نص خطبة: مراتب التفكير الست وأهميتها في تقدم الأمة

نص خطبة: مراتب التفكير الست وأهميتها في تقدم الأمة

عدد الزوار: 1556

2018-03-15

الجمعة 1439/6/20 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على نبينا الامين محمد وآله الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

أسعد الله أيامنا وأيامكم، بارك الله لنا ولكم، تقبل الله منا ومنكم ذكرى ميلاد السعيد لأم الأئمة البضعة الزهراء بنت النبي محمد (ص)، أعاد الله علينا وعليكم المناسبة، رزقنا الله وإياكم الشفاعة، حشرنا الله في زمرة أهل البيت عليهم السلام.

فضل الزهراء وعلو مكانها عند أهل السنة

الحديث عن الزهراء سلام الله عليها حديثٌ متشعب طويل عريض، تنقضي الليالي والأيام ويبقى الحديث قاصراً دون أن يصل إلى بيان ما يعادل ذرة من علو قدسها وعظمة عطائها، الزهراء سلام الله عليها حيرت الالباب، حيرت اصحاب العقول من جميع الطوائف والملل والنحل ذلك عند من رفع الغشاوة عن قلبه وأعطى مساحة كافية لعقله كي يبحر في المسافات، أما أولئك الذين اقفلت قلوبهم وأحكمت الاقفال عليها فإنها لا زالت بعد مرور أربعة عشر قرن من الزمن تراوح مكانها. الحافظ ابي نعيم الاصفهاني وهو من أقطاب المدرسة العامة من أتباع المذاهب الاسلامية الشقيقة يقول في حق الزهراء سلام الله عليها: «من ناسكات الأصفياء وصفيات الأتقياء فاطمة رضي الله تعالى عنها، السيدة البتول البضعة الشبيهة بالرسول ألوط أولاده بقلبه لصوقا وأولهم بعد وفاته به لحوقا كانت عن الدنيا ومتعتها عازفة، وبغوامض عيوب الدنيا وآفاتها عارفة»[2]

من ناسكات الاصفياء؛ النسك التبتل، العبادة، الانقطاع، الاتصال.. وهذه كلها مقامات عند اهل الذكر لها خصوصياتها يمايزون فيما بينها.

وصفيات الاتقياء؛ الملاك في كل شيء التقوى، لكن الزهراء سلام الله عليها تقدم لنا الانموذج الاكمل ممن عاشوا التقوى في جميع ابعادها، فهي صفية الاتقياء، حيث تقلبت النطفة الطاهرة من صلب الأنبياء والرسل والأوصياء والأولياء الى رحم مطهر، بالنتيجة هذه الخلاصة في التكوين والخلاصة أيضا في التشريع، يقول فاطمة هي التي تتصف بهذه الصفات، فاطمة بنت النبي الأعظم محمد (ص)، ثم يمضي متحدثا عن الزهراء سلام الله عليها ويقول:

السيدة البتول البضعة الشبيهة بالرسول؛ ومعنى البتول أي التي قطع الطريق أمام الذين يرغبون للوصول إلى معرفة كنهها، والبتل يعني القطع، لا يمكن ان نتصور في يوم من الأيام ان يأتي شخص ليكشف معالم هذا الكنه ويكشف ما وراء الستر ليقدم الزهراء كما هي الحقيقة التي صنعتها السماء إلا ما انيطت مهمته في شخص واحد ألا وهو الخلف الباقي من آل محمد (ص)، وما عداه يحومون حول الحمى، يسألون من الله اللطف والكرامة والوصول إلى معرفة اقرب الرتب إليهم، أما رتبتها العليا ومقامها المخصص من الله عند الله فهو يبقى في ضمن دائرة السر المستتر فيها، وروي عن ائمتنا عليهم السلام في حق السيدة الزهراء عليها السلام انه: «ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله»[3] يوجد بعدان لفك هذه العبارة؛ البعد الاول في مشيتها الطبيعية هي تشبه رسول لله (ص) في مشيه التي هي تحكي أكمل مشية لإنسان شرف الوجود بقدميه، وفي الجانب الآخر مشي الرسول، هدي الرسول، سلوك الرسول، عطاء الرسول، جهاد الرسول، الزهراء سلام الله عليها جسدته، بعبارة اوضح واقرب كمرآة عاكسة لحقيقة الشيء في الجانب الآخر.

كانت عن الدنيا ومتعتها عازفة؛ رغم ان في يدها فدك وفدك فيها عمالها والقائمون عليها ما يأتيها من ريع كانت تبذله على الفقراء هذا من حقها الخاص تصرفٌ في ملكيتها الخاصة يدٌ فيها دلالة على المُلكية وراء ذلك تفعيلٌ لتلك الملكية، الزهراء سلام الله عليها أعطت الكثير، أعطت الكثير من وقتها، من جهدها، من أدبها، من علمها كل ذلك من أجل الامة التي كانت الزهراء تبكي على حالها، في الواقع أيها الاحبة نحن عندما نبكي على الزهراء نبكي على أنفسنا، لأننا حرمنا من المشهد الاول في حياتها ولا ندري هل ستحسم الامور لصالحنا في ان نتشرف في المقام الثاني في المورد الثاني في المحل الثاني عندما تعمد في يوم القيامة لتفتش عن شيعتها؟ هذا في علم الغيب الذي يجب علينا ان نهيئ الاسباب، ان نلملم الاوراق، ان نرتبها، ان نمزج بين ما هو المنتج الفكري والميراث التاريخي والعطاء الحديثي وما ينبغي ان نكون عليه خارجا كما اراده محمد وآل محمد (ص) هذا هو المهم.

وبغوامض عيوب الدنيا وآفاتها عارفة؛ هذه العبارة الأخيرة منه في منتهى الروعة والدقة والتشخيص تدلل على ان ابا نعيم الحافظ كان على معرفة دقيقة جداً، يقول الامام (ع): «العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس»[4]، في الدنيا هناك لوابس ودوائر كثيرة قد تصبغ بالكثير من الالوان أو تحاول تغيير اللون بقدر الحاجة، أنت قد تدخل لمجلس تلبس ثوبا يحمل لونا خاصا للترضية أو للتمهيد أو للمكاسب، ثم تذهب لمجلس آخر وتنزع ما لبسته وتستبدل ذلك بلباس آخر على ان يكون يحمل لون يتوافق مع رغبة الذين أمامك، الزهراء سلام الله عليها كانت دقيقة بمعنى الكلمة، دقيقة بعناية السماء، دقيقة بما هو المكون، دقيقة بما هي عاشت الوضع من حولها، نحن نعتقد بالعصمة تكوينا ونعتقد بالعلم حضورا ولكن لا يعني ذلك ان اهل البيت عليهم السلام لا يمارسون دورهم الطبيعي ولا يلامسون الواقع من حولهم، بل هم يعيشون هذا الامر، لذلك النبي (ص) كان يطرق الاسواق والنبي (ص) كان يتواضع للضعيف الفقير المسكين، هذا هو حال النبي (ص) وكان يركب كما يركب الناس وكان يجلس حيث جلس الناس، لا يلتمس صدر مجلس ولا ...، الزهراء كانت تحكي واقعه وعندما كان يتحدث كان بميزان، لذلك بقي كلامه محفوظا كما هو الحال بالنسبة للقرآن الكريم في واحدة من زواياه، نعم عبثت بعض الايادي وتدخلت بعض المدارس لكن يبقي لا يصح عند الله الا الصحيح.

أهمية تحمل وأداء المسؤولية

وامتنا اليوم، شبابنا اليوم، جيلنا القادم في منتهى الاستعداد والمسؤولية في أن ينهض بأعباء هذا الدور وهذه مسؤوليتكم أيها الشباب، تؤسسون لجيل قادم، آباءكم أسلموكم الامانة، الولاء الصافي، المحبة الصادقة، السير على نهج اهل البيت عليهم السلام، القادم هو يعنيكم أولاً وبالذات، انا مسؤول عن ولدي وأنت مسؤول عن ولدك والآخر وهكذا والأم ليست بمنأى عن ذلك عليها ان تعد البنت بما يؤمن لها القوة في الدين، في الايمان، في الالتزام والابحار في عوالم العلوم والمعارف وكذلك أن تأخذ نصيبها من الدنيا كما أعطاها الله ذلك من الحق وحقوقها في الدنيا كثيرة صودرت رغم ان الاسلام أصّل لها في الكتاب وفرّع لها في السنة المطهرة وسافر بها العلماء من الماضين والجمع الحاضر منهم لكن الاشكالية أين تكمن؟ لا يمكن ان نسند الاشكالية للسماء، لأنها سيدة الحكماء ولا للأولياء لانهم الامناء ولا للعلماء لأننا نحسن الظن فيهم، بقيت حلقة أخيرة هي مسؤوليتنا نحن قد نجامل على حساب القضية نظن اننا لا ندفع ثمنا جراء ذلك حال اننا ربما لا ندفع اليوم ولكن يدفعه أبناؤنا بعد حين بعد فترة بعد زمن من يقصّر اليوم في أداء مسؤوليته عليه ان ينتظر العواقب في القادم: ﴿أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ[5]؛ ﴿فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ[6]؛ فالزهراء‌ سلام الله عليها كانت عارفة بآفات الزمان الذي كانت تعيش فيه، لذلك نستطيع ان نقرأ الزهراء من خلال خطبتها الاولى والخطبة الثانية، الاولى في المسجد والثانية في بيتها ولا نستغني عن قراءة إذا ما أردنا ان نقرأ المشهد كاملاً ان نجمع بين النصين، ان نقارب فيما بينهما، ان نستنطق النص المؤسس في المسجد بالنص المفرّع في بيتها بعد ان اشتدت بها ظروف المحنة وعصفت بها آلام الباب، كم نحن في مسيس الحاجة اليوم أيها الأحبة لإعادة ترتيب وتوزيع القبعات بيننا من جديد ليعرف كل واحد منا القبعة التي تناسبه وتتلاءم مع مكونه وتتوافق مع ثقافته وتتطابق مع مسؤولياته هذا شيء مهم جدا.

القراءة الصحيحة للأمور ودورها في تقدم المجتمع

أيها الأحبة خصوصاً أنتم ايها الشباب والاخوات الشابات؛ علينا ان ندقق ونتمعن، هي ستة قبعات أو مراتب ستة على كل واحد منا ان يقرأها قراءة دقيقة ويستخدمها استخداما صحيحا، أضرب لكم مثال كي أقرب المعنى للأذهان؛ عندما تذهب للسوق لشراء حاجة، يدخل في ترتيبها عامل القياس، يعني انت تلبس وتغير حتى تقف على ما يتوافق معك من حيث القياس والشكل، هذا في الامور المادية، في الامور المعنوية كيف يكون الأمر؟ ستكون الامور اكثر تعقيد واشد خطورة، اذا كان الواحد منا عندما يريد ان يشتري لباس أو عباءة أو... بحاجة الى ان يلبس ويخلع ويقايس ويناظر مرة أو مرتين أو اكثر، ففي اللباس المعنوي نحتاج اكثر من ذلك، ربما نحتاج لمعونة الآخرين، نسأل من اصحاب التجارب، البعص يتصور ان دواء كل شيء بيد رجل الدين! وهذا وهم، رجل الدين قد يشكل جزء من المسؤولية، لكن اصحاب الخبرة من ابناء المجتمع لهم اليد الطولى في تشخيص الامور، يعني مثلا عندما يحصل ابني على درجات ومعدل جيد ويتأهل للدخول الى الجامعة لكن لا يدري في أي تخصص يدخل، فهل من الصحيح ان أتي الى رجل الدين واستشيره في هذا الأمر؟! قد يكون رجل الدين لم يعبر مسافة يحتفى بها، او لم يرزق ابناء كي يدخل معهم في هذا المعترك حتى يمسك بجزء من التجربة، هنا رجل الدين اما ان يكون منصف مع نفسه ويقول لا أعلم وليس عيبا ان يقول لا أعلم اذا كان لا يعلم ويذهب ليتعلم، يعني لا يوجد شخص يقول انا علامة زماني والآية المتفرد بين البشر، واما أن يريد لملمة الحديث ويحفظ ماء وجهه ويبين للطرف الآخر انه كبير فيسحب السبحة أو يفتح القرآن ويستخير له! ويقول له هذه الكلية جيدة ليدخل بها وهذه الكلية سيئة لا يدخل بها! هل هو هذا حل؟ هل هذا هو منطق سليم؟! «الخيرة عند الحيرة» عندما تغلق جميع الابواب مع التسامح في موردها لا ان تكون هي الحل، قد تكون الخيرة اليوم من باب ستار العيوب عند البعض، اليوم اشاهد البعض يوزع أرقام من خلال شبكات التواصل الاجتماعية مثل الواتساب وغيرها، بان فلان شخص يأخذ خيرة! أو فلان شخص يفتح فال! أو فلان شخص ... الله سبحانه وتعالى لم يعطي مفاتيحه لبشر الا من خصهم، يعني لا يمكن ان نقول بان فلان من رجال الدين عنده مفاتيح خاصة من الله سلمها رب العالمين له وقال له افعل مع هذا كذا وافعل مع هذا كذا..! فعندما يرتب الواحد منا الأمور ويقايس فيما بينها حينها سيصل الى نتيجة، حتى الزهراء سلام الله عليها وهي الكوكب الدري، هذه الزيتونة المباركة، هذه النسمة المتعالية في السمو والرفعة بما لها من المقامات الا انها كانت تخضع الامور لأسبابها، لذلك الخطاب الذي كان مع الانصار جاء بهذا المستوى، خطابها في المسجد عندما امرت ان يضرب بينها وبينهم ملاءة، يختلف عن الخطاب في البيت، هذه هي الزهراء سلام الله عليها، وأنا مررت سريعا على هذا الموضوع كي لا اطيل عليكم.

خصائص مراتب التفكير الستة (القبعات الستة)

القبعات الستة او المواقع الستة التي لابد ان نشغلها كلها ملونة، لا ينبغي ان البس قبعتك وانت تلبس قبعتي التفكيرية طبعا، ـ وانا استخدم كلمة القبعة لتقريب المعنى للأذهان يمكنك ان تستعيض بما شئت ـ يا ترى ية قبعة تليق بي كفرد من هذا النسيج الاجتماعي العام والبشري الواسع؟ وما هو يليق بك ويليق بغيرك؟ هذا شيء مهم جدا، مشكلتنا اليوم التي نعيشها والمشاكل التي في مجتمعاتنا سببها الاول والاخير هو اني البس قبعتك وانت تلبس قبعتي والثالث يلبس قبعة الرابع، فيكون النتاج الفكري مهلهل ضعيف، وعندما يصير النتاج الفكري مهلهل ضعيف يعني ستحدث خروقات وعندما تحدث خروقات وهناك من يترصد يفتح ثغرة في الخلاف والشقاق والنفرة بين المؤمنين لسبب ولغير سبب، السبب هو عدم حسن توزيع الادوار فيما بيننا والقيام بمعطيات هذا الشيء.

1ـ القبعة البيضاء (اصحاب الفكر الحيادي البسيط)

القبعة الاولى البيضاء وعندما يسمع الواحد منا بهذه القبعة قد يقول حسنا هذه قبعة السلام! في حين نحن ليس في مدار الراحة والاطمئنان بقدر ما نحن في حالة تفعيل فكر وتحريك العقول وبعثرة الاوراق، هذه القبعة تناسب من؟ هي تحكي وضع المفكر الحيادي البسيط، الذي يقول انا لا تعنيني المشاكل، انا مجرد ان اختار الفقرة الف واسير معها ولا تهمني فقرة باء وجيم ودال و...، هذه هي صفة صاحب القبعة الاولى، فهل ترضي لنفسك أيها المؤمن هذه الحالة؟ هل يتناسب هذا الوضع معك؟ حسنا! انت اخترت هذا ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه، لكن أنا حينما أكون في هذا الموقع وأختار هذه القبعة لا ينبغي لي ان أذهب الى بقية القبعات وأعكر صفو الجو من حولهم واخبط الماء الذي يشربون منه، لأن هذا هو حجمي! جيد ان يعرف الانسان قيمته ويحترم شخصيته هذا المورد الاول، أي يكون حيادي بسيط، هو يفكر لكن تفكيره حيادي وبسيط لا يناقش ولا يسمح لنفسه للدخول في دائرة النقاش، قبعة بيضاء، حمامة سلام، البعض منهم يذهب معها اكثر، يقول انا اجلس في البيت ولا يعنيني امر الناس! هل هذا كلام منطقي؟ أليس الناس للناس في الفرح والحزن، اذا كان هذا الامر صوابا فالزهراء سلام الله عليها أيضا كان لها ان تجلس في بيتها ولا يعنيها الامر وكانت تسلم على حالها وكذلك الامام علي (ع) وبقية الائمة عليهم السلام كانوا يسلمون على حالهم، لكن ماذا عن رسالتهم في الارض؟ نحن عندما نقول نحن شيعة علي (ع) لابد ان نعرف ما هي رسالتنا في هذه الارض؟ ألم تكن هي عمارة الارض، وعمارة الارض ليس هو البنيان فقط! أي نبني بناية من عدة طوابق، وانما الاعمار هو العمارة في العقول، لا يمكن ان ابني لنفسي بيت من عدة طوابق وولدي لازال في القواعد من حيث البناء الفكري لا يدري ما له وما عليه.

2ـ القبعة الحمراء (اصحاب التفكير العاطفي)

القبعة الثانية هي القبعة الحمراء؛ وهذه يستغرق بها الكثير من أبناء مجتمعاتنا خصوصا الذين لم يتعلموا كثيرا ولم ينفتحوا على الآفاق من حولهم، هذه القبعة تحكي وضع الانسان العاطفي في مسارات تفكيره، مثلا لو تسأله عن احتفال أقيم وتطلب منه أن يبدي وجهة نظره بخصوص هذا الاحتفال، ماذا سيقول؟ سيقول الاحتفال كان جيدا، كان فيه الاناشيد وكانت الناس تصفق فيه وكانوا يرددون مع المنشد و...، هذا عاطفي في تفكيره لا يتحرك شيئا للأمام، وإذا ما تسأله عن كلمة الحفل كيف كانت، يقول الكلمة لم أتفاعل معها! لماذا يقول لم أتفاعل معها؟ لان حركته هي حركة عاطفية، أو يقول ذهبنا الى الحسينية الفلانية كان الاحتفال جيد جدا، لأنهم قدموا فيه الحلويات والعصير اللذيذ! أو آخر يقول ذهبنا الى ا‌لحسينية الفلانية كان الاحتفال فيه عظيم حيث ما كان يوجد لك موطئ قدم من الازدحام! هذا هو حد تفكيره! وإذا قلت له ماذا استفدت من الحفل وماذا استفدت من الكلام حول الزهراء سلام الله عليها في حياتها، في علمها في... لا يوجد شيء!!

3ـ القبعة السوداء (أصحاب التفكير السلبي)

هذه القبعة تحكي الحالة السلبية عند الانسان في التفكير، وما اكثرهم اليوم، هذه الحالة السلبية من التفكير تجعل الانسان لا يرى شيء أبيض حتى الزين يراه شين كالذي وضع نظارة سوداء على عينيه لا يميز بين الالوان المختلفة الاحمر والازرق والابيض و... ابدا ولا يقرأ الاحسان قراءة صحيحة، يقول فلان شارك في أمواله بالمشروع الخيري الفلاني لان لديه مقاصد! يعني تفكير سلبي، او يقول لا تعمل مع هؤلاء اذا عملت معهم ستخسر! أو حتى في بيته ومع امرأته سلبي! كلما تقوم به الزوجة يراه سلبي، فتراه يشتكي من زوجته ويقول عنها انها لا تفهم شيء! في حين يجب ان يقول لنفسه أنا لا أفهم شيء، لأنه لا يستطيع ان يفهم زوجته، هذه المرأة المسكينة تعمل من الصباح الى المساء والنتيجة لا تجد شيء، لان تفكيره أسود لا يسمح لنفسه ان يغير قبعته، هو لبس السواد ويرى كل شيء سلبي، المسجد سلبي، المدرسة سلبية، العمل سلبي، المقبرة سلبية، كل شيء في الحيات سلبي، لذلك تراه دائما عبوسا قمطريرا سيئ الخلق مع اهله وأولاده ومجتمعه.

4ـ القبعة الصفراء (أصحاب التفكير الإيجابي)

اصحاب القبعة الصفراء لهم حركة ايجابية في التفكير، أنت لو مازجت اللون الاصفر مع جميع الالوان سيعطيك اشراقة، كلون القمر والشمس، أي عاكس تضعه ويحدث تمازج في الالوان ستراه اصفر، فصاحب القبعة الصفراء له تفكير ايجابي، فاذا لبسها وانعكست على مشاعره وبنى تكوينه على هذا الأساس سيصل الى نتيجة ويرتب أوراقه وتكون أموره جيدة.

5ـ القبعة الخضراء (أصحاب الابداع والتوازن في التفكير)

أما أصحاب القبعة الخضراء (السادة سيفرحون الآن باعتبار أن اللون الأخضر هو شعار السادة) ما هي مداليل قبعتهم الخضراء؟ هذه القبعة تعطينا معنى الابداع والتوازن في مسار حركة الفكر، أي عندما أحرر عقلي حينها سينتج لي التفكير، اصحاب هذا اللون عندهم ابداع وخلاقية ولديهم احداثيات دائما، واصحاب التكنولوجيا اليوم يعرفون جيدا معنى الاحداثيات وأثرها في الحراك الفكري.

6ـ القبعة الزرقاء (أصحاب التفكير الشمولي والرائد)

القبعة الزرقاء مهمة جدا وهي افضل من سابقاتها وهي تعني التفكير الشامل، وهي بمثابة القائد في لعبة الشطرنج، ولعبة الشطرنج تعتبر من اعقد آلات اللعب حيث يحتاج الانسان الى العقل والذي ليس لديه قوة عقلية لا يستطيع ان يلعب ويفوز قد يلعب لكن سيغلب، وتحريك أي عنصر من عناصر الشطرنج سواء كان من الجنود او... موقوف على قوة العقل، اصحاب هذه القبعة هم بمثابة القادة لأصحاب القبعات الخمسة السابقة، والمطلوب منا أن نحاول كي نصل لهذه القبعة، اذا كان عند الانسان الهمة حينها سيصل، ما هي مغذياتها؟ التدبر في القرآن، التردد على السنة المطهرة، الانفتاح على القراءات والدراسات والعلوم والتنظيرات من حولنا في هذه الحياة الواسعة.

كيفية التعاطي مع مراتب التفكير الستة (القبعات الستة)

من خلال هذه المقدمة التأسيسية الطويلة العريضة وبتصوري اني لم اثقل عليكم لأنكم تفاعلتم معها، اسأل سؤال بسيط؟ هل نحن ملتزمون بما يتناسب والحالة التفكيرية التي نعيشها؟ يعني هل كل واحد منا لبس القبعة التي تناسبه؟ ام ان صاحب القبعة البيضاء يريد ان يرمي صاحب القبعة الزرقاء، أو يرفع القبعة الزرقاء من راس هذا ويضعه فوق راس ذاك والامور هكذا ... هذا هو واقع مجتمعنا اليوم، لذلك ترون المشاكل والمصائب، كل واحد يحارب الثاني ويسقط الثاني ولا ندري بالآتي من الايام وما هو المستقبل ـ الله يعلم ـ هنا مربط الفرس، هل نحن على درجة كافية للموارنة بين ما كان وما ينبغي في عالم الواقع من حولنا في كل تفريعاته أو أننا عاجزين؟ هل نحن ممن يعيش الزهراء الموقف والقضية والمرحلة؟ او لازلنا أسارى موروث تاريخي اتعبته الازمات والمصالح الشخصية، كل واحد منا مسؤول عن موقفه، اعتذر كثيرا عن الاطالة لكن احسست بان الجميع متفاعل فحاولت ان اسير بهذا الاتجاه، وفقنا الله واياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.