نص خطبة: وظائفنا في الحياة من خلال النظرة القرآنية

نص خطبة: وظائفنا في الحياة من خلال النظرة القرآنية

عدد الزوار: 287

2014-08-21

خلافة الإنسان ومسؤوليته:

ما هي وظائفنا في الحياة من خلال نظرة قرآنية واضحة وشاملة؟

مما لا شك فيه أن الإنسان مخلوق فيه من الآيات الباهرة الدالة على وجود الصانع، وهو الله سبحانه وتعالى، وأن هذه الملكات والآيات والسمات إنما أودعت في هذا الكائن لما يناط به من مسؤوليات عظمى في عمارة هذا الكون، قال تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِيْ الأَرْضِ خَلِيْفَةً([4]).

فخلافة الإنسان على وجه الأرض تمتد على مربعات عدة، فهناك خلافة مربوطة بالسماء، يختص بها الأنبياء والرسل والأولياء من آل محمد (ص) ، وخلافة يختص بها جماعة هذبوا أنفسهم ورفعوا رصيدهم العلمي حتى اقتربوا من مساحة الوراثة للأنبياء. وهناك مربع آخر يعني العامة من الناس، وهم أولئك الذين لم يصلوا إلى مرحلة الارتباط التكليفي مع المولى، من خلال ما يُستنبط من الأحكام الشرعية، وإنما هم تبع لمن تقدم عليهم في هذه المساحة، وهم السواد الأعظم من الناس.

كما أن هؤلاء يتفاوتون، فمنهم طبقة الأولياء، ومنهم طبقة العدول، وآخرون خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وهنالك طبقة أخرى تعيش الظلم والجور والطغيان والإفساد، فيما يعني بكلمة واحدة (الانقلاب) على أساس المبدأ الذي من أجله تم إيجادهم في هذا الوجود، ألا وهو الخلافة والعمارة للكون.

دعائم الأمانة الإلهية:

والبعض من الناس ربما يعيش العشوائية ـ ولا أقول العبثية ـ في أمور حياته، ويفترض بالإنسان أن لا يقع في هذا الفخّ، أو ضمن حدود هذه الدائرة، لأن العبثية تذهب بجميع القيم والمثل التي يفترض أن يكون الإنسان قد نهض بها، أو أوكلت إليه مسؤولية النهوض بها: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوْمَاً جَهُوْلاً([5])، والأمانة تعني المبادئ والقيم والمثل والأسس والقواعد والأصول التي يبنى عليها.

1 ـ تعظيم شعائر الله: 

فمن تلك القيم والمثل: تعظيم شعائر الله، فالله تعالى أرسل الأنبياء والرسل وسائط بين الأرض والسماء، بين الرب والمربوب، وحمّلهم للبشرية مجموعة من التكاليف التي تحمل تارةً طلب الإيجاد، وتارة تأتي بطلب على نحو آخر، ألا وهو السلب لما يمكن أن يقع، وقد حذرت الشريعة منه. فالأول يتصف بالوجوب، والثاني فيتصف بالحرمة.

والشعائر مقامات بينة واضحة، فالصلاة شعيرة، ومثلها الصوم والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذا الولاء والبراء، فهما من الشعائر المهمة، ولكن بقدر ما يأتي المرء بالشعيرة بقدر ما يكون لها سرعة تداعٍ لذهن الإنسان، لا سيما من ينتمي إلى دائرة دين أو مذهب.

يقول تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوْبِ([6]). فعندما نصلي فإننا نقوّي حالة التقوى في داخلنا، لأنها إذا قويت في داحلنا نكون قد أوجدنا أرضيةً على أساسها يحصل المنطلق لسائر التصرفات قولاً وعملاً، أما إذا كانت تلك الأرضية هشة غير مستصلحة، فإن ما ينبعث عنها يعود إليها بالأسوأ. لذا نرى أن غير المتقي يحاول أحياناً أن يُوقِع بالآخر، دون أن يلتفت إلى أن المكر السيِّئ لا يحيق إلا بأهله، فيرتد عليهم، وهو أمر واضح وبين في صفحات التاريخ، فأين من قتلوا حسيناً؟ وأين الحسين ممن قتله؟ تلك صفحة عفا عليها الزمن، لا تكاد تُذكر حتى يلحقها اللعن، بينما نجد أن الصفحة الثانية مشرقة، لا تكاد تذكر إلا وتعيش النفس من العروج والسمو والرفعة والارتباط بالمطلق. تلك هي حقيقة التقوى، فمتى ما استقرت أعطتنا هذا المعطى، ومتى ما لم تستقر، وبقيت متأرجحة فإن النتاج يبقى يصطحب تلك الصفة من التأرجح.

2 ـ الوحدة بين أبناء البشر:

فالله تعالى جعلنا شعوباً وقبائل، وأراد من هذه الجعلية أن يكون هناك تعارف وترابط وتبادل مصالح في ما بين أبناء البشر. وهذه الحالة أكدها القرآن الكريم، لكن أمور الأمة المشرذمة، وطلائع الانشقاق إثر تبعات ما أسس النفاق باتت بادية وواضحة، حتى أن الأمة صدر في حقها أنها تفترق إلى نيف وسبعين فرقة، وهذه مشكلة عويصة، فالقرآن الكريم يقول: ﴿وَاعْتَصِمُوْا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعَاً وَلا تَفَرَّقُوْا([7])، أي أن الرابط هو أن نعتصم بالحبل، وحبل الله الذي نُدعى إليه هو علي (ع) كما في روايات أهل البيت (ع) فلو أن الأمة اجتمعت على ما ساقته السماء إليها، وجسده النبي (ص) في الغدير, لما آلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم، لكنها اختارت لنفسها نفقاً مظلماً أدخلت نفسها فيه وصعب عليها أن تخرج منه، لأنها تخشى المتقدم والمتأخر، وعندما تتأرجح الأمة بين هذين البعدين يفترض أن يقرأ عليها السلام مبكراً، لأنها لم تصل إلى مرحلة التشخيص والتمييز بين النور والظلمة، والحق والباطل، والعدالة والظلم.

فالاتحاد والاعتصام بحبل الله نداء عام للإنسان بما هو إنسان، مهما تفرقت مذاهبه وأديانه وأفكاره، فعلينا أن نجتمع ونتحد، ونلبي نداء السماء، لأن السماء هي التي تبعثنا وتدفعنا نحو الوحدة.

والغريب المستغرب الذي يروج له البعض من الناس، أن فكرة الوحدة والدعوة إليها هي من الأفكار الدخيلة علينا، وأنها من الأمور المستحدثة التي جاء بها الشيخ الفلاني أو السيد الفلاني من أصحاب مسلك التقريب في هذه الطائفة، أو مسلك التقريب والانفتاح في الطائفة الأخرى، والحق أن الوحدة مبدأ قرآني أصيل لا خلاف عليه. يقول تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوْا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعَاً وَلا تَفَرَّقُوْا([8]). فهل هذه دعوة للوحدة أو للفرقة والتشرذم؟ وهل يقابل الوحدة إلا الفرقة والتشرذم؟ وهل صدر هذا النص من عالم أو قائد أو مرجع أو غيرهم، أو هو منطق السماء الذي جرى على لسان النبي محمد (ص) ؟

3 ـ النزاع:

وعادة ما يحصل كلما كثر أبناء البشر، حتى في حدود دائرة البيت الواحد، فعندما يقتصر البيت على الزوج والزوجة يبقى النزاع محدوداً، ولكن يأتي فيما بعد دور الأبناء والبنات، فتستجد التناقضات في الطرح والفكر والتعاطي، وهي في البدء حالة صحية محمودة، ينبغي على الإنسان أن لا يغلق الأبواب أمامها في داخل الأسرة، حتى لا تنغلق الأبواب في الأسرة الأكبر، وهي المجتمع، ثم الأمة الأوسع دائرة.

فهي إذن حالة صحية وطبيعية، لأن الناس يتفاوتون في الذكاء، والحافظة، والرغبة في تحصيل المعلومة، فمن الناس من لا يقرأ صحيفة واحدة في علم أو فنٍّ أو أدب، ومنهم من يرهق نفسه في ذلك، لذا يتمايز الناس فيما بينهم، كما يتمايز نتاجهم، وهذه حقيقة ثابتة لا مناص منها.

إلا أن هذا التنازع لا بد أن يكون له عاصم، فقد أودع الله تعالى فينا هذه الملكات، وترتبت عليها بعض الأمور لسوء اختياراتنا، لكن الله تعالى أمّنَ لنا دواءً، فهو جل قدرته بمنِّه وكرمه لم يجعل أمراً إلا لحكمة، لكن الناس يطلبون الأمور من الأبعد ولا يتحركون مع القريب منهم، حال أن الله تعالى أقرب إلينا من حبل الوريد.

قال تعالى: ﴿فِإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِيْ شَيْءٍ فَرُدُّوْهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُوْلِ([9]). فالعصمة تنحصر في دائرة السماء، من اللطف الإلهي والقرآن الكريم، وهو الدستور الذي بين أيدينا، المحفوظ بحفظ الله ما بين الدفتين، بلا زيادة ولا نقيصة، والسنة المطهرة التي وصلت إلينا بالطرق المعتبرة الصحيحة عن محمد وآل محمد (ع). فلو أننا قرأنا القرآن الكريم، وتدبرنا المعطيات فيه، وحاولنا أن نوجد له تجسيداً ظاهرياً، يترشح على سلوكياتنا ويؤثر فينا، فنحن ممن احتكم إلى كلام الله سبحانه وتعالى والسنة المطهرة، وأما إذا سلكنا ما هو العكس من هذه المقولة، فمعنى ذلك أننا رفضنا واحداً من أهم المبادئ التي لا يمكن أن نخرج من دائرة التنازع فيها فيما بيننا إلا باتباعه وامتثاله. فالله تعالى عصمة، ومن لا يعصمه الله تعالى لا يعصمه عاصم، وسنة النبي الأعظم (ص) عاصمة للأمة، ومن لا تعصمه سنة النبي (ص) فهو في شتات وضياع، وهدي أهل البيت (ع) عاصم، ومن لا يرضى بهديهم فقد اختار لنفسه طريقاً آخر لن يوصله إلى ما يبتغي.

4 ـ الالتفاف الوثيق حول صاحب القرار في الأمة:

وهذه من المطبات التي سقطت بسببها الأمة في الكثير من مراحل حياتها. فالنبي (ص) أسوة حسنة وقدوة دائمة، فكم ردد (ص): أنفذوا بعث أسامة، لعن الله من تخلف عن جيش أسامة. ولكن ليس من مجيب. وكم كان لذلك من شبيه في زمن الإمام أمير المؤمنين (ع)! وقد انتهت الأمور إلى تصفية الإمام الحسين (ع) السبط الثاني الرابط بين النبوة والإمامة، كل ذلك بسبب عدم التسليم لقرار صاحب الشأن، والالتفاف حوله.

يقول عز وجل: ﴿إِنَّمَا المُؤْمِنُوْنَ الَّذِيْنَ آمَنُوْا بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ وَإِذَا كَانُوْا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوْا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوْهُ([10]). فكيف بهم وقد صدرت إليهم الأوامر من النبي (ص) فتخلفوا عن أمره وانقلبوا ورفضوا؟

إن البعض منا عندما تتلى عليه نصوص من التاريخ فربما يسارع للعن والتبري، لكنه ربما يكون ممن وقع في الشراك نفسه من حيث يشعر أو لا يشعر. فما الفرق بين أن يسمع السامع من النبي (ص) فلا يطيعه في حياته، وأن يدعوه النبي (ص) بعد وفاته إلى كلمة سواء لها مسارها وفاعليتها وحركتها فلا يستجيب لندائه؟

إن جيش أسامة كان جيشاً كبيراً جداً، ولكن النتيجة لم تكن كما أراد النبي (ص) وهذا الأمر لم يقتصر على زمن النبي (ص) إنما كان ولا زال يحدث حتى يومنا هذا، ولكن بقياسات وحسابات معينة.

والتسليم في زمن الغيبة إنما يكون لمن أُمرنا أن نسلم أمرنا إليه.

5 ـ العلاقة مع الأمة وأهل الدين:

وهي من الأمور التي انتدب الله تعالى أهل الأرض إليها، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا لا تَتَّخِذُوْا الكَافِرِيْنَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُوْنِ المُؤْمِنِيْنَ([11]).

فالبعض تجد أن علاقاته وسائر شؤونه على مستوى دول أو تجمعات أو تكتلات كلها مع الكافرين. وربما تكون المصلحة هي الدافع والمحرك، إلا أنها ليست مبرراً تاماً.

كان بعض الصحابة في زمن النبي (ص) يتسلل إلى بني قريظة، وهكذا الحال اليوم أيضاً، مع اختلاف في الحيثيات.

إن القادم من الأيام خطير، وقد حذر منه رسول الله (ص) وليس من علاج لهذا القادم الخطير إلا الاستعداد، العلمي والنفسي والأخلاقي والاقتصادي والثقافي والارتباطي، كل تلك الأمور تجتمع فيما بينها لتحقق لنا الحصانة.

يقول تعالى: ﴿وَأَعِدُّوْا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ([12]). والقوة هنا لا تعني القوة العسكرية، ولا القوة النووية أو التقليدية، ولا أجهزة الاستخبارات العامة أو الخاصة، إنما هي كلمة مطلقة في معناها، وتنوين التنكير فيها لإعطائها القدرة في الدلالة على أكثر من مصداق يمكن أن تنطبق عليه، ومن أبرزها قوة الإيمان، لا أن يكون المرء كقشر البصل، تحركة الريح يميناً أو شمالاً.

وقوة الإيمان لا تُمنح للإنسان منحاً، أو تعطى إعطاءً، إنما عليه أن يسعى لتحصيلها بنفسه ويبحث عن مثبّتاتها، اللهم ثبتنا على ولاية علي وآل علي (ع) واجعلنا من السائرين على نهج محمد وآل محمد (ص).

6 ـ الاختيار في المفاهيم والقضايا:

إننا مطالبون اليوم بشيء من التركيز في هذا المفهوم بأكثر مما كنا عليه بالأمس، لأن تقاطعات الأفكار اليوم أكثر مما كانت عليه بالأمس، فمن يتبنون المشاريع التي تأخذ بالأمة إلى أدراج الرياح كثيرون جداً.

فما حصل قبل يومين أو ثلاثة من أحداث في كربلاء المقدسة([13])، أعزها الله بعزه، وحفظها من أعداء دينه، يثير استغراباً وسؤالاً مهماً: كيف استطاع هذا الرجل أن يتشكّل بمرأى ومسمع من المحيط الذي هو فيه؟ فهل هو عملُ ساعة واحدة أو شهر أو سنة واحدة؟ إنه عمل امتدّ سنوات. فأين كان عنه المحيط؟

إننا نجد أن أحد المراجع الماضين قال كلمة واحدة في قضية تاريخية، فأصبح على أثرها ضالاً مضلاً بناءً على فتاوى، ولكن يستجدّ في الساحة من يتعرض لأركان الحوزة العلمية لينقضها، ويهدم كيان المرجعية ويعرّض مقدسات أهل البيت (ع) للخطر فلا تسمع صوتاً ولا تقرأ كلمة، وكأن الأختام كُسرت، والمحابر أريقت! فلمَ لا يُجرَّم مثل هذا الرجل على مستوى المرجعيات في النجف وفي قم؟.

فعلى من كانوا يحاربون بالأمس الأفكار المتنورة أن يبدوا آراءهم في مثل هذه المسائل، فقد تأثر بأمثال هذا الرجل حتى بعض رجال الدين في منطقتنا! فهناك أحد رجال الدين يتبنى فكر الرجل المذكور.

إنه سوء الاختيار والتقدير، فهنالك اختيار قائم على أساس المصلحة الخاصة والمنفعة الضيقة، وهو ما يجرنا إلى مثل هذه الأمور. يقول تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِيْ يَقُوْلُوْا الَّتِيْ هِيَ أَحْسَنُ﴾. لا أن تُنتهك الحرمات، وتراق الدماء، فلا تجد من يقول التي هي أحسن، بل تجد أن الأمور تجري برداً وسلاماً.

إنك عندما تجد أن المافيا العالمية تتبنى قضية معينة فعليك أن تضع عليها علامة استفهام، ورحم الله السيد الإمام (رحمه الله) حيث يقول: إذا رأيتم الغرب قد رضي عنكم فعليكم أن تعلموا أن النقص قد حلّ بكم.

لقد أقام المعتصم العباسي الدنيا ولم يقعدها بسبب امرأة صرخت: وا معتصماه، وها نحن اليوم نرى أن طفلاً فلسطينياً يجرد من ثيابه ويضرب ويعذب حتى الموت، فلا نسمع صوتاً لمستهجن أو معترض.

إن الدقة في الاختيارات أمر مهم جداً، فنحن نرى العديد من الاختيارات أمامنا، وعلينا أن نختار الأصلح والأحسن منها، فإن لم نستطع تشخيص الأصلح، فعلينا أن نستعين بمن يستطيع التشخيص، لا أن نعيش الفوضى، فنعيش حالة الوعي والإدراك والشعور بالمسؤولية والتناغم مع معطيات الدين الحنيف. فالمؤمن كَيِّسٌ فطن لا تلتبس عليه الدوائر، وليس كيساً من قطن.

7 ـ الموازنة في الأمور:

أي بين الإيجاب والسلب، كي لا يختلط علينا الحرام بالحلال والمكروه بالمستحب وما إلى ذلك. يقول تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللهِ وَالَّذِيْنَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ([14]). فقد كان أصحاب النبي (ص) والمسلمون في عهده، يعرفون المائز بين الكافر والمؤمن، وعلى أساسه يتعاملون، لذلك وصلت راية المسلمين إلى أسوار القسطنطينية والصين، يوم لم تكن لديهم طائرات، ولا صواريخ عابرة للقارات، ولا غيرها، إنما كانت راية الحمد في أيديهم، والقرآن في وجدانهم، وهدي النبي (ص) يسوقهم، وهكذا فتحت الأقطار والأمصار بكلمة العدل، وكان السيف لإقامة حدٍّ شرعي، أما اليوم فأصبحنا نرى ما يضحك الثكلى، فما يسمى (بخليفة المسلمين) لا يرى المسلمون وجهه، ولا يعرفون شخصه.

نسأله تعالى أن يدفع السوء والبلاء عن بلاد المسلمين، وأن يرد كيد هؤلاء في نحورهم، وأن يعيدهم من حيث تحركوا، وأن يحفظ المناطق المقدسة في كل بقعة من بقاع الإسلام، وأن يحفظ آثار العلماء والأتقياء والزهاد وغيرهم. وأن يجعل كلمة الإسلام هي العليا، وأن يعجِّل في ظهور الخلف الباقي من آل محمد. 

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.