نص كلمة: إشراقة السيدة المعصومة على حوزة قم المقدسة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
عظم الله أجورنا وأجوركم بوفاة كريمة اهل البيت السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى الكاظم (ع)
جاء في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (ع) انه قال: «إن لله حرما وهو مكة، ألا إن لرسول الله حرما وهو المدينة، ألا وإن لأمير المؤمنين حرما وهو الكوفة، ألا وإن قم الكوفة الصغيرة. ألا إن للجنة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قم، تقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى، وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنة بأجمعهم»[2]
مدينة قم وما تحمله من خصائص
قم المقدسة مدينةٌ لها قيمتها واعتبارها وحسابها الكبير وذلك وليد ما شرّفت به من احتضان لجسد هذه السيدة الجليلة الكريمة العالمة العظيمة الصابرة المحتسبة، فاطمة بنت الإمام الكاظم (ع) جوهرةٌ في جبين الدهر، قليلٌ هم أولئك الذين عاشوها عن قرب من خلال ما دوّن عن سيرتها الطاهرة، اشراقاتها لا تعدُ ولا تحصى، احناء الرؤوس للأعلام الكبار عند ضريحها دليلٌ على عظمتها، اعلامٌ غيروا وجه التاريخ وصححوا المسار بعد الانحراف، دانت لهم الدنيا وألقت المعارف أسبابها بين أيديهم، هي قم، قم التي تمثل عشاً لشيعة آل محمد وحرماً لأهل البيت عليهم السلام كما جاء في الروايات الشريفة[3]، قم مدينة نزح اليها الاشعريون وهم السائرون على مسلك الامام علي وآل علي (ع)، قست الدولة الاموية عليهم ولم تقصر الدولة العباسية في جانب القسوة، فتشوا عن ملاذ وجدوا في مدينة قم ملاذا آمناً، من الاشعريين رواة حديث، من الاشعريين اصحاب ائمة، من الاشعريين حملة علم ومعرفة، من الاشعريين شيوخ رجال، في قم للعلم مذاقه وللسير والسلوك مفرداته، قم مرت بمراحل ولكن أكثر تلك المراحل جلاءاً وسمواً وارتفاعاً من حيث العلم والمعرفة هي الفترة التي نعيشها، مأوى عشرات الآلاف من طلاب العلم والمعرفة بكل تشقيقاتها وتفريعاتها، حوزتها متقدمة، تسابق الزمن، من يريد أن يحاكيها يحتاج إلى الكثير من العقود حتى تتاح له الفرصة في الدخول في مضمار السباق، عندما قسى حزب البعث على حوزة النجف الأشرف وشتت علماؤها وقتل من قتل وشرد من شرد، كان ملاذ من شرد من هناك هو مدينة قم، هؤلاء وضعوا رحلهم في مدينة قم وسافروا بعلوم أهل البيت عليهم السلام أعطوا خلاصة تلك الجواهر التي صاغوها في النجف وعرضوها في قم.
العوامل التي ساهمت في تقدم حوزة قم المقدسة
نحن على نهاية العقد الرابع من تصدر هذه الحوزة للمسار العلمي في شتى العلوم، في الأصول، في الفقه، في الفلسفة، في العرفان، في الكلام، في السلوك، في التفسير، في التاريخ في... اصلا لم تمر الطائفة بمرحلة من مراحل التحقيق العلمي والدقة المعرفية بمثل ما هي عليه اليوم، يساعد على هذه الحالة عدة عوامل:
منها الامن والامان؛ تمتاز مدينة قم بنعمة الأمن التي هي من النعم المجهولة،[4] الامن اذا ما استتب في الاسرة أو في البيت، استقرت الاسرة في المجتمع وارتاحت، بعدها يبدأ الرشد الاقتصادي والعلمي والفني والادبي وما الى ذلك... يضفي بضلاله على ذلك المجتمع، اذ اهتز هذا الجانب تداعت كل هذه المسارات
منها البعد المادي؛ لم تحفل الحوزات العلمية بارتياح مادي كما حفلت به في مدينة قم خلال مسيرتها الطويلة.
منها الانفتاح على جميع منافذ العلم والمعرفة من شرق الأرض إلى غربها؛ الانفتاح يتيح للإنسان فرصة التلاقح في افكاره مع الآخرين؛ واذا ما تلاقحت الافكار حينها سترشد.
منها الحرية في باب البحث العلمي؛ لا توجد في قم السياط الجالدة للظهور والمكبلة للأيادي وانما من حق الباحث ان يطرح بحثه مادام يبنى على أساس من الدليل والبرهان، يعني بعيدا عن دائرة التهريج والتسقيط والحرب والتشويه وانما في دائرة الدليل، قاعدتهم هي: «نحن أبناء الدليل حيث ما مال نميل» الآلاف من الكتب الّفت، الآلاف من الرسائل كتبت، مراكز تحقيق، دور نشر، مدارس، مكتبات يضارعون بها الكثير من المكتبات الكبرى على وجه الأرض، الترجمة باللغات المتعددة، من السهل اليوم في مدينة قم المقدسة ان تقدم رسالتك باللغة التي أنت تحسنها، اما بالسليقة تربية واما بالدراسة صنعة فتجد الخيارات مفتوحة في عالم الترجمة الى معظم لغات العالم الحية، وهذا هو فتح الفتوح، اذا ما ادركه الانسان.
السيدة المعصومة كريمة أهل البيت عليهم السلام
للسيدة المعصومة سلام الله عليها فضلٌ كبير على العلم والعلماء، كثير هم أولئك الذين عقدوا العزم على شد أمتعتهم والرجوع إلى أهليهم لكن من خلال دخول على هذه السيدة الجليلة لمرة واحدة تتفتح الأبواب وتسكن الاشراقة في القلب وتتذلل المصاعب، ولا غرابة في ذلك، لان هذه المرأة هي كريمة اهل البيت عليهم السلام، اهل البيت عليهم السلام منتهى الكرم وهذه تضاف على نحو التخصيص لهم، عندما يقال كريم أهل البيت فالمقصود هو الامام الحسن المجتبى (ع)، وعندما يقال كريمة اهل البيت فالمقصود هنا هي السيدة المعصومة بنت الامام الكاظم (ع)، معظمنا ان لم يكن الجميع قد ذهب الى مدينة قم وتشرف بلثم عتبتها الطاهرة، لكن ما الذي قرأ عنها؟ ما الذي تعرف عليه من حياتها؟ ما الذي استفاد؟ هل تنقل في جنبات قم؟ هل قرأ عن علماء عاشوا فيها وأعطوا إضافتهم ثم ارتحلوا وعلماء لا زالوا يعطون الكثير وينهل من علومهم الكثير، قم عالم استثنائي لمن يعرف العلم ويقدر العلم، لكل مدينة جهة تميز بها على غيرها من المدن، لذلك انا استقر هنا وفلان يستقر هناك لكن الايام دول، اصلا روايات اهل البيت عليهم السلام تدفع في هذا الاتجاه وتقول بان العلم في آخر الزمان ينزوي الى قم يأزر يأخذ انحناءه الى قم وباتجاه قم[5].
تعاطي العلماء مع قبر السيدة المعصومة عليها السلام
كان بعض السالكين اذا نزل عند مسجد الامام الحسن العسكري (ع) قاصدا لضريح السيدة المعصومة يخلع نعليه احتراما للعلماء الذين دفنوا في هذا الصحن الطويل العريض، قبور علماء اساطين لو كان المقام يسنح لأشرت الى بعض هؤلاء، لكن اكتفي بذكر عالم واحد وهو السيد البروجردي رضوان الله تعالى عليه أستاذ الفقهاء والمجتهدين وزعيم الطائفة في عصره، تخرج على يديه اعلام كثر، قبره في المسجد الأعظم قرب ضريح السيدة المعصومة، من حسناته السيد الإمام رضوان الله تعالى عليه المجدد في القرن العشرين، هذا الرجل على عظمته، وعلو شانه عندما عاد من منفاه بتلك العظمة، قصد الى حرم هذه السيدة الجليلة وانحنى على قبرها يلثم ثراها، هذا الرجل الذي قلب المعادلات، صحح المسارات، نشر راية اهل البيت عليهم السلام، فقيه من العيار الثقيل، مرجع كبير يأتي بكل خضوع، بكل تصاغر امام هذه السيدة الجليلة الذي لا يتجاوز عمرها ثمانية عشر ربيع! احيانا البعض عندما يذهب الى مدينة مشهد ـ سهل الله لنا الذهاب ان شاء الله ـ لا يأتي الى مدينة قم لزيارة السيدة المعصومة! وعندما نقول له لماذا لم تذهب لزيارة السيدة المعصومة؟ يقول: يكفي انا زرت الامام الرضا (ع)! صدق من قال لا يعرف العظيم الا العظيم، لا حرمنا الله انوارها والوصول الى قبرها والشفاعة على يديها، انه ولي ذلك.
واحدة من موجبات التوفيق على وجه الارض هي اللقمة الحلال، داخل الانسان لا يصفوا ويطهر حتى ينزه الانسان ولكي يصل الانسان لابد ان يعمد الى هذا الشيء هذا هو موضوع حديثي في الاسبوع القادم ان شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته.