نص كلمة:أثر أخلاق النبي (ص) على شخصية المؤمن
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
غفر الله لنا ولكم وعظم الله اجورنا واجوركم في سيدنا ونبينا الاعظم محمد بن عبد الله عليه وعلى آله صلوات الله.
الأخلاق السامية للنبي (ص) وأثرها على الناس
الحديث عن رسول الله (ص) حديثٌ له مصادره المتكثرة؛ المصدر الاول ما جاء في كتاب الله المنزل على قلبه (ص) حيث تكفل هذا القرآن في بيان مجموعة من ابعاد شخصية النبي (ص) ركّز على جانب البشرية في مسيس الحاجة لها والامة الاسلامية اكثر مسيسً في هذا الجانب من غيرها، لأنها المخاطبة وإن كان مبعوثاً للبشرية عامة إلا أنها مخاطبة بأنها أعطت انقياداً مبكراً حيث قال سبحانه وتعالى في كتابه المنزل: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[2] عظمة الاخلاق، قيمة الاخلاق لها أثرها على تركيب شخصية الانسان والآثار المترتبة على تلك الشخصية خارجاً، لو خُلّي بين النبي (ص) وسائر البشر لكان النبي (ص) من خلال أخلاقه بمقدوره أن يُدخل البشرية في حظيرة دين الاسلام لكن العابثين وقفوا سداً منيعاً وأثاروا الكثير من المشاكل في وجه النبي (ص) بدءاً من مكة ونهاية في المدينة المنورة مع تنوعات وتقلبات كثيرة، حاربه حتى البعض من أهل بيته، يعني قسمٌ من أهل بيته وعلى رأسهم وفي مقدمتهم أبو لهب الذي هو من البيت الهاشمي، ثم التاريخ لا يعطينا المزيد من التفاصيل في هذا الجانب، وهناك ممن وقفوا إلى جانبه في تلك الفترة على أن خير ما في بني هاشم بعد النبي هو علي (ع) ويكفي أنه إلى جانب النبي (ص) الزم له من ظله يقذفه في لهوات الحرب فلا ينكفي عنها حتى يطأها بأخمص قدمه، النبي الأعظم (ص) مشت الرحمة ومشى السمو في الاخلاق معه في كل المواطن التي وطأها.
ابتعاد مفهوم الظلم عن ساحة الرسول الأعظم (ص)
عادة الانسان عندما يرى نفسه قوياً يترفع على الضعيف وعندما يجد نفسه يمتلك المقادير التي من خلالها يقلب الكثير من المعادلات لا يعف عن القيام بها، بل اكثر من ذلك إذا ما وجد ما يساعده على أن يظلم الآخر لأتخذه مساراً، لذلك يقول الشاعر العربي الحكيم والعظيم «المتنبي» في حكمته: «وَالظّلمُ من شِيَمِ النّفوسِ فإن تجدْ, ذا عِفّةٍ فَلِعِلّةٍ لا يَظْلِمُ» يعني الظلم شيء ممزوج مع الانسان، فإن تجد شخص لا يظلم قد يكون لعلة، مثلا قد يخاف من الحاكم، قد يخاف من أهله، قد يخاف على سمعته، قد يخاف على الموقع الذي هو فيه أو... لكن في طبيعة الحال هو ظالم، والظلم انواع وفيه درجات، لأنه مفهوم يقوى ويضعف بقدر الممتلكات الموجودة من حوله والروافد التي تكتنفه وإلا بالنتيجة هو ظلم، يعني ان ظلمت بكلمة أو ظلمت بفعل أو ظلمت بقتل بالتالي هو ظلم، سواء قتلت واحداً أو قتلت بشراً بالنتيجة أنت قاتل، أنت ظالم، أنت اذا ما رفعت صوتك على عيالك في بيتك أيضاً أنت ظالم في هذا الحد فيما لو كان لا يستوجب ان ترفع صوتك فيه إلى هذا الحد، النبي (ص) مع نشوة الانتصار الكبير التي لا يتعرف المسلمون على مثلها رغم الانتصارات الكبيرة في بدر وفي الخندق وفي خيبر وغيرها لكن القرآن لا ينعت نصراً تحقق على يدي النبي (ص) كما هو الحال في مسألة فتح مكة رغم أنها لم ترق دماء إلا بهذا النعت: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا﴾[3] لا يحتاج الى ضرب ولا يحتاج الى قتل ولا يحتاج الى أي شيء كلمة واحدة تكشف حالة الخلق الرفيع عند النبي (ص) «اليوم يوم المرحمة»[4].
دور اليهود والمستشرقون في وضع الأحاديث
طبعاً هناك الكثير من اليهود ممن دخلوا في الاسلام بعد فترة وهناك أسماء كثيرة موجودة ممن عبثوا كثيراً في مجريات السنة المطهرة، لذلك علماء الأمة من الفريقين يجهدون انفسهم من أجل تنقية التراث الواصل اليهم، فهؤلاء وضعوا احداث وقصص وامور لا أساس لها والتي لم تحدث، بعدها جاء المستشرقون في القرن السابع عشر وما بعده واستغلوا هذه الثغرات وهذه المجموعة من الاحاديث ومن خلالها بدأوا بتشويه صورة النبي (ص) للعالم وكذلك تشويه الاسلام في منظور الباحثين صاروا يستغلون تلك الثغرات الموجودة من خلال بعض النصوص التي وضعها وصنعها من دخل في الاسلام ربما ليس رغبة وانما من اجل النكاية بالإسلام (من اليهود طبعا)، لان الامام علي (ع) أجهز على جميع أحلام وطموحات اليهود في بسط اليد على الجزيرة العربية، فكان الامام علي (ع) قد أربك أوراقهم وقتل صناديدهم، فحملوا في داخلهم الكثير من الحقد على هذا الانسان العظيم، فمن باب اولى ان يكون المشرّع في هذا الفعل ان ينال نصيبه ايضا وهو النبي (ص) لذلك تآمروا على قتل النبي (ص) في اكثر من مرحلة ومرحلة حتى ان هناك روايات صحيحة تقول بان النبي (ص) لم يخرج من الدنيا خروجا طبيعياً وإنما خرج من الدنيا مسموما وان اليهود يقفون وراء سم النبي (ص)، بل اكثر من ذلك بعضهم يقول ان آثار السُم كانت باديةً على جسم النبي (ص) بعد موته (ص) هذا الشيء كان موجود، اليهود منذ ذلك اليوم والى يومنا هذا لم يتوقفوا عن التصدي للإسلام، وبعبارة أوضح لا يوجد بلاء يلف هذا الكوكب الا وكان لليهود ايادي فيه وهم يقفون وراء ذلك، يعني ما يعبر عنه اليوم باللوبي الصهيوني هو الذي يقلب الاوراق ويبعثرها، ونحن عندما نقول اليهود لا نقصد من ذلك الديانة اليهودية وانما نعني الصهيونية العالمية وليس بالضرورة ان يكون ديانته اليهودية وانما قد يكون مسيحي الديانة، لكن مبتني على هذا الجانب ويرتكب مثل هذه الامور.
أهمية الدقة في نقل الأمور وعدم بيانها إلا بعد غربلتها
نحن نرى مع الأسف الشديد هناك بعض الكتاب المسلمين (اقول المسلمين) يرسم صور خاطئة لهذا النبي العظيم مع كل هذه الروافد العظيمة مثل رافد القرآن ورافد السنة ورافد ما كتب ويتأثر ببعض المعطيات الاستشراقية التي جاء بها المستشرقين، يعني صار يرسل اعمال المستشرقين ارسال المسلمات، حال ان بعضها بل اكثرها وقد يدعي الانسان اكثر من ذلك كل ما كتبوه هو من قبيل دس السم بالعسل، اذا ما كان له ظاهر جميل، اما باطنه ففيه سمٌ زعاف، النبي (ص) ترك وراءنا سنة مطهرة حالنا نحن مع هذه السنة المطهرة كيف هو؟ يعني هل أننا نأخذ كل شيء وصلنا عن النبي (ص) ونرتب الآثار عليه؟ اذا كان هذا فلماذا احتجنا الى حوزات علمية والى جامعات والى امور تحقيق ومؤسسات تنقية تراث وما الى ذلك من الامور، في ذلك الزمن وفي هذا الزمن الامة مبتلاة بشيء وهو عدم تتبع الشيء من مضانه، وانما تعطي احكامها جزافا منذ البدء الاول يعني من الحرف أ ب ت ث ... يعني لا ينتظر كي يصل الى الياء في الاخير وهذه مشكلة تصاحبنا عندما نقرأ التاريخ ونقلب الاوراق منذ زمن النبي (ص) والى اليوم عبر القرون التي تصرمت، حتى نحن في حياتنا اليومية احياناً يأتي شخص وينقل لك قضية ويقول لك انا سمعت أو انا رأيت ـ طبعا هذا في احسن الحالات ـ لأن البعض يقول: قالوا لي أو سمعت ممن سمع، وهناك فرق بين هذين الأمرين؛ فتارة أتي وأقول أنا سمعت أو أنا رأيت، ومرة أقول فلان قال لي أو فلان رأى، فأيهما الاقرب الى الحقيقة؟ طبيعي عندما أكون أنا قد سمعت أو أنا قد رأيت تكون للحقيقة أقرب، وهناك حالة ثالثة وهي أنا لم أسمع ولا حتى نقل لي وانما اختلقها من عندي اساسا وليس لها اصل ولا واقعية، لنرى النبي (ص) كيف يحذرنا وكذلك أهل البيت عليهم السلام كيف يحذروننا، ومدرسة القرآن كيف تحذرنا؟ انا اذا ما رأيت أو سمعت هل يعطيني هذا المبرر كي أقول بما سمعت أو بما رأيت؟ لنرجع الى كلام اهل البيت عليهم السلام ونرى هل يجوز لنا ذلك؟ جاء في الحديث الشريف عنهم انه: «من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه فهو من الذين قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 19]»[5]، وهناك رواية أخرى ننقلها على نحو السرعة كي لا أطيل عليكم، يقول الامام الصادق (ع): «لا تشهدن بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك»[6]، وأختم بحديث مروي عن صاحب المناسبة النبي الأعظم محمد (ص) وقد سئل عن الشهادة قال: هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع.[7] نحن شهاداتنا هل هي من هذا النوع أم أن بينها وبين هذا الواقع الشيء الكثير وكلنا ندعي بأننا نسير على نهج النبي (ص) وندعي بأننا نحن الاقرب الى الامام علي (ع) ونحن الاكثر محبة وولاء ومصداقية وتضحية وتفاني، لأن المسألة مسألة سلوك وحمل أمانة وفقنا الله وإياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.