نص كلمة: إشراقة النور العلوي تهدي إلى الطريق القويم
الغدير، اعلان عن البيعة لعلي عليه السلام
يوم العيد الأعظم، يوم الغدير، يوم الولاية، يوم العهد والميثاق، يوم المحبة، يوم المؤاخاة مسميات كثيرة حملت صفة لهذا اليوم العظيم، الإمام علي عليه السلام أصل العظمة وعنه تفرعت فروعها، علي عليه السلام يحمل جميع معاني الكمال، كمالٌ في ذاته وتكوينه، وكمالٌ في سيرته، وكمالٌ مع مريديه ومحبيه، وكمالٌ في التعامل حتى مع مبغضيه، وهذا مالا تكاد تجد له نظيرا بين من تسنموا مقام الرمزية في عالم البشرية، لماذا علي عليه السلام هو رجل هذا اليوم العظيم؟ لان السماء فتشت في العوالم فلم تجد ذاتاً كاملة بعد ذات النبي الأعظم إلا ذات هذا الإنسان العظيم، عليٌ عليه السلام كانت له الإمامة على جميع ذرات الكون قبل أن يعرف الإنسان إنسانيته، لان العهد والميثاق اخذ في عالم الأنوار وهو عالمٌ متقدم على ما سواه من العوالم، بيعته لم تكن في الغدير إلا على نحو الإعلان عن بيعة ليس إلا، وإلا فبيعته في السماء قبل ذلك وفي الأرض أيضاً قبل ذلك، لكن المهرجان العام كان يقتضي أن يكون في مثل هذا اليوم بعد أن قفل الحاج من حجهم وأدوا مناسكهم وعادوا كما ولدتهم أمهاتهم، صفحات بيضاء ليس فيها دنس، جاءت البيعة في هذا الصعيد. الانقلاب والتحول حدث بعد البيعة، أما قبل البيعة فالأمور كانت طبيعية والأوضاع متسقة، بل أكثر من ذلك بخبخ المبخبخون ومدح المادحون وتقرب المتقربون وتملق المتملقون وصدق من صدق على العهد والميثاق مع علي عليه السلام،
اخذ البيعة لعلي في حديث الدار
علي في مكة أجريت له بيعة من نوع خاص إشراقها الأكبر كان في مثل هذا اليوم عندما جمع النبي الخاصة من أهل بيته وقال لهم: من يؤازرني على هذا الأمر، والرسالة كانت في بادئ بدئها، الإطماع بعد لم تفرض نفسها على الساحة والميدان، من يريد أن يجعل من نفسه ناصراً ومعيناً وأخاً لابد وان يكون مضحي بالدرجة الأولى، أمامه الكثير مما يستوجب دفع الكثير، أما المغانم فبعد لم تحصل، راية النصر بعد لم تخفق، خزينة بيت مال المسلمين فارغة، قال لهم: من يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصي وخليفتي من بعدي، فلم يقم احدٌ من الخاصة من قريش إلا علي عليه السلام وكان أعمامه في المجلس وكبار قريش في المجلس، قال له النبي الأعظم: اجلس يا علي ثم التفت إليهم بعد أن أجال بصره فيهم من يؤازرني على هذا الأمر، الأولى كانت تأسيسية، الآن من باب التأكيد على أن يكون أخي ووصي وخليفتي من بعدي عرض كبير جداً جداً، لم يجبه احد، وقام علي عليه السلام مرة اخرى، قال له النبي اجلس يا علي وكان الإمام علي الاصغر سنا، ولكنه الأكمل كمالاً والأفقه بما يقول النبي (ص)، أما أولئك فقد تقطعت فيما بينهم وبين درك ما تفوه النبي السبل والطرق والتمحلات، لما جلس علي عليه السلام التفت إليهم في الثالثة وقال: من يؤازرني على هذا الأمر هذا آخر عرض، والفرصة الأخيرة على أن يكون أخي ووصي وخليفتي من بعدي فلم يقم احدٌ وقام علي عليه السلام، هنا قام النبي (ص) وضم عليا إلى صدره وأشار بيده إلى القوم وهو يقول: هذا أخي ووصي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا وهذا المجلس كان مجلس قبلي فيه شخصيات معروفة، فيه أكابر قريش وسادات العرب، النبي يريد أن يؤمر عليهم انسان هو في الحسابات المتعارف عليها في معاييرهم وموازينهم غلام صغير، فالتفت أبو جهل ـ وقيل أبو سفيان ـ لأبي طالب وهو يهزأ فقال له: يا أبا طالب عليك أن تسمع لابنك وتطيع بأمر ابن أخيك![1] انظروا كيف ظهرت حسيكة النفاق!
هناك مسألة وهي ان النفاق لم يأتي وليدة ساعة يعني الإنسان ينام في الليل ويجلس في الصبح فيرى نفسه انه اصبح منافق، (هذا سيكون تايواني ليس ياباني اصلي باصطلاحنا اليومي) في هذه الحالة حتى لو أراد ان يمارس النفاق لا ينجح، لان للنفاق أساليب، للظلم أساليب. تم هذا المشهد، في غدير خم الصورة تختلف تماما أولئك الكبار غادروا الدنيا لعوالم أخرى وجاءت رؤوس من نوع جديد، اشكال وأنماط خاصة، نماذج تختلف، أما لها طموحاتها، العشرات من الآلاف من الحجيج رجال، نساء، كبار، صغار، عرب، عجم كل القبائل ممثلة الأطراف متواجدة، الرموز لهم حضورهم، النبي يأمر من تقدم أن يرجع ومن تأخر أن يسرع، اجتمعوا على ذلك الصعيد الطاهر المبارك والمنور بأنوار محمد وعلي أحداج من الإبل وضع بعضها على البعض ثم ارتقى النبي (ص) عليها وخطب فيهم ثم اصعد عليا عليه السلام وأوقفه بجانبه حينها اشرأبت أعناق القوم، اعادت الى الاذهان واقعة خيبر:
إذ دعاه النبي من بعد بين *** فأتاه الوصي أرمد عين فسقاها من ريقه فشفاها[2]
هنا ايضاً اشرأبت أعناق القوم، لأنه أكيد الشخص الذي اصعده اليه فيه خصوصية.
تنصيب امير المؤمنين عليه السلام كان بأمر السماء
لماذا علي؟ ولماذا لا يكون ذلك الشخص الذي اصعده على أحداج الإبل غير الأمام علي عليه السلام، لان المسألة فيها محذور وقتها يقدم المفضول على الفاضل وهو معيب عند أهل النظر، علي لا يساوقه احد من البشر في عهد النبي (ص) إلا النبي، وهو الأفضل بطبيعة الحال، وكذب من ادعى إننا نفضل علي على النبي وعليٌ هو يقول: «إنما أنا عبد من عبيد محمد (ص)»[3]، لان الإمام علي الأسبق للإسلام، ما سجد للصنم نهائيا، لم يخامره شيء كما خامر الكثير! ولم يعمل قاطع طريق كما عمل في هذه الكثير، ولم يجبن في حرب، بل ما حسمت حربٌ إلا بسيف علي، وما فتح فتحٌ للإسلام وخفقت راية إلا في كف علي عليه السلام، عليٌ أعلمكم، عليٌ أعبدكم، علي اقضاكم عليٌ قاضي ديني علي علي... هذه العبائر صدرت من النبي (ص) يعني هذه اوسمة، كالقائد او الزعيم عندما يضعون له الاوسمة المادية يرتفع مقامه، هذه أوسمة معنوية حيث ان النبي لا ينطق عن الهوى لا يمكن أن يقول الإمام علي اعلمكم إلا ان تكون السماء قالت هذا قبل ذلك او ان النبي يقول أن الإمام علي اعبدكم إلا أن السماء قد اصدرت قرارها في عبادة علي، على انه الاعبد و... على هذه فقس، حينئذ رفع النبي كف عليٌ بعد أن قال لهم الست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وقال لهم: من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه ثم دعا له ولشيعته أيضاً: اللهم والي من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، والخذلان للإمام علي عليه السلام لا ينحصر فقط بالانسان الذي لا يعتقد بمبدأ الإمام علي، بل ان التقصير في إحياء مراسم الإمام علي يعتبر نوع من انواع الخذلان لعلي عليه السلام، أن لا نحتفل بذكرى البيعة ونعطيها قيمتها هو نوع من الخذلان لعلي، يفترض أن ننهض بمسؤولياتنا، أن نجسد احياء الشعائر، لان هذا يوم من أيام الله، بل هو اشرف أيام الله على الإطلاق يوم البيعة لعلي لماذا لأننا قبل هذا اليوم ما سمعنا بإكمال الدين وتمام النعمة، حتى عندما فتحت مكة ما انزل من السماء بانه اليوم أكمل الدين وتمت النعمة، نعم نزلت هذه الآيات: ﴿اِذا جاءَ نَصرُ الله و الفَتح﴾[4]؛ ﴿اِنّا فَتَحنا لَكَ فَتحًا مُبينا﴾[5] لكن ان تكون الرسالة تحمل صفة الكمال والنعمة وصفة التمام، فقط كانت في مثل هذا اليوم.
أهمية إحياء الشعائر والمناسبات
أيها الآباء علينا أن نزرع ونفعل هذه المناسبة في النشء من أبنائنا وبناتنا، علينا أن نكون على موعد مع علي في ذكرى ولايته، نشعر أهل المنزل أن هناك مناسبة، هناك قضية، مع شديد الأسف عندما تكون هناك مباراة كرة قدم بين فريقين ترى البعض يتكلم حولها من قبل أسبوع أو أكثر؛ ينقلون المباراة او لا ينقلونها، فلان يلعب او لا يلعب، اين نشاهد المباراة و... ما عنده اي مشكلة ان يضرب مشوار مائتين كيلومتر اكثر او اقل كي يحضر المباراة ساعتين او ثلاث اضافة الى الوقت الذي يقضيه في الطريق، لكن تعال الى حفل الغدير ما عنده استعداد ان يجلس في الحسينية ساعة او نصف ساعة يحسبها على الامام علي و يأخذها من الامام علي يوم القيامة. نسأل من الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا وإياكم على الولاية لعلي وآل علي وان يكحل أنظارنا وأنظاركم بالنظر إلى المهدي من آل علي، وان يرزقنا وإياكم زيارة علي وشفاعة علي عليه السلام، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون. ولأرواح من مات منا ومنكم خصوصا في هذه السنة الهجرية التي انتهت وكذلك الاموات في هذه البلدة، وحتى نروح أرواحهم وأرواح من سلف علينا وعليكم في هذا المكان الطيب المبارك، رحم الله من يقرأ الفاتحة مع الصلاة على محمد وآل محمد.