نص كلمة:الإمام الجواد في علمه فوز وإسعاد

نص كلمة:الإمام الجواد في علمه فوز وإسعاد

عدد الزوار: 296

2013-10-04

لقد تحدث النبي (ص) عن واقع الأمة في رجالاتها، فيما يأتي من الأيام بعد ردح من الزمن، وكأنه (ص) يعنينا بذلك. وبظني، بل باعتقادي، لو لم نكن نحن فأيُّ جيل يأتي من بعدنا سيظن أنه المقصود بكلام النبي (ص) لأن الأمة إذا لم تُطوَ صفحة مأساتها في القريب، من خلال الإذن لصاحب الفرج (عج) بالخروج، وتصحيح المسار، وإقامة الاعوجاج، فلا شك أن الأمة سوف تُقدِم على فصول أكثر مأساوية، وستكون ملطخة بلون الدم أكثر مما هي عليه اليوم؛ لأن لا مناسبة يستدعيها التناسب بين ما هو الواقع، وما هو المتطلع إليه، وبين ما هو قبل ذلك.

وكم كنت أكرر في الكثير من المجالس، ومن خلال الكثير من المنصات والمنابر، أن من لا يقرأ الماضي لا يستطيع أن يهتدي الكمالات فيما هو فيه، بل إن ثمة ارتباطاً يستعصي على التفكيك بين ما نعيشه نحن اليوم، وبين ما مرت به الأجيال في من تقدم.

ففي حديث عن النبي الأعظم (ص) أنه خاطب أصحابه من المهاجرين والأنصار، وهؤلاء ـ كما يبدو من سياق النص ـ كانوا يعرفون الواقع الذي هم عليه. يقول (ص): «سيأتي قومٌ من بعدكم، الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم. قالوا: يا رسولَ الله، نحن كنا معك ببدر وأحد وحنين، ونزل فينا القرآن. فقال (ص): إنكم لو تَحمِلون لما حُمِّلوا لم تصبروا صبرهم»([2]).

إننا قد نسمع أو نقرأ أن أفضل القرون هو القرن الأول، لكن هذا النص يُبطل المدَّعَى في تلك النصوص المحشدة التي تنصُّ على أن القرن الأول هو أفضل القرون، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه. فصريح النص المتقدم يصطدم مع هذا النص المدعى. صحيح أن القرن الأول فيه النبي الأعظم (ص) وذلك يكفي أن يكون أفضل القرون وسيدها، وصحيح أيضاً أن القرن الثاني حظي بوجود الإمام الظاهر، المتمثل في أكثر من إمام وإمام، من السلسلة النورانية من آل محمد (ص)، وحتى بدايات القرن الثالث مع وجود الخلف الباقي من آل محمد (عج)، إلا أن هذه القرون عاشت أيضاً ابتعاداً وضحاً وبيناً عن القطب الذي يفترض أن تدور من حوله، وهو عبارة عن النبي (ع) وآل النبي (ع) بل والمآسي التي صبت في تلك الفترة هي من البشاعة بمكان. ولو لم يكن إلا مجريات الهجوم على بيت علي لكفى.

فالنبي (ص) يبين لأصحابه أن الجيل القادم من بعدهم، إذا ما عمل عملاً حسناً، فسوف ينال من الأجر ضعف ما ينالون إلى خمسين ضعفاً.

ومن الطبيعي أن الصحابة في وقتها لم يكونوا يرضون بذلك، لأن هذه المقارنة توحي بأن هناك من هو أفضل منهم، وهذا أمر متعارف بين الناس، فلو أنك دخلت قرية، ومدحت أهلها فلا شك أنهم يرتاحون لذلك، وبالمقابل لو أنك انتقدت واقعاً ما، فلا شك أنهم سوف ينزعجون. وكذا إذا كنت في إدارة فمدحتها، وأثنيت على دائرة العمل وعلى الموظفين فلا شك أنهم يستأنسون، ويتطلعون إلى الزيادة، ولكن عندما تتحرك من خلال منطلق النقد، فمن الطبيعي أن تتغير الأمور تماماً.

وهكذا كان الحال مع أصحاب النبي (ص) حيث بدأوا يذكرونه بمواقفهم معه، حيث وقفوا معه في معركة بدر، وهي معركة فاصلة بين الحق والباطل، ولكن لو لم يكن عليٌّ (ع) فيها لأخذت الأمور مساراً خطيراً ومرعباً.

وكذلك في أحد، حيث معركة الانتكاسة الكبرى في الحروب الفاصلة بين المسلمين والمشركين، إذ انهزم فيها المسلمون بشكل واضح، ودع عنك من يحسّن الصورة ويلمعها، فالانتكاسة حصلت بعد أن تخلَّى الصحابة عن مواقعهم، وتخلفوا عن أوامر النبي (ص) واستطاع خالد بن الوليد أن يلتفّ عليهم ويوقع بهم تلك الوقيعة المشهودة. فلا بد أن نعترف بأن هنالك خطأ وقع في تلك المعركة، لكي نحاكم الأمور، فنؤسس لمدرسة تصحيح الأخطاء بعد ذلك، وهذا أمر مهم. 

فهؤلاء الصحابة ذكروا للنبي (ص) معارك بدر وأحد وحنين، كما أشاروا إلى نزول القرآن في بعضهم، فهنالك أكثر من صحابي مُدح في القرآن الكريم. فما الذي حُمّله هؤلاء أكثر من الجهاد والتضحية بالنفس والأولاد؟

نجد الجواب في حديث آخر للنبي (ص): «يأتي على الناس زمان الصابر منهم على دينه كالقابض على الجمر»([3]). فالصبر على الإيمان أمرٌ مهم، فليس شرطاً أن يقتل الإنسان في سبيل الله، إنما في المنعطفات والمنزلقات والمنحنيات، يرى ما له وما عليه. فعمار بن ياسر أحد أركان الإيمان دون شك، في إيمانه وصبره وجهاده ووقوفه إلى جانب المولى علي (ع) ولكن مع ذلك كله ورد في تاريخه أنه (حاص حيصة ثم رجع)([4])، هذا عمار، الذي يمثل رمزاً وقيمة ووجود وكمال بين كوكبة الصحابة، لكنه مع ذلك حاص حيصة، فلما رأى أمير المؤمنين (ع) يقاد كالجمل المخشوش لم يطق ذلك ولم يتحمله، ودخل في حيص بيص، وتساءل في نفسه: هل هذا هو علي الذي أمرنا بطاعته.

وأنت أيها المؤمن الموالي، لم تر المهدي، ولم تجلس معه ولم تذهب ولم تجئ، لكنك تعيش إيماناً صلباً لا تفلُّه الرياح الزعازع، حال أنها من كل حدب وصوب، ومحاربة فكر أهل البيت (ع) ومعارضته والوقوف في وجه معطيات مدرستهم، باتت اليوم واضحة، والشمس لا تغطى بالغربال، ولا بيد مفرقة الأصابع.

أيها المحب الموالي: طوبى لك أن تكون مشمولاً بهذا النص المبارك الصادر عن نبينا محمد (ص).  

أسأل الله تعالى لنا ولكم والتوفيق، والحمد لله رب العالمين.