نص كلمة: إشراقات زينبية

نص كلمة: إشراقات زينبية

عدد الزوار: 1059

2019-02-05

في ضيافة آل الصقر بمناسبة ذكرى مولد الحوراء زينب عليها السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

اسعد الله ايامنا واياكم، بارك الله لنا ولكم ذكرى ولادة العقيلة الحوراء زينب بطلة الطف سلام الله عليها، رزقنا الله واياكم زيارتها (بعد انقطاع) وشفاعتها ان شاء الله يوم نرد عليها وعلى‌ آبائها من آل محمد (ص).

ورد في الحديث الشريف أن الامام السجاد (ع) قال مخاطباً العقيلة زينب سلام الله عليه: «إنها ما ادخرت شيئا من يومها لغدها ابدا»[2]

كيفية التعاطي مع النعم الإلهية

الغنى تارة يكون غنى مادي صرف وتارة اخرى يكون معنوي، قد يجود الانسان بأحدهما ويدخر الآخر وقد لا يوفق أيضا للإنفاق بالمطلق وقد يكون الانسان على العكس من ذلك تماما هو لا يدخر هذا ولا ذاك، بل يبسطها كل البسط، ينفق من هذا وذاك وقسم آخر قد ينفق من مورد ويحتفظ بالمورد الآخر، الامور المادية هي واحدة من ضروب الامتحان التي يدخل فيها الانسان في هذه الدنيا، المادة بالنسبة للإنسان نعمة قد تكون متجسدة في نقد وقد تكون متجسدة في شيء آخر، الاموال، الابناء وكما يقول القرآن: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا[3]، نص قرآني بقدر ما يمثل من النعمة المضافة‌ من قبل الله على عباده بقدر ما يدخل الانسان الذي اتحف بهذه النعمة في دائرة الامتحان؛ فإما ان يسمك ويجعل يده مغلولة الى عنقه على نفسه، على ابنائه، على مجتمعه، على الامة من حوله او يكون ذلك الانسان اجتاز عقبة الامتحان واعطى لكل ذي حق حقه من تلك النعم، لأنها جميعا شركاء فيما هي النعمة المضافة والتي تحدث تقدما للإنسان في موقع على حساب الآخر أو مواقع حتى، الامتحان في الجوانب المعنوية سهل يسير، كسر للنفس، بسط لليد وصول الى هدف نتيجة الامتحان الامتياز دون ذلك الناس لا يستوون فيما بينهم، الاسرة عامل مؤثر في هذا الجانب، المجتمع المحيط الخاص خصوصا في مجتمعات اليوم التي تعيش النعمة والترف ولا تبذل جهدا كبيرا في الحصول على المادة كما كان في الازمنة السابقة بالنسبة للماضين من الآباء والاجداد الذين كانوا يكدحون نهارهم عسى ان يؤمنوا لقمة عيش شريفة يضمنوا من خلالها حالة العفاف والكفاف لأهليهم، اما اليوم الموارد متعددة بحمد الله تعالى لذلك تجد الاستراحات في اكثر من مكان، طبيعة الحال غلقت الكثير من ابواب المجالس التي تضاف لأسماء اربابها من الآباء والاجداد في القرى، في المدن، في القصبات، في الزمن السابق عندما يخرج الانسان من قرية الى قرية يجد مجالس لها اعتدادها واعتبارها هي الموطن الاول الذي يضع قدمه فيه وهو على علم ويقين انه انما يضعها في بيت اهله، هكذا كان الحال نعبر هذه الجزئية لننتقل الى جزئية ثانية.

الجود الزينبي في بعديه المادي والمعنوي

 زينب سلام الله عليها في الجزئية الاولى ضربت الرقم القياسي والامام يشهد بحقها يكفي ان المعصوم (ع) يشهد بحقها «إنها ما ادخرت شيئا من يومها لغدها ابدا» طبعا هذه يستبطن على حالة من الثقة على ان الانفاق لا يفقر وان الثقة بالله سبحانه وتعالى ‌هي المؤمنة لكل نقص يحدث في الظاهر جراء البذل والانفاق. الجانب الثاني ايضا المولى زين العابدين (ع) يطل علينا من وراء القرون المتصرمة ليقول لنا مخاطبا عمته زينب سلام الله عليها: «أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، فهمة غير مفهمة، إن البكاء والحنين لا يردان من قد أباده الدهر»[4]. زينب سلام الله عليها السلام في جانبها الثاني وهو الجانب المعنوي. كل الناس من بركات الله ونعمه عليهم ان النعمة تكتنفهم، كل الناس تضاف اليهم او يفاض اليهم من النعم المعنوية‌ الكثيرة كما هو الحال للجانب الاول الذي تخطينا مرحلته، اي الجانب المادي من الامور المعنوية ان يُكرم الانسان او يكرّم بعلمه أو بسبب وفرة علمية يمتلكها ويتقدم فيها، يمسك بأسباب البحث والاستدلال والخلوص الى النتائج يستطيع ان ينظّر، ان يقدّم الرؤى للمجتمع من حوله.

تحمل المسؤولية وتفعيل الدور المعنوي في وسط المجتمع

 لكن هؤلاء ايضا وفق الميزان المتقدم الذي اشرنا له الناس يختلفون فيما بينهم قسم منهم يقضّي السنين الطوال في تحصيل المعلومة وتثبيت الاصل وتأكيد القاعدة ولكنه عندما يعود الى بلده او المصر الذي انحدر اليه أو الى مجتمع يتطلع وينتظر الكثير من الفيوضات المعنوية التي اختزنها ولكنه يختار العافية وينأى بالنفس ويتخلى‌ عن المسؤولية لسبب وآخر والناس في امزجتهم ونفسياتهم يختلفون فلا يمكن ان نحمّل هذا إلا على محمل حسن ان شاء الله لكن لا يعني ذلك ان تخلفا عن قيام بمسؤولية في الواقع الخارجي قد حصل بدليل ان المجتمعات التي حظيت ببعض الرموز الفاعلين بعد تحصيلهم لآليات البحث واذكاء روح الفكر وثقافة في وسط المجتمع تختلف مجتمعاتهم كثيرا عن المجتمعات التي لم تحظى من رموزها العلمائية سواء كان في الجانب الديني (الحوزة) او في الجانب الاكاديمي اليوم المجتمع لا يستطيع ان يحلّق كما كان في السابق بجناح واحد وهو جناح رجال الدين، اليوم لابد وان يخفق الجناح الآخر حتى تأخذ المسيرة طريقها الصحيح وتصل الى الهدف الى الغاية اليوم لا يمكن ان نحاسب رجل الدين منفردا ثم ننأى بأنفسنا عن محاسبة الطرف الآخر والذي يشغل اليوم المساحة الكبرى من مساحات المجتمع، لا يمكن ان يقلل من شأنهم وما يترب على ذلك من الآثار الايجابية فيما لو قاموا بالعهدة الملقاة على عاتقهم، رجل الدين لأنه يشغل الرمزية المتوارثة يكون اللوم والضوء مسلط عليه اكثر من غيره لكن لا يعني ان الطرف الآخر معفى من القضية، بل على العكس من ذلك تماما وبنظرة قاصرة اقول اذا كنا نجعل من رجل الدين شماعة في يوم من الايام نعلق عليها اتعابنا وانتكاساتنا واخفاقاتنا وتراجعنا امام الزحف القادم من اكثر من تيار وتوجه وجهة، اليوم اصبحنا في وضع آخر، نحن نسأل بعد هذه القفزة النوعية خلال ثلاث عقود من الزمن في القرى التي لم تكن تحظى بأكثر من شهادة الثانوية بأحسن التقادير وحالاتها اصبحت تختزن بين جنباتها الدكاترة والاساتذة والمهندسون وارباب الادب وارباب الاعمال الذين يحملون وعيا لأنه بالتالي ارباب الاعمال هم كثر ولكن منهم من يحمل الوعي وهذا الوعي يعتبر المقدمة الى ما هو الاهم الا وهو تحمل المسؤولية، اقول هؤلاء اذا ما فعّلوا دورهم وهو الجانب المعنوي وادخلوا المجتمع في ظل هذه المنظومة وتحركوا على اساسها وكان لرجل الدين ايضا ما يقوم به من الدور الملزم اتصور ان المجتمع سيتقدم.

زينب سلام الله عليها حاملة لواء الاصلاح

زينب سلام الله عليها في الجانب المعنوي لم تبخل، ضحت بكل شيء مادي والذي تحدثنا عنه، هي لم تدخر من يومها لغدها شيئا، وهذا كلام المعصوم، وأما بالنسبة الى الجانب المعنوي، ايضا زينب رجعت من الطف الى المدينة مع هذه النكبة العظيمة والخسارة الفادحة في الحسابات المادية، لكنها تمثل النجاح الاكبر في الجانب المعنوي، زينب طوت صفحة وفتحت صفحة جديدة، صفحة الارتقاء بذلك المجتمع المصدوم من جهة والطرف الآخر منه الذي عاش الخذلان في دور من ادواره، فكانت هي المسؤولة بان ترجع البوصلة الى اتجاهها الصحيح وان تأخذ بالمجتمع بشقيه الرجالي والنسائي الى حيث ما أراد صاحب الثورة والنهضة الامام الحسين (ع) الا وهو الاصلاح في امة جده الرسول الاعظم محمد (ص)، زينب اللواء بقي معها خفاقا تقطع به الاقطار لم تكن الباكية المستسلمة ولا الخائفة‌ المرتجفة وانما كانت اشبه فيما يشبّه فيه اليوم في مساحات الادب بشجر «السرو» التي لا تنال منها العواصف مهما كانت شدتها كل الاشجار تنحني الا «السرو» تبقى قائمة تناطح السماء، تصمد امام كل العواصف وتعطي من عطائها الكثير، ايها الاحبة السيدة زينب سلام الله عليها في المدينة المنورة عالم آخر، العالمة الغير المعلمة والمرأة المحدَثة والمحدِثة في نفس الوقت.

ظلامة زينب سلام الله عليها في وسط الأمة

 زينب سلام الله عليها ظلمها التاريخ وظلمناها عندما تمسكنا ببعد واحد من ابعاد شخصيتها وانغمسنا فيه حتى النخاع الا وهو جانب الدمعة وهي محسوبة ومباركة وعليها أجر عظيم، لكن زينب اكبر من ذلك، زينب عندما جفف دموعها الامام احلسين (ع) قبل مصرعه في كربلاء لم تبكي، بقيت شامخة شاخصة، جاءت الى المدينة المنورة، كثير من الرؤى القرآنية استنطقتها زينب ابنت علي (ع) عندما يقول الامام زين العابدين (ع): «عالمة غير معلمة»؛ يعني لم تتعلم في الكتاتيب وانما تعلمت على ايدي ارباب العصمة، من جهة يطرق سمعها الوحي مباشرة بواسطة المعصوم وهو النبي الاعظم محمد (ص)، كان النبي (ص) يلاعب زينب سلام الله عليها وهو يسمعها آيات القرآن، هذه زينب والتي من المفروض أن نقدمها لبناتنا، لخواتنا، لأمهاتنا ولزوجاتنا، زينب سلام الله عليها التي كانت تعيش على نغم النبوة بأسرار الآيات القرآنية ما عسى‌ ان نفعل، الحديث عنها معجز التي نعشقها ونحبها ونتفانى فيها ومن اجلها، نحن نسال من الكتاب اين رؤى زينب في التفكير؟ من يقف وراء تغييبها؟ لماذا لا تمثل زادا لمجالس بناتنا طوال القرون المتصرمة ولا اقل من الفترة التي نعيشها، خطى المجتمع خطوات ولكن عليه ان يتقدم اكثر فاكثر، غيرنا يتقدم وقطع مسافات طويلة عريضة ولدينا من الآليات ما ليست بيد غيرنا، مقدراتنا المالية تؤهلنا ان نشغل المساحات المتقدمة والرتب العالية على حساب غيرنا، غيرنا يصنع من اللا شيء شيء ونحن الشيء في ايدينا ولا نستطيع ان نحسن التعامل معه وهذا ليس جلدا للذات ولكن هذا هو الواقع الذي نعيشه، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا واياكم ممن يعيش زينب سلام الله عليها في كل ابعاد حياتها العلمية والادبية والاخلاقية والقرآنية، ميادين الشجاعة والبطولة زينب التي حملت الراية خفاقة‌ من كربلاء الى الكوفة ولها بصمة ومنها الى الشام وفيها بصمات ثم عادت الى المدينة وفي المدينة وضعت حجر الاساس للجامعة التي تحكي ما كان من اجله قد ضحى سيد الشهداء الامام الحسين (ع)، رزقنا الله واياكم زيارتها وشفاعتها وجعلنا الله وإياكم من المستفيدين من عطاءاتها والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.