نص خطبة: معطيات عهد الرسالة المحمدية

نص خطبة: معطيات عهد الرسالة المحمدية

عدد الزوار: 994

2018-12-06

الجمعة 22 / 3 / 1440 هـ  - 30 / 11 / 2018 م

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وآله الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيتنا خالصةً لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

في الحديث الشريف عنهم (ع): «من لم يقدر ما يكفر به ذنوبه، فليكثر من الصلاة على محمد وآل محمد، فإنها تهدم الذنوب هدماً»([2]). 

وفي الحديث الشريف عنه (ص) كما يرويه مسلم في صحيحه الحديث رقم 2407: «فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي» ([3]).

إرهاصات ما بعد رحيل النبي (ص):

غاب النبي (ص) بعد أن جعل من المدينة المنورة عاصمةً للدولة الإسلامية الكبرى. وكان هنالك تياران أو خطان أو توجهان أو حزبان ـ ما شئت فعبر ـ تشكّلا بعد غياب النبي (ص) بينهما نقاط التقاء، وثمة نقاط افتراق أيضاً.

وللسياسة أثرها كما أن للدين أثره، فقد تخضع السياسة للدين، وقد يحصل العكس، وهذا ما نقرأه في تاريخ الأنبياء والرسل، حتى انتهى المطاف إلى الدولة الإسلامية التي جاءت وفق ما أراده الله تعالى في عهد الرسول الأعظم (ص).

والناس بطبيعة الحال ينقادون للأقوى في الخارج، ويتخلَّون عن الضعيف في الخارج أيضاً، أما القوة الذاتية المستقرة في كينونة الإنسان وداخله فحسابها في جهة أخرى.

والنبي (ص) كرر كثيراً مسألة التمسك بالكتاب والعترة أو الكتاب والسنة. فهناك أحاديث تشتمل على تعبير الكتاب والسنة، وأخرى من أعالي الأسانيد الموصوفة بالصحة والتماسك القوي عند العامة، ناهيك عن الخاصة تشتمل على تعبير: كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

ومع شديد الأسف أن أرباب صناعة علم الرجال ترجلوا من فوق خيولهم، وأراقوا المحابر وكسروا الأقلام ولم يبذلوا جهداً كبيراً في سبيل الجمع وفقاً للقاعدة الأصيلة عند الجميع أن الجمع أولى من الطرح.

ومرت القرون، فأصبحت السنة تمثل تياراً، وأهل البيت يمثلون تياراً آخر. ومع القرون أيضاً نقاط التقاء وافتراق. وتكثّر المسلمون، ودب الخلاف بينهم، وسيطر النفاق في الكثير من المفاصل أيضاً دون تحرّج من هذه العبارة.

لقد جاء النبي (ص) برسالة عامة لجميع بني البشر، ومن الظلم أن تحاصر هذه الرسالة الكاملة وفق صياغة السماء، والمبلَّغة وفق ما جاء به النبي المعصوم  محمد (ص). ومن الظلم أن يؤخذ بها ذات اليمين تارةً، وذات الشمال تارةً أخرى، ويترك العبث أثره الواضح البين في الكثير من مواطن المصدرية فيها.

يروي الترمذي في سننه الحديث رقم 3876، عن النبي (ص) أنه قال: « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما»([4]).

وهذه الرواية لا يرويها الكليني ولا الطوسي، إنما ترويها الصحاح والسنن. وهذا يدعو للتوقف عندها كثيراً. فالنبي (ص) يقول: فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟ فلو سألنا عن حال القرآن ما عسى القرآن أن يجيب؟ ولو سألنا عن حال العترة فما حال العترة أن تجيب؟ فحال المسلمين كما ترون اليوم، بما لا يخفى على بصر، ناهيك عن أن يكون من ذوي البصائر.

وفي صحيح مسلم أيضاً الحديث رقم 1822، عن النبي (ص) أنه قال: «لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش»([5]). فالإسلام باق حتى قيام الساعة ولا خوف عليه، وحفظه من الله تعالى، ولن يرفع الله تعالى يده عن دينه.

وقد كان هذا الحديث موضع جدل كبير من حيث دلالته بين أرباب الفن، لا سيما عند من لا يرى المسار الثاني.

فعلماء العامة من المسلمين لا يمكن أن نضع خطين متقاطعين على نتاجهم بالمطلق، فهناك ما يؤمّن لنا المادة الخام الكبيرة والثرية جداً، وعلينا أن نقترب منها ونقلب أوراقها، والأهم من ذلك أن نستنطق ما وراء السطور.

ومن مشاكلنا اليوم درجة الحساسية العالية جداً حتى من الألفاظ، فعندما نصف بعض العلماء من المذاهب الأخرى بكونه عالماً يتحسس البعض من ذلك، وكذلك إذا ذكرت راوياً أو مفسراً من فئة أخرى، والعكس صحيح. حال أن العلم يفترض أن يكون مبنياً على ما قيل لا على من قال. فالناس سواء في نتاج العقل البشري من أي طرف أو اتجاه كان. فكل مدرسة لديها سمين، وإن شاء الله يكون هو الأكثر، ولكن لا يمكن أن تدعي مدرسة أن الغث لم يتسرب إليها، وإن كان لبعض أطرافها، لذا تجد الصيحة لدى الفريقين اليوم في لزوم غربلة الموروث وإعادة القراءة والتنقيح، فتجد المصدر الواحد اليوم يطبع أكثر من مرة بسبب عملية التدقيق التي تُذيَّل بها النصوص في هوامش الكتب.

أقول: إن النشاط اليوم على أشده بين المدرستين، لأن 14 قرناً من الزمن كانت كفيلة بأن تجعل الأمور في ضبابية، وقد آن الأوان أن ينهض علماء الأمة من جديد، كما نهضوا في التدوين في السابق، فالآباء دوّنوا، والأبناء يغربلون ما كتبه الآباء. وأقول أيضاً: كما أن الإسلام كدين لا خوف عليه، فإن المذهب أيضاً لا خوف عليه. وإذا كان أتباع المذاهب الأخرى لا يخشون على مذاهبهم، فمن باب أولى أن لا يخاف أتباع مدرسة أهل البيت (ع) على مذهبهم، لأن إمام مذهبهم وهو الخلف الباقي من آل محمد (عج) يعيش بين ظهرانيهم.

ولكن ما هو المنهج الذي يعتمد في التنقية والغربلة؟

قبل الإجابة عن ذلك أقول: إن مذهب أهل البيت (ع) مذهب أصيل، وأحاديث أهل البيت (ع) لها سرايتها وحركتها وامتدادها، ولها القدرة على الجريان في جميع العروق من حولها، مهما اشتبكت وتقسمت. وهذا المذهب لا يمكن أن يختصر في شعيرة مصغرة، أو ممارسة محدودة، لأن هذا المذهب يعني فيما يعنيه مدرسة علي (ع) مدرسة العلم والفكر والتفسير والتنظير والتخطيط والدولة الإسلامية الأصيلة.    

يقول الإمام الصادق (ع) في أحد أحاديثه: «معاشر الشيعة، كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا زيناً. قولوا للناس حسناً، واحفظوا ألسنتكم، وكفوها عن الفضول وقبيح القول»([6]). وهي دعوة من الإمام الصادق (ع) قبل أربعة عشر قرناً من الزمان، فهل نحن اليوم زين لهم؟ فإذا كان الولد يجر أباه للمحكمة لمقاضاته، فهل هذا زين؟ وإذا كان الزوج يظلم زوجته ويبتزها بما تحت يديها مال فهل هذا زين أم شين؟ وإذا كنا لا نزرع الابتسامة في الطرف الآخر فهل زين أو شين؟ وإذا كنا لا نتحبب ولا نتودد للآخرين فهل هذا زين أو شين؟

والأكثر من ذلك، أن ما يجري بيننا اليوم، في داخل البيت الواحد، والمذهب الواحد، هل هو زين أو شين؟              

ويقول (ع): «واحفظوا ألسنتكم وكفوها عن الفضول وقبيح القول». لكننا اليوم أصبحنا في وضع لا نحسد عليه، فلم نعد بحاجة إلى من يدخل بيننا من اليمين أو اليسار، إنما نقوم نحن بالمهمة مجاناً، بل ندفع باتجاهها. ولا أعني بقعة بعينها ولا جهة بذاتها، إنما أعني المشهد برمته، بما هو مشهد.

محطات التحرك الرسالي:

هنالك محطات أربع تنقّل فيها الإسلام من خلال دولته، ولكل محطة منها قيمتها وأثرها وجوهرها، وهي لا تجرد من أثر الزمان والمكان فيها، وهذا أمر طبيعي. وهي كما يلي:

المحطة الأولى ـ المدينة المنورة:

وفي هذه المحطة ثلاثة أدوار:

أ ـ دور النبي محمد (ص): فقد ألف بين المهاجرين والأنصار، ووحد صفوفهم، وطرح مفاهيم ومبادئ الدولة الأصيلة. ثم سار الصحابة على نهج النبي (ص) وإن كانت هناك ثغرات كبيرة سوف أسلط الضوء عليها في يوم من الأيام، وهي ثابتة بصريح القرآن الكريم. وهذه الثغرات أصبحت موروثاً نقله الصحابة من مهاجرين وأنصار، إلى فترة ما بعد التحاق النبي (ص) بالرفيق الأعلى.

ثم غادر النبي (ص) الوجود والدين مكتمل بجميع جوانبه، سواء فيما يتكفل بعبادة الإنسان وعلاقته بالله تعالى، أم ما يتكفل بحدود مسؤوليات الإنسان في هذا الوجود، كعلاقة الإنسان مع الحيوان والشجر والطبيعة وهكذا.

فلو رجعنا إلى موروثنا عن النبي (ص) في هذا البند، نجد النبي (ص) أنه من خلال أحاديثه أراد للمسلم أن يكون أممياً.

ب ـ مدرسة الصحابة: وهي تمثل الخلافة في الدور الأول بعد رحيل النبي الأعظم (ص) وقد تمثلت بالخلفاء الأربعة، وأعني بها الخلافة لا الإمامة، لأن الإمامة لا تنفكّ عن علي (ع)  بتقدم أي من الناس عليه، ويبقى هو الإمام المفترض الطاعة، أما الخلافة الظاهرية فقد حصل التقدم عليه كما هو معروف، وهذا نظر الأمة، وليس نظر الله ولا الرسول. فيمكن إذن أن يكون الإمام علي (ع) هو الإمام، وأن يكون الخليفة الرابع أو الخامس أو غيره. فقد نص رسول الله على الإمام علي (ع) بأمر من الله في غدير خمّ، بقوله: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه». فلا مجال للتقديم والتأخير في الإمامة، ولكن في حدود الرئاسة والسلطة والإمرة يحصل التقديم والتأخير.

ج ـ مدرسة أهل البيت (ع): لقد كان في الدور الأول من تلك الخلافة الكثير من المتناقضات، لأن الانتقال بالأمة كان من واقع مستقر وتسليم مطلق للنبي (ص) إلى دور جديد لا يمتلك هذه العناصر ولا يستطيع أن يغربل الآليات في تخطي الكثير من المسائل. لذلك يقول الخليفة الثاني: لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن.

وقد مر هذا الدور أيضاً بمرحلتين: الأولى من رحيل النبي (ص) حتى نهاية عهد الخليفة الثالث، والثاني بدأ بخلافة الإمام علي بن أبي طالب (ع).

كان دور الإمام علي (ع) في المدينة قبل انتقاله إلى الكوفة، أنه وضع حجر الأساس لمدرسة أهل البيت (ع) لذا نلاحظ أن الإمام (ع) عندما انتقل من المدينة إلى الكوفة لم يصطحب جميع أصحابه، إنما أبقى الأوتاد منهم في المدينة.

المحطة الثانية: الكوفة:

وأبرز معالم الكوفة أنها كانت قبل أمير المؤمنين (ع) عبارة عن معسكر، ثم قصدها المسلمون وغيرهم من هنا وهناك. ثم تولى الإمام علي (ع) وجعلها عاصمة الإسلام، وبدأت المشاكل. حيث أعلن الوالي على الشام من قبل الخلافة السابقة تمرده على الخليفة في مركز الخلافة في الكوفة. فوجد الإمام علي (ع) أن لوناً من الاضطراب السياسي بات يلقي بظله وتتسع مساحته، فلا بد من استئصاله. وكان التيار الأول في المدينة المنورة بعد غياب النبي (ص) والكثير من رموز الصحابة، يتمثل بأبنائهم والمقربين والحواشي والنافذين، فكان هؤلاء يملكون زمام الأمور.

لقد انشغل الإمام علي (ع) بالحروب الطواحن، التي تمثلت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وما ترتب على ذلك من انخراط الكثير من الصحابة والتابعين في تلك الحروب. فقد قتل الكثير من هؤلاء في تلك الحروب، وهذا يعتبر خسارة فادحة للإسلام، فقد كان الكثير  من هؤلاء يحمل في مخيلته أرشيفاً كبيراً من حياة النبي (ص). ففي أي قضية معينة يموت من حضرها جميعاً لا يبقى لها أثر.

إلا أن الإمام (ع) بقدر ما كان مشغولاً بالحرب بقدر ما كان يؤسس لنهضة ثقافية كبيرة جداً. فنحن نسمع مثلاً عن نهج البلاغة، ونقرأه، وإن كان (ع) لم يكتبه بيده ولم يؤلفه، إنما هي عبارة عن مجموعة من الرسائل والخطب والكتب والتوجيهات والحكم، التي جمعها الشريف الرضي رضوان الله عليه، وهو كتاب في منتهى الروعة.    

وإني أستغرب أحياناً ممن يغمز في هذا السفر الخالد، بدافع الحقد أو الحسد. يقول أحدهم مثلاً: من مؤاخذاتي على نهج البلاغة، أن إمام البلاغة لم يفعّل بلاغته. أي أن نهج البلاغة ليس بذلك المستوى من البلاغة. فهل هذا من الموضوعية والعقل أو من الحسد؟.

أبرز ما قام به أمير المؤمنين (ع) في خلافته:  

ومن الأمور المهمة في تلك المرحلة أن يصحح الإمام أمير المؤمنين (ع) بعضاً مما حصل في الفترة الزمنية من انتقال النبي (ص) إلى تسنمه لأمر الخلافة الظاهرية، فصار يضع حجر أساس لذلك. ولا بد أن يتوفر في حجر الأساس مجموعة من العوامل التي تتكامل فيما بينها.

لقد بنى الإمام علي (ع) هذه المدرسة على الأسس والأبعاد والقواعد التالية:

1 ـ رفع المستوى الثقافي في وسط الأمة: ولو لم يكن المجتمع الخاص بالإمام علي (ع) قد حصل على العناية كما ينبغي في الجانب الثقافي لتخلَّوا عنه، ولكنه بث فيهم هذا الجانب.

إن الثقافة أمر مهم، وكذلك كيفية الحصول عليها، ومن أين أستقي مصادرها؟ ومع من أتعاطاها؟ ولذلك تجد أن الإمام علياً (ع) حرص كثيراً على رفع المستوى الثقافي في المجتمع الكوفي، ولو لم يكن هذا قد حصل، لما قاتلوا بين يديه في حروبه الطاحنة، التي لم يكن الطرف المقابل فيها هيّناً، فمنهم الصحابة والقراء وحملة الحديث وأمثالهم. بحيث يصل الأمر إلى أن يقتل الصحابي الجليل الذي مُلئ إيماناً من رأسه إلى أخمص قدميه، وهو عمار بن ياسر، ثم يُشكّ في القاتل، من هو؟.

2 ـ تصحيح مسار التشريع الإسلامي: الذي ورد عن النبي (ص) بما هو مُضمّن في القرآن الكريم. ففي تلك الفترة الزمنية البالغة ربع قرن من الزمن بعد غياب النبي (ص) كان الإمام (ع) بعيداً عن ممارسة دور الخلافة، وقد ترتب على ذلك الكثير مما هو مخالف أو بعيد عن الشريعة.

فمما يروى في هذا الصدد مثلاً، عن مطرف بن عبد الله قال: صليت خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنا وعمران بن حصين، فكان إذا سجد كبّر، وإذا رفع رأسه كبّر، وإذا نهض من الركعتين كبّر، فلما قضى الصلاة أخذ بيدي عمران بن حصين فقال: قد ذكّرني هذا صلاةَ محمد صلى الله عليه وسلم. أو قال: لقد صلى بنا صلاة محمد عليه الصلاة والسلام([7]).

3 ـ إقامة العدل: فالعدل من المطالب الإنسانية الملحّة على مدى التاريخ، ولذلك نشاهد أن من يقتل في طلب العدل أكثر ممن يقتل وهو يمارس الظلم.

4 ـ حماية المكتسبات الدينية: بجميع صنوفها، منذ زمن النبي (ص) إلى عهد الإمام أمير المؤمنين (ع) وكان (ع) معنياً بهذا الأمر، ولا يمكن أن يضع خطين متقاطعين على أي مشروع كان. بمعنى آخر: عدم إلغاء الآخر. فمن يطلب من الآخر عدم إلغائه عليه أن لا يلغي الآخر أيضاً.

5 ـ إجراء الحدود والتعزيرات: التي عطل الكثير منها لأسباب كثيرة، ومنها ما حدث مع خالد بن الوليد التي لا تحتاج لتفصيل.

6ـ تربية المجتمع على أساس العلم والمعرفة: فنحن اليوم نندكّ في عالم الخرافة والمعجزات المصطنعة، وليس المعجزات الحقيقية التي جرت على أيديهم (ع) فعلاً. حال أن القرآن الكريم يدعو للعلم والمعرفة والتدبر والتفكر. وكذلك النبي (ص) الذي وردت عنه الكثير من الأحاديث في هذا الصدد. فنحن اليوم ملزمون بتفعيل جانب العلم والمعرفة في داخلنا وفي سلوكنا، وهذا هو طموح الإمام علي (ع) ورغبته وهدفه، وهذا هو الدين.

7 ـ الإفادة من الوسائل الإعلامية المتاحة لبث روح الإصلاح في وسط الأمة: لذا ترى أنه جعل من جامع الكوفة ـ وهو رابع مساجد الإسلام الكبرى ـ منبراً إعلامياً فاعلاً بما لم يسبق له مثيل، ولم يأت بعده شبيه، لا قبل علي (ع) ولا بعده.

8 ـ ضبط الموارد الاقتصادية بعد تحصيلها من وجوهها الشرعية في سبيل خدمة الناس: فقد كان بيت مال المسلمين في الكوفة، لا ينام علي (ع) حتى يفرقه بين المسلمين ويكنسه بيديه ويرشه بالماء، ثم يرفع يديه إلى السماء حامداً الله عز وجل على التوفيق.

ونحن في هذا الزمان نعيش نقلة نوعية واضحة، والمهم في النقلة ما تمتلكه أنت في وسط هذا العالم، فعليك أن تقرأ أنت ما لديك، ودع الآخر يقرأ ما هو عليه، فإن أحسنت القراءة تجاوزت المرحلة.

9 ـ الدفاع عن الأرض والعرض، وقبل ذلك الدين: فقد استمات الإمام علي (ع) في سبيل أن يحفظ الإسلام في وسط الأمة، والإسلام عبارة عن منظومة من المبادئ، فإذا حُفظ نهضت الأمة وتقدمت.

10 ـ حماية الأمن الداخلي للدولة: ولا شك أنكم تدركون أهمية الأمن الداخلي للأمة، وقد مرت بنا أيام من عدم الارتياح لما حصل ما حصل. ولما حصلت اليوم حالة من الأمن والاستقرار والسكينة والاطمئنان تغير الحال.

والأمن مسؤولية الجميع، ولا يمكن أن نحصره في الشرطة أو الأمن، فالأمن مسؤولية إنسانية عامة، يجب على الجميع العناية به.

فالإمام علي (ع) عمل على تحصين الكوفة من الداخل، فإذا استقرت الكوفة ازدهرت العلوم ونما الاقتصاد وارتقت البلاد. أما إذا فُقد الأمن فلا قيمة لشيء بعده.

11ـ الاهتمام بالتطوير العمراني: فقد نقل الإمام علي (ع) الكوفة نقلة نوعية وشواهد ذلك كثيرة لا يسمح بها المقام.

12ـ نصرة المحرومين والمظلومين والمستضعفين: فقد كان يتودد لهذه الطبقة ويعتني بهم، وكان جلساؤه منهم، فقد كان ميثم تماراً يبيع التمر، وكان غيره في مثل هذه الحال ومن هذه الطبقة.

هذا هو الإمام علي (ع) وها هي مدرسته. 

نسأل الله تعالى أن يفتح لنا ولكم أبواب العلم ونور المعرفة والتمسك بولاية علي وآل علي (ع) والحمد لله رب العالمين.