نص كلمة: الإمام العسكري (ع) مدرسة العطاء الدائم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم اعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
﴿اِنَّ اللهَ ومَلاٰتكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبي يـٰا اَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ و سَلِّموا تَسليما﴾[2]
اسعد الله ايامنا وايامكم في هذه الليلة ويومها حيث اصبح الامام المهدي من آل محمد عليه الصلاة والسلام اماماً فعلياً على سائر الكائنات.
محطات من حياة الامام العسكري (ع) الصعبة
ايام الحزن طويت صفحتها واصبحنا على مشارف مرحلة جديدة يلفها الفرح والسرور من جميع جوانبها، كيف لا والفرحة في تتويج امام زماننا في الامامة الحقة والخلافة الدائمة، طالت الايام والليالي أم تقاربت وقصرت فالنتيجة محسومة، لان الحديث الشريف يقول: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيملأها عدلا كما ملئت جورا وظلما»[3] وعد غير مكذوب، ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾[4]، منطوق قرآني الناس لا يرون الحلال الا ما حل في ايديهم ولا الحرام الا ما حرموا، ولد الامام المهدي (ع) في ظروف صعبة كان يعيشها والده الامام الحسن العسكري (ع) وتعتبر من اصعب المراحل واكثرها تعقيدا بحيث النصوص التي تروى عن تلك المرحلة ـ كما جاء على لسانه عليه الصلاة والسلام ـ تكشف لنا واقع الحال الذي لم نسمع له مثيلا من القول لمن تقدمه من آبائه واجداده، رغم صعوبة المراحل والمحطات التي كانت في الطريق، الامام العسكري (ع) وريث النبوة والامامة واحدة من أهم المهام المناطة به كانت هي مسألة الحفاظ على الخلف الباقي من آل محمد، ومعنى الحفاظ على وجوده الشريف من جميع الاطراف من الخاصة القريبة ومن البعيد الذي كان يتربص الدوائر بشتى الوان طيفه وقتها من الحاكم الى المحكوم.
عدم التسليم والايماء على الامام (ع) في الطرقات
من الاحاديث التي تكشف عن ذلك الواقع المر والفترة الزمنية الصعبة هو التوقيع الخارج من الامام العسكري (ع) لشيعته: «ألا لا يسلمن علي أحد، ولا يشير إلي بيده ولا يومئ فإنكم لا تؤمنون على أنفسكم»[5] عن ماذا يكشف هذا الخطاب المباشر لأصحابه يعني لجلسائه في بيته بغض النظر عما هم عليه أو ما تنطوي عليه سرائرهم لكن ظاهر الحال هي الصحبة، كالحال بالنسبة للنبي (ص) اذ اصحابه لم يكونوا على درجة واحدة بل يتفاوتون فيما بينهم، منهم من سبق الى الاسلام، منهم من بذل ماله، منهم من بذل دمه، منهم من كان صادقا صديقا صدوقا ومنهم من كان على خلاف من ذلك تماما، يعني اظهر ايمانا وابطن كفرا والشواهد التاريخية كثيرة والكتب ملأ والاسفار شواهد، فالإمام عندما يقول: «ولا يشير إلي بيده ولا يومئ فإنكم لا تؤمنون على أنفسكم » تصوروا الوضع كيف كان، يعني الشخصية الاولى في بيت بني هاشم ووجه العلويين الامام العسكري (ع) يقول لا تسلموا علي اذا رأيتموني في الطريق! حتى لا يلحق بكم الضرر.
عدم التختم باليمين والتختم باليسار
بل اكثر من هذا، الامام سلام الله عليه يطلب من شيعته ان يتختموا باليسار! في حين من الواضح ومن المعلوم ان التختم في اليمين من شعار شيعة امير المؤمنين (ع) ولا يوجد خلاف في هذا، ولا يعني ذلك عدم مشروعية التختم في اليسرى، بل بالعكس هناك روايات تقول بان الامام الحسن (ع) كان يتختم في خنصره الايسر وهذا موجود في كتب التاريخ، قد يقول قائل سيدنا انتم دائما تقولون هذا موجود في كتب التاريخ! ائتونا بهذه الكتب التاريخية! اقول اليوم البحث والتحقيق أصبح سهلاً فبإمكان أي شخص وهو جالس في أي مكان ان يخرج جواله ويبحث عن كلمة أو عن موضوع يعني اليوم استخراج المعلومة ليس بالأمر الصعب، لكن تحتاج الى حركة لابد من المتابعة والبحث لابد ان تكون هناك مصداقية في القول.. بالنتيجة التختم باليمين كان شعار اتباع مدرسة امير المؤمنين (ع) كما في الرواية المشهورة المروية عن الامام الحسن العسكري (ع): «علامات المؤمن خمس: ... والتختم باليمين ...»[6] لكن تصوروا ان الامام (ع) يلتفت لجلسائه ويقول لهم لا تتختموا في اليمين حتى لا تعرفوا! أي وضع صعب ومر وخطير ومأزوم كانوا يمرون به، يقول لهم تختموا باليسرى حتى يضيع الأمر في سواد الناس هذا هو الوضع كان، لكن التاريخ ظالم وجائر لأهل البيت (عليهم السلام)، فوهات مدافعهم موجه لمدرسة اهل البيت (عليهم السلام) لذلك الروايات الواردة عنهم عليهم السلام تقول: «ما منا إلا مقتول أو مسموم»[7] يعني لم يمت من أهل البيت عليهم السلام أحد حتف انفه هذا موجود، لكن مع الأسف بعض المتحذلقين المدعين للبحث والدراسة والتنقيب يقولون بان هناك ملاحظات على هذا الكلام! حسنا عندما تتكلم سق لنا دليل لا تتكلم هكذا بدون دليل يعني عندما تقول ان هذا الكلام الذي نقلتموه عن الأئمة عليهم السلام غير صحيح بيّنه بالدليل لا بالتهريج! نحن نقول هذا دليلنا، هذه روايات عن ائمتنا، وهذا مصدرنا و منبعنا الثري، انت ماذا دليلك؟ نورنا كي نستفيد.. في هذا الوضع كان يتحتم على الامام (ع) ان يحافظ على الامام المهدي (ع) فكان يحتاج من الجهد الشيء الكثير، نحن بحكم علاقتنا مع اهل البيت (عليهم السلام) العاطفية والولاء الذي يغرس فينا من حجور الامهات ويثبت من اصلاب الآباء ويغذى من منبر الحسين (ع) والروافد العلمية والعقليات النظيفة للآباء والامهات والاهل هنا وهناك لابد ان نلتفت الى شيء وهو اننا مهما افترضنا لا زلنا بعيدين، لان الكثير من صفحات حياتهم مغيبة، اما تحت سطوت الخوف والترهيب وإما ذهبت جراء الترغيب لضعفاء النفوس، فكما لك عدو متجهم ايضا لك موالي لكن غبي لا يعي بخطورة الدور وصعوبة المرحلة ليس لديه وعي وثقافة ولا انفتاح على المشهد من حوله لذلك يخبط خبط عشواء مثل عصاة الاعمى، لأن الاعمى وكما هو معلوم عندما يضرب بالعصاء يمينا ويسارا فهو لا يدري أي شيء في الجهة اليمنى أو اليسرى بل يضرب عصاه هكذا يمينا وشمالا لكن هذا مسلوب النعمة من قبل الله وهذا بلاء وامتحان وقد يكون في الجنان يوم القيامة عندما يكشف عن بصره حينها سنغبطه للمرحلة الني عاشها والصعوبة التي عاشها..
شذرة من شذرات الامام الحسن العسكري (ع)
الامام العسكري (ع) مدرسته مليئة بالدرر، لكن ماذا اخذنا نحن من مدرسة الامام العسكري (ع) وأي شيء نهلنا من علومه، صدقوني لو أردنا أن نتكلم عن زاوية من زوايا حياة الامام العسكري (ع) لاحتجنا أن نقضي عمرنا كله ولا نخلص! وهذا كلام ليس فيه أي مبالغة.. لنأخذ شذرة واحدة صغيرة الا انها كبيرة في معناها، صعبة في تعاطيها بحاجة الى نفوس كبيرة، عن الامام العسكري (ع) انه قال: «ان الوصول إلى الله عز وجل سفر لا يدرك إلا بامتطاء الليل ...»[8] نحن لماذا نصلي؟ حتى نصل الى الله، لماذا نعمل الصالحات؟ لكي نتقرب الى الله، لماذا نبتعد عن المحرمات؟ حتى نبتعد عما يمنعنا من الوصول الى الله، فالإمام (ع) يقول:
ان الوصول إلى الله عز وجل سفر لا يدرك إلا بامتطاء الليل، يجعل من الليل مطية للوصول الى الله، لا أن يسهر من أجل أمور لا تنفع ولا تضر وفي أكثر الأوقات تضر مثل الانشغال بالكلام الفارغ؛ فلان جاء وفلان ذهب وفلان اخرجوه من العمل وفلان خسر وفلان سجن وفلان طلق زوجته وفلان... فانت عندما تأتي وتشغل نفسك بمثل هذه الأمور ما الفائدة منها أي شيء اضفت لنفسك ولمجتمعك، النتيجة ما هي، احيانا يذهب أبعد من هذا يجعل من الليل مطية لهدم البيوت والعياذ بالله من خلال الوشاية والغيبة والنميمة والحسد والغل والمكيدة
وليس الذئب يأكل لحم ذئب *** ويأكل بعضنا بعضاً عيانا.
هذا الكلام ليس مجرد شعر وانما كلام حكمة جرت على لسان الشاعر، اضرب لكم مثالا بسيطا من واقعنا: لو جلس مثلا في مجلس خمسة اشخاص لا يستطيع اي واحد منهم ان يقوم من المجلس لانه يعلم اذا ما خرج من المجلس سوف يقومون بنهشه من خلال غيبته فتطول الجلسة، ونحن لم نسمع التاريخ قد سجل بان ذئباً أكل ذئباً حتى لو افترس الذئب لم يأكله، لكن بعض الناس كيف؟ القرآن يقول: ﴿لا يَغتَب بَعضُكُم بَعضًا اَيُحِبُّ اَحَدُكُم اَن يَأكُلَ لَحمَ اَخيهِ مَيتًا فَكَرِهتُموهُ﴾[9] فلابد ان يكون امتطاء الليل من خلال قراءة القرآن، في الدعاء والتبتل الاستغفار، في الدعاء للآخرين، في محاسبة النفس، أو على الأقل في النوم!! يعني ارح نفسك وارح ملائكة ربك، بعض الناس كأنما أخذ عهد على نفسه بأن لا يجعل الملائكة الموكلين به ترتاح ابداً، فلابد ان يكذب دقيقة وينام دقيقة، يغتاب دقيقة وينام دقيقة و... من أول الليل الى اخره.. يوم القيامة سوف تتضح الأمور امامنا حينها سنرى حقيقة الشخص الذي كنا نتصور انه لين الملمس غزال جميل في حين هو وحشي كاسر والعياذ بالله، جمعنا الله واياكم على سفرة هذا الامام العظيم ان شاء الله، ونسأله ان يوفقنا للوصول الى عتبته الطاهرة في يسر وسهولة ان شاء الله ونسال من الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا ممن تنالهم شفاعة هذا الامام المظلوم، انه ولي ذلك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.