نص خطبة :مراحل إعداد الجيل الواعي

نص خطبة :مراحل إعداد الجيل الواعي

عدد الزوار: 631

2013-02-05

ورد في الأثر الشريف عن نبي الله عيسى (ع) أنه قال: «كونوا نقاد الكلام». رواه العلامة المجلسي في البحار([2]).

أبارك لكم ذكرى المولدين السعيدين للنبي الأعظم (ص) والإمام الأكرم (ع) ورزقنا الله وإياكم شرف الزيارة لقبريهما النيرين في الدنيا، والشفاعة في الآخرة على يديهما.

حديثنا عما تقدم الكلام فيه، وهو إعداد الفرد أن يكون قادراً على ممارسة النقد فيما يسمع ويقرأ ويرى، وهذا يحتاج إلى مقدمات طويلة، نسأل الله تعالى أن يمدَّ لنا يد العون أن نمسك بأسبابها، ونطرح ولو أقل القليل منها.

إن القرآن الكريم انتدبنا للحراك الفكري ودفعنا صوب التحقيق، ودعوة السماء للسير في الأرض وتقليب البصر في آفاق السماء دعوة صريحة وواضحة، والإنسان الحصيف الملتزم بثوابت الشريعة يفترض أن يكون من المبادرين للاستجابة لنداء السماء الذي ما انفك النبي الأعظم محمد (ص) يؤكده.

وهذا يستدعينا أن نؤسس مجموعة من القواعد، من أجل مرحلة قادرة على التأثير في المساحة من حولها، وإذا ما أردنا أن نستجيب، فعلينا أن ننتقل معها مرحلة فمرحلة، لأن استعراضها على نحو الترتيب، وترتيب الآثار على ذلك الترتيب، هو العامل المساعد على أن نصل إلى نتيجة مرضية.

فالأركان التي يتأسس عليها البناء المرحلي للتكوين العقلي هي عبارة عن مجموعة من المراحل:

المرحلة الأولى ـ ما قبل الزواج، فإذا أردنا أن نهيّئ ولداً صالحاً، فطناً لا تلتبس عليه الأمور، فعلينا أن نهيئ له الأسباب أولاً، قبل أن نخطو الخطوة الأولى، وهي الربط والقرن الأكيد، بناء على ما هو مقرر في الشريعة، وهو العقد.

فقبل مرحلة العقد بين الزوجين، وقبل الزواج، هناك أثر مباشر للأقارب في شخصية الولد، ويتركز ذلك في جانب الخؤولة، وهو ما يرشدنا إليه الإمام أمير المؤمنين (ع) بقوله لأخيه عقيل: «انظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب»([3]). فعندما يبحث الإمام أمير المؤمنين (ع) عن ضالته في امرأة، فإنها تشكل وعاءً وظرفاً سليماً لشخصٍ تناط به واحدة من المسؤوليات الكبرى المتعلقة بحادثة الطف، لأننا نعتقد فيما نعتقد في المعصوم، أنه يقرأ المستقبل، وأن المعصوم يعلم بكل حيثياته، وهو معتقدنا الحق.

وقد أغرق الخطباء المشهد بالتركيز على بعد واحد من أبعاد كلام المولى علي (ع) وهو أن يولد له ولد شجاع قوي، جسيم وسيم، بعيد ما بين المنكبين، إذا ركب الفرس المطهم فإن رجليه تخطان الأرض([4])، في حين أن الشجاعة دون عقل لا قيمة لها، والقوة ما لم يسيرها العقل لا محصلة من ورائها، فبالعقل تسيس الحياة وتبنى الحضارة، وينتفع بكل شيء، وقيمة الإنسان بعقله.

فعندما يسند أمير المؤمنين (ع) المهمة لعقيل، فإنما يريد التأكيد على أن من تلده هذه المرأة يفترض أن تكون فيه صفة الشجاعة، وهي صفة كمال، ولكن يكون في الوقت نفسه حاملاً للعقل النير.

وهذا الأمر ينبغي أن يكون مدعاة لنا أن نتداعى فيما بيننا أن لا نفتش عن الجانب الجمالي فقط في المرأة التي نرغب في الاقتران بها، وهو ما يمثله السواد الأعظم في أوساطنا، فالجمال مطلوب، والله جميل يحب الجمال، ومن لا يحب الجمال فعليه أن يفتش عن ضده، ويرتمي في أحضانه، ولكن ليس هو المبلغ ونهاية المطاف، خصوصاً أن الجمال الظاهر، ما لم يواكبه جمال الروح والباطن فلا قيمة له، فإن كانت هناك امرأة كشقة قمر، لكن أخلاقها دون ذلك، فلا فائدة منها.

فالذكاء في بعض العوائل يمثل سمة بارزة، وعلامة فارقة، فهل فتشنا عن تلك القيمة المعنوية الكبيرة، وحسبنا لها حساباً قبل الاقتران؟

كما أن الدين مطلوب أيضاً، يقول (ص): «وعليك بذات الدين تربت يداك»([5]).

وكما أن الدين والجمال مطلوبان، فإن الذكاء مطلوب كذلك، ولا إشكال أن جانب المرأة مؤثر بشكل قوي جداً في تكوّن حالة الذكاء عند الوليد. فلنتفحص جيداً.

المرحلة الثانية: ما بعد الزواج، ولا بد هنا من مراعاة الأمور المادية التي لا يستطيع المرء أن ينفكّ عنها، وأجلى مصاديق هذه الحالة الأكل والشرب، ولا بد أن ينظر أحدنا من أين مأكله ومشربه، فهذا أمر مهم، صحيح أن المرء قد يأكل من عرق جبينه، ولكن ليست هذه نهاية المطاف، فلا فرق بين من يعلم أن حقاً شرعياً قد تعلق بمورد مالي في يده، ثم يرفض أداءه، وبين آخر يمارس السرقة من مكان ما، أو خزانة معينة، فالقياس واحد، ونحن اليوم نفرق بين هذا، وهو نتيجة لتراكم سيّسه وقاده الجهل، وعدم الوقوف على معطيات الشريعة، أو محاولة التجاهل والتغافل، فإن كانت الأولى فتلك مصيبة، وإن كانت الأخرى فالمصيبة أعظم.

فتجد من يقول: إنني لا آكل إلا من كدِّ يدي، لكن النتيجة أن ابني على غير ما يرام. فالمدار في المسألة ليس في الكدّ فقط، إنما في تصفية المال الذي بين أيدينا. والمساحة تتسع، لأن الولي على الوقف مثلاً، قد يطعم أبناءه من ذلك الوقف. فمن لم يكن محتاجاً للحق الشرعي، سواء كان وكيلاً عن المرجعية، أم كان مكلفاً بالذهاب لوكيل من وكلاء المرجعية، أو المرجعية نفسها، فيأخذ منها مالاً بغير وجه حق، فهذا ضرب من ضروب السرقة، لكنها مغلفة بغلاف، وهذا ما يبدو أثره واضحاً وبيناً.

فلا داعي للاستغرب إذا رأينا بعض أبناء المرجعيات يأخذون مساراً منحرفاً، بل يوغلون في الانحراف، وهو أمر موجود بالفعل، لأن الابن أخذ من غير حق، أما أنّ المرجع يعلم بذلك أم لا، فهذا أمر آخر، لا مدخلية له هنا، فالأمر لا على نحو التحديد.

فالأكل والشرب يفترض أن يكون بعناية فائقة، ومن مشرب شرعي، أما إذا أُخذ من حق شرعي، من خمس أو زكاة أو مال يتيم، فليكن بوجه حق ومسوغ شرعي، فالوكيل الشرعي تجبى له الأموال، ولكن ليس من حقه أن يتجاوز مساحة ما يليق بشأنه.

المرحلة الثالثة: ما بعد الولادة، وينبغي هنا أن نراعي المراسم الدينية التي حثت عليها الشريعة استحباباً، لما لها من الأثر القوي المباشر على تكون الطفل في جميع مراحله، لا سيما في الجانب العقلي، ومن ذلك الأذان في اليمنى والإقامة في اليسرى. وفي هذا المفردة المقدسة روايات كثيرة، فكم هو نصيب أبنائنا الذي ولدوا حديثاً في الفترات الأخيرة من هذه المفردة المقدسة؟ وكم طفلاً تتلقفه الأيادي التي تعي هذه المفردة؟

فالنبي (ص) عندما ولدت له فاطمة (ع) باشرها بكلمات التوحيد، ولما دفع له الإمام الحسن (ع) أذن في اليمنى وأقام في اليسرى، والقرآن يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُوْلِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ([6]). وقد أضعنا تلك الأسوة في أبسط المفردات، وصرنا نسأل الممرضة بعد الولادة عن جنس المولود، وهل هو ذكر أو أنثى، وكان الأجدر بنا أن نُذكّر الحامل أن تؤذن في الأذن اليمنى للوليد، وتقيم في اليسرى، أو أن يقوم الأب بهذه الشعيرة المقدسة وهو يتلقف ولده بعد الولادة مباشرةً.

إننا اليوم نلهث وراء بعض الشعائر المصطنعة، ونغدق عليها من الأموال ما لا طائل  من ورائه، ونهمل الشعيرة الثابتة التي فيها اتباع للرسول الأعظم (ص) ونتنكب الطريق عنها.

ثم التسمية، بأن يجوِّد الأب اسم ابنه أو أو بنته، فلا ضير من تسميته شبّراً أو شبيراً مثلاً، ولاحرج من ذلك بدعوى أن هذه الأسماء ليست عربية، ولساننا عربي، فنحن اليوم نشاهد الكثير من الأسماء غير العربية بين صفوفنا، لا سيما في صفوف البنات، بل هناك بعض الأسماء التي يخجل منها من يحمل ذرة من الثوابت.

بل الأكثر من ذلك، أن أسماء بعض البنات إنما وضعت لبعض الحيوانات في المجتمع الغربي، فالغربيون يحسنون أسماء حيواناتهم أكثر من تحسين أسماء بناتهم، ثم ينتقل الاسم من ذلك الحيوان إلى راقصة ـ أجلّكم الله ـ ثم نأتي نحن المسلمين فنأخذ ذلك الاسم، الذي وضع لحيوان، ثم راقصة، فنسمي به إحدى بناتنا. لمن هذه الاستجابة؟ هل هي استجابة للدين؟

فتحسين الاسم وتجويده مطلب أساسي، وهو حق الطفل، وعلينا أن نلتفت إلى تلك الأسماء التي تشرق بها السماوات والأرض، محمد، علي، فاطمة، ثم السلسلة النيرة إلى الخلف الباقي من آل محمد (ص).

ففي النساء زينب ومريم وسكينة، وأشرف من كل ذلك فاطمة بنت محمد (ص).

ثم العقيقة، التي تدفع البلاء عن الأولاد، فقد يكون السبب في النوائب والحوادث التي تحصل للبعض، عدم العقيقة عن الولد، صحيح أن الموت حق، وأسبابه متعددة، إلا أنه يمكن أن يكون أحد أسبابه إهمال العقيقة.

ربما يرى البعض أن آباءه لم يعقّوا عنه، فيرى ذلك سائغاً، إلا أننا يجب أن ننتبه، فلا يأخذنا الغرور، فقد كان آباؤنا وأجدادنا أحياناً يطوون ليلهم جياعاً، وربما كان الأب يخرج لمحل تحصيل العمل فلاحاً أو عاملاً، ثم يرجع بخفي حنين.

ومن أهم ما يذكر في العقيقة أيضاً، أن يُدعى إليها الناس لتحقيق الاجتماع، ليتبادلوا الأمور فيما بينهم،  وهي ظاهرة خير وبركة، فهنالك اليوم شبه مؤامرة حتى على فواتحنا، ومن داخلنا، بل ربما من طبقة النخبة، فقد يقال: لماذا لا تقلص النفقات في هذا المجال؟ ولماذا هذا التبذير؟ وكأن أبواب التبذير أغلقت كلها، ولم يبق سوى إهداء الثواب إلى الموتى!

فالعقيقة أمر مهم، يدفع البلاء عن الولد أو البنت، فعن النبي (ص) أنه عقّ عن الإمام الحسن (ع) بكبشين أملحين([7])، وأولم عليهما جمعاً من المهاجرين والأنصار.   

المرحلة الرابعة: التربية الصالحة، المدعمة بفهم الشريعة فهماً صحيحاً، وتبدأ منذ الصغر، خطوة بعد خطوة، دون تعقيد ولا إسفاف، فليس الهدف أن يتعلم الولد (المسباح والتربة) فقط، وليس الدين كله (مسباحاً وتربة) وليس كله زيارة ودعاء، إنما هو كتلة واحدة، فلا ينبغي أن نستغرق في جانب على حساب جانب آخر.

نجد أن البعض يريد أن يترك وراءه صدقة جارية، بأن ينشئ مشروعاً خيرياً معيناً، دينياً أو حضارياً، وهذا أمر مستحسن ومندوب، ولا بأس بذلك، إلا أننا عند الحساب، نجد أن ما لديه من مال لا يكفي عياله والمشروع على حد سواء، وسوف يكون المشروع على حساب أيتام يتركهم خلفه، فهل أن الدافع لذلك حقاً هو الشريعة؟ أو أنه الشخصنة وحب الظهور والبروز؟

بل من المؤكد أن من ينفق مبالغ طائلة على مشروع، ويتصور أنه سوف يجني من ورائه الخير والثواب، وأنّ الإحسان سوف يصل إليه في قبره، في حين أن الرغبة الأولى والأخيرة لديه هي أن يقال: إن المشروع الفلاني خلفه زيد من الناس وراءه، واهمٌ جداً.

وهذا الميزان يجري في جميع الأعمال والعبادات، كالصلاة وغيرها، ففي يوم القيامة يطالب المسلم بمجموعة من العبادات والأعمال، بما فيها الصلاة، وهي عمود الدين، فلا يقبل منه، ويأتيه الجواب: إنك صليتها لفلان، فخذ ثوابها منه([8]).  

فالتربية الصالحة لا بد أن تكون عن وعي، بأن يكون الأبوان على دراية بالتكاليف الشرعية، على بساطتها، بعيداً عن التعقيد، أو إدخال الأطفال في وسوسة وجحيم، فترتبك حياتهم الدراسية والمعيشية ثم الأسرية في المستقبل، وما يفترض أن يناط بهم من مهمات تجاه الأمة.

التعليم الممنهج:

ثم التعليم المتوافق مع قدرات الطفل، ابناً كان أم بنتاً. فعلينا أن لا نُكره أبناءنا في اختياراتهم، فالولد بعد مرحلة الثانوية لا يمكن أن تتحكم به كما تحب، لأن عقليته امتزجت بعقلية الآخرين من أترابه، وارتسمت أمامه مجموعة من الخيارات، وانحاز لجانب خيار معين، فلا يمكن أن تقسره على شيء، أو تلوي يده، وينبغي حينئذٍ أن تدعه يشق طريق حياته كما رسمه هو طوال السنوات التي قضاها في الدراسة، وهي اثنتا عشرة سنة.

وليس من الصحيح أن يرى الأب أن اتجاهه إلى اليمين أو الشمال، فيحاول أن يقسر ولده على ذات الاتجاه، فهؤلاء الأولاد خلقوا لزمان غير زمان الآباء.

المحيط والصحبة الصالحة:

ثم الصحبة الصالحة، منذ البدايات المبكرة، وهو مطلب أؤكده بقوة، فالكثير من الشباب الذين فقدناهم (رحمهم الله جميعاً) كانت للصحبة مدخلية في نهايتهم المأساوية. وقد ذكرت تعقيباً على موت بعض من فقدناهم من الشباب، أننا يجب أن نتنكب مسلك التبرير في كل حادثة، لأننا متى ما بررنا لكل حادث، ووجدنا مخرجاً، استقرت ذهنية النشء على أن ما من حادث أو واقعة أو انحراف، إلا وله ما يبرره، وحينذٍ يستشري الخطأ وتفشو الحوادث، فمن أمن العقوبة أساء الأدب.

أتذكر أننا يوم كنا أطفالاً، عندما يُضبط أحدٌ بشرب الخمر، فإنه يُسجن لدى السلطات الرسمية ستة أشهر، ويجلد على مرأى ومسمع من الناس، لذلك تمر سنوات عديدة فلا تسمع أن أحداً اعتقل لهذا السبب، لا لأن أحداً لم يشرب الخمر، ولكن لم يكن أحد يستطيع التجاهر، لأن السلطة كانت قوية، تضرب بيد من حديد، فمن النادر أن تجد شخصاً واحداً مرتكباً لذلك. أما اليوم، فإنه يُلقى القبض عليه، ثم يُجلَس ويُمهل حتى يُفيق، ثم يُسرَّح لأهله، لذا تجد أنهم اليوم كثيرون، وأن أكثر الحوادث لدينا إنما هي من شرب الخمر وتعاطي المخدرات والسهر غير المبرر مع رفقاء السوء. وهذا لا يعني بالضرورة أن الإنسان الملتزم لا يتسبب بحادث مرعب ومخيف، فقد يكون منه ذلك، ولكن كلامنا في التماس الأعذار للآخرين، فهناك من يكون في حالة سكر، لكننا نلتمس له العذر بالسهر، باعتبار أنه من عائلة مرموقة.

فالصحيح أن لا نبرر لأولادنا أخطاءهم، وأن نضع يدنا على الخطأ؛ لأن هنالك أرواحاً تُزهق، تنتظرها أمهات وآباء في البيوت. فقلب الأم من الرقة بمكان، بحيث إن أقل الأمور يهز كيانها ويربك مشاعرها.

فالمحيط الصالح والبيئة الصالحة تبدأ منذ البداية مع الأب، وأبنائنا في مرحلة ما من المراحل عبارة عن أصدقاء، لا يفتِّشون عن الأب بقدر ما يقرأون فيه الصديق، والابن إذا شعر بسلطة الأب فسوف لن يتكاشف معه، أما إذا رأى صديقاً يبثه مشاعره ويصرح له بآماله وطموحاته، ويحظى معه بجلسة إخوانية ومحبة، فإنه يشعر بوجوده ويتفاعل معه.

رأى الأقرع بن حابس رسول الله (ص) يقبل الحسن والحسين (ع) فقال له يا رسول الله، إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحداً منهم، فقال (ص): «من لا يَرحم لا يُرحم»([9]). وفي رواية أنه غضب حتى التمع لونه، ثم قال له: «إن كان الله قد نزع الرحمة من قلبك فما أصنع بك؟ من لم يرحم صغيرنا، ولم يعزز كبيرنا، فليس منا»([10]).

وبعد هذه الصحبة الأولى مع الأبوين، يأتي أبناء العشيرة والأقربون، لأنه سوف يحتكّ مع أبناء خاله وخالته، وعمته وعمه، وغيرهم، وهذا المحيط لا بد أن نأخذ حذرنا منه أيضاً، فما يجري بين أبناء القرابة أحياناً، تحت ستار القرابة، قد يكون أخطر مما يجري في الصداقة خارج هذا الإطار، خصوصاً إذا كان أحد الأبوين من قبيلة بعيدة، ولا يعرف أحدهما خصائص القبيلة الأخرى. فأحياناً يكون الزواج عبارة عن تعارف بين اثنين في الجامعة، أو أن أخت الزوج كانت تعمل مع الزوجة في المدرسة أو المستشفى، وهذا غير كافٍ قطعاً.

ثم المحيط الصالح المبني على أسس الرسالية في وسط الأمة. وشبابنا اليوم ـ والحمد لله ـ أفضل بكثير مما كانوا عليه، وليس هذا الذي وصلنا إليه آتٍ من فراغ، إنما جاء بحركة ممن يقفون وراء ذلك، وهي جهود الآباء والأمهات. ولكن هذا لا يعني أن الأمور على خير ما يرام بلا إخفاقات، ولكن بالنهاية هذا هو المجتمع الذي نراهن عليه، فهو مجتمع صالح طيب يسجل حضوراً في المسجد والحسينية والمراسم التي تُؤمّن وحدتنا واصطكاك صفوفنا وترابطنا وألفتنا ومحبتنا، فنفرح لمن يفرح من حولنا، ونحزن لمن يحزن، ويمسك أحدنا بيد الآخر.

أيها الأحبة: لا يظنَّنَّ أحدُكم أن أفضل هدية يقدمها لصديقه هي عبارة عن ساعة متطورة أو جهاز راقٍ، إنما أفضل ما يقدم للصديق من الهدايا هو النصيحة، فنحن نحتاج النصيحة، وأنا أول من يحتاج إليها من أصغر فرد فيكم سناً وموقعاً. فدعونا نتناصح.

أسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.

 

   

شؤون الجامع المالية خلال عام:

فيما يتعلق بالأموال التي جمعت هذه السنة، فمنها ما كان لدعم مراسم أهل البيت (ع) كالمواليد والوفيات وغيرها، وقد كانت هنالك مجالس هذه السنة في رمضان ومحرم وغيرهما، ونحن نشكر كل من كانت له يد من قريب أو بعيد في أن تسير الأمور على ما سارت عليه، ونسأله تعالى أن يكون القادم من الأيام هو الأفضل، وشكر خاص للجهات الرسمية التي سارت بالأمور إلى النقطة التي كان الجميع يرغب أن تنتهي إليها. 

أما مقدار المبالغ التي دفعت في هذا الباب، فهي عبارة عن ( 5 112019) ريال، تم صرف (70823) ريال والباقي (5 41286) ريال. 

وأذكّر هنا أننا أنهينا بيت الوقف، وأغلقنا ملفه تماماً، ولكن هناك تعقب لجهة معينة، سوف نسدد بما تبقى طرفاً من ذلك.

أما الصدقات، فلدينا صدقات سنة 1433 لأن سنتنا لا تبدأ في محرم، إنما تبدأ مع ذكرى افتتاح الجامع، وهي ميلاد النبي الأعظم محمد (ص).

مجموع الصدقات خلال هذه السنة هي: 564580 ريال، وهي صدقاتكم، منكم وإليكم، وبالمقارنة مع ما كانت عليه في السنة الأولى لافتتاح الجامع أن الرقم تضاعف إلى خمس مرات، ففي السنة الأولى كان المبلغ: 106539 ريال، وهذا التصاعد في النسبة، إن دل على شيء فإنما يدل على شعور منكم بما يجري حولكم من حاجة هنا أو هناك، ونسأله تعالى أن يجعل ذلك في ميزان أعمالكم. وفي العام الماضي كان مقدار الصدقات: 462034 ريال.