بهذا، يعني تحل كارثة عظيمة، تعني إبطال فاعلية العقل الذي هو اشرف ما شرف به الإنسان وميز عن سائر المخلوقات، ﴿و لَقَد كَرَّمنا بَنى ءادَمَ﴾ [2]، باي شيء كرمنا بني آدم؟ كرمناه بعقله وإلا إفاضة الحيات هي لكل الموجودات، لكن هذه الحالة من التمييز بين الخير والشر، بين النور والظلمة، بين الهدى والانحراف، هذه عاملها الأول هو العقل، هذه النعمة الكبرى التي على أساس منها يحصل الثواب والعقاب، الجنة والنار، الحديث الشريف يقول: «لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له: أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك ولا أكملتك إلا فيمن أحب ، أما إني إياك آمر، وإياك أنهى وإياك أعاقب، وإياك أثيب»[3]، قلت لكم جاءت فتنة خلق القرآن، أخذت نصيبها منهم، دخلوا في دهاليز مظلمة، إبليس والعياذ بالله يحسن شق الطرق، تمديد الجسور، حفر الانفاق لا يدع مجالاً للإنسان إذا ما أراد أن يركب في سفينة إبليس إلا واتخذ له طريقا يتناسب مع مقامه وشأنه، قد يكون شخص يمرره ابليس بطريق واحد وينتهي به الى ما أراد، وقد يكون شخص يحتاج الى شارع مسفلت، آخر يحتاج الى إضاءات في الشارع، وآخر يحتاج الى إشارات مرشدة، وآخر... وهكذا كلٌ بحسبه، لكن إضلال العالم يحتاج من إبليس ان يبذل جهود كبيرة على العكس من ذلك، إضلال الإنسان العابد عندما أقول العالم اعني العالم الإلهي الذي يتحرك في دائرة الله وإلا إبليس أيضا كان عالما لكن خارج الدائرة الإلهية وكم لإبليس من حفدة أبناء وحفدة كثر على مر التاريخ.
التعاطي الايجابي للائمة عليهم السلام مع المشككين
الإمام الهادي (ع) من جهوده محاولة إرجاع هؤلاء إلى الطريقة الصحيحة إلى المحجة البيضاء لاحظوا في سير أئمتنا عليهم السلام عندما يصطدمون بحالة من الانحراف الفكري أو الانصراف إلى خلاف ما هو المجمع عليه لا يعمدون إلى الهدم والمحاربة والتسقيط وإصدار الأحكام المنفرة وإنما يعمدون إلى أسلوب التحبيب، الترغيب، التقريب أصلاً لا ينتظرون أن يأتيهم الإنسان المشكك هم يتحركون في الذهاب إليه أو يجعلون بينهم وبينه الواسطة كما هو الحال في قضية الكندي مع الإمام الحسن العسكري الذي يخشى مواجهة الحقيقة هو الذي لا يمتلك الدليل، لكن الذي بيده الدليل لا يخشى، يتحرك في كل المساحات، يتقلب في كل الأوضاع، يعطي ما يمليه عليه الضمير الرغبة أولاً وأخيراً الوصول إلى الهدف، لماذا نحن نقدسهم نقدّسهم لأن الله أراد ذلك هذا اولا واما ثانيا لأنهم أعطوا ولم يأخذون، لأننا مهما كنا في دائرة النقص لا يكملنا في هذا الوجود إلا محمد وآل محمد(ص).
التوجه صوب اهل البيت عليهم السلام والاخذ من معينهم
وبهذه المناسبة همسة في الاذان وهي ان أهل البيت عليهم السلام لا يدفعوننا كثيراً في اتجاهات بقدر ما يدعونا إلى الاتجاه لهم والانطلاق على أساس منهم لذلك هم يقولون: كونوا لنا زيناً؛ أو: كونوا دعاهً لنا بغير ألسنتكم يعني بسلوككم يعني لابد ان تكون هنالك مطابقة بين الأقوال والأفعال وإلا ما هي الفائدة أن احتفل بذكرى الإمام الهادي (ع) وأنا لا امتلك سلوكاً هادئاً في وسط الأمة، أحتفل بذكرى الإمام الهادي النقي (ع) وأنا لا احمل صفحة من النقاء في مسيرتي، نتوقف في محطات ذكريات وفياتهم ومواليدهم لنستجلي الدروس والعبر لنضيء طريقنا كي تشرق هذه النفس هذه الروح الأسيرة بين جنباتنا إذا فعلنا وتفاعلنا معهم نورٌ على نور، هناك رواية منقولة عن الإمام علي (ع) تأخذ بأيدينا للتعرف عليه نقرؤها دون تعليق يقول (ع): « فمن ذا ينال معرفتنا، أو ينال درجتنا، أو يدرك منزلتنا، حارت الألباب والعقول، وتاهت الأفهام فيما أقول، تصاغرت العظماء وتقاصرت العلماء، وكلت الشعراء وخرست البلغاء، ولكنت الخطباء، وعجزت الشعراء، وتواضعت الأرض والسماء، عن وصف شأن الأولياء ... جل مقام آل محمد عن وصف الواصفين، ونعت الناعتين، وأن يقاس بهم أحد من العالمين»[4]
نسأل من الله سبحانه وتعالى أن يكتبنا وإياكم من زوار هذا الإمام المظلوم صاحب القبر المهدوم قريباً عاجلاً إنشاء الله وان يرزقنا الشفاعة على يديه ولروح هذا الفقيه السعيد بولاية محمد وآل محمد رحم الله من يقرأ الفاتحة.