نص كلمة: الإمام السجاد (ع) قراءة جديدة

نص كلمة: الإمام السجاد (ع) قراءة جديدة

عدد الزوار: 1596

2016-05-17

ليلة الجمعة 1437/8/5هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على اشرف أنبيائه ورسله حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

جاء في الحديث الشريف عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن أبيه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين زين العابدين؟ فكأني أنظر إلى ولدي علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب يخطر[2] بين الصفوف[3]

بارك الله لنا ولكم المواليد الثلاثة، الأربعة، الخمسة، الستة نبدء بالإمام الحسين (ع) لنختم بالخلف الباقي من آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين.

أهمية النظرة الشمولية لحياة الامام السجاد (ع)

 الحديث عن أهل البيت عليهم السلام حديثٌ عن الشرف، حديثٌ عن الكرامة، حديثٌ عن الكمال، مدرسةٌ واحدة الطرق الموصلة إليها كثيرة، بمقدور الإنسان ان يسلك أي طريق منها، النهاية إلى باب مدينة علم رسول الله محمد (ص)، أتحدث عن الإمام زين العابدين (ع) لَعَلي أبلغ الغاية من وراء ذلك، نحن نستغرق في سيد الساجدين وزين العابدين لكن ضمن حدود مفردة واحدة لا نتعداها ولا نتجاوز حدودها، ما هو السبب الذي يقف وراء ذلك؟ هل حجبت عنا معالم مدرسته؟ إذن ما هو السبب من وراء ذلك الحجب؟ هل قام من يفترض عن من تناط به المسؤولية بدوره عما لم يكن دورا كاملا؟ على من تُلقى المسؤولية؟ هل نحن كأتباع، هل نحن كمريدين، أسهمنا في إقصاء هذه الشخصية عن مساحاتنا التي يفترض ان تكون مملوءةً بها لتنعكس من وراء ذلك المصلحة المرجوة من الاحتفاء بهم في ذكرى مواليدهم وشهادتهم؟ كل واحد منا يعتقد الإمامة للمعصومين ولا مزايدة في ذلك لصالح احد على حساب احد، لكن الأهم ما هي المساحة التي نتحرك من خلالها مع هذه الرمزية المقدسة بقداسة السماء والفاعلة بمساحة الأرض، الإمام زين العابدين قبل كربلاء شيءٌ، الإمام زين العابدين بعد كربلاء شيءٌ آخر، في كربلاء يشارك أباه ثورته المباركة بكل ما تحمل الكلمة من معنى ما خفقت راية الطف إلا وهي ترفرف على رؤوس الأقمار من الآل والصحبة المصطفاة والإمام زين العابدين (ع) لم يكن منتحيا زاويةً يندب حظه كما يريد البعض ان نسوق لمثل هذه المقولة بل أسهم إسهاما فعليا مباشراً حتى أُثخن بالجراح، وقتها نقل إلى خيمة العلة وفي ذلك سرٌ الهيٌ تكشف بعد ذلك وهو من أجل حفظ مسار الإمامة الطبيعي.

دور الامام السجاد (ع) المحوري بعد واقعة الطف

مسيرة الأسر من توابع كربلاء كان نجمها الأول الإمام زين العابدين (ع) لو لم يكن هذا الإمام في مسيرة السبي، الأسر لما كتب لكربلاء من البقاء ما كتب، و ما استطاعت الثورة الحسينية ان تتخطى حدودها حيث أراد لها من خطط لها ونفذ، لكن الإمام زين العابدين (ع) تحول إلى ثورة فكرية نقلت جميع المعطيات وزرع بذور المسار العاطفي، لكن في جانبه الحركي لا في جانبه السلبي الذي صبغ بلون التمظهر الذي لا يقدم كثيراً ولا يؤخر، كثير هم أولئك الذين يبكون أو يتباكون ويلطمون أو يطبرون ولكن عندما تكون الأمور في مساحة التضحية الواقعية الحقيقية لا تجد لهم عيناً ولا اثر، لماذا؟ لأنهم قرأوا المشهد العاطفي في بعده الأدنى؛ البكاء وما وراءه، اللطم وما وراءه وسائر إعداد للنفس لتقبل ما هو الآتي لا أنها من عوامل التخدير لذهنية الإنسان الموالي، الإمام الحسين (ع) أراد الأمور في الاتجاه الثاني لكن البعض يريد منها ان تراوح مكانها حيث المربع الأول.

كشف الحقائق للثورة الحسينية

الأمر الثاني هو كشف الحقائق للثورة الحسينية؛ أي ليس في المدينة عند ما استقر به المكان فحسب وإنما في عاصمة الملك الأموي في جلق الشام، ليس في جلق في مساحتها الكبرى وانما في قصر الملك نفسه، الامام زين العابدين (ع) لم يقف منكسرا وانما وقف شامخاً، الامام زين العابدين لم يتوسل ويطلب الرحمة والشفقة كما يصوره البعض في قضية سهل وإنما كان شامخا صلبا صريحا في موقفه، الامام زين العابدين (ع) كشف وجه الزيف لطاغية الشام أمام جمهوره الواسع، ان من قتل في كربلاء ومن جاء في السيف لم يكونوا من الخوارج وإنما هم سادة الأمة وشرفاؤها والأقمار فيها لو أنصفت الأمة نفسها هم أهل بيت النبوة، هم مهبط الوحي هم الإنسانية في أجمل وأروع صورها، اما الامام زين العابدين في المدينة المنورة فالمشهد يختلف كثيرا حيث انتهت مرحلة التقاط الانفاس إلى مرحلة وضع الحلول وتأسيس القواعد ورفع الأصول على أساس منها، حراكه كان صامت أما قاتل، حراكه مقنن وموصل إلى الهدف، حراكه في دائرة ضيقة أما انبثاقاته وانبعاثاته واشراقاته فبمساحة الدنيا، لذلك ضاق به ركب الشام ذرعا فاجبر على لزوم داره الا فيما حكمت به الضرورة.

ما قام به الامام السجاد (ع) بعد واقعة الطف

هنا عمد الإمام زين العابدين (ع) لعدة أمور:

بناء الشخصيات المؤثرة

الأمرُ الأول بناء الشخصيات المؤثرة في وسط أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وهذا مطلبٌ مهم وكم من الجميل ان يلتفت رجال العلم لهذه القضية الذي اعتنى بها الإمام زين العابدين (ع)كثيرا في ان يبنوا الكوادر من حولهم الصالحة التي يمكن ان تقوم بدورها وتناط بهم المسؤولية عند الحاجة لن يستطيع المصلح ورجل الدين والرسالي ان يقوّم المجتمع بكل ألوان طيفه وآحاده وإنما بمقدوره ان يضع نواة ثم يرعاها فتتسع من حولها ليتحرك من خلال أكثر من موقع وفي أكثر من اتجاه، الإمام زين العابدين اعتنى بشخصيات خاصة من حوله بناها وفق ما كان يطمح ان يصل إليه بالأمة من هدف وغاية.

بيان الكم الهائل من المعارف القرآنية

قام الإمام زين العابدين (ع) ببيان الكم الهائل من المعارف القرآنية وهذه الصفحة والزاوية مع شديد الأسف مغلقة او معماة علينا، نحن من حقنا أن نسأل: كم مرة سمعنا من خطيب طرق هذا الباب أو أراد الوقوف على ابعاده والأخذ بمعطياته؟ الإمام زين العابدين (ع) أفضل من استنطق النص القرآني في عصره مستعينا برافدين كبيرين؛ الرافد الأول القرآن، بما هو هو، والرافد الثاني السنة المطهرة البعيدة عن الدس والوضع الواصل إليها من الطريق المعتبر، فاذا تحدث كان حديثه عن أبيه أو عن عمه الحسن عن جده المولى علي بن أبي طالب (ع).

وضع حجر الأساس لمدرسة الدعاء

الإمام زين العابدين (ع) وضع حجر الأساس لمدرسة الدعاء والتبتل والعروج إلى المقامات العلى فصول نافت على الخمسين تشكل منظومة واحدة، نحن أتباعه، نحن على نهجه، نحن نتمثل خطاه إذا صح الجواب السؤال: هل في بيتي الصحيفة السجادية التي تشتمل على منظومته في مدرسة الدعاء؟ إذا كان فهل نقرأها؟ هل نتأملها؟ هل نستنطقها؟ هل لها اثر في بنائنا الداخلي، أي الروحي؟ هل نكتفي بأدعية الأيام فحسب، إذا ما كتب لنا ذلك ان نتعدى إلى مدى أبعد منه ولو قليلا، ندفع الهدايا المادية ولكن لا نتحرك في مساحة الهدايا المعنوية، كثير منا يقتني احدث ما يمكن ان تصل اليد إليه لأصغر أبنائه، حال ان الخدمة مشتركة بين الصالح والطالح لا يسأل من نفسه فلا يتيح الفرصة لنفسه كي يسأل لكن في الجانب المعنوي فيما يرتبط بصاحب المناسبة من حقنا ان نسأل من منا قدم الصحيفة السجادية هدية لواحد من أبنائه وبناته حتى نكون فعلا نعيش أهل البيت (عليهم السلام) بما هم بما هو الواقع لا بما يسوق لنا من قضايا مخترعة لا علاقة لها ولا صلة لها بهم عليهم الصلاة والسلام إلا عواطف جامحة وأحلام مشبوهة.

وضع حجر الاساس للبناء الاجتماعي من خلال رسالة الحقوق

 الأمر الاخر هو التوجه من الإمام (ع) للبناء الاجتماعي من خلال رسالته «رسالة الحقوق» وهي رسالة أيضا تشتمل على ما ينوب على خمسين حق، حقٌ بين الإنسان وربه، حقه والرسالة، حقه والقرآن، حقه ونفسه، حقه والناس من حوله وهكذا حتى مع العدو ما لي وما علي، كثيرٌ منا يسمع برسالة الحقوق وهي دستورٌ رباني رواته معصومون، قيمته عالية الجودة نحن أولى من ينهض به فيقوم به تصوروا هذه الرسالة لا زالت غريبة في أوساط المؤمنين فكيف بها مع من لا يتصف بصفة الإيمان! تصوروا ان رسالة بهذا الحجم لا تحظى بالدراسات الوافية..

همسة خفيفة

هنا همسة لأخوتي وأحبتي الذين يعيشون مرحلة التنوير وتقديم الأفضل، ان نتسلح بالعلم أمرٌ لابد منه، ان تتوسع المدارك شيءٌ لا نتخلى عنه، ان نبحر في الثقافة مطلبٌ محق، لكن علينا ان نستفيد من كل هذه الأمور في سبيل ان نسافر بزاد أهل البيت وبعطاء أهل البيت وبفكر أهل البيت (عليهم السلام) نحن اليوم في مسيس الحاجة أيها الأحبة ان نعود إلى أنفسنا قليلا، أن نقف معها قليلا، الزمن عجلته تدور في حالة من الجنون، وسائل التواصل بين الناس في حالة من التقدم بحيث لا يستطيع الواحد منا ان يدخل معها في سباق مفضي إلى نتيجة فبطبيعة الحال يشترك في ذلك الغث والسمين ملاذنا وحصننا هم أهل البيت عليهم السلام وهم لم يبخلوا بشيء لا بمكونهم الجسدي حيث قدموا أنفسهم قربانا من اجل ان ترشد الأمة وتسموا في أخلاقها وعلمها، ولا في الجانب الروحي وهو الأهم فما من إمام الا وله لمسته الخاصة، أسال من الله سبحانه وتعالى ان يعيد المناسبة علينا وعليكم وان يأخذ بأيدينا وأيديكم لما هو الأفضل، ان يبارك لنا ولكم، وان يجمعنا وإياكم عند أضرحتهم الطاهرة، اشكر الأخوة الأفاضل الذين أتاحوا لي فرصة الحضور رغم العناء، لكن أسال من الله سبحانه وتعالى والمعصومين عليهم السلام الذين نجتمع ونستضيء بنورهم من عوالمهم الخاصة ان يكون الحال أحسن مما هو عليه كي أوفق في يوم من الأيام لما هو الأفضل، العذر منكم والعذر عند كرام الناس مقبول،‌ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.