نص كلمة:أثر إدخال السرور على المؤمن
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
غفر الله لنا ولكم جميعا وعظم الله اجورنا واجوركم في ذكرى شهادة الامام السابع من آل محمد موسى بن جعفر الكاظم عليه الصلاة والسلام.
ادخال السرور في مدرسة أهل البيت عليهم السلام
حياة الامام الكاظم (ع) مليئة بالدروس والعطاءات لابد لنا أن نقترب منها ونعيشها، ومن الجميل بعد ذلك ان نسال من انفسنا: ما الذي اقتطفناه من أزهار هذه المدرسة ومن وريقاتها؟ نبتدئ حديثنا برواية مروية عن أمامنا الكاظم (ع) يقول فيها: «من سر مؤمنا فبالله بدأ وبالنبي صلى الله عليه وآله ثنى وبنا ثلث»[2].
من سر مؤمنا فبالله بدأ، أي ادخل السرور على الله سبحانه وتعالى، وبالنبي ثنى؛ يعني ادخل السرور على قلب النبي محمد (ص) من خلال ادخال السرور على اخيه المؤمن، وبنا ثلّث؛ ان تدخل السرور على عبد مؤمن واحد فقط، تصيب من الهدف اغراض ثلاثة؛ تدخل السرور على جهات ثلاث؛ واحدة منها تكفيك في المواطن التي تكون فيها بأمس الحاجة لمن يمد يد العون لك، واذا لم تتمكن ان تدخل السرور على اخوانك المؤمنين فعلى الاقل لا ندخل عليهم الأذية والحزن، ان لا نرتكب في حقهم الجناية، ان لا تعترض طريق مسيرتهم، هذا اقل ما يمكن ان يكون، لكن الاجمل من ذلك ان نقف الى جانبهم في افراحهم وفي اتراحهم، نفرح لما يفرحون فيه ونحزن لما يحزنون من اجله، هذا امر مهم وفي غاية الأهمية، تصوروا لو اننا عشنا هذا البعد وحرّكنا هذا المبدأ في داخلنا، أي استبدلنا الأذية بإسعاد الطرف الآخر، من خلال ادخال السرور عليه ما عسى ان تكون الحالة في وسط المجتمع والأمة؟! الامام الصادق (ع) والد الامام الكاظم (ع) يبين لنا الآثار التي يمكن ان يجتنيها الانسان الذي يسعى في ادخال السرور على اخيه المؤمن.
إدخال السرور وما يترتب عليه من آثار
وبالمناسبة ادخال السرور له شعبتان: شعبة مادية وشعبة معنوية، ان يجمع الانسان المؤمن بينهما في ادخال السرور على اخيه المؤمن هذا كمالٌ في كمال، اذا انفرد بواحدة منها ايضا يكون ممن ادرك نصيبه من الخير، لكن ذلك الانسان الذي فرط في الجنبتين وذهب بعيدا ولم يدخل السرور من جهة، وإنما يدخل الأذية من جهة ثانية ـ والعياذ بالله ـ هنا تكون النكبة الكبرى، اما الانسان الذي ادخل السرور على المؤمن، فينتظره الشيء الكثير، عندما يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى، لأنه بالتالي امور الدنيا عابرة، وانا اقول اليوم شيء: عليك ان لا تنتظر ممن تسدي اليه جميلا ان يرد الجميل، وإنما عليك ان تجند نفسك وتعد نفسك اعدادا كاملا لأنه ربما تقابل بالقبيح على جميل قدمته، عليك ان لا تنتظر الجزاء وإنما وكما يقول المثل الاحسائي: «افعل خير وارميه في البحر» اجعله وراء ظهرك، لا تفتش وتبحث هل ان فلان جازني أم لا؟ قام لي بأداء الواجب أم لم يقم، لان عملك كان مع الله سبحانه وتعالى، فعندما تكون النية هكذا حينها لا يهمك ولا يعنيك ان فلان أسدى لي الجميل أم لم يسديه، لان هذا لا يعنيني، الذي يهمني ويعنيني هو اني تحركت امتثالا واستجابة لأمر المولى وامر النبي وامر آل محمد صلوات الله عليهم اجمعين، كما قلت الدينا عابرة حتى لو قام لك بجميل فان الايام تنسي، لكن هناك محطة وهي عند خروج الروح من البدن انت في مسيس الحاجة لمن يدخل السرور عليك، عندما تدرج في كفنك انت في مسيس الحاجة لمن يدخل السرور عليك، عندما تطوى في ملحودة قبرك ولا يوجد شيء سوى الرحمة من الله سبحانه وتعالى والنورانية من محمد وآل محمد، لان بدون ذلك فان اعمالنا لم توصلنا حتى خطوة واحدة، لأننا نحن حتى لو احسنا في العمل أداءاً لكن الانسان يلتفت احيانا الى نفسه ويعجب بها ويدخله الغرور والعجب والعياذ بالله، لان البعض يقوم بالعبادات مثل الصلاة والزيارة والتصدق و... وينتظر من الآخرين ان يعجبوا بأعماله ويمدحوه عليها، وقد يعجبوا بذلك ويمدحوه و... لكن اكثر من هذا لا يوجد شيء، أما يوم القيامة فبصريح القرآن: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ﴾[3] يعني ينتهي كل شيء حتى الولد الصالح يدعو لوالديه اذا كان حي، لكن عندما يموت الولد ويدفن حينها انقطع العمل وينتهي كل شيء، اضافة لذلك فان يوم القيامة يوم مهول: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ﴾[4] والأمر ليس هينا، يبقى معك شيء واحد وهذا الشيء انت تصنعه وانت تجمع اجزاءه وانت تركّبه وانت تعطيه الشفرات يتحرك حيث تريد، المعبّر عنه في روايات اهل البيت عليهم السلام بـ «المثال» يعني يوم القيامة يخلق الله لك مثال على شكلك وعلى هيئتك، يراه اهل المحشر فيظنون أنه انت، وانت تسير من خلفه.
أثر إدخال السرور في كلام الامام الصادق (ع)
يقول أمامنا الصادق (ع) في حديث طويل: «إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدم أمامه، كلما رأى المؤمن هولاً من أحوال يوم القيامة قال له المثال: لا تفزع ولا تحزن وأبشر بالسرور والكرامة من الله عز وجل، حتى يقف بين يدي الله عز وجل فيحاسبه حسابا يسيرا ويأمر به إلى الجنة والمثال أمامه فيقول له المؤمن: يرحمك الله نعم الخارج خرجت معي من قبري وما زلت تبشرني بالسرور والكرامة من الله حتى رأيت ذلك، فيقول من أنت؟ فيقول: أنا السرور الذي كنت أدخلت على أخيك المؤمن في الدنيا خلقني الله عز وجل منه لأبشرك»[5].
إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدم أمامه؛ يخرج معه مثالٌ يحكي صورته يقدم امامه! يعني يسير أمام المؤمن والمؤمن يسير خلف هذا المثال، وهذه حكمة الهية، مقتضى سامي رفيع.
كلما رأى المؤمن هولاً من أحوال يوم القيامة؛ لان في يوم القيامة توجد عقبات ليست بالهينة، لا تشبه المطبات الصناعية الموجودة في الدنيا والتي يمكنك ان تلوذ عنها وتخفف السرعة، وإنما هي شيء كبير لا يوصف، لأننا لم نراه، وائمتنا عليهم السلام فقط يقربون لنا الصور، والا لو وصفوا كل شيء بحق اليقين او عين اليقين لمات الانسان هلعا، وخير شاهدا على ذلك قضية «همام» الذي مات جزعا بعدما ما سمع بصفات المتقين.
قال له المثال: لا تفزع ولا تحزن وأبشر بالسرور والكرامة من الله عز وجل؛ لمن يقول المثال؟ يقول لذلك الهول الذي يعترضك عند الصراط أو يعترضك عند الميزان أو... لأن الاعمال التي نقوم بها في الدنيا تجسم في الآخرة، لا تكذب على فلان وتعتبرها سهلة، انظر ماذا سيخلق منها يوم القيامة، لا تسقّط فلان، لا تعتدي وتقول سوف اعتذر منه، انت ليس مجبور ان تسيء وتعتذر بعد ذلك.
... فيقول [المؤمن] من أنت؟؛ لأني لم أراك سابقا، أنت ليس من الشلة التي كنت اجلس معها في الاستراحة، ولا من الذين كنت أدرس معهم ولا من اقربائي ولا من الذين كنت أذهب وأجيء معهم، أنا لا أعرفك من انت فيقول المثال:
أنا السرور الذي كنت أدخلت على أخيك المؤمن في الدنيا خلقني الله عز وجل منه لأبشرك؛ انا السرور الذي كنت ادخلته على اخيك المؤمن، السرور الذي ادخلته على اهل بيتك، السرور الذي ادخلته على اصحابك، السرور الذي أدخلته على مجتمعك، وأكثر من هذا وأهم منهم جميعا هو ادخال السرور على من له في داخلك لون من الوان الخصومة ولو في حد درجة أو اقل من درجة، هذا سيكون أجمل، لأن فيه صراع مع النفس، الشخص الذي يؤذيك والذي يحاربك والذي يقطع رزقك والذي يخرب مسيرتك في بيتك و... لكن انت تسدي اليه الشيء الذي تدخل السرور عليه، فهذا اضافة الى انك تحصل على ثواب جزيل، فانك ستؤدبه بلطف، وفقنا الله واياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.