نص كلمة: أبعاد مدرسة الإمام الكاظم عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
العلم وأهميته في كلام الامام الكاظم (ع)
ذكرى شهادة الإمام الكاظم (ع) واحدة من الذكريات التي تنطوي على الكثير من المآسي وصور الظلم التي صبت على اهل البيت عليهم السلام من كل حدب وصوب، من كل اتجاه وناحية، حياة الإمام الكاظم (ع) صبغت منذ ايامها الأولى بهذا اللون، الظلم يطارده، يتربص به حتى في نهاية المطاف فتك به مسموماً مظلوماً بسجن السندي بن شاهك (لعنه الله)، الإمام الكاظم (ع) مدرسةٌ ذات ابعاد كثيرة، نعم هو ظلم وطورد و... لكن بقي الإمام الكاظم (ع) رغم كل تلك المنعطفات ومحطات التوقف يقدم المعين المعنوي او الزاد المعنوي في اكثر من حين وحين، في أحد الأيام يلتفت الى هشام ابن الحكم ويتحدث معه ببضع كلمات، فيها دروسٌ وعبر وحكم، يقول له: «يا هشام ما قسم بين العباد أفضل من العقل، نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل».[2]
يا هشام ما قسم بين العباد أفضل من العقل؛ العقل كرامة والعقل نعمة والعقل امتحان؛ اما كونه كرامة؛ فبه يمتاز الانسان عن غيره من المخلوقات هذا واضح، واما كونه نعمة؛ فآثاره واضحة بينة لا ينكرها الا جاحد وهو الأسوأ حالا من المنكر للشيء، واما كونه امتحان فهذا أيضاً لأدنى تأمل وتوقف تجد ان هذا العنوان أيضاً له مصداقيته، العقل قوة، هذه القوة بسيطة في نفس الوقت هذه البساطة تعطي القدرة على القوة والضعف بقدر ما تستحكم القواعد والمقدمات بقدر ما ينشط العقل ويقوى ويصبح قادرا على ترتيب المقدمات واستخلاص النتائج، الله قسّم بين العباد الكثير من النعم، بل النعم في المطلق هي مقسمة بين العباد هذا غنيٌ وذاك فقير، ولا يعني الفقر سلب صفة النعمة، الفقر احيانا يكون نعمة، لذلك في الحديث القدسي الشريف: «وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالفقر ولو أغنيته لكفر»، الصحة نعمة، لكن احياناً المرض ايضاً يكون نعمة، كم في تتمة الحديث القدسي الشريف: «وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالسقم ولو أصححته لكفر»[3]، يعني أنا أمرضه وأنا أشفيه ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾[4]، نعم مقسمة، المفارقة تكمن في حسن التعامل مع هذه النعم بالمطلق سيدها المقدم عليها هو العقل بصريح النص الوارد عن إمامنا السابع الكاظم من آل محمد(ع).
الحكمة ودورها في المجتمع
يا هشام ما قسم بين العباد أفضل من العقل؛ بالعقل نتعلم، بالعقل نبني الأسر، بالعقل تزدهر الامم، بالعقل تبنى الحضارات، من خلال العقل يصبح في الأمة علماء، كتّاب، وعاظ، ادباء، نقاد، اطباء و... سيد هذه الكوكبة من العناوين وجود الحكماء في وسط الأمة، لان الحكماء في وسط الأمة هم سادة العقول، الحكيم ليس بالضرورة ان يكون فقيها، قد يكون فقيه، بل قد يكون حتى مرجع لكن لا يتصف بصفة الحكمة، هذا واضح بيّن والشواهد عليه كثيرة وقد يكون الانسان طبيب ولكن لا يتصف بالحكمة، قد يكون مسؤول دولة ولكن لا يتصف بالحكمة، قد يكون شيخ قبيلة ولكن لا يتصف بالحكمة، قد يكون رب اسرة ولكن لا يتصف بالحكمة وعلى هذا قسّم .. كم من الأسر تدار بواسطة المرأة ولا تدار بواسطة الرجل ونحن دائما نقول المرأة ناقصة عقل، اذا المرأة ناقصة العقل كيف تدير زوجها وابنائها وبيتها، ونحن رأينا الكثير من النساء الأرامل ربوا وأخرجوا للمجتمع الأطباء والمهندسين والاساتذة، عقل المرأة من حيث الوزن ليس اقل من عقل الرجل بالحد المادي، حركته مبنية على هذه المجموعة من القواعد والاصول قد تكون المرأة متقدمة، اليوم بعض الدول الكبرى تقودها امرأة ليس من أجل قلة الرجال، لكن من أجل عقلها تقدمت عليهم وبعقلها تسيّدت الموقف.
الاحتفاظ بالعقل وعدم التفريط به
للعقل كرامة اهم من هذا وذاك احيانا هناك انسان يدعي المعرفة ويتكلم بطريقة توحي بالفهم والذكاء أو كما يقال يتعيقل، يعني هو ليس بعاقل لكن يتصور أنه عاقل، هذا الانسان الذي يتوهم بأنه عاقل، عند الامتحان سيعرف، وكما يقال: «عند الامتحان يكرم المرء أو يهان» لكن أسوء من هؤلاء كلهم ذلك الانسان الذي يدعي العقل إلا انه يسلم عقله للآخر كي يفكر عنه، هذا اسوأ حالاً، عندما يجلس في المجلس يتصدر المجلس، لكن يسلم عقله خارج المجلس لأصغر منه عقلا، عندما يتكلم يتصور انه اعقل العقلاء لكن في البيت يسلم عقله الى اصغر واحد من اولاده وعلى هذا قسم ورتب .. ايها المؤمن! من حقك ان تفعل كل شيء الا ان تسلم هذا العقل للآخر كي يفكر عنك في نظم حياتك، في توجهك الفكري والديني والثقافي، هي كرامة، نعمة حافظ عليها، نحن اليوم اذا كان شخص عنده مبلغ من المال مثلا عشرة آلاف ريال ويأتيه شخص ويقول له اعط هذا المبلغ لفلان من الناس كي يستثمره لك، سيرفض ويقول لا أنا لا أثق ولا أطمئن بهذا الشخص! لكن فكره وحيثيته وثقافته وتوجهاته سهل أن يسلمها لشخص آخر، بل أكثر من هذا حتى دينه يسلم للآخر! ولا أقصد أنه يخرج من الدين ويصبح غير متدين، وانما احكام الدين الشرعية وتطبيقاتها واسقاطاتها في الخارج محكومة بزيد وعمر من الناس وليست محكومة بعقله، انا احب واكره بناءا على صديقي يحب ويكره، ليس بناءا على الضابط الشرعي والتكليف الشرعي، اذا كان فلان مع فلان فأنا أصبح مع فلان واذا لم يكون معه فأنا أيضا لست معه، هذا أين عقله، هذا ممن أعار عقله للآخر، باعه بأبخس الاثمان، لذلك هذا الانسان العاقل عندما يحترم نفسه يحترم عقله، وعندما لا يحترم نفسه لا يحترم عقله، الإمام الكاظم (ع) يوضْح هذه الأفضلية للعقل:
نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل؛ الامام (ع) يقول حتى في حالة رفع القلم الذي يفترض أن يتساوى الناس فيه كالنوم لأنه بالتالي الناس كلهم سواء في حالة التخدير لا يوجد فرق بين الحاكم والمحكوم، المرجع والمقلد كلهم في الهوى سوى، الإمام الكاظم يقول: «نوم العاقل افضل ليس من نوم الجاهل بل من سهر الجاهل في بعض الروايات من عبادة الجاهل! قد يقول قائل كيف يكون هذا! أنا ذهبت للعمرة أو للحج مع كل هذا العناء والتعب وبذل الأموال وهذا الشخص لأنه عاقل أصبح أفضل من عندي، بل أكثر من هذا احيانا يأتي شخص قد صلى أكثر من عشرين أو ثلاثين عاماً واذا به وبسبب جهله بأحكام الصلاة يتحتم عليه ان يرجع ويعيد صلاته كلها، أو معتمر يقولون له وبعد خمس أو ست سنوات، انك لحد الآن محرم ارجع وصحح العمرة! هذا وليد العقل أم الجهل؟ هذا سلّم عقله الى الحملدار أو سلم عقله الى الِطويلب الذي لا يفقه من الاحكام الشرعية شيئاً، أو بعض الأشخاص الذي قرأ مسألتين شرعيتين أو جلس تحت منبرين وحفظ مسألتين شرعيتين تصور أنه مرجع، ويخدع بعض الناس البسطاء ويقول لهم لماذا تذهب الى المرشد في الحملة او الى العالم انا اعلمك الاحكام .. انا اقول لكم حدثت حادثة في احدى القرى ولم اسميها ـ لان الحساسية هذه الايام مرتفعة جدا ـ هناك حوالي ثمانين نفر انا أرجعتهم الى مكلة فور وصولهم كلهم محرمين (بسبب جهلهم بالأحكام) هذا في رقبة من؟ هل في رقبة الحوزة؟ هل في رقبة بعض رجال الدين الذين يؤثرون السلام على انفسهم؟ أم اولياء الأمور الذين لا يعنيهم شأن الزوجات والابناء والبنات.. مجتمع غير متكافل غير حمال للمسؤولية لا ندري المشكلة اين! أنا عندما أسلم عقلي لغيري ستحدث كل هذه الارباكات.. والا شخص يتحمل كل هذه المتاعب والمشقات وفي النهاية يبطل عمله! هذا سببه لأنه سلم عقله الى غيره، فأوصيكم ونفسي ايها الاحبة لا ترخصوا بيع العقول، ان اغلى ما في ايديكم هذه العقول، حافظوا عليها، لا تسلموها لأي كان، نحن عندنا في الشرع من اهم الأمور هو الاعتقاد في الاصول الثابتة، هذه الاصول الثابتة كل مراجعنا ـ سدد الله الموجودين ورحم الله الماضين منهم ـ يفتون بعدم جواز التقليد فيها، يعني لا يجوز لك ان ترجع الى المرجع في الاصول الاعتقادية، عليك ان تحرك العقل، ابحث عن التوحيد والادلة المثبتة له، ابحث بنفسك عن العدل عن النبوة عن الامامة عن المعاد هذه الأصول الخمسة، لأنك اذا اتكأت على فلان وفلان وكانت القواعد هشة ومهزوزة ستكون النتائج لا يحمد عقباها، نسال من الله سبحانه وتعالى التوفيق والوصول لعتبة الإمام السابع من آل محمد، انه ولي ذلك وفقنا الله واياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.