نص كلمة: أثر إعمار المساجد في بناء الروح

نص كلمة: أثر إعمار المساجد في بناء الروح

عدد الزوار: 805

2017-12-03

كلمة في مسجد العباس بالمطيرفي ليلة الثلاثاء 1439/3/2هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم اعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

قال رسول الله (ص): «ان ابخل الناس من ذكرت عنده ولم يصل عليَّ»[2]

النبي (ص) في العاصمة الموعودة لدولة الاسلام؛ المدينة المنورة

مر علينا في الاسبوع الماضي ذكرى رحيل النبي الاعظم (ص)، وكان الحديث في الاسبوع المنصرم عن جانب من جوانب حياته المشرقة المليئة بالعطاء، وتم التركيز على ما كان من الادوار في مكة المكرمة وهي كثيرة؛ فيه المأساوي كما هو بالنسبة لما جرى في شعب ابي طالب من الحصار المرير الذي ادى في نهايته لارتحال خديجة وابي طالب في وضع صعب جداً، ايضا كانت هنالك مناسبات الى جانبها فيها إمارات العزة والشرف والكرامة والتضحية المبكرة ولعل في طليعتها مبيت الامام علي (ع) على فراش النبي (ص) والتي تقول عنه الروايات بانه يعادل عمل الثقلين، الامام علي (ع) وقف الى جانب الرسول (ص) في كل المواطن ولم يتخلف عنه الا في موطن واحد ولأسباب خاصة، المدينة المنورة تختلف جملة وتفصيلا عن مكة المكرمة، فمكة واد ليس فيه زرع، في حين أن المدينة فيها الزراعة وفيها الخضرة وفيها الماء وفيها طيبة النفوس وفيها الصدور المفتوحة لاستقبال النبي (ص) على العكس من ذلك الحال في مكة المكرمة، فهي ارض جرداء والذين يسكنونها ايضا تشربت في داخل نفسياتهم آثار تلك الطبيعة حيث انعكست على سلوكهم وتعاملهم مع النبي (ص) إذ الجفاء والشدة والغلظة كانت تسودهم وترجموها بالخارج من خلال أفعالهم الفظة من قبيل رمي النبي بالحجارة، طرح الشوك في طريقه، رمي الروث على ظهره وامور كثيرة، في المدينة الامر يختلف تماماً ما ان وصل او طرق أسماع اهل المدينة قرب وصول النبي (ص) واشراقة النبي تقترب من اطراف المدينة المنورة الا واستعدوا احتفاءا بمقدمه الشريف وكانت لهم اهازيجهم الخاصة من قبيل:

طلع البدر علينا *** من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا *** ما دعي لله داع

ايها المبعوث فينا *** جئت بالأمر المطاع

جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع

وكانت كل قبيلة لها رجزها الخاص بشارة بالنبي (ص)، عندما وصل المدينة رفع البناء من المسجد ليجعل منه المنطلق العام في تثقيف الناس، في بيان الاحكام، في سد حاجة المحتاج، في تسيير الجيوش، في نظم الامور ووضع الخطط العامة والخاصة، للنهوض بمجتمع اسلامي، العاصمة الموعودة لدولة الاسلام هي المدينة المنورة، لذلك النبي (ص) صب جهودا كبيرة في سبيل تثبيت هذا الأمر.

المسجد وكيفية الاعتناء به

المسجد بني من اجل اهداف ومن اجل اغراض، او لنقول هنالك اسباب كثيرة دفعت وراء اهتمام المؤمنين في تشييد المساجد اقتداءً بمحمد وآل محمد واصحابهم ومن سار على نهجهم، طبعا الاعتناء والاهتمام بالمسجد يتجلى ويظهر من خلال جهتين:

الجهة الاولى الجانب المادي

المظهر المادي وهو مطلوب خاصة في هذا العصر الذي تملأ فيه النهضة جميع الجوانب، فاليوم الانسان خصوصا شبابنا الاعزاء ـ الله يعطيهم العافية ويحفظهم ويوفقهم ان شاء الله الذين اصبحنا نفتخر بهم ـ يريد المكان النظيف، يريد المكان المكيف، المكان الذي فيه اضاءة مريحة و... بطبيعة الحال متى ما تحقق هذا المناخ جلب النفسيات واستقرت وهدأت وجاءت مرتاحة منبسطة، يعني تصوروا في فصل الصيف وفي أكثر من اثنين وخمسين درجة مئوية بدون تكييف كيف يمكن للإنسان ان يصلي، قد يصلي كي يخلص من التكليف الشرعي لكن كيف يصلي في هذه الحالة، نحن اليوم في نعمة، فالمؤمنون اقتداءا بنبيهم (ص) سعوا في رفع المساجد ورفع القواعد لبيوتات الله في الارض، لاحظوا ايها الاحبة: مساجد الله في ارضه تشرق لأهل السماء كما تشرق النجوم لأهل الارض فطوبى لمن يسعى في عمارتها والنهوض بها، حتى في الجانب المادي مثل اضاءة النور في محل العبادة، لان ذلك النور سيبقى وسيكون سببا في ان تكون الملائكة في حالة من الاستغفار لمن تسبب في ايقاده، وهذا شيء عظيم، فلا ينبغي ان يفرط شخصا بهذا.

الجهة الثانية الجانب المعنوي

أما الجانب الثاني وهو الجانب المعنوي فهو أهم، وانا اريد أن انبه على شيء، وهو أن في الجانب الاول عادة ينهض بالمشاريع المتولين عليها بحسب امانتهم ورغبتهم في التطوير، أو اصحاب الاموال والخير او اصحاب الاثلاث الذين غادروا الدنيا وتركوا ولدا صالحا ينفذ ما وصوا به، ايضا هذا يحسب لهم، لكن الجانب الثاني أي الجانب المعنوي من الذي يتكفل به؟ المفروض أن رجل الدين هو الذي يتكفل بهذا الأمر، لكن ليس كل رجل دين، بل رجل الدين حمال المسؤولية، رجل الدين القريب من الناس، رجل الدين الذي يعلم حق المعرفة والعلم ان سعيه لطلب العلم انما من اجل ان يكون في خدمة المؤمنين من حوله، يعبّد لهم الطرق يسلّك لهم المسارات يضيء لهم البهم في نهاية كل طريق هذا تكليفه، اذا نهض رجل الدين بهذه المسؤولية ماذا سيحدث؟ ولا ينبغي أن يتكبر أحد في الاهتمام بالمساجد، لان هذه هي بيوت الله وضعت للناس، وضعت لي ولك، لاحظوا بعض الأفراد لا يعطي من نفسه شيء من أجل نظافة المسجد وعندما يُسأل عن ذلك يقول هناك خادم هندي موجود هو الذي يتبنى نظافة المسجد! في حين نرى ان النبي (ص) كان هو بنفسه وبعظمته ينقي الحصى من مسجده، فاذا كان عندي النبي (ص) قدوة واسوة فلابد ان اتحرك بناءا على هذا الامر ووفقه، فتصبح نظافة المسجد مسؤوليتي ويكون المسجد بيتي لان بيت الله هو بيتي، انا مسؤول عن نظافته عن ... هو بيت للعبادة لابد وان يليق بمقام العبادة، من العبادات المهمة التي لها التصاق مباشر بالمساجد هي الصلاة، وعندما نقول عمارة المسجد بالعبادة، الطقس الأول المتبادر لأذهاننا هو الصلاة، التي ان قبلت قبل ما سواها وان ردت رد ما سواها، بعض الناس يتعين عليهم ان يأتوا ويصلوا في الجماعات اذا اقيمت، كما لو كانوا لا يحسنون القراءة، في المساجد مظنة قبول الصلاة اكثر مما لو كانت خارج المساجد، لأنه قد يكون عندي خلل في صلاتي لكن عندما ادخل في صلاة الجماعة حينها الامام سوف يحمل عني عبء ذلك الخلل المستوجب لعدم صحة الصلاة، نحن يوم القيامة سوف ندخل على رحمة الله سبحانه وتعالى وليس اتكالاً على اعمالنا، في يد نطلب من الله الرحمة، العفو والغفران، وفي اليد الثانية نرجو شفاعة رسول الله (ص) وهو القائل: «ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي»[3] فانا اطلب الرحمة والشفاعة من صاحب المناسبة النبي الاعظم محمد (ص) رغم ذلك هناك جماعة رغم حضورهم في المساجد ورغم مشاركتهم في الصلاة وانخراطهم فيها الا انهم ايضا لا يوفقون مع شديد الاسف علينا ان نسال من الله ان لا نكون من هؤلاء.

ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا

لكن من هم هؤلاء؟ يقول النبي (ص): « ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا: رجل أم قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان»[4]، هناك ملائكة موكلة بحمل الاعمال ورفعها الى السماء وهناك روايات تقول بان الاعمال تعرض كل يوم اثنين، وبعض الروايات تقول كل يوم اثنين وخميس وجمعة وبعضها تقول في كل جمعة لكن صلاة البعض لا ترفع اكثر من شبر، النبي (ص) يبين هؤلاء الأشخاص الذين لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا:

أولاً: رجل أم قوما وهم له كارهون؛ المأمونون يكرهونه (لأسباب كثيرة) ولا يرغبون ان يأتموا به لكن هو مصر على امامتهم فهذا الإمام لا ترفع صلاته اكثر من شبر، اصلا السيد الامام رضوان الله تعالى على روحه المقدسة يرى اذا حصل تشاح الاحوط عدم الاقتداء!

ثانياً: وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط؛ لأنها تخرج من غير اذنه، تتصرف في الأموال من غير اذنه، تعمل نذورات من غير اذنه، تمد سفرة لام البنين سلام الله عليها طويلة عريضة وزوجها رجل فقير لا يملك شيء، أو في البيت لم تتزين لزوجها لكن في الشارع وفي السوق... هي ذاهبة الى الطبيب لكن لا تتقي الله في نفسها.. هذه أيضا لن ترفع صلاتها شبرا، اليوم بعض النساء اصبحن اكثر من رابعة العدوية في التمظهر في العبادة، أيها الأخوة الرسول الكريم (ص) يقول: «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق»[5]

ثالثاً: وأخوان متصارمان؛ نحن اليوم صرنا نعيش هذه الحالة، اخوان في البيت من أم واب واحد لا يتحمل الأول الثاني يريد كل واحد أن يتخلص من الآخر، تصوروا وصلنا الى مرحلة بحيث هناك اشخاص يصلي صلاة الليل، يمشي في زيارة الاربعين، يحج ويعتمر، يخمس ويزكي، يحضر في تشييع الجنائز بل قد يغسل الاموات لكن يحمد الله لان ابن اخيه مريض! يسجد الى الله شكرا لان اخيه لم يتوفق في العمل الفلاني!... لذلك يوم القيامة جمع من الناس يأتون يطالبون بصلاتهم فتلقى بل تضرب في وجوههم، فيجب ان نلتفت عندما نجتمع في ذكرى النبي وآل النبي (ص) ونعرف ماذا يريد النبي (ص) منا وأي شيء يريد ان نفعله، وماذا قال وماذا اراد لنا ان نكون عليه، اما أن نتصور بان مجرد هذه الشكليات تكفي هذا خطأ، اليوم قد استطيع ان اخدعك وتخدعني لكن يوم القيامة لا يوجد هذا الشيء لان يوم القيامة: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فبَصَرُكَ الْيوْمَ حَدِيدٌ[6]. وفقنا الله واياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.