نص كلمة: أدوار مدرسة الإمام الصادق عليه السلام

نص كلمة: أدوار مدرسة الإمام الصادق عليه السلام

عدد الزوار: 1308

2018-07-21

كلمة في مسجد العباس بالمطيرفي ليلة الثلاثاء 1439/10/26هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

عظم الله اجورنا واجوركم في ذكرى شهادة سيدنا وامامنا الصادق من آل محمد عليه الصلاة والسلام، رزقنا الله واياكم زيارته في الدنيا وشفاعته في الآخرة.

مدرسة الامام الصادق (ع) متعددة الادوار ومتكثرة العناوين

الامام الصادق (ع) ايقونةٌ مقدسة وعطاءٌ متواصل غيّب عن عالم الوجود جسداً وبقي روحا محلقةً، الامام الصادق (ع) ذهب بمدرسة اهل البيت عليهم السلام الى ابعد مدى تجاوز الزمان والمكان، قدم عطاءهم عليهم الصلاة والسلام على قاعدة السهل الممتنع، يسمعه الانسان، يقرأه الانسان، يتأمل فيه فيجد نفسه مرتمياً في احضان ذلك النص المروي عنهم عليهم الصلاة والسلام، يأخذ بلغته منه، لكن لا يعني ذلك انها نهاية المطاف، لان النص يبقى يختزن في داخله اشياء كثيرة تحتاج الى مزيد من بذل الجهد، لذلك تواصلت مسيرة العلماء؛ أكابر عن أكابر في محاولة استنطاق ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام. مدرسة الامام الصادق (ع) متعددة الادوار ومتكثرة العناوين.

الانفتاح على الآخرين أنموذجاً

واحدة من السمات البارزة في مدرسة الامام الصادق (ع) هي الانفتاح على كل الوان الطيف من حولها سواءٌ كان ذلك في دائرة العناوين المضافة لأهل البيت للعنوان العام ـ الشيعة ـ او كان فيما يرجع الى المسارات الفقهية قبل ان تتبلور فكرة المذاهب عند اتباع الطائفة الكريمة، لذلك عندما تقرأ حال الرواة وحال التلاميذ الذين نهلوا من علمه واثنوا الركب بين يديه واستمعوا منه ورووا عنه تجدهم من الفريقين، الامام الصادق (ع) أصّل في المعارف العقلية، لذلك الشيخ الكليني ومن خلال كتابه «الكافي» يأخذك الى كم من هائل من النصوص تؤصّل لأصول العقيدة الخمسة (التوحيد، العدل، النبوة، الامامة والمعاد) بما لا يحتاج الى زيادة غاية ما في الامر يحتاج الى وعي وتدبر وانفتاح ثم استخلاص نتائج، هذا هو الحال مع الامام الصادق (ع). الذين تقلبوا على يديه من الفريقين كلٌ منهم اخذ نصيبه بما يتناسب والاستعداد الذاتي عند كل واحد منهم؛ فمثلاً ابو حنفية امام المذهب السني المعروف وصاحب مدرسة العقل على حساب النص يعتبر هو اول من تبلورت فيه فكرة المذهبية عند اتباع المدرسة السنية او العامة في العنوان العام، هذا الرجل لم يكن كما يتصور البعض، بل كان على درجة ليست قليلة من القدرة الذهنية بحيث كانت له مواقف، بل كانت له وقفات، مشكلتنا نحن هو اننا نعيش ضيق افق اذا لم تقرأ جميع الوان الطيف من حولك لا تستطيع ان تتخاطب مع من هو الموجود، ان تصر على ان يكون الانسان معك في قالب واحد يحكيك هذه من الامور المتعثرة او المتعسرة او حتى الممتنعة، كل انسان له خصائصه، رغباته، طموحه وهذا الرجل امام المذهب الحنفي ليس بدعا من الناس، وضع حجر اساس لمذهبه، بعده تولدت المذاهب الاخرى، المذاهب الاخرى لا تنسجم مع مذهب هذا الامام ـ أي المذهب الحنفي ـ من حيث اصول البحث، لذلك تنوعت الفتوى عند اتباع المدرسة السنية.

الامام (ع) يؤصل وشيعته تفرّع

 الامام الصادق (ع) من خلال تأصيل القواعد الاصلية قد اعطى مفاتيح، اتباع مدرسة الامام الصادق المحسوبون على الامام الصادق في الانتماء المذهبي كانت لهم لمساتهم وخطواتهم الجبارة في تثبيت ما افاضه الامام عليه الصلاة والسلام، نعم قد يكون هناك صراع مذهبي في الداخل لكن هذا الامر لم يقف حائلا دون ان يعطي كل واحد ما له من الرأي في مختلف المسائل، طبعا حصر المذاهب عند المدرسة السنية في الاربعة لا يعني عدم وجود من هم يمتلكون قدرة علمية اكثر من هؤلاء، مثلا عبدالله ابن احمد بن حنبل (ابن احمد بن حنبل) بعضهم يرى ان الابن اعلم من الاب وهذا موجود في علم الرجال والقراءات، القاضي ابو يوسف بعضهم يقدمه على البعض، هذا يعني شيء وهو اننا عندما نقترب من قراءة نص من أي جهة كانت علينا ان نتحرر من القيود لنحاكم النص بما هو هو، الامام الصادق (ع) لم يكتفي فقط بتأصيل القواعد وانما ذهب مع اسقاطات الفروع، لذلك في زمن الامام الصادق (ع) حصلت طفرة نوعية في جانب القراءة الفقهية في الصنف الخاص يعني العلماء وفي التطبيقات بالنسبة للقاعدة الجماهيرية، يعني من السهل ان يدخل الانسان الى الكوفة او المدينة بمسجديها ـ بلغنا الله واياكم الوصول اليهما ـ ليسأل عن مسألة كي يبادر اليه اكثر من واحد ليقول له سمعت من جعفر بن محمد انه قال كذا وكذا..، عندما نقول عالم تخرج على يدي جعفر بن محمد هذه خصوصية لا تتوفر في كثير ممن تعلّم على يدي فلان وفلان وفلان وفلان، ما يعنينا في الموضوع ان الامام الصادق (ع) لبى جميع الطلبات لأبناء الامة فيما هم في مسيس الحاجة اليه، ليساعدهم على شق الطريق في حياتهم الدنيوية وما ينتهى اليه من السعادة الكبرى في الآخرة، خذ هذا النص عن امامنا الصادق (ع) حيث يقول عليه الصلاة والسلام:

«طلبت الجواز على الصراط فوجدته في الصدقة، وطلبت نور الوجه فوجدته في صلاة الليل، وطلبت فضل الجهاد فوجدته في الكسب للعيال»[2]

طلبت الجواز على الصراط فوجدته في الصدقة؛ في الصراط عقبات يجب على الانسان ان يتخطاها، الامام (ع) يقول عليك ايها الانسان المؤمن بالصدقة، لأنها تزيل العقبات وتنير الطريق، يعني هذه الصدقة تصبح كالمشعل تنير الطريق امام السائر، كحال الإنسان الذي يريد ان يسير في طريق مظلم فيطلب من شخص أن يأتي له بسراج ويقدمه له كي يشق طريقه، هذا مادي وذاك معنوي.

وطلبت نور الوجه فوجدته في صلاة الليل؛ هذه الصلاة الخاصة (أي صلاة الليل) يعبر عنها القرآن بناشئة الليل[3] هذا المعراج الروحي يختصر لك الكثير من المسافات، آثاره كثيرة، قيام الليل يزرع الثقة في النفس، لان الانسان عندما يترك منامه ليسبغ وضوءه ثم يأتي الى مصلاه وهو غير ملزم بذلك كما هو الحال في الصلاة الواجبة، هذا الامتثال يحكي حالة من التميز في الاستجابة للخطاب الالهي، كذلك من آثاره النور في الوجه، الوجه المضيء يختلف عن الوجه المظلم المكفهر، الذنوب هي عبارة عن نكت سوداء تخلفها على صفحة وجه الانسان، واحيانا على قلبه: ﴿بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[4]، يعني القلب لو انفتح لا يراه نوراني بل يراه اسود جراء الذنوب ـ والعياذ بالله ـ انت قد ترى انسان وتقول عنه فلانٌ وجهه نوراني، او ان بعض علماءنا ـ رحم الله من مضى وحفظ الله من بقي منهم ـ تلاحظ النورانية تزداد معهم في تقدم العمر، قد يكون انسان صاحب بشرة بيضاء لكن الاشراقة غير موجودة، المسحة اللاهوتية النورانية غير متجلية في وجهه، ولكن قد يكون انسان اسمر لكن هناك جذب روحي لاشراقة وجهه، نور الايمان، نور العبادة، التقلب بين يدي الله، تعفير الجبين، الاقرار لله سبحانه وتعالى في الخضوع والعبودية يسموا بالإنسان، يرتقي بالإنسان، ينعكس عليه، اصلا الأمر اساسا هو ان من يصلي صلاة الليل يشعر بالارتياح النفسي والاستقرار الروحي وهذ ينعكس على وجهه، نحن اليوم نسأل كيف يتعاطى البعض مع الصلاة الواجبة!؟ البعض يتصل ويسأل ويقول: انا نمت ولم استيقظ الا لصلاة المغرب (يعني صلاة الصبح والظهر والعصر هو نائم) لا ادري هل هذا هو نوم اصحاب الكهف! يعني نومة تستمر نهار كامل أي تقريبا ستة عشر ساعة! يعني اصحاب الكهف لو كانوا يعيشون اليوم فانهم ما كانوا ينامون بهذا المقدار! امة نائمة عن عبادتها، نائمة عن علاقاتها، نائمة عن اعمالها، نائمة عن طموحها، نائمة عن انفتاحها، نائمة على جهلها...

وطلبت فضل الجهاد فوجدته في الكسب للعيال؛ من الواضح ان افضل الجهاد هو ما كان بين يدي رسول الله (ص) لكن اليوم رسول الله (ص) في عوالمه العليا، وكذلك اهل البيت والامام الحجة عليهم السلام ايضا في عوالمهم الخاصة، فكيف ننال هذا الشرف الرفيع؟ هل من سبيل لذلك؟ الامام الصادق (ع) يقول نعم: وطلبت فضل الجهاد فوجدته في الكسب للعيال، شخص يبحث عن لقمة الحلال ليطعمها اهله، لا ان يحتال على هذا ويكذب على هذا ويواعد ويخلف، بل يطلبها من الطريق الصحيح الشرعي، هذا يصبح كالمجاهد في سبيل لله، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يبصرنا بعيوب انفسنا، ان يعرفنا على امامنا الصادق (ع) في ذلك اليوم، ان لا تكون هناك ثمة حجب تحول بيننا وبينه، انه ولي ذلك وفقنا الله واياكم لكل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.