نص كلمة:الإمام المهدي و أبعاد الانتظار
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله وسلم على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
بلغ العلى بكماله *** كشف الدجى بجماله
حسنت جميع خصاله *** صلوا عليه وآله
اسعد الله ايامنا وايامكم بذكرى ميلاد الخلف الباقي من آل محمد الحجة ابن الحسن عليه الصلاة والسلام عجل الله فرجه وسهل الله مخرجه وجعلنا من انصاره واعوانه والمصلين خلفه والمستشهدين بين يديه واعاد الله علينا وعليكم الذكرى ونحن وانتم وعموم المؤمنين والمسلمين عامة في احسن حال.
بعض ما يكون عند ظهوره الشريف (برواية المفضل)
الحديث عن الامام صاحب العصر والزمان (ع) فيه الشيء الكثير من الخير والبركات وفيه النفع الكبير وفيه ما يكون مقربا بين القلوب، كل الائمة عليهم السلام طاعتهم مفروضة في عوالم ظهورهم، والخلف المهدي طاعته مفروضة على جميع ذرات الكون في ظهوره وغيبته وبعد ظهوره، الامام المهدي (ع) لابد وان تأذن له السماء في الظهور في يوم ما، لكن لا ندري هل نشرّف نحن بتلك الطلعة الرشيدة والغراء الحميدة ام لا يسعفنا العمر لكي نحظى للنظر الى تلك الاشراقة المقدسة، الله سبحانه وتعالى هو الذي بيده مجرى الامور، ولكن شوقنا، محبتنا، ذوباننا، عشقنا للإمام المهدي (ع) يجعلنا حاضرين في دائرة لطفه، سوف يخرج في يوم من الايام، لكن على أي حال؟ وبأي كيفية؟ هنا يسعفنا النص الشريف المروي عن الامام الصادق من آل محمد عليه الصلاة والسلام على استجلاء واستكشاف زاوية من تلك الزوايا، يقول (ع) للمفضل: «يا مفضل يظهر وحده ويأتي البيت وحده، ويلج الكعبة وحده، ويجن عليه الليل وحده، فإذا نامت العيون وغسق الليل نزل إليه جبرئيل وميكائيل عليهما السلام، والملائكة صفوفا فيقول له جبرئيل: يا سيدي قولك مقبول، وأمرك جائز، فيمسح عليه السلام يده على وجهه ويقول: ﴿و قالوا اَلحَمدُ للهِ الَّذى صَدَقَنا وعدَهُ و اَورَثَنَا الاَرضَ نَـتَـبَوَّاُ مِنَ الجَنَّةِ حَيثُ نَشاءُ فَنِعمَ اَجرُ العـٰمِلين﴾[2]»[3]
يا مفضل يظهر وحده؛ يعني حين خروجه للوهلة الأولى يخرج وحيداً ليس معه احد، هذه المرحلة الأولى او الصفة التي يخرج عليها في مرحلة حراكه الأولى
ويأتي البيت وحده؛ يعني الى البيت الحرام ايضا يأتي وحيداً ليس معه اعوان، ليس معه انصار، لا تقاد النجب بين يديه وانما يأتي فردا اعزلاً يدخل في بيت الله الحرام على هذه الحالة وهذه الصفة ويلج الكعبة وحده يدخل في بنائها ايضا ليس معه احد وانما لوحده
ويجن عليه الليل وحده؛ يبقى وحيداً ليس من حوله احد ثم يقول الامام الصادق (ع): للمفضل: فإذا نامت العيون؛ يعني انصرف الناس عما هم فيه من العبادة والتوجه والتردد وربما حتى الاستراحة واستقطاع الوقت او انتظار العبادة القادمة؛ فإذا نامت العيون وغسق الليل؛ يعني استحكمت ظلمته
نزل إليه جبرئيل هنا تبدأ المرحلة الثانية كون الامام (ع) وحيدا في كل المراحل؛ في دخوله للبيت، في ولوجه للكعبة، عندما تنام العيون، عندما يغسق الليل، عندما ينصرف الناس، هذه كلها المرحلة الاولى في طريق حركة، هنا تتدخل السماء لتضع الحجر الاساس للمرحلة الثانية وهي عبارة عن بشائر اللطف التي تجري من السماء على يد الواسطة الامينة المأمونة جبرائيل (ع) كما هو الحال عندما نبئ النبي الاعظم محمد (ص) بنبوته، نزل إليه جبرئيل وميكائيل عليهما السلام، والملائكة صفوفا؛ هنا نستظهر ان مكون الجيش حول المهدي الاول يتصف بهذه الصفة اي صفة الملائكة، يعني خروجٌ من دائرة الناسوت الى عالم آخر، من هنا يكون الامام المهدي (ع) قد حظى في المرحلة الثانية ومن حوله الاعوان، اما الاعوان على نحو الخصوص ملائكة السماء حول الامام المهدي (ع)، نزل إليه جبرئيل وميكائيل عليهما السلام، والملائكة صفوفا فيقول له جبرئيل: يا سيدي؛ وهنا ينبغي ان نتوقف عند هذه الفقرة لننتزع درسا، عندما نتحدث عن أي قمر من اقمار العصمة الطاهرة علينا ان نتأدب في الحوار والخطاب وأن نجعل المعصوم بين ايدينا ونؤمن بانه السبب بيننا وبين السماء وان نعطي للمعصوم ما اعطت السماء للمعصوم وما امرنا المعصوم ان نتفوه به عند استحضار واحد من الاسماء المقدسة من الكوكبة النيرة من محمد وآل محمد (ص). فلا نقول محمد عزلى عن رسول الله ونبي الله ولا نقول علي والحسن ولا نجعل بين ذلك صفة الامامة، اما ان نقول الامام الحسن او ان نقول الامام، او ان نقول الحسن الامام ابن الامام وهكذا الامر ينبسط مع باقي الائمة، بطبيعة الحال هذا يكون اذا ما كانت الاجواء مناسبة وتسمح بان نأتي بها، بعيدا عما تفرضه احكام التقية علينا فلكل ظرفا حكمه وخاصيته، فيقول جبرائيل (ع): يا سيدي؛ لاحظوا عبارة «يا سيدي» هي في منتهى الادب والتأدب درسٌ فيه من العمق الشيء الكثير علينا ان نتعلمه، قولك مقبول؛ أي قل يا بن الزهراء يا بن الرسول فقولك مقبولٌ في أي جهة وجهته ولأي جماعة خصصته به، فقولك مقبولٌ وأمرك جائز؛ أي نافذ ماضي، هنا الولاية التكوينية تتشخص بين يدي الامام (ع) في اجلى واوضح مصاديقها انه جبرائيل سيد الملائكة الامين على الوحي الواسطة بين الارض والسماء هذا الملك العظيم يجعل كل المقدرات التي اختصته به السماء بين يدي الامام المهدي (ع) حينها لا غرابة ولا مجال للاستغراب او الاستكثار على الامام (ع) فيما يجري على يديه وانما كل ما يطرق اسماعنا هو دون ما يمكن ان تصدق عليه او تنفذ فيه تلك الارادة الحقة المؤمّن نفوذها من قبل الله سبحانه وتعالى.
فيمسح عليه السلام يده على وجهه ويقول: ﴿و قالوا اَلحَمدُ للهِ الَّذى صَدَقَنا وعدَهُ و اَورَثَنَا الاَرضَ نَـتَـبَوَّاُ مِنَ الجَنَّةِ حَيثُ نَشاءُ فَنِعمَ اَجرُ العـٰمِلين﴾؛ فالجعل هنا للإمامة اختصاص مع الامامة الفعلية للمهدي (ع) تكتمل منظومتها من اولها الى آخرها، هذا النص ايها الاحبة يحفزنا على ان نتعاطى مفردة الانتظار كما ينبغي ان نتعاطاها وفق ما اراد لها المشرعون من النبي (ص) الى الآل المعصومين عليهم السلام.
بيان بعض القراءات لمعنى الانتظار
هناك نص مروي عن النبي الاعظم محمد (ص) يقول: «أفضل اعمال أمتي انتظار الفرج »[4] هذا نص روته الخاصة والعامة ايضا بل صححه جمعٌ من العامة أي من علمائهم ومحققيهم، مسألة «انتظار الفرج»، سؤالٌ يطرح نفسه: من ينتظر الآخر، هل نحن من ننتظر الامام المهدي (ع)، ام ان الامام المهدي (ع)، الامام المفترض الطاعة علينا هو الذي ينتظرنا؟ الحق هو ان المهدي الامام المفترض الطاعة ينتظرنا ونحن ايضا في نفس الوقت ننتظره في شديد اللهفة والشوق بلغنا الله النظرة السامية. هذا الانتظار ايها الاحبة تمت قراءته بوجوه مختلفة عبر اكثر من الف ومائة سنة يعني قريب الف ومأتين سنة من الغيبة الامة تنتظر امامها، العلماء تعاملوا مع الغيبة بأكثر من لون ولون من التعامل والناس تبعٌ لهم على ذلك بعض من الناس استحدث لنفسه طريقة خاصة في التعاطي مع الناحية المقدسة للإمام المهدي (ع) في زمان غيبته.
الاشتغال بالعبادة والدعاء فقط
القراءة الاولى لمعنى الانتظار وفهم المفردة وترتيب الآثار بناءا على هذا الفهم هو عبارة عن الجلوس في مواطن العبادة والاشتغال بالعبادة والدعاء له بالظهور، هذه القراءة الاولى مما لا شك فيه اننا نحسن الظن فيمن يرى هذه القراءة ويرتب عليها الآثار، لأنها تحكي عن زاوية من زوايا الصلاح والايمان والطاعة ولكنها لا ترتقي في قراءتها الى دقيق إعمال فكري وحضور الوعي وانما تبقى في حدود العبادة بما هي عبادة الكاشفة عن حالة من الصلاح والتوجّه.
الفهم السطحي والمادي لمعنى الانتظار
القسم الثاني يتقدم في قراءته قليلاً وهي عبارة عن قراءة أناس صالحين بما هم هم من حيث المبدء والممارسة يعتقدون بنبوة النبي وبإمامة علي والآل من نسل علي الامام (ع) ولكن ليس وراء ذلك الا ما يتمحور في حدود هذه البساطة من القراءة لكن تبقى البساطة هي سيدة الموقف ربما اخذتهم الرياح ذات اليمين وذات الشمال لانهم لم يتعمقوا في مفهوم الانتظار ولم يعطوا للمفردة ما ينبغي ان تعطى حتى تستقر في داخلهم وتتفاعل في وجدانهم وتنعكس على جوارحهم تصديقا في العالم الخارجي شاهدٌ او مثالٌ يقرب لنا المعنى في هذا المعطى او في هذه القراءة الثانية اولئك الذين عمدوا في زمن من الازمنة لاقتناء خيلة من اجل ان يمتطيها عندما يؤذن للخلف الباقي من آل محمد او يشتري سيفا ويجعله ذخيرةً له ليذب به بين يدي الخلف الباقي من آل محمد عليهم الصلاة والسلام، لكنها ايضا قراءة مادية صرفة لا تتجاوز حدود ما قرأه وادركه.
التركيز فقط على المفاهيم الصرفة
ثم تأتي قراءةٌ ثالثة فيها شيء من النضج ربما اكثر قليلا من سابقيتها لكنها مع شديد الاسف لا تؤتي ثمارها كما ينبغي هي تتجاوز مرحلة المادي الى المعنوي او تحاول ان تساوق وتقرب بينهما لكن كل ذلك في عالم المفاهيم الصرفة اما في عالم التصديق الخارجي فانها تكبوا بهم العقلية التي يفترض انهم اسرجوها من اجل استكشاف كنه هذا المفهوم، مفهوم الانتظار.
اللامبالاة وعدم الاهتمام بما يجري في المجتمع
ثم تأتي جماعةٌ أخرى لا يعنيها شيءٌ مما يجري من حولها اعني في زمن الغيبة، ان كان في قالب الصلاح او كان في قالب الفساد، في العدالة او في الظلم، كلاهما في ميزان واحد، الامر لا يعنيه اذا كانت الرسالة منوطة بالغائب، فعلى الغائب ان ينهض وان يصحح الامور ويضع الامور في وجهها الموجه اليه، لا يعنيها شيء مما يجري من حولها داخليا ولا خارجيا حيث يعتبرون ان ذلك من تكليف الامام المهدي (ع) فهو الذي يملأها قسطا وعدلا بعد ان تملأ ظلما وجورا، فبالنتيجة لا يعنيه سواء ملئت بالعدل او ملئت بالجور وبالظلم وما الى ذلك من الامور، ربما يكون يتعاطى العبادة اكثر مني ومنك وربما في شكلها وتمظهرها ايضا اكثر جمالية مما أؤديه انا وانت ولكنه يبقى مصر على ان الامر الاساس لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد، لان المترتب على هذا فسادا هو ان الانسان لن يأمر بمعروف ولن ينهى عن منكر ويبدأ الأمر بالدائرة الصغيرة ثم يتسع على نفسه فلا يأمر نفسه ولا ينهاها ولا يأمر عائلته ولا ينهاها، ثم تتسع الدائرة في المجتمع، ثم بعد ذلك في البلد، ثم بعد ذلك في طائفة واوسع من ذلك في أمة واوسع من ذلك في مكون بشري له ابتداء ونهايته كما تعلمون، ثم بعد هذا ليت الامر وقف الى حدٌ من القراءة بل وصل الى ما هو الاسوء من ذلك بكثير ايها الاحبة، هذه الجماعة تقول ان عليها ان تغرق الكوكب بالجرائم والمنكرات والفواحش ما ظهر منها وما بطن من اجل ان تعجل في ظهور الامام المهدي (ع)، لأن خروجه موقوف على ان تملأ الارض ظلما وجورا وفي هذه القراءة من السذاجة والتخلي عن المسؤولية وادارة الظهر للشريعة المقدسة الشيء الكثير، هؤلاء يرون في إغراق العالم بالمنكرات من الاسباب الباعثة على التعجيل لظهور الامام المهدي (ع) فهم يقولون علينا الانتظار لذلك اليوم الذي تملأ الارض فيه فسادا وظلما حتى يأتي الفرج بعد ذلك، وبالمناسبة ايها الاحبة شكّلت هيئات عبر التاريخ وعبر القرون المتصرمة كان همها الاول والاخير ان تشيع الفحشاء والمنكرات في وسط الأمة! تصورا منها واعتقادا ان المهدي لن يخرج الا اذا ما تحقق هذا الامر وهذا الامر لا يتحقق ما لم ينبعث له الناس ويتحركوا من اجل ايجاده والقيام به.
ممارسة المنكر لملء الارض فسادا
جماعة أخرى ايها الاحبة ترى من تكليفها إغراق العالم بالظلم والمنكرات هي لا تحفز ولا تدفع ولا تقف عند هذا الحد وانما تمارس هي المنكر، المنكر والتعدي له صور كثيرة ومتكثرة منها ايها الاحبة هذه الدماء التي نراها تسيل في اكثر من واد وواد وفي اكثر من بقعة وبقعة دون سائل ودون رادع، تصوروا ان البعض من الناس يسهم فيها رغبةً منه في تعجيل الفرج إلى هذا الحد! استباحة الأعراض عند البعض من الجهات في بعض المواطن! يتصور انه من خلال هذا الفعل الاجرامي البشع الذي ترفضه طبيعة الانسان السوي ناهيك عن التشريعات السماوية التي اؤتمن عليها الانبياء والرسل والائمة عليهم الصلاة والسلام والعلماء الصالحون، هم يرون في انفسهم انهم لابد وان يعملوا الرذيلة! لذلك اقاموا المنتديات في اكثر من بلد وبلد حتى في بعض البلدان المحسوبة مع شديد الاسف على الدائرة الضيقة المعلومة ايضا كانوا يقيمون النوادي من اجل ان يواقع الكثير المنكرات، ظناً منهم انهم بهذا يتقربون الى الله وظنا منهم انهم يملؤون الارض لتعجيل الظهور فهذه الجماعة كانت تتجه في هذا الاتجاه.
الاعتقاد بان كل راية ترفع قبل الظهور هي راية ضلال
اما الجماعة الاخرى فهي الجماعة التي ترى ان كل حركة اصلاح في وسط الامة وتوجّه في سبيل اقامة أو على الاقل توطئة السلطان للمهدي (ع) هي حركة باطلة عاطلة مردودة على اصحابها فما من راية رفعت في زمن غيبته إلا وهي راية ضلال، هناك نصوص في هذا المعنى او قريبة من هذا المعنى موجودة وهي كثيرة، لكن لم يحسن قراءتها على فرض التسليم بصدورها، ايها الاحبة ليس كل رواية تطرق اسماعنا ونرى فيها شيئا من الثقل، ننعتها بالضعف أو نرفضها، وانما تكليفنا ان نعرض تلك الرواية على العلماء المتخصصين في فن الرجال وفن الدراية ـ أي علم الرجال وعلم الدراية ـ كي يغربلوها سندا ومتناً ثم بعد ذلك يحكم لها او عليها، لكن اذا كانت بضاعتنا لا ترتقي الى هذا المستوى ولا تقدم لنا مادة اولية ولا تولّد لنا عناصر مشتركة فيما بينها لاستظهار النص والحفاظ على بناء وتلفيق السند فعلينا ايها الاحبة ان نردّ الامر الى اهله ﴿فَسـئَلوا اَهلَ الذِّكرِ اِن كُنتُم لا تَعلَمون﴾[5]، بالنتيجة ايها الاحبة هؤلاء يأتون لمثل هذه الروايات ويتخذون منها ذريعةً في الوقوف في وجه جميع المصلحين وفي التاريخ شواهد على ذلك كثيرة، راية ضلال او راية فساد او راية متروكة او ... كل هذه الأمور اذا ما ذكرت في الروايات علينا ان نتعامل معه وفق تلك الآليات واذا تعذر علينا رددناه الى اهله فهم اهل بيت النبوة عليهم السلام اسلم لنا في ديننا، عندما نرجع الامر الى اهله بدل ان نخبط خبطة عشواء ندفع ضريبتها دنياً ولن نخلص من دفع ضريبتها في الآخرة، مثل هذه الرواية يمكن ان تأوّل وحيث ان النص قابل للتأويل ليس من حقنا ان نرفع اليد عنه من رأس او نكذبه، بل بإمكاننا ان نقول ان هذه الراية التي تنعت بالضلال او ترد او تحارب او تقاطع هي تلك الراية التي تدعي انها راية المهدي في زمن غيبته، هذه الراية المرفوعة على انها راية المهدي في زمن غيبته هذه راية فساد وافساد وضلال واضلال للامة هذه علينا ان نحاربها وان نقف في وجهها وان تذرّع بها اصحاب عمائم، ميزاننا ليس في ذلك العمامة والعباءة وانما ميزاننا في ذلك الصدق والمصداقية المتربعة في صدور علمائنا البررة ـ رحم الله من مضى حفظ الله من بقي منهم ـ
التعمق وسبر غور النصوص وعدم الاكتفاء بظواهرها
ثم تأتي الأمة الراشدة التي نسال من الله سبحانه وتعالى ان نكون من افرادها، هذه الامة الراشدة هي التي استنارت بنور العلم والمعرفة واجمل علم واكمل علم هو ذلك الذي وصلنا عبر الوسائط الصحيحة التي تربطنا بالمصدر الاساس، حيث المصدر الاساس هو عبارة عن كلام جرى على لسان المعصومين عليهم السلام، من النبي المصطفى محمد (ص) ومروراً بالكوكبة النيرة من المعصومين عليهم السلام وانتهاءً بالخلف الموعود الامام المهدي (ع) الذي ننتظر طلعته، هؤلاء ايها الاحبة ابناء الامة الراشدة هم الذين عاشوا النص ودرسوه ولم يتعاملوا مع ظواهر النص وانما سبروا غوره ولملموا القرائن من هنا وهناك بعدها استنطقوا النص وساروا به، الامر الثاني بعد الانطلاق هو التفعيل ايها الاحبة ميراثنا ضخم وكبير علينا ان نقترب منه برفق اذا ما قرأنا واستظهرنا علينا ان نطبّق واذا ما طبقنا علينا ان لا نستوحش، طريق الحق طريقٌ شائك، اصلا هو طريق ذات الشوكة اذا اراد الانسان ان يقطعه الى نهايته سيجد له عونا والعون في زمن الغيبة هو اللطف من تلك الناحية نسال من الله سبحانه وتعالى ان يكرمنا بها.
الاعداد الروحي وتقوية النفوس
الامر الآخر رفع راية الانتظار الحقيقي البعيد عن نزوات الافراد والجماعات وهذا امر مهم ايها الاحبة الامام المهدي (ع) يريد منا وكما جاء عنهم عليهم الصلاة والسلام «المؤمن القوي خيرٌ من المؤمن الضعيف»[6] والمؤمن القوي هو ذلك الانسان القوي في نفسه الذي يحمل ثقة في نفسه والتي تنعكس تلك الثقة على افراد أسرته حيث يعيشون الثقة وتتربع في جميع مكونهم، ثم يتسعون بها شيئاً فشيئاً حتى تتحول الى المجتمع فيتحول ذلك المجتمع الى مجتمع قوي، عوامل القوة هي عبارة عن ايمان راسخ وعن علم نافع وعن عمل فيه الاخلاص والصدق والمصداقية، لا اطيل عليكم اكثر من هذا، ان شاء الله نستفيد من سماحة الشيخ الاخ حسين، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يتغمد ارواحا كانت تترد الى هذه المجالس، أحبة شيبة رحلوا، وشباب رحلوا وحتى امهات واخوات من ورائهم كانوا ايضا يستمعون عبر وسائط النقل بما يجري من الاحاديث الشريفة والابتهالات الطيبة من حناجر الاحبة، تلك الارواح غادرت لكن صدقوا انها محلقة في مثل هذه الحالة التي نحن فيها، غابوا عنا بأجسادهم لكن الارواح ترفرف في ليالي الجمعة، ترفرف ارواح المؤمنين على بيوت اهليها في ليالي الذكر، في ليالي الوفيات، في ليالي المواليد، في ليالي القدر، في المناسبات العظيمة، ارواحهم تكون قريبة اكثر منا، علينا ان نستحضرها.
أهمية التعاطي مع المشهد بالحكمة والتعقل
اما بالنسبة لأبنائي واخواني الشباب اقول لهم: من لا كبير له في الحياة عليه ان يفتش عن كبير، والكبير ليس بالضرورة ان يكون بين اوساطنا قد يكون غاب ولكن خلف وراءه سيرةً طيبة وذكرا جميلا وافعال محمودة، علينا ان لا ننسى الذين مضوا بل نستحضر سيرتهم والتضحيات التي قدموها، نحن اليوم ننعم بحالة لم يتمتعوا هم باقل القليل مما نتمتع به نحن اليوم، هم عاشوا شظف عيش وضيق وضع ولكنهم استطاعوا ان يحملوا الامانة ويوصلوها بما أوتوا من قوة، لم يكونوا على درجة من العلم كما انتم، ولا على درجة من الثقافة كما انتم، ولا على درجة من الانفتاح كما انتم، وعلى لا درجة من الاقتدار المادي كما انتم، ولكنهم تعاطوا المشهد الحق كما يملي عليهم الحق فعليكم ايها الاحبة ان تحملوا الراية وان تحافظوا على هذا الامر، اعود واكرر الحديث الشريف الذي طالما ذكرته وكررته كثيرا، «إن التقية ديني ودين آبائي»[7]، نحن اليوم في منعطف صعب وخطر، علينا ان نتمسك بهذا البعد الذي بذل اهل البيت عليهم السلام الشيءٌ كثير في سبيل ان يستقر في وجدان اتباعهم، علينا ان لا نرفع يدنا عنه، علينا ان لا نصاب بنزوة الغرور ونذهب بعيدا فنهلك انفسنا ونهلك الآخرين، ندمّر انفسنا وندمّر الآخرين، انفسنا علينا حرام وانفس الناس علينا حرام، مصالحنا لابد وان تحفظ ومصالح الآخرين ايضا لابد ان تحفظ، علينا ان نعيش محبةً صادقة وتعاون راسخ فيما بيننا، لإراحة تلك الرواح وان كنا في مولد ايها الاحبة نقرأ سورة الفاتحة لهم جميعا مع الصلات على محمد وآل محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.