نص خطبة:واقع المسلمين اليوم بين خلط الأوراق والمؤامرة

نص خطبة:واقع المسلمين اليوم بين خلط الأوراق والمؤامرة

عدد الزوار: 1242

2016-07-15

الجمعة 3 / 10 / 1437 هـ 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

مودة أهل البيت:

قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ‏ النَّبِيِّينَ‏ وَالصِّدِّيقينَ‏ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفيقاً﴾([2]).

وقال تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي‏ الْقُرْبى‏﴾([3]).

وقال عز من قائل: ﴿قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ‏ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الله‏﴾([4]).

المودة لأهل البيت (ع) هي خطاب السماء للنبي (ص) كي يبلغه للأمة، من حضره ومن جاء بعد ارتحاله. فمحبة أهل البيت (ع) فرض واجب مقدم على جميع الواجبات، إذ لا نجاة ولا خلاص ولا سعادة إلا بمحمد وآل محمد (ص). فهم الأدلاء على الله، وفيهم حصرت أبواب المعرفة، لأن النبي (ص) يقول بحق علي (ع): «أنا مدينة العلم وعلي بابها». فعلي (ع) هو الباب المفضي إلى عالم الغيوب المشفَّرة بالحروف القدسية الدالة على ذات الحبيب المصطفى محمد (ص).

الإسلام بين الأمس واليوم:

«بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً» فالإسلام في كينونته الأولى كان يحظى بالتقلب في أحضان عصمة مطلقة، لا يتسلل إليها الشك والريب من هنا ولا من هناك. لكن الأمة زجّت نفسها في دائرة مخاض صعب، لأن الانقلاب قد حصل على الحقيقة المطلقة، فصارت الأمة تتخبط في طريقها ومنهجها ومسلكها، بل وحتى في رغباتها التي ربما تصل في نهاية المطاف إلى مساحة النزوات. إذ تقاتل المسلمون فيما بينهم في الصف الأول بعد رحيل النبي الأعظم (ص) فقُتلت النفس المحترمة، وأحرقت البيوت على أهلها، وشُرّد من شُرّد، ولم يبق إلا من ثبت على إيمان ودين راسخ، ثبّته من خلال مسيرة جهاد طويل مع النفس من جهة، حيث الجهاد الأكبر، ومع العدو المشرك آنذاك من جهة أخرى. أولئك هم الآل والأصحاب الأتقياء، الذين قاتلوا بين يدي النبي الأعظم (ص) من أجل إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى وليس لشيء آخر، فلم يشب جهادهم طمع في مكسب دنيوي سرعان ما يحول ويزول من يد الإنسان.

كان المعتقد الأصيل النظيف البعيد عن أدنى مراحل التشويه هو سيد الموقف، لذلك سادوا الدنيا. فتحركوا برحمة الإسلام، وأدخلوا الرحمة في البيوت عندما كان الرسول في أوساطهم. وتحركوا بشعار السلام وبسطوه على الجزيرة العربية عندما كان النبي (ص) في أوساطهم. وتحركوا بالعلم، وإذا به يطرق آفاق الدنيا، لأنهم وجدوا في النبي الأعظم ودينه الحق الخاتم النهاية الفضلى التي لا تجاريها مسارات مهما زُبرج شكلها وغلفت بما يعطيها لوناً من ألوان التمظهر.

أيها الأحبة: الإسلام في كينونته نظيف، لكن الذين يضافون إليه، ولو على نحو الإضافة اللفظية كمسلمين، هم الذين أساؤوا وما زالوا يسيئون لهذا الكيان المقدس، للحقيقة النبوية من جهة، وللدستور الخالد القرآن الكريم من جهة أخرى، وللسيرة الطيبة التي سادت الدنيا بأخلاقها وآدابها وكرمها وعبادتها وعلمها من جهة ثالثة.

فالإسلام الذي يريد البعض اليوم أن يسوّقه في العالم على أنه الإسلام القاتل المجرم المصادر للحريات والكرامات في أكثر من مكان، هو ليس إسلام النبي محمد (ص). ونقول لهؤلاء: والله ما إضافتكم لهذا الدين إلا صنيعة من قرأ فيكم ما يستحق أن يضاف وتضافون إليه.

فمتى تنفض الأمة رداءها وتقول كلمة الحق الصريحة في وجه كل عابث بأي مقدس من مقدسات ديننا الحنيف، ما الذي ننتظر؟ بالأمس كان النبي (ص) بين ظهرانينا، لكنه ما إن مضى حتى حصل ما حصل، واليوم يحصل الأسوأ، فقد أحرقت المصاحف، بل حتى رميت في الأماكن القذرة، وصُوّر النبي (ص) بأبشع الصور، فمن يقف وراء ذلك؟ ربما برّأ المسلمون أنفسهم من هذا الأمر، لكنهم يحملون من ذلك الوزر الأكبر، مهما أداروا ظهورهم، ومهما أغمضوا الطرف عما يجري من حولهم.

من أراد أن ينهض من كبوته فعليه أن يلتفت إلى ما وراءه أولاً، ثم ينظر إلى الأمام، ثم يضع يديه على الأرض لينهض باستقامة وثبات، أما من أراد أن ينهض بعد سقوط دون أن يجري تلك المقدمات، فما هي إلا حركة من سقوط إلى سقوط أسوأ منه.

إرهاب بلا حدود:  

مع الأسف الشديد، أصبحت الدماء في المدينة المنورة بأنوار النبي محمد (ص) تباع كأرخص السلع، فماذا لو قدر لهؤلاء الأوباش أن يدخلوا حرم النبي محمد (ص) ؟ وما عسى أن يكون حجم الكارثة؟ هل سنقف عند مئات الأرواح البريئة المتعبدة الناسكة التالية للقرآن الكريم؟ وهل ستكون هذه هي النهاية الأولى والأخيرة؟

لا أظن أن الأمر يقف عند ذلك، فهؤلاء لا يحفظون لأحد كرامة مطلقاً، فمتى تغير بعض الأفواه العفنة والحناجر الخبيثة من خطابها، كي تطمئن الأنفس وتستقر في أكثر من مكان ومكان؟ والله ما لم ينهض الجميع صفاً واحداً من مدنيين وعسكرين، عزّل ومسلحين، مسؤولين ومواطنين، فإن القادم أسوأ وأسوأ مما يخطر على بال أحد في هذا البلاد. فعلينا أن نأخذ الحذر. والعيد من العود، فلا ينبغي أن يعود علينا العيد القادم، إلا ونحن في حال أحسن من هذا.

أبرز ما ينقصنا هو الصراحة مع النفس، لأننا متى ما عشنا الصراحة مع أنفسنا عشناها مع الآخرين، أما إذا كنا نمارس الخداع واللف والدوران على أنفسنا ومن أنفسنا فما عسى أن يكون حالنا مع الآخرين؟

إن ما حصل الليلة الماضية في مرقد السيد النجيب ابن الإمام الهادي (ع) السيد محمد كان حدثاً مروعاً أيضاً، فماذا لو استطاع هؤلاء أن يلجوا الحرم أثناء الصلاة؟ وكم سيكون حجم الكارثة؟ فهذه أيام عيد، والقبر يُقصد من أكثر من جانب وجانب، وما زلنا نقف على القبور فنسمع كلمة البهتان، ونُقذف بالشرك ليلاً ونهاراً، فمتى نأمن على أنفسنا ونسلم؟ أليس هذا يعطي الذريعة والمبرر ليغرس الخصم خنجره في صدري وصدرك وصدور الآخرين؟

لكل مسلم وجهته وطريقته ومنهاجه وينبغي أن يُحترم الجميع، ليسلم الجميع، أما إذا أطلقنا كلمة هنا وأخرى هناك، دون أن ننظر في عواقبها، فسيتلقفها الأوباش من الناس ليزهقوا الأرواح على أساسها، متدرعين بسلاح شرعي عبارة عن فتوى مشبوهة أو مربكة أو صادرة في حال اللاوعي، إما في حال الاختيار أو في غيره، وهذا واضح بيّن.

الإسلام والعصر الحديث:

إن نظرة الإسلام للحياة في عالم اليوم المتجدد تقف بين الجمود والتجدد، وعند الطرفين مع شديد الأسف، وإن كان التاريخ يقف لجانب الطرف الآخر أكثر، لأن القرون المتعاقبة تخللتها دول قامت ثم دالت، كالأموية والعباسية والعثمانية وغيرها، ولا أستثني منها الدور الصفوي، فكلها عجينة لعب بها الاستعمار حتى أوصلوا الأمة إلى ما وصلت إليه، سواء في حراكها أو فكرها أو فعلها وانفعالها.

علينا أيها الأحبة أن نكون بمستوى المسؤولية، وأن نكون صريحين واضحين مع الجميع، فها نحن اليوم نرى شاباً في العشرين من العمر يربط حزامه الناسف ليقتل نفسه ويقتل الآخرين، فهل تشكل هذا بين عشية وضحاها؟ أو أنه حصل بعد مخاض طويل وتركيبة عجيبة غريبة؟

تصوروا أن البعض يقول: ما دخل أمريكا ومخابراتها بذلك؟ ها هم الأمريكان يقتلون في عقر دارهم؟ أقول: مع شديد الأسف أن البعض عندما يرى في نفسه قارئاً أو مثقفاً لا يقرأ إلا العيب في من لا يستحق، ويغمض الطرف عن الآخر. فليس ما بين المسلمين اليوم هو الإسلام النقي، إنما هي أمارات تدلل  على مواطن صفاء، ويجب علينا أن نحافظ عليها، ولا نقص في الإسلام، إنما النقص منا، فنحن القاصرون والمقصرون، قاصرون في إدراكه ومقصرون في التعاطي معه من خلال مبادئه وقيمه ومفاهيمه ومعطياته، ومن خلال آياته الصريحة المحكمة النازلة على قلب الحبيب المصطفى محمد (ص).

لقد مر بنا شهر رمضان، فأراد هؤلاء أن يلوثوا صفحته، لكن الشهر لله، ويأبى شهر الله إلا أن يأخذ مدده ممن أضافه إليه وكرّمه، وهو الله سبحانه وتعالى، فكرامتنا ومددنا منه. ومر بنا العيد فأرادوا أن يصبغوه بلون الدم، وأبى الله إلا أن يخرج نقياً.

وأهمس هنا في آذان الجميع فأقول: علينا أن نبتعد عن الإشاعات المتداولة عبر وسائل التواصل، وأن لا نعطي لأولئك ما يأملون به، بأن نكون ناقلين لأخبارهم وما يريدون إيصاله، فوضعنا لا يزال مطمئناً، ولكن لا يؤمن جانب أولئك.

أسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وأن يحفظ هذا البلد من غائلة الأعداء، وأن يجعلنا وإياكم فيه آمنين مطمئنين مستقرين، وأن يستأصل شأفة أولئك الأوغاد من أعداء الدين والوطن والإنسانية. والحمد لله رب العالمين.