نص كلمة أقمار شعبان المعظم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على اشرف أنبيائه ورسله حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
بارک الله علينا وعليكم ذكرى المواليد الشريفة للإمام الحسين بن علي وقمر بني هاشم والإمام السجاد من آل محمد (سلام الله عليهم اجمعين).
قال النبي الأعظم محمد(ص): «حسينٌ مني وأنا من حسين»[2]؛ «إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة»[3]
الحديث عن أهل البيت عليهم السلام وما فيه من الدلالات
الحديث عنهم حديثٌ عن معطيات السماء، الحديث عنهم حديثٌ عن القرآن الحركي في وسط الأمة، الحديث عنهم حديثٌ عن الإصلاح في أروع صوره، الحديث عنهم حديثٌ عن التضحية في أجلى صورها، الحديث عنهم حديثٌ عن الشرف والكرامة والنجابة، الحديث عنهم حديثٌ عن العلم والحلم والتقى والعبادة، الحديث عنهم له ابتداء ولكن ليس من السهل ان ينتهي الإنسان معه إلى نهاية، لأنهم صلوات الله وسلامه عليهم لهم الخاصية الخاصة حيث القرابة من الرسول الاعظم محمد (ص) ان أردت الحديث عن السبط الثاني الإمام الحسين بن علي فما عساك ان تتحدث عن الإمام الحسين في كنف جده المصطفى أو عن الإمام الحسين في رعاية أبيه المرتضى أو عن الإمام الحسين (ع) يتنقل في ظل أمه الزهراء، أم عن الإمام الحسين يتحرك جنباً إلى جنب أخيه الحسن المجتبى (ع) انه الغصن الأصيل من الشجرة المباركة الطيبة التي أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، أنها شجرةُ محمد وآل محمد.
الحسین (ع) المصباح المنیر الذی لا یُطفأ نوره
وإذا تقدمت في الحديث قليلا فالحسين بن علي (ع) له حياته الخاصة في المدينة المنورة المشبعة بالدروس والعبر، وفي الكوفة العلوية إلى جانب والده الإمام علي (ع) وأخيه الحسن (ع) حيث ألقت الخلافة قيادها لعلي (ع) في نهاية المطاف بعد ان لم يجد القوم ضالتهم إلا فيه، كان الساعد لأبيه عليه الصلاة والسلام في تسيير أمور الدولة الإسلامية في جميع مكوناتها، الا اننا نختصر الحسين (ع) في أيام معدودة كانت في كربلاء، لأنها ختمت بالمأساة وبالمجزرة الرهيبة المروعة التي تركته والآل والأصحاب صرعى على حر الصعيد، أما النساء والأطفال فمفرهدات في الصحراء، الخيام أحرقت، لكن بقي الإمام الحسين (ع) وبقيت كربلاء، لان الحركة كان منطلقها الأول والأخير طلب الإصلاح، طلب التغيير، رفع مصباح الهداية في وسط الأمة، أراد للراية ان تكون خفاقهً لا تنكسر وتحقق له مراده، مرت القرون تلوى القرون غابت الاشخاص والعوالم تبعاً لها وبقي الحسين، طوى التاريخ من أراد بالحسين سوءا، وبقي الحسين، لأنه لا يريد للبشرية الا الخير والمحبة والسلام.
العباس (ع) رمز الفضائل والمکارم
اما قمر بني هاشم فهو نور الأنوار وهو الرمز الأول في التضحية والفداء تسليما واعتقادا، العباس بن علي من أبوين كريمين، اما ابوه فلا يحتاج إلى تعريف، لانه المعرّف فإذا قلت انا من شيعة علي (ع) فكفاك تعريفاً، وإذا قلت انا من محب علي (ع) فكفاك شفاعةً، وعلى هذا فقس ما سواه، وأما أمه فهي المرأة الجليلة العابدة العالمة العارفة التقية الورعة المربية، رمزٌ من رموز التربية في العنصر النسوي، انها أم الشهداء وحق لها ان تفخر، وأم البنين وحق لها ان ترفع رأسها عالياً، لان الابناء لن يخيبوا ظنها في تربيتها لهم، العباس رمز الأخوة الصادقة والمحبة الخالصة والولاء الصادق والتضحية التي ليس بعدها تضحية، يقول لأخوته: تقدموا لاحتسبكم عند الله[4] ولأرزأ بكم، هذا هو العباس العارف، العباس الحكيم، العباس العالم، العباس العبد الصالح وهذا اللقب أطلق على جمع من الانبياء والرسل والاولياء الكمل.
الامام السجاد (ع) الانموذج الکامل للعبادة والمعرفة
اما الإمام زين العابدين (ع) وما أدراك ما زين العابدين! الإمام الذي اجمعت عليه كلمة المسلمين عامة من الشيعة والسنة بكل تفريعاتهم ومذاهبهم على انه الانموذج الذي يقدم في محراب العبادة ليقتف الأثر بعد ذلك منه، الإمام زين العابدين رمز التبتل، الإمام زين العابدين رمز العلم والمعرفة، الإمام زين العابدين رمز الصبر والاستقامة، الإمام زين العابدين (ع) لم يقف ضعيفا في الكوفة وانما جسّد الاباء والشموخ والتضحیة، الإمام زين العابدين لم يُسقط الراية من يده بل ابقاها خفاقةً في وجه خليفة الشام الذي ارتكب مجزرته الكبرى في حق أهل البيت علیهم السلام، الإمام زين العابدين (ع) عاد إلى المدينة ليفتح اول حاضرة لعلوم القرآن والإمام زين العابدين (ع) عاد للمدينة ليضع حجر أول جمعية خيرية عرفها العالم الإسلامي عندما آوى إلى بيته ما ينوف على خمسمائة أسرة وعائلة من أهل المدينة بعد واقعة الحرة، الإمام زين العابدين (ع) خلّف وراءه «الصحيفة السجادية» السؤال ايننا منها؟ هل علاقتنا به من خلال مفاتيح ادعيتها؟ الإمام زين العابدين (ع) سطر «رسالة الحقوق» لتشغل اذهان العارفين والمتخصصين في أبواب التربية وعلم النفس والاجتماع إلى يومنا هذا، فأيننا منها؟ إذا اردنا ان نبني أسرةً صالحة وذريةً طيبة فما أحرانا ان نلوذ بـزين العابدين (ع) من خلال موروثه الذي خلّفه وراءه يمثل في ذلك المصباح الذي أراد القوم ان يطفئوا شعلته في كربلاء وأبى الإمام زين العابدين (ع) لذلك المصباح الذي يعني الهدى في تجلياته الا ان يبقى مشعاً حتى يرث الله الأرض ومن عليها؛ إذن هو الإمام زين العابدين (ع) ونحن إذا ما اردنا ان نسير على نهجهم فهذه آثارهم وهذا عطاؤهم وهذا ابداعهم، عطاء لا ينقص بالأخذ منه وانما يزداد صفاء ويزداد كوثريةً.
أهمیة اخذ الدروس والعبر من مناسبات أهل البیت علیهم السلام
ايها الاحبة مرت علینا مواليد ثلاث، متعاقبة الحلقات ما الذي استفدناه؟ ما الذي اخذناه؟ ما الذي تجسد في داخلنا وانعكس على تصرفاتنا في أقوالنا وافعالنا، الإمام زين العابدين (ع) يدلف الى بيته ويدخل في بيته اشد الناس خصومة له (آل مروان) يطعمهم من طعامه، يفرش الأرض لهم كي يطيب منامهم وهم من فعلوا ما فعلوا! أليس من الحري بنا أيها الأحبة ان نتمثل نهجه وطريقته وأسلوبه إذا كان هذا هو حاله مع من أشرك في دم أبيه وفيمن أورى النار في خيام النساء وسحل الاطفال ولوع متون النساء بالسياط هذا تعامله وتصرفه وحركته فما بالنا نحن ونحن الذين ندعي أننا ننتمي وننتسب ونسير ونضاف لهم، القول لا يكفي أيها الأحبة ما لم يتجسد أمراً واقعياً في الخارج، ما عسى ان يقدّم أو يؤخّر ان أقول أنا من شيعة الحسين (ع) وأنا احقد على محب الحسين (ع)! أو أنا من مريدی العباس (ع) وأنا اكره من يسير على نهج العباس (ع)! أو أنا ممن يذوب شوقاً ويتمثل بعبادة زين العابدين (ع) وأنا لا اضمر لأحبتي واخواني الشركاء فيما أنا فيه إلا الحقد والضغينة! مناسباتهم وقفات، مساحات نتوقف فيها لنطهر داخلنا إذا تحقق لنا ذلك نعم نحن ممن احتفى بهم واحتفل بذكراهم، أما إذا كنا لا نتحصل من وراء ذلك إلا على شيء من الحلويات توزع علينا أو بعض المشروبات توزع علينا أو بعض التهاني التي نتبادلها أو الرسائل التي نبعثها فيما بيننا ثم ندير ظهرنا تماما لمبادئهم، لقيمهم، لنهجهم، لمعارفهم، لعبادتهم، لمحبتهم، لسلامهم، كأننا لم نفعل شيء ولم نتقدم خطوةً للأمام، لأنهم أرادوا لنا ان نكون كما كانوا، «كونوا لنا زينا، ولا تكونوا علينا شينا»[5]، علينا نكون زينا لهم إذا تمثلنا طريقتهم وشيناً عليهم إذا تنكبنا طريقهم لا قدر الله ذلك، نسال من الله سبحانه وتعالى أيها الأحبة أيها الحسينيون يا من تعشقون الحسين والعباس وزين العابدين ان يجمعنا وإياكم في حضيرتهم، ان يرزقنا وإياكم شفاعتهم، ان يجعلنا من العارفين والعاملين بنهجهم انه ولي ذلك ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.