نص كلمة:أثر العلم على الإنسان المؤمن
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ورد في الحديث الشريف عن النبي (ص) انه قال: «ان السماء والأرض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحا وانها لتبكي على العالم إذا مات أربعين شهرا»[2]
نبذة قصيرة عن شخصية الصحابي الجليل ابو ذر
يعتبر أبو ذر من الصحابة الخُلّص الذين عاشوا الايمان في أعلى درجاته عن وعي وبصيرة، آمنوا بالنبي (ص) ودخلوا في حظيرة الإسلام، هذا الرجل الجليل نذر نفسه من أجل اقتباس المعلومات من النبي والاستفادة من مجالسه، لم يحظى هذا الصحابي الجليل بما يتناسب مع علو شأنه ورفعة مقامه كما حظي كثير وهم لا يقاسون به علماً ومعرفةً وتصديقاً، أبو ذر الغفاري رضوان الله تعالى عليه أحد أركان الايمان الاربعة من الصحابة الذين حجزوا لأنفسهم موقعاً قريباً من النبي (ص) بحيث أتاح لهم أن يتحدثوا مع النبي (ص) في الكثير من الأمور ويستجلي معارفها، هذا النص الذي تلوناه في بداية حديثنا يبين لنا ما للمؤمن من قيمة على وجه الأرض، كما يبين حال العالم المؤمن وهو ذلك الانسان الذي دخل في حظيرة الايمان طبعاً، القرآن الكريم يفرّق بين الانسان المسلم والانسان المؤمن ويفرق ايضا بين الانسان المسلم وغير المسلم وكذلك يفرق حتى بين الانسان غير المسلم ايضاً حيث هناك الكتابي وغير الكتابي، القرآن الكريم يقول: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾[3]؛ وكلمة: «لا اله إلا الله محمد رسول الله» هي شهادة اقرار تدخل الانسان في منظومة المسلمين يكون له ما لهم وعليه ما عليهم، يصان بها دمه وماله وعرضه، هذه الاسس الأولية، أما بالنسبة للإيمان فيختلف تماماً فهي حالة من الخصوصية أيضاً يترتب عليها الكثير من الاحكام والامور، ويعتبر أبو ذر من حملة الأسرار الخاصة للإمام علي (ع) لذلك أوذي ونُكّل به، بل سُيّر على جمل بغير وطاء (يعني كان وبر الجمل يأخذ من لحم فخذيه) ثم نفي إلى الربذة وأسال التاريخ لماذا نفي؟ ولولا صوت المعارضة وعدم قبول الأمر المفروض لما جرى على ابي ذر ما جرى، لكن أبا ذر لم يتخلف قيد أنملة، بل كان ثابتاً رغم ما كان يدفع من الضرائب الباهظة، لأن النفي والأسر والتضييق في العيش كلها من الأمور الصعبة على بني البشر، لكن بقدر ما يكون الانسان متمسكا بالإيمان والثبات بقدر ما يتخطى كل الصعوبات، لأنه ينظر الى العالم غير هذا العالم هكذا كان حال هذا الرجل العظيم أبو ذر احد الأفراد العشرة الذين جرى في حقهم هذا البيان من النبي (ص): «أن أباذر منا» وهذه مهمة يعني هذا الأمر ليس بسيطاً ان يضاف الانسان لحظيرة أهل البيت عليهم السلام الخاصة، أنت عندما تتمعن في الاسماء التي وردت في الرواية المروية عن جابر رضوان الله تعالى عليه، هذا الرجل العظيم أردفه النبي (ص) ذات يوم على ناقة له فقال جابر للنبي (ص) يا رسول الله أسلمان منكم أهل البيت؟ قال: بلى والله ان سلمان منا. قال وأبو ذر منكم أهل البيت؟ قال بلى هو منا. فصار يعددهم واحد بعد واحد، هؤلاء النخبة أصحاب الدرجات العالية السامية بالإيمان ثم امسك جابر عن الكلام، فابتدأه النبي (ص) وقال له: يا جابر أخذك الحياء؟ وانت منا يا جابر.[4]، هذا المقام وهذه المنزلة لهؤلاء الصحابة الأبرار وهي قمة الايمان وذروته، هؤلاء لا يتمتعون بالعصمة، لكن نور العلم والمعرفة أوصلهم إلى هذا المقام الرفيع الشامخ الذي يتمناه كل انسان في هذا الوجود.
الفرق بين الانسان المؤمن والانسان المؤمن العالم
ان السماء والأرض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحا؛ لماذا تبكي عليه؟ لأن الارض تفقد الانسان المؤمن في مواطن كثيرة؛ منها مواطن السجود ومواضع السجود ومواطن العبادة مثل المساجد، الحسينيات، المزارات، العتبات المقدسة، المساجد العالية مثل بيت الله الحرام ومسجد النبي (ص) و ... الانسان الذي يتردد على هذه الأماكن الأرض تكافئ هذا الانسان جراء ما قدم لمدة أربعين يوماً، لكن الارض أيضاً تؤبن وتحتفي باللسان الصادق اللهج بذكر الله ويد الخير الممتدة بالفيوضات على أرحامها وعلى ابناء جلدتها، هذا فيما يتعلق بالإنسان المؤمن، وعندما نقول الانسان المؤمن لا نقصد بذلك الانسان المؤمن الشكلي الظاهري وإنما المؤمن الواقعي، أي الذي ينصهر في روح الايمان، يعني عندما يقرأ ما كان عليه الإمام علي (ع) يتمثل أثره، أو حينما يقرأ ما كانت عليه الزهراء سلام الله عليها أو ما كان عليه الأئمة الكوكبة النيرة من آل محمد عليهم السلام يسير على نهجهم وخطاهم.
وانها لتبكي على العالم إذا مات أربعين شهرا؛ هنا بدأت خصوصية الايمان والعلم، الايمان والمعرفة، الايمان والوعي الذين عارضوا الأنبياء والرسل والأولياء هم أُناس لم يحظوا بهذا الصفة، أي صفة العلم وإنما كان الجهل المطبق هو الذي يسوقهم نحو ما كانوا يقومون به، قد يقول: قائل ليس بالضرورة هذا الكلام وأنا لا اقتنع بان تقول بان فلان جاهل، حال انه كان إلى جانب النبي (ص) لفترة من الزمن، أو كان الى جانب نبي الله عيسى (ع) لفترة من الزمن؟ فأنا أقول: ان الأنبياء ابتلوا في مسيرتهم وكذلك الأئمة عليهم السلام بمثل هؤلاء، بل ان من اشد الحالات حلكة وظلمة أن يكون الانسان على قدر من العلم والمعرفة ولكن لا يفعّل ذلك العلم وتلك المعرفة في اتجاهها الصحيح، يعني البعض قد يقول بأن فلان مجتهد وهذا رأي عالم! صحيح أنه مجتهد وعالم (على عيني وعلى رأسي) لكن اسمع كلام عالم اكثر علما منه ومجتهد اكثر منه اجتهاداً، السيد الامام قدس الله نفسه الزكية والذي يعتبر من اكبر مراجع الطائفة يقول: لربما كان الاجتهاد اسلك طريق إلى قعر جهنم..! قد يكون مجتهدا لكن هذا الاجتهاد هو الذي يعبّد له الطريق الى قعر جهنم، ولم يدخله الجنة، لماذا؟ لأنه لم يطابق ولم يزاوج بين قوله وبين فعله، الفتوى التي لابد وان تصدر عن هدى وعن وعي وعن بصيرة تصدر عن ميل وعن نزوة وعن رغبة، ابليس كيف كان؟ ابليس افتى لنفسه بعدم جواز السجود لآدم ولم يسجد له، ابليس ألم يكن عالما؟ لا يستطيع أحد ان يقول بأن ابليس لم يكن عالماً، علماؤنا البررة لماذا تبكي عليهم الارض طول هذا الفترة؟ تبكي عليهم لما طبعوا من آثار هم أشرقوها بنور علومهم، بعطاءاتهم، بافاضاتهم، باشراقاتهم من خلال دروسهم، الاجيال التي ربوها، التكاليف التي رفعوها عن المؤمنين من حولهم هنا تبدأ دالتهم على المؤمنين انت ليس لك فضلا على المرجع لكن المرجع له فضل عليك الذي ترجع له أياً كان، كتبه، آثاره هي التي ستبقى بالتأكيد فترة أطول في الدنيا، المؤمن عندما يموت ويذهب الى الله سبحانه وتعالى تتولاه الرحمة والولاية ان شاء الله والارض تبكيه لمدة أربعين صباحاً، لكن هذا العالم الذي خيره كثير ولطفه دائم وجاري يموت ولا يموت، أي انه يموت جسداً ويبقى روحا سيالة يبقى علمه، هديه، افكاره التي تضيء الطريق للناس، لأن الظلمة وكما هو معروف مادية ومعنوية، الظلمة المادية هي واضحة هذه التي عندما ينقطع الكهرباء ولا يوجد هناك نور مصباح مثلا، لكن الظلمة المعنوية هي الخطرة والتي تكفل بها العلماء بإضاءة الطريق حتى لا يدخل أحد الى نفق مظلم لا ينتهي معه، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا واياكم من المؤمنين العارفين وان يزودنا بنور العلم، طبعا لا يخفى على الجميع بان مقصودنا من العلم ليس فقط العلم الديني، بل حتى العلم الدنيوي، يعني أنت لا يمكنك ان تلغي علم الطبيب الذي ينقذ الارواح ولا يمكنك أن تلغي علم الكيميائي فيما هو فيه ولا علم الرياضي فيما هو فيه ولا علم المهندس فيما هو فيه والا لما صار في الأرض إعمار، وفقنا الله واياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.