نص كلمة: الإمام الحسين ميزان العبادة الحقيقية
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
جميعاً ورحمة الله وبركاته
عظم الله أجورنا وأجوركم في مصاب سيد الشهداء في ذكرى أربعينه المقدسة، رزقنا الله وإياكم زيارته، أشركنا الله وإياكم في ثواب السائرين مشيا على الاقدام إلى مرقده الطاهر، وشرفنا الله بشرف المشاركة في الأعوام القادمة ان شاء الله.
الحسين الشهيد (ع) وعظمته
الإمام الحسين (ع) علامةٌ وسمةٌ خاصة في المنظومة الإنسانية، بيته اشرف بيت عرفه الوجود، أبوه معصوم، أمه معصومة، أخوه معصوم واصل العصمة النبي الأعظم محمد(ص)، الإمام الحسين بن علي (ع) السبط الثاني، الإمام الحسين بن علي (ع) رمز الخلود الأبقى، الإمام الحسين بن علي (ع) القوة الدافعة لجميع الأحرار على وجه الأرض في مسيراتهم، حتى أولئك الذين لا يشتركون مع السبط الشهيد في دين واحد، الا انهم اخذوا جذوتهم من عطائه، القيادات العظمى تحدثت عن الامام الحسين (ع) كثيرا وان كنا في غنى عن ذلك، لأن الإمام الحسين (ع) تحدثت عنه السماء وخصصته آية المباهلة بـ ﴿اَبناءَنا و اَبناءَكُم﴾[2]، رغم ذلك يمر عليها المار تلاوةً دون ان يتوقف عندها، حتى حاول البعض منهم ان يصادر قيمة البنوة المضافة للنبي الأعظم (ص) لا لشيء إلا لانه اراد ان لا يثبت كرامةً هي ثابتة بتوقيع السماء: ﴿اَبناءَنا و اَبناءَكُم﴾، والقرآن قطعي صدور، لا يناقش في صدوره، لان الواسطة أمين والمرسل هو الله والمرسل إليه هو النبي محمد (ص)، الكثير من العظماء يقدمهم الناس، لكن الإمام الحسين بن علي (ع) هو الذي قدم نفسه للناس، قدمها من خلال التضحية، قدمها من خلال الفكر النير، قدمها في أكثر من مشرب ومشرب نحن من قصّر مع الإمام الحسين (ع)، لأننا لا نستحضر نصوصه وإذا ما طرقت النصوص لنا سمعا، لا نقف عندها وقفة تأمل، نكتفي بالكثير من الأمور التي فيها اجر وثواب، ولا نقاش في ذلك لكن حتى هذه لا نسبر غورها ولا نعطيها ما تستحق من القيمة وإنما نتعاطاها على أساس من العاطفة الصرفة.
الحسين الشهيد (ع) عبرة وعبرة
علماؤنا، خطباؤنا، الرواديد الشعراء عندما ينضمون، عندما يقرؤون، عندما يلطمون إنما هدفهم هو ان يجذبوا الناس نحو المبدأ والمبدأ في القضية هنا الحسين بن علي (ع)، نعم الإمام الحسين إمام عَبرة وعِبرة وإذا كنا نعي وندرك هذه المقولة كما ينبغي اذن لماذا لا نوازن فيما بين كفيتها؛ عبرة وعَبرة.
كون الامام الحسين (ع) عَبرة
العَبرة مطلوبة من اجل الثواب ومن اجل غسيل النفس الداخلي بالعَبرة نرتب مواقعنا في الجنة، نقترب أو نبتعد بناءا على العبرة التي نجريها حبا وتعاطفا، ثم دموعنا هذه ليست مجرد دموع صامتة وإنما هي ناطقة بدليل أنها تحرك كوامن الوجدان، الانسان المنصهر مع الإمام الحسين (ع) من خلال هذه المواقع التي أشرت اليها لابد وان تكون للدمعة صفة تختلف كثيرا عن بقية المواطن.
كون الامام الحسين (ع) عِبرة
أما العبرة وهي الهدف فالإمام الحسين بن علي (ع) هو خير من يدلنا على مواطنها هو الذي يأخذ بأيدينا، هو الذي يخطو بنا الخطوات الاولى على الطريق ليترك لنا حرية الاختيار؛ اما إلى طريق اليمين الذي اختطه وابى الا ان يزينه بقطرات دمه المقدس، او الى الطريق الآخر لا قدر الله وهو الطريق الذي لا يستحق ان يقف الانسان عنده طويلا، لأنه يعني التنكب عن الجادة والانحراف عن الهدف.
حقيقة مفهوم الحياة في كلام الامام الحسين (ع)
هناك كلام له (ع) يقدم لنا حقيقة الحيات ما هي وما أحوجنا نحن اليوم من ان نستفيد من هذا الدرس ومن هذا النص يقول (ع): «فاني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما»[3]، هذا النص كثيرا ما سمعناه أو ربما كتبناه بل ربما تفننا في كتابته بناءا على مدرسة الفن التشكيلي وقد نكون قد ظمنّاه الكثير من قصائدنا ولكن ما الذي يعنيه لنا؟ ما الذي أوجده في داخلنا؟ الظلم ليس فقط ما يتصف به الحاكم الظالم كالحجاج، وإنما الظلم له عناوين كثيرة منطبقة على ذوات متعددة، ربما يكون الانسان ظالما لنفسه والحياة مع الظالم لنفسه حياتٌ لا تطاق، حتى من فصيلته، حتى من ابنائه، فالإمام الحسين (ع) لا يرغب في حياة يقودها ويسوسها الظلم، لأنها تنتهي إلى نهاية لا تتصف بالمحمودية، الإمام الحسين (ع) فرضت عليه البيعة الا انه أبى لنفسه ذلك وكان موقفه من البيعة قد تجلى من خلال كلامه هذا: «لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوىً لما بايعت يزيد بن معاوية»![4] لماذا لأنه يجسد الظلم بأجلى مصاديقه، حيث لا يرغب في حيات مع الظلمة لأنها حيات سوء لم يقبل ان يعيش تحت ولاية يزيد بن معاوية.
الإمام الحسين (ع) ميزان العبادة
ويتقدم بنا الإمام الحسين (ع) قليلا كي نستفيد دروساً، أبنائي، إخواني وأحبائي الإمام الحسين (ع) هو ميزان العبادة، فنراه (ع) في أحلك الظروف لم يتخلى عن العبادة حتى لما حوصر وضويق وطلب منه المنازلة للقتال استمهل القوم سواد ليلة وقال: «استمهلهم سواد هذه الليلة حتى نصلي لربنا والله تعالى يعلم اني لاحب الصلاة وتلاوة كتابه».
العبادة وانواعها
نحن قد نسير المئات من الكيلومترات، وقد نبذل الأموال الطائلة في سبيل القضية، وربما نقوم بخدمة وبجهد كبير في مسار الخدمة لكن لنا وقفة مع هذا النص المنقول عن الامام امير المؤمنين علي (ع) كي نعرف ما نصيب هذا النص من واقعنا، وكم نتناغم مع هذا النص، يقول امير المؤمنين (ع) «إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار».[5]
1. عبادة التجار
يقول (ع) إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، اي لديه هدف وعنده مشروع ورسم خطة عمل ووضع علامات على ذلك الطريق الموصل وكذلك اندفع في الحركة، يعني هو صلى، حج، زار، دعا و... لكن النتيجة ما هي؟ النتيجة عبادته عبادة التجار، حتى في مقام طلب الجنة بالتالي هي عبادة تجارة ومصلحة، لكن انس وحلاوة العبادة التي يأنس بها العارفون والتي يقدمها لنا الإمام الحسين (ع) من خلال قوله: «استمهلهم سواد هذه الليلة حتى نصلي لربنا و...» هل نعيشها، نحن لا حرب امامنا ولا شيء مخيف، ووضعنا المادي والصحي جيد، لكن كيف نحن مع الصلاة، كمثال بسيط لماذا تخلوا مساجدنا فجرا وتكتظ ظهر الجمعة اين هذه الملايين؟ لماذا لا تضيق بها المساجد؟ سؤال مشروع.
2. عبادة العبيد
يقول (ع) وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، حتى العبادة من اجل التخلص من جهنم لا يريدها لنا الإمام الحسين (ع) وانما يريد ما هو اكبر من ذلك العبادة التي تغير الانسان من الداخل، العبادة التي اذا انصهر الانسان فيها واحدث حالة التغيير في داخله ساوقها، جاراها، ترتب عليها التغيير في الخارج بدءا من البيت ثم تتسع الى المجتمع وهكذا مع ابناء الامة والمجتمعات من حولنا، هذا الذي يريده لنا الامام (ع) والا مسالة الجنة والنار مسالة محسومة، لاننا نحن ابناء الأمة المرحومة، شفاعة النبي (ص) تنتظرنا، شفاعة علي وآل علي تنتظرنا، ربما الأعمال قدمتنا أيضا خطوات نحن لا نخشى كثيرا في هذا الجانب لكن الأهم في مشروع العبادة هو ان يصلح الانسان كي يأخذ جزاءه وهي الجنة إذا صلح، نحن في الدنيا يحصل بيننا شيء من المفاخرة في بعض المواطن، هذا الحس موجود ايضا حتى في يوم القيامة، اي يتغابن الناس فيما بينهم لذلك سمي ذلك اليوم بيوم «التغابن» لوجود الغبنة عند فلان لفلان، لانه لم يطوى صفحة الدنيا كما ينبغي، والمؤمن الذي يكون جاره الحسن والحسين عليهما السلام يوم القيامة يختلف عما لا يحظى بهذا التشريف.
3. عبادة الاحرار
يقول (ع): وان قوما وانتم منهم بحمد الله عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادات، وان الذي عبد ربه رغبة أو رهبة تخلى عن الامام الحسين يوم كربلاء وان من عبد الله شكرا توشح بوسام الحرية في داخل النفس والانعتاق عن بوتقة المجتمع المثقل بالحطام المادي، لذلك ضحى بين يدي الإمام الحسين.
التحرك ضد الظلم ومواجهته
ثم الإمام الحسين (ع) يختمها لمن كان له موقف وربما لم تتضح الصورة عنده وممن لا يعيش الإمام الحسين (ع) إماماً مفترض الطاعة، اماماً معصوما عالما غير معلم إلا من السماء بواسطة محمد وعلي عليهم الصلاة والسلام لذلك يحدد المسار والموقف فيقول: «من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثم لم يغير بقول ولا فعل، كان حقيقا على الله أن يدخله مدخله»[6] بناءا على هذا النص فان الإمام الحسين (ع) تحرك لان السلطان وقتها كان جائرا، ظالما، مستبيح للدماء، قاتل للنفس المحرمة، هذا ليس فقط نحن الذين نقول به بل كل من يكتب بأنصاف يقول ذلك دونكم المصادر بالعشرات، إنما أراد الإمام الحسين ان يضع النقاط على الحروف: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، الحلال يصبح حرام والحرام يصبح حلال، ناكثا لعهد الله، يعني لم يتمسك بميثاق الله سبحانه وتعالى بل هو مخالفا لسنة رسول الله(ص)، اي شيء قاله الرسول (ص) هو يأخذ له طريق آخر، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، معاوية يقول: إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم[7] فهذا عمل في عباد الله بالإثم والعدوان قلب للشريعة جبر للخلق، ثم لم يغير بقول ولا فعل، كان حقيقا على الله أن يدخله مدخله، نفس الظالم، نفس المكان الذي استقرت فيه روح من استباح روح الحسين بن علي (ع). نسال من الله سبحانه وتعالى ان يكتبنا وإياكم في زمرة من يفقه الإمام الحسين (ع)، من يعيش الحسين (ع) في سيرته، في نهجه، في عطائه، في تضحيته، في فدائه، في ابائه للظلم نحن في زمن ايها الاحبة لابد وان نفعّل هذه الحقيقة وهذا المفهوم اي مفهوم الاباء في وجداننا، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يجعل هذا الجمع وما فيه من الأجر في ميزان من عمله، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يحشرنا وإياكم في زمرة محمد وآل محمد وان يرزقنا وإياكم شرف المثول عند عتبة صاحب المناسبة في العاجل.
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين وعلى شيعة الحسين (ع).
السلام عليك يا أبا الفضل العباس وعلى أختك الحوراء الغريبة المظلومة زينب سلام الله عليها، السلام عليك وعلى امك ام الشهداء واخوتك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته