نص خطبة: محطات وتحولات في تاريخ الرسالة (4)
العبادة والعمل:
كان الحديث حول العقل وما له من أهمية، وانتهينا إلى أن الإنسان ليس من حقه أن يسلم عقله للآخر كي يفكر عنه، إنما عليه أن يمسك بمجامع عقله ليفكر لنفسه بنفسه، لأن العقل هو الحجة عليه يوم يقف بين يدي الله يوم القيامة، أما الذين يفكرون عنه فلن يقدِّموا أو يؤخروا عندما يقف ويُساءل عما قدم أو أخّر.
والدين الإسلامي عبارة عن منظومة تشريعية واحدة وثيقة الصلة والانتظام في بُعديها: العبادي، وهو باب واسع، والمعاملي، وهو باب أوسع وأشمل، فالدين المعاملة. حال أنه من الواضح أننا استغرقنا في الكثير من مراحلنا التي طويت منذ القرن الأول حتى عصرنا هذا في الجانب الأول على حساب الجانب الثاني، لذلك كنا مقودين لا قائدين في الكثير من المسارات والمساحات، وتابعين لا متبوعين، في كثير من المواطن.
فالمعاملة أمر مهم في حياة الأفراد والمجتمعات والأمم. ولا شك أن للجانب العبادي قيمته أيضاً في تحصين العمل، لذا ليس من المتعذر أن يوجد حالة من التوازن في التعاطي مع هذين المسارين، فمسار العبادة يؤمِّن لنا حدوداً، أما مجال العمل فينطلق بنا إلى آفاق بعيدة جداً، فإذا مازجنا بين المسارين وصلنا إلى الهدف، والحجة علينا في ذلك قوله تعالى: ﴿طَه ~ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقَى ~ إلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾([3])، أي أن العبادة تأسيس، وأن المعاملة هي الغاية.
هذه المقدمة المقتضبة تسوقنا صوب مساحات توقف عندها الكثير من أرباب الفكر في مسيرتنا، وهي لا تقل أهمية في وقتنا عما كانت عليه في وقتهم، فالمشكلة اليوم هي أننا أحياناً يراد لنا أن نقف متفرجين، وكأن الآية الشريفة التي استفتحت بها لا تعنينا من قريب ولا من بعيد، وهي قوله تعالى: ﴿ ومَا كَانَ المُؤْمِنُوْنَ لِيَنْفِرُوْا كَافَّةً﴾ إذ ليس بمقدور الناس أن ينفروا كافة، سواء أخذنا بحدود نزول الآية في باب الجهاد، كما هو مختار الكثير من المفسرين من العامة والخاصة، أو ألغينا الخصوصية في هذا الجانب، وعممناها على المساحات الأخرى، وجعلناها تخاطب جميع أولئك الذين نذروا أنفسهم ليغيروا الواقع، ولا تغيير إلا من خلال إعداد الآليات الموصلة إليه، وهذا يشمل طريق رجالات العلم وأرباب الفكر والأدب في حياة الأمة، الذين أنيطت بهم هذه المسؤولية، والسياسة اليوم شريكة أيضاً في ذلك، فلا يمكن للأمة أن تسوس نفسها بنفسها ما لم يكن هنالك سائس يسوسها.
السياسة في الإسلام:
ومن الغريب هنا أن أتعرض لسؤال مفاده أن مفردة (سياسة) لم تستخدم في كلام المعصومين (ع) والحال أنها مستخدمة كثيراً([4])، كما أننا لو جردنا حركة النبي (ص) من السياسة في تأسيس الرسالة، لقلنا: إن الإسلام فُرض بالسيف والقهر، وهذا ما يريد أعداء الدين أن يسوقوا الدين على أساسه، ليسهل ضربه، فنؤخذ أحياناً من حيث لا نشعر.
فالدين الإسلامي جاء في أفضل وأروع صور السياسة في اصطلاح اليوم. فعندما دخل النبي (ص) مثلاً إلى مكة فاتحاً، وقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء، فأعتق الرقاب، وحقن الدماء، وصان الأموال، فإنه عكس بذلك أروع الصور في السياسة. فلو لم يكن فاتحاً حكيماً يسوس الأمور حيث أرادها الله لبني البشر، فسيكون العكس تماماً، وهو ما نراه اليوم في صورة (الدواعش) الذين يدّعون الانتماء للإسلام أيضاً في الظاهر. فهم يريدون دولة إسلامية أيضاً، لكنها فاقدة لأبسط قواعد الحكمة والسياسة.
يقول المصلح الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: السياسة عين ديننا.
وهناك روايات كثيرة في هذا الجانب، لا أريد استغراق الوقت في استعراضها.
إن زرع حالة النفرة من هذه المفردة في ذهنية الأمة كانت للاستعباد والاسترقاق والإذلال في العصور الماضية، لذا فإننا نجد إلى اليوم، عندما تحضر مفردة السيد الإمام (قدس سره) تجد أولئك الذين في قلوبهم مرض، قد لا يبرز الكثير منهم ما في مكنون نفسه، لكنك تقرأها على صفحات الوجوه، وفلتات الألسن أحياناً. قال تعالى: ﴿وَإِذَا لَقُوْا الَّذِيْنَ آمَنُوْا قَالُوْا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِيْنِهِمْ قَالُوْا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُوْنَ﴾([5]).
إن هذا ليس مصداق رجل الدين الذي ينفر للتفقه في الدين، إنما هو المجرد من جميع ما يتعلق بكينونة رجل الدين الحقيقي، وعلماؤنا الذين نذروا أنفسهم، صحيح أن أعيانهم غابت عنا، ولكن حقائقهم، والجواهر التي صاغوها في ملف البشرية الطويل، تنقضي الليالي والأيام، ولا تصدأ أو يعتريها شيء من عدم البريق.
تشخيص الفكر الدخيل:
إن اليوم ليس كالأمس، فالفكر الضيق المحصور ولى عهده، وبدأ عصر الانفتاح، شئنا أم أبينا. فالبشرية من حولنا تتحرك، فيما يريد البعض لنا أن ننام، وأن لا ننفتح على شيء من حولنا مهما كان. ولو التفت من يريد ذلك، وسأل نفسه: لصالح من كل هذا؟ لأدرك خطورة الأمر.
فالحالة العامة اليوم حالة تغيير وتبدّل وتجدد، بل إن الجديد اليوم سوف يحتاج بعد سنوات إلى تجديد. وهذا أشبه بالماء، لأن الماء إذا ركد صار آسناً غير صالح للاستعمال.
فلا بد إذن من التجديد، وهو يعني المحافظة على الأصيل، مع تشخيص الدخيل، والإفادة من كل ما يمكن أن يُنتفع به منه.
ثم إننا نتعاطى مع الدخيل على عدة أنحاء وصور، فتارة نرفضه بالمطلق، وأخرى نقبله بالمطلق، وتارة نوفّق في التعامل معه بين ما هو مقبول وما هو مردود.
فالدخيل لا يمكن أن يرفض بالمطلق، وقد تقبله السلف الصالح قبلنا. فالمسار الفلسفي مثلاً دخيل على الفكر الإسلامي في الصدر الأول، وإلى عهد قريب كان بعض المراجع لا يجيز صرف الحقوق الشرعية لمن يدرس الفلسفة، أما اليوم فأصبح من لا يدرس الفلسفة يعدُّ ممن لا يتهجى المفردات الحقيقية للحوزة، وأصبحت الفلسفة عنصراً مهماً في تكوّن شخصية رجل الدين. بل إن إخفاقات الكثير من رجال الدين في التعامل مع الكثير من القضايا سببها عدم الدخول في ساحة الفلسفة.
ففي بعض الأزمنة كان البعض إذا أراد أن يمسك بكتاب منظومة السيد عبد الهادي السبزواري في الفلسفة، فإنه يمسكه بعباءته! وهي بدايات للمفاهيم الفلسفية، ومفتاح الدخول للأسفار وما بعدها. وقد اشترى أحدهم كتاب منظومة السبزواري، وأراد أن يدخله إلى منزل أحد رجال الدين، فقال له: جنبنا هذا الكتاب، لأنه لا يجلب لنا سوى الفقر والفاقة!.
وأما أن نقبل الدخيل بالمطلق فلا يمكن أيضاً، لأن الفلسفة مثلاً، إذا اندفع الإنسان وراءها بلا ضوابط، دون أستاذ مرشد، ممسك بجميع أصول الفلسفة، أمين على العقيدة، فسوف يكون عرضة للوقوع.
إننا نرى أن السيد القاضي الطبطبائي، لما شخص أن السيد الإمام ـ وهو أحد تلامذته ـ كان ذا خصوصية معينة، فتح له أبواب المعرفة، لذا نرى أنه وصل إلى ما وصل إليه.
فالسيد الإمام ليس معصوماً، إلا أنه امتلك الوعي السياسي والقراءة الثاقبة، ولم يقف في حدود فقاهة الرسالة العملية فقط، إنما تعدى ذلك إلى فقاهة قراءة المستقبل، وهو أمر مهم.
وكذا السيد المرجع اليوم (حفظه الله تعالى)، فعندما نقف على بعض مواقفه وقراراته نجد أن صناعة العقل عبر المسار الفلسفي لها أثر واضح وبين فيها، لذلك تجد أنه يختلف عمن تقدمه، ومن يعيش في زمنه، في نظرته الثاقبة، إذ يتدخل في الوقت المناسب، فلا يخبط خبط عشواء، ولا يدخل في صغائر الأمور. ومنشأ ذلك هو العقل المقنّن المحصّن.
التثبت والتحقق:
فلا بد إذن من تحقيق التوازن في التعاطي مع الدخيل، فلا يمكن أن نصدّر الأحكام جزافاً بالمطلق، أو نطلق الفتاوى، مع كل من يطرح قضية أو يستفهم عنها أو يقف عندها أو يشكك في موضوع، حتى أصبحت بعض الفتاوى لا تساوي شروى نقير، لأنها لم توضع في موضعها. فالفتوى إذا ما وضعت في موضعها أدخلت الإنسان الجنة. أما العكس من ذلك فإن صاحبها يُسأل عنها يوم القيامة، ولا يكفي في الجواب عنها قول فلان أو فلان، ولا حتى شهادة العدول.
ففي الحديث الشريف عن الإمام الكاظم (ع) أن أحد الأصحاب سأله قائلاً: «جعلت فداك، الرجل من إخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه، فأسأله عن ذلك فيُنكر ذلك، وقد أخبرني عنه قوم ثقات، فقال لي: يا محمد، كذِّبْ سمعَكَ وبصرك عن أخيك، فإنْ شهد عندك خمسون قَسَامَة، وقال لك قولاً فصدِّقْه وكذِّبْهم. لا تُذيعن عليه شيئاً تَشينه به، وتَهدم به مُروءته، فتكون من الذين قال الله في كتابه: ﴿إِنَّ الَّذِيْنَ يُحِبُّوْنَ أَنْ تَشِيْعَ الفَاحِشةُ في الَّذِيْنَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيْمٌ([6])﴾»([7]).
هذه هي مدرسة النبي (ص) وأهل البيت (ع) فهل أننا ننتهج نهجهم أو على العكس منه تماماً؟
إننا نلاحظ في الشريعة الإسلامية أن الحدود تُدرأ بالشبهات، فالله تعالى لم يضع الحدود ليتشفى بها من خلقه، إنما وضعت لحفظهم، لذلك ترى الكثير من القيود في مقدماتها، ولو أننا نخضع الحدود لمقدماتها فلا تكاد تجد حدّاً، إلا ما ندر.
وبالعودة إلى مجالس الكبار قبل خمسين عاماً، نرى أن صاحب المجلس، مع أنه ليس رجل دين، إلا أنه ينهض بالكثير من المسؤوليات، فتراه يصلح بين الناس، ويسد الفقر والفاقة، ويقوم بالكثير من أعمال البر.
معالجة الفكر الدخيل:
فالتعاطي مع الدخيل لا بد أن يخضع لموازنات في القبول أو الرفض، فلا نرضى مثلاً المساس بثوابتنا العقدية أو السلوكية. فثوابتنا لا بد أن تحفظ ولا تأخذنا فيها لومة لائم، ولا نراعي فيها قرابة ولا صداقة ولا علاقة ولا محبة مع أي كان، إذا أراد أن يمس تلك الثوابت، فنحن لا نصادر ديننا ولا نتاجر به. ولكن في الوقت نفسه لا بد أن نراعي حسن المعاملة، لأن الدين المعاملة.
فالزندقة والإلحاد من الفكر الدخيل، وفي زمن الإمام الصادق (ع) انتشرت هذه المسالك، ولم يكن (ع) يغلق بابه في وجوههم، إنما كان يستقبلهم برحابة صدر، ويتبسط لهم في الكلام.
وكذلك النبي (ص) من قبل، إذ كان يدخل عليه اليهودي، فيقوم له من مجلسه، ويبسط له رداءه ليجلس عليه، فيما يفترش هو التراب. هذه هي أخلاق النبي (ص) وسلوك أهل البيت (ع) ومدرسة القرآن الكريم، ونهج الإسلام.
ورد عن الرسول الأكرم (ص): «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا»([8]).
فلا بد إذن أن نتعامل مع الدخيل بهدوء وروية وتمعُّن، وعلى مسلك: إن قلتَ قلتُ، كما هو الحال في نهج الحوزة العلمية في النقض والإبرام. وهذا هو شأن الحراك الفكري، بأن تقول وأقول، لا أنك تسلّم لما أقول، فليس هناك من يمتلك الحقيقة المطلقة إلا أصحاب الحقيقة المطلقة، أما نحن فنسير على حسابات ظنية في الكثير من قضايانا.
فعلينا في المرحلة الثانية أن نبعد النشء عن حالة الكراهية للتدين، فهذا الأسلوب الذي نراه اليوم بشكل واضح في برامج التواصل وغيرها، يزرع حالة من كراهية الشباب المتفتح للتدين في وسط الأمة؛ لأنهم يرون المتدينين إقصائيين، يريدون التفرد واستعباد الآخرين. في حين أنه لا إقصاء ولا استعباد ولا إبعاد، إنما هي محبة دائمة وسلام.
إن التواصل على هذه الأسس هو الأصل، وهذا أفضل من الحكم بالأحكام العشوائية، كالتكفير والتضليل والزندقة. وبذلك نعيش العدل والإنصاف. فدين الإسلام هو دين محبة لا كراهية، ووئام لا عداوة، واجتماع لا فرقة، وهذا أحد أعمدة وأركان الإسلام، فالإسلام لا يقف في حدود الصلاة والصيام والعبادات.
إننا نحضر مجالس الوعظ والتعازي بشكل مكثف، ولكن ما هي الحصيلة التي خرجنا بها على صعيد التعامل مع بعضنا؟ وهل انعكس ذلك على سلوكنا ومعاملاتنا؟
لا شك أن مجالس الوعظ والتعازي وحضور المناسبات أمر مطلوب، ويا ليت مجالس الوعظ والإرشاد تملأ الطرقات، إلا أن الأهم أن تكون لدينا برمجة تجعلنا نرتبط بالهدف الذي نريد بلوغه، كي لا يضيع الجيل من أيدينا، فالمرحلة القادمة أكثر خطورة، ولا بد أن نعدّ لها العدة كما ينبغي.
ولا بد أن نعرف هنا أن المجتمع لم ينقسم اليوم، وليس الانقسام طارئاً جديداً عليه، فهو منقسم منذ أن أغمض رسول الله (ص) عينيه. والانقسام لا يولد إلا الانقسام، حتى وصل الأمر إلى ما وصل إليه.
فقد كان الانقسام في المجتمع منذ سابق الأيام، وقد وصل بعضه إلى المحاكم، ولا نريد أن نستعرض الشواهد، مما حصل في الجيل الذي تقدمنا.
صحيح أن الأمور تفاقمت في السنين الأخيرة، والمسؤول عنها أطراف متعددة، ومنها رجل الدين الذي لا يتحلى بالقدر الكافي من المسؤولية، والذي يأمن المحاسبة والمتابعة.
وقفة مع مدرسة العقل:
لقد انقسمت المدرسة العقلية على نفسها أيضاً، فكانت مدرسة الفلاسفة المسلمين، ومدرسة الاعتزال، وغيرهما من المدارس، وظهرت بذور الانحراف الفكري في صفوف المسلمين، وكانت الدولة العباسية تضخ الكثير من الأموال في سبيل الفرقة، لا حبّاً بالعلماء ولا بالعلم والمعرفة، باستثناء المأمون الذي كان مثقفاً نوعاً ما في اصطلاحنا اليوم.
وبحمد الله تعالى كانت بذور الانحراف الفكري متزامنة مع عصر الإمام الصادق (ع) صاحب النفس الكبيرة، والعلم الجمّ، والفترة الزمنية المناسبة إلى حدٍّ ما، والموقع الذي انتقل إليه من المدينة المنورة، وهو الكوفة، التي كانت عقول الكثير من رجال العلم فيها متنورة، حيث تردد على الإمام الصادق (ع) منهم بضعة آلاف، وهؤلاء ليسوا جميعاً في مستوى واحد، وإلا فإن أصحاب الإمام الصادق (ع) ليسوا بهذا العدد. لذا نجد أن معارف أهل البيت (ع) أبحرت على يد الإمام الصادق (ع).
إن الحوزة العلمية هي الامتداد الطبيعي لعلوم أهل البيت، والإمام الصادق (ع) هو الذي فرّع الحوزة ومنحها تلك المساحات الواسعة جداً.
وبعد الإمام الصادق (ع) أدام الإمام الرضا (ع) الزخم، وكذلك الإمام الكاظم (ع) فرغم أنه قضى أربع عشرة سنة في السجون، وهو أكثر أئمة أهل البيت (ع) مظلومية في هذا الجانب، إلا أنه عرف بفقيه آل محمد، لكثرة الروايات التي فرّعها.
لقد كان علي بن جعفر، أخو الإمام الكاظم (ع) قريباً من أخيه الإمام، وكان يسأله كثيراً، وقد روى عنه كماً كبيراً من الروايات.
مدرسة الحديث:
أما مدرسة الحديث عند العامة فهي مدرسة واضحة المعالم، وتسمى عندنا بالمدرسة الإخبارية، وهم يتعبدون بالنص. وقد أشرت قبل أربع سنوات تقريباً، إلى الفوارق بين المدرستين الإخبارية والأصولية، ووعدت أن أسلط الضوء عليها، لكنني أرى أنها تحتاج إلى خطبة كاملة، لأنها ليست بالأمر الهين، فهي وإن طويت صفحتها في القرن الحادي عشر، إلا أننا لا زلنا ندفع الضرائب حتى يومنا هذا. وقد دفعت الأحساء بالذات الكثير من الضرائب بسبب معطيات تلك المدرسة.
فالمدرسة النقلية تعتمد أصحاب الحديث ممن نقلوا الروايات، فتجد فيها مثل البخاري صاحب الصحيح، الذي يروي في صحيحه ما يقرب من أربعة آلاف حديث، ولا يروي عن الإمام الصادق (ع) حديثاً واحداً.
وقد ولّد هذا المسار الخوارج في وسط الأمة، وأول من ذهب ضحية الخوارج هو المولى علي (ع) الذي قتل بسيفهم. والغريب أنك تجد في كتب التاريخ من يترضى على عبد الرحمن بن ملجم. يقول عمران بن حطان:
يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوماً فأحسبه أوفى البرية عند الله ميزانا
وكذلك جيء بالمرجئة، الذين زرعهم الأمويون في جسد الأمة، ولا زالوا ينفثون سمومهم حتى يومنا هذا.
نسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.