نص كلمة:الإمام المهدي في ضمير الأمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على اشرف أنبيائه ورسله حبيب اله العالمين أبي قاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
بلغ العلى بكماله *** كشف الدجى بجماله
حسنت جميع خصاله *** صلوا عليه وآله
اسعد الله أيامنا وأيامكم وبارك الله علينا وعليكم ذكرى ميلاد الخلف الباقي من آل محمد (ص)
كثرة الروايات وتواترها في موضوع الامام المنتظر (ع)
جاء في الحديث النبوي الشريف: «أفضل اعمال أمتي انتظار فرج الله»[2]
الإمام المهدي (ع) انشودة المستضعفين في الارض تعلق به كل مستضعف في مرور زمن وتعدد مكان، لأنه يمثل ايقونة المنشد، ايقونة المنقذ للبشرية مما هي فيه من التخبط والشتات والضياع، الناس بما هم توجهوا لهذا المنحى والمسلمون ايضا على مثل ذلك بشقيهم تضافرت الروايات عند الفريقين بهذا الصدد، منها ما روي عن النبي الاعظم (ص): «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا من ولدى يواطئ اسمه اسمى يملاها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما»[3]، الروايات التي تتحدث عن مولده، والتي جاءت في تسميته، في حياته، في غيبته، في ظهوره وفيما يترتب على ذلك من الآثار هي من الكثرة بمكان بحيث لا تحتاج الى بحث طويل عريض للوقوف على اصل المكون، العلامة المجتهد الشوكاني[4] من أعلام المذاهب الأخرى يقول بان الأحاديث في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر التي أمكن الوقوف عليها ـ بطبيعة الحال وبحسب بحثه وتتبعه للآثار والاحاديث والروايات ـ منها خمسون حديثاً، ـ يقول العلامة االشوكاني ـ فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر وهي متواترة بلا اشكال ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر عليها، ـ والتواتر هو يولد للباحث علماً لا يشوبه شك ـ بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونه ـ يعني دون الخمسين حديث في جميع الاصطلاحات المحررة ـ يعني عند العلماء قاطبة في علم الاصول الذي يعنى بهذا الجانب؛ اذن نحن لا نعاني مشكلة مع اصل القضية المهدوية المتمثلة في الامام محمد بن الحسن الخلف الباقي من آل محمد (ص)، نعم افترقت الروايات هنا عند العامة عن الروايات عند الخاصة في بعض النواحي والجهات، لكن ذلك لا يؤثر على اصل القضية ومبناها.
القضية المهدوية؛ الانشودة الخالدة والمحركة
الانسان بما هو هو عندما درج على هذا الكوكب وجد نفسه امام اكثر من مسار، بعضها ينقطع بصاحبه في اول الطريق واحيانا يتقدم به خطوات الى ما هو اكثر من ذلك وبعضها يفضي الى باب مسدود، البعض ايضا يسير ويلهث ثم يموت ولا يصل الى غاية، لكن تلكم الانشودة الخالدة تبقى تحرك في داخل ذلك الانسان الرغبة الجادة والهداية الموثقة للوصول الى ما هو احسن مما هو عليه ولا انشودة ولا ايقونة اتم واكمل من الخلف الباقي من آل محمد (ص).
الامام المنتظر (ع) والكتب السماوية
الكتب السماوية ارسلت بعض الاشارات، نحن مقصرون من حيث التتبع والقراءة والتدقيق فيما جاء في تلك الكتب والصحف التي هي منسوبة الى السماء بغض النظر عما طرأ عليها من التحريف ناهيك عما كان يصاحب الانسانية في حراكها نحو التقدم والرقي في محطات عدة دوّنها الكتاب في قصة الحضارة للإنسان، ايضا هذه الجهة لم نشبعها بحثاً ولم نقف على دقائق امورها وانما عبرناها استرسالا حتى بعث الله نبيه الاعظم محمد (ص) سلط الضوء عليها كما ارادته السماء ان يكون، آياتٌ نص المفسرون على ان المستهدف بها والمقصود بها هو الخلف الباقي من آل محمد (ص) مثل هذه الآية الشريفة ﴿لِيُظهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ﴾[5]. كل الانبياء، كل الرسل لم يظهروا على الدين؛ لم يبسط لهم السلطان ولم تمد لهم اليد ولم يمكّنوا من جميع اجزاء الكون وذراته ووجود الانسان في حراكه وتقلباته.
الامام المهدي (ع) الموعود عند الانبياء والائمة عليهم السلام
بل اكثر من ذلك كان المهدي الموعود (ع) يشغل مساحته الكبرى من عقول الانبياء والرسل والاولياء والمصلحين ممن تقدم في الامم السابقة، الروايات التي جاءت عن النبي (ص) إما بالطريق الصحيح او الحسن او الضعيف المنجبر او الضعيف الذي لا طريق لجبر كسره تنوف عن الفين حديث! من هذا ننتزع شيء مهم ألا وهو ان قضية الامام المهدي (ع) كانت من الأهمية بمكان بحيث يسلط الضوء عليها من قبل النبي الاعظم والرسول المرسل (ص) من خلال هذا الكم الهائل من الروايات، ليرفع حالة الاشتباه والتردد عند من ربما يطرء له شيءٌ من ذلك، حتى اسم الامام المعصوم المنتظر جاء على لسان النبي (ص) صريحاً حيث يقول (ص): «يواطئ اسمه اسمي» وهو نص متفق بين الفريقين عليه بل صححه المحقق الالباني في اكثر من موضع من تقريراته، يضاف الى ذلك ان عبارة «واسم ابيه اسم ابي» هي من المنصص على اضافتها لحاجة في نفس يعقوب قضاها من وضعها! اما بالنسبة للمرويات عن طريق الائمة عليهم الصلاة والسلام إن عن الرسول الاعظم (ص) في المباشرة كما للإمام علي والامام الحسن والحسين عليهم السلام، او بالواسطة من امام عن امام حتى ينتهي الى الرسول الاعظم محمد (ص)، فهي رواياتٌ كثيرة اجهد آية الله الشيخ ابراهيم الاميني احد المجتهدين الكبار في قم وقتها نفسه في تحصيل هذه الروايات وغربلة مؤداها والعلاج في الكثير من المواطن منها حتى خلص الى نتيجة وقف الكثير من الباحثين والمحققين موقف احترام واجلالا لذلك المنتج.
حال الشيعة في زمن غيبة الامام المنتظر (ع)
حديثٌ شريف منقول عن الامام السجاد (ع) يهمنا كثيراً، يتحدث مع ابي خالد الكابلي احد اصحاب الأئمة يقول له الامام السجاد (ع): «... يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان، لان الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله بالسيف، أولئك المخلصون حقا وشيعتنا صدقا، والدعاة إلى دين الله عز وجل سرا وجهرا».[6] الامام (ع) يقول:
يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته؛ وهو انتم اهلها من تقدمنا ومن قد سيأتي، نحن لا نملك تاريخا محدداً لساعة ظهوره، ليوم ظهوره، لشهر ظهوره، لسنة ظهوره وانما ذلك في مستتر السر في مكنون الغيب مما اختص الله به نفسه، المهدي (ع) لا يمتلك في الامر تقديما ولا تأخيرا، الأمة لا تمتلك ايضا في ذلك شيئا، الذي علينا وينبغي لنا ان نؤكد عليه ونكرره كي نعيشه حاضرا في غيبته واذا ما وفقنا للحضور بين يديه بعد ظهوره هو الاكثار من الدعاء له بالفرج ودعاء الفرج دعاءٌ سهل في تركيبه ثقيلٌ في مؤداه على الانسان المؤمن ان لا يغادره في يومه وليلته كي يستشعر حالة الانس والذوبان والانصهار والانتظار القريب القريب من الخلف الباقي من آل محمد (ص).
يقول الامام (ع) إن أهل زمان غيبته؛ نحن ممن يخاطب بهذا النص ولا يقف عندنا بل له سرايته في الاجيال القادمة، القائلين بإمامته، هنا بدأت القيود تضيق من الدائرة، يعني لا يكفي ان نكون ممن يعيش زمان الغيبة وانما لابد ان نكون مضافا الى ذلك ممن يؤمن بإمامته ويقر له ويسلم تسليما والمنتظرين لظهوره، وكلنا من المنتظرين ان شاء الله حتى تشرق تلك الطلعة البهية لوجهه الانور عليه الصلاة والسلام
أفضل من اهل كل زمان؛ و«كل» تفيد العموم، يعني ممن تقدم وممن يلحق فيما تقدم من الامم حتى جاءت الغيبة فصدق علينا ما صدق، والغيبة في قبالة الظهور، الظهور عندما كان النبي والائمة عليهم السلام في وسط الامة، ثم بعد ذلك غاب الامام المهدي بأمر الله، غيبته السماء لمصلحة نجهلها نحن، ربما نحن نرغب ان يرفع الامام المهدي (ع) عنا الكثير من المتاعب والمصائب وحالات الحرج، لكن لا ندرك ما الذي تدخره السماء لنا من لطف يتعلق بحالة ربما تكون اشد واقوى وقعا علينا ايها الاحبة، وقتها الاستجابة تكون علينا جميعا كماءً عذبٍ فرات في يوم قائظ، وهذه ميزة نمتاز بها نحن اصحاب زمن الغيبة على حساب أولئك الذين شرفوا رغم انهم شرفوا بوجود المعصوم (ع) الذي عاش بين ظهرانيهم الا اننا نتفوق عليهم، الامام السجاد (ع) يعطينا الدلائل ويأخذنا وفق الضوابط التي تؤمن لنا التقدم في حالة التمايز:
لان الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة؛ من أين نتحصل على عقول واعية وافهام لها حركتها وادراكها ومعرفة، لها مددها واسقاطاتها كل هذا محصور بزاوية واحدة وهي ان ننهل من المعين الصافي، ولا معين صافي ايها الاحبة! يا عشاق المهدي! الا ما قاله محمد وآل محمد (ص) بعد ان افاض عليهم بهذه الافاضات العظيمة، عقلٌ كامل فهم راجح، معرفةٌ واسعة، قربتنا من عالم مشاهدة، كلكم ليمتحن نفسه في هذه الليلة في حالة من الخلوة لدقائق، يسلّم على الامام المهدي (ع) ويدعو له بالفرج، حينها سيجد نفسه كأنه يعيش في محضر وجوده، اما في حياتنا، في اقوالنا، في اعمالنا، فما من شك انه يرغّبنا ويتابعنا وحريص علينا، فعلينا ايها الاحبة ان نكون حريصين على انفسنا حتى نعيش حالة من الدفع في اتجاه الحركة للدعاء له وتفعيل حالة الدعاء الى حالة من المصداقية في عالمنا الخارجي.
وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله بالسيف؛ أنت بدعائك مجاهد، أنت بانتظارك مجاهد، أنت في صدق قولك مجاهد، أنت في طيب معاملتك مجاهد، أنت في تحصيلك للعلوم والمعارف مجاهد، في ذوبانك وعشقك في محمد وآل محمد انت مجاهد، في مد يد العون لأيتام آل محمد وشيعتهم انت مجاهد، في نشر حالة المحبة والسرور داخل البيوت انت مجاهدٌ
بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله بالسيف، أولئك المخلصون حقا وشيعتنا صدقا، والدعاة إلى دين الله عز وجل سرا وجهرا؛ هذا ما دوّنه الشيخ الصدوق شيخ المحدثين (رضوان الله تعالى عليه) عليه في حقنا ايها الاحبة! يا ابناء محمد وعلي، يا من تعيشون الولاء المطلق لهم، يا من تذوبون وجداً في الامام الغائب منهم، هو ينتظرنا، وهذا هو مما لا شك فيه، ونحن ننتظره وذلك مما لا شك فيه، فلنساعد الامام المهدي (ع) بان تقترب المسافة بيننا وبينه، لكن بماذا؟ بان نكون له في مختصر كلمة «زينا له لا شينا عليه»، اذا ضاقت صدور الآخرين فعلينا ان نتسعهم بصدورنا واذا عجزت السن الآخرين عن كلمات الحب والسلام فعلينا ان نبتدئ بها، لأنها الصنيعة الاولى والاخيرة لمحمد وآل محد (ص) جاؤوا من اجل السلام، وجاؤوا من اجل المحبة، وجاؤوا من اجل العدالة والعدالة تعني فيما تعنيه وفي جوهره وصماخه ان تنصف الآخر من نفسك، ايها الاحبة نحن في مرحلة تحتم علينا اذا ما اردنا الآخر ان ينصفنا ان ننصف الآخر من انفسنا، هذه المقدمة هي التي توصلنا الى النتيجة المرضية، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يكتب لنا ولكم التوفيق والشرف الاعظم في النظر الى وجه صاحب الزمان الامام الاقدس (ع) وليس ذلك على الله بعزيز، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.