نص خطبة:متدينون لصوص يتحايلون على الناس في أسمائهم وبطائقهم المدنية

نص خطبة:متدينون لصوص يتحايلون على الناس في أسمائهم وبطائقهم المدنية

عدد الزوار: 1193

2011-11-15

الإنسان بما هو إنسان، اجتماعيٌّ بطبعه، يألف ويؤلف، إلا من شذ به المسار. لكنه مع ما يحمل بين جنباته وفي كينونته من هذه الخاصية ذات القيمة العالية، إلا أنه من غير الصحيح أن يُترك ومعطياتها، لأن الطبيعة والسجية تخضع لناموس الشدة والضعف، بل ربما تُحكَم في بعض الأحيان بمسار الإفراط والتفريط، لذلك كانت حاجة الإنسان ماسة إلى دستور يقنن له التعاطي مع هذه القيمة العالية ألا وهي محبة الألفة.

ومن هنا جاءت السماء لتضع يدها على مفرق طرق، لتغرس القوانين والدساتير، رغبة منها أن لا يذهب هذا الإنسان بعيداً وراء معطيات هذه القيمة. لذلك أرسلت السماء الأنبياء والرسل، وعلى رأسهم النبي الأعظم محمد (ص) من أجل ضبط الوضع العام، والأخذ بالإنسان إلى السعادة الكبرى التي يرنو لها البشر الذين يسيرون على نهج الاستقامة.

والحج من الشعائر التي لها نصيب كبير في تأمين هذا البعد، فهو من أهم الفرائض وأكثرها مساساً والتصاقاً بالواقع الاجتماعي الإنساني، لأنه المؤتمر الأكبر الذي يجتمع فيه الأبيض والأسود، والغني والفقير، وما إلى ذلك من التقسيمات والأحدوثات التي أحدثتها البشرية فيما بينها، وهي في الكثير من الأحايين، لم يُنزل الله بها من سلطان. لذلك يجرَّد الإنسان من كل صفات التمييز المكتسبة، سواء كانت بحق، أم عن غير حق، فلا العسكري في أعلى مراتبه يستطيع أن يستصحب هذا العنوان معه بعد حدود الميقات عندما يحرم ويلبي، حيث ينتهي كل شيء، ويصبح اللواء في الجيش كالجندي المكلف، وأستاذ الجامعة كالطالب الذي يتحرك بين يديه، ورجل الدين، وإن اتصف بواحد من الأسماء والعناوين الحوزوية الكبرى، إلا أنه في النهاية على صعيد واحد، من حيث اللباس والرؤية التي يفترض أن يعنو الإنسان إليها.

في الحديث الشريف عن الإمام الباقر (ع): «بني الإسلام على خمس، على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية»([1]).

والحج من التشريعات الثابتة قبل الإسلام، قال تعالى: ﴿إنَّ أوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ للنَّاسِ لَلَّذي بِبَكةَ مُبارَكَاً وهُدَىً للعَالَمِيْن ~ فيهِ آياتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إبراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً([2]). فالحج إذن، فيما يعني الموقع والزمان والنسك، كان متقدماً على هذا التشريع الأقدس الذي جاء به نبي الإنسانية الأعظم محمد (ص).

والآية الشريفة المذكورة ترسم معالم الحجر الأساس لهذا النسك العظيم، ثم تقدمت البشرية وغابت معالم البيت وقيض الله شيخ الأنبياء إبراهيم أن يقوم بمسؤولية كبرى وهي إزاحة التراب عما طمس من قواعد وعلامات مدللة على أول بيت على وجه الأرض.

يقول تعالى: ﴿وإِذْ يَرْفَعُ إبراهيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وإِسْمَاعِيْلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أنتَ السَّمِيْعُ العَليم([3]).

ثم جاء دور التقنين العبادي، فنحن عندما نقرأ ما كُتب عن طور العبادة قبل الإسلام، نجد أن النصوص التاريخية لا تُقدم لنا وصفاً كافياً ومقنعاً عمّا كان يتعاطاه الأقوام والأمم المتقدمة، سواء في تبعيتهم الدينية، أم ما رسموه من طقوس فيما بينهم.

والقرآن الكريم يقدم لنا وصفاً لحركة التشريع في مهده الأول فيقول: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا البيتَ مَثابةً للنَّاسِ وَأَمْنَاً واتَّخِذُوْا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيْمَ مُصَلَّى([4]). وهنا بدأت النقلة الكبرى في التشريع، فيما هو المزاوجة بين الصلاة في معطيات مفردتها البكر، والطقس المعلوم، ألا وهو الحج، الذي اختلفت فيه طرق القبائل والأقوام فيما تقدم التشريع.

ثم يقول تعالى: ﴿وَعَهِدْنَا إلى إبراهيمَ وإسماعيلَ أنْ طَهِّرَا بَيتيَ للطَّائِفِيْنَ والعَاكِفِيْنَ والرُّكَّعِ السُّجُود([5]).  وهذه الصورة من العبادة كانت تتماشى مع ما كان قبل الإسلام، في من يتعبد وفق الحنفية الكبرى التي جاء بها إبراهيم (ع) شيخ الأنبياء والرسل، ما خلا نبينا محمد (ص) لأنه شيخ الجميع.

ولم يُدِرِ الإسلام ظهره لما تقدم، وهذه واحدة من خصائص الدين الإسلامي، أنه يجعل في ما تقدم أشبه ما يكون بالإعداد المبكر لما يراد أن يملى على آحاد الأمة، لذلك يتأتّى للنبي الأعظم (ص) ويتحصل بين يديه مجموعة من الأمور، فلم يُسقط هذا الدين ما كانوا عليه بالمطلق، وهذه الخاصية لا تجد لها عيناً ولا أثراً في تشريع سماوي متقدم، ولا وضعي متأخر، وإنما هو حصر على هذا الدين الحنيف.

كما أن هذا الدين يختصر المسافة الزمانية، ويقلل من أعباء التكاليف، وفي هذا ما يستوجب إطالة النظر في الأفعال والأقوال الصادرة عن النبي (ص) سواء في مقام التشريع أم في المساحات الأبعد من ذلك. لذلك نجد أن ما من قول أو فعل صدر عنه، إلا وهو في دائرة السماء، ومن هنا يفترض أن يكون التعامل مع ما وصل عنه من موروث بطرق معتبرة على أساس من هذه القاعدة.

ويقول القرآن الكريم: ﴿وللهِ عَلى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيْلاً وَمَنْ كَفَرَ فإنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِيْن([6]). فهناك مقدمة تتبعها نتيجة، وهذا شأن جميع التنظيرات التي يقوم بها المنظِّرون، غاية ما في الأمر أن هنا وحياً إلهياً وضابطة عاصمة، وما تجاوز هذه المساحة لا يتمتع بهذه الخاصية، لذلك من الظلم الفاحش أن نحاول المقايسة أو المقاربة بين التنظيرات البشرية المجردة والمفصولة عن المدد الإلهي، وبين ما جاء به الأنبياء والرسل، وعلى رأسهم النبي الأعظم محمد وآل محمد (ص).

ومن هذا النص القرآني نستظهر خطورة التهاون في التعاطي مع هذه الفريضة ومحاولة التخلص منها وعدم الوفاء بها، وإن كان الأمر ينبسط على سائر التشريعات والتكاليف، إلا أننا نجد أن مجموعة من النصوص الواصلة إلينا تؤكد أهمية هذا الفرض، والسر في ذلك ما ابتدأنا به أولاً، وهو كون الإنسان اجتماعياً بطبعه، والمشرِّع إذا ما ابتعد عن واقع الأمة لا يستطيع أن يثبت مفهوماً في أوساطها، ناهيك أن يتحصل على مصداق خارجي.

وفي السنة المطهرة عنهم (ع) ما جاء من وصية النبي الأعظم (ص) لعلي (ع) كما يرويها الحر العاملي (قده) صاحب الوسائل بالنص التالي: «يا علي، كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشرة([7]) القَتَّات والساحر والديوث ... ومن وجد سعة فمات ولم يحج»([8]). أي أنه كان بمقدوره أن يقوم بأداء النسك، لكنه لم يتحرك في سبيل تحصيله. وعلى هذا يمكن أن نجرّ المشهد إلى مواقع أخرى تحمل عنوان التشريع، لتجد كم للأمة من إخفاقة وإخفاقة!.

والغاية من ذلك، بعد هذا التشديد والنكير من القرآن الكريم بقوله: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِيْنَ﴾ هو ما يبينه النص القرآني أيضاً، مخاطباً النبي (ص) بقوله: ﴿وأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوْكَ رِجَالَاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِيْنَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيْقٍ ~ لِيَشْهَدُوْا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوْا اسْمَ اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوْمَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيْمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوْا البَائِسَ الفَقِيْر([9]). هذه هي الغاية المرجوة من الحج، والمنافع من الكثرة بمكان بحيث يتعذر على الإنسان أن يستقصيها ولو على نحو الفهرسة، لكثرتها وتزاحمها من جهة، والتداخل فيما بينها أحياناً، سواء في المفهوم أم في المصداق.

فقسم من تلك المنافع دنيوي، والقسم الآخر أخروي، وهناك أسرار وحكم، وصفاء روحي وأدب اجتماع، وتبادل اقتصادي وتلاقح فكري، وأشياء أخرى يطول سردها.

ويقول تعالى في هذا الباب أيضاً: ﴿الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوْمَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيْهِنَّ الحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الحَجِّ([10]). فإن كانت هذه الدعوة هي الدعوة المباشرة من السماء إلى آحاد البشر على وجه الأرض، فهل ثمة ما يساعد على تحصيل هذه الموارد، أو يتعذر على الإنسان أن يتحصل على الأسباب الموصلة إلى تلك الموارد، المفضية في النهاية إلى النتائج المذكورة التي عبر عنها القرآن الكريم بالمنافع؟

وهنا ملاحظات ووقفات لا بد منها، لأننا إذا لم يعش الواحد منا الصراحة مع نفسه ومع الطرف المقابل، فلا يمكن أن نصل إلى نتيجة، ناهيك أن نتقدم إلى الأمام.

فمن الأمور المساعدة على تحصيل هذه المنافع الكبرى، الوصول إلى تلك البقاع المشرَّفة، وهذا يستدعي إعداد العدة، وهو لا يتأتى بفعل الفرد، إنما لا بد من حركة الجماعة، لكي يتسنى لهم شرف الوصول والقيام بعهدة التكليف.

والناس فيما بينهم أصحاب طرق وأذواق وهوايات ورغبات وطموح، وقد خلقهم الله تعالى أطواراً كما يقول في كتابه العزيز، فلكل إنسان طوره الذي يتحرك وفقاً لمعطياته.

لقد كان الحج في بداياته أمراً سهلاً يتأتّى للفرد أن يقوم بجميع طقوسه، دون الحاجة لمساعدة الآخرين، خصوصاً لمن يعيش في مكة، فيكون الحج في أطرافه القريبة، ولكن الكلام في الذين تبعد عليهم الشقة في الوصول، فكلما ازداد الإنسان بعداً، كلما تعسر الطريق عليه، خصوصاً في الأزمنة المتصرمة، أما اليوم فقد ذللت بعض الصعاب، وبقي منها الكثير.

وقد انبرى مجموعة من المسلمين أيضاً للقيام بأعباء تلك الصعاب، ليختصروا المسافة على الناس، ويقدموا الخدمة قدر المستطاع. وقد عُنونت هذه الحالة بعدة عناوين، إلا أن العنوان الذي يفرض وجوده دائماً، خصوصاً في هذه الأزمنة، ما يسمى بـ (الحملة) وهي المجموعة، التي يملكها شخص ما يدعى (الحملة دار) وربما يتشكلون اليوم من عدة أفراد، لا من شخص واحد، فيعبر عنها بالجمعيات، وتكون أحياناً خيرية في أيامها الأولى، وعندما تصل (سن البلوغ) وتظهر عليها علاماته، تأخذ منحى آخر، فيتغير العنوان، إذ تتحول الخيرية إلى (تجارية)، ولا تسأل عن السبب.

عندما سئل أحد أرباب الفكر الغربي: ما هو السبيل للتغلغل بين صفوف المسلمين؟ قال: الإنسان بطبعه ينحني أمام موردين: المال والمرأة، فإذا ما أردتم ذلك، فما عليكم إلا أن تحركوا أحد هذين الملفين، أو كليهما، ليعطيا دفعاً وزخماً أكبر للوصول إلى الهدف والغاية.

فهناك سباق محموم في ميدان المال، الذي تعددت طرقه، وتكثرت الحيل فيه، وميدان المرأة، التي ربما خسرت في بعض المناطق الكثير الكثير من الأرقام التي اكتسبتها منذ صدر الإسلام الأول حتى زمن قريب، وهذا لا يعني أن الأمة ليس بين جنباتها النساء اللائي جعلن الزهراء والحوراء قدوة لهن، فهن كثر في أوساطها ولله الحمد، وبهن نقرأ هذا الجيل، وهذا المجتمع، وما أكثر المجتمعات التي تربّت ضمن حدود هذا الحضن الطاهر، وعلى أساس من اكتساب الملكات العليا من خلال نورانية تلك القدوة.

إن (الحملة دار) يفترض أن يتمتع بصفات كثيرة، أهمها:

1 ـ الالتزام الديني: فهو صمام الأمان في المعاملة بين الطرفين. والحملة دار قد لا يكون ملتزماً دينياً، ولا أعني بذلك أنه لا يصلي ولا يصوم ولا يحرم مع من أحرم من الحجاج، وإنما أعني أنه عندما يتخلف أو يقصر بالقيام بواحدة من المسؤوليات المناطة به، فهو يعني عدم الالتزام الديني. فلا يلزم أن يكون إماماً لجماعة، أو قاضياً في محكمة، أو شاهداً في هلال، ولكن حتى هذه الحركة التي يراد لها أن تفضي إلى نتيجة، يفترض أن يكون فيها على درجة من الالتزام والتدين.

ففي الزمن السابق يمدح الرجال بالقول: فلان صاحب كلمته، أو أنه رجل عند كلمته، والسبب في ذلك أنه متدين.

2 ـ الوعي بحدود المسؤولية الملقاة على عاتقه، فلا بد أن يدرك ما يريد من الحاج، وما يريد منه الحاج. كما عليه أن يدرك أن حياتنا اليوم ليست حياة الأمس، فنحن اليوم ضمن منظومة كاملة، لها قوانينها وتشريعاتها التي تكفل الحق للمجموع، لا للأفراد بما هم أفراد. فالإخلال بواحد من مكونات تلك المنظومة يعني التفريط في مصالح من وُضعت منظومة القوانين من أجله، وقد يكون (الحملة دار) أول من يضرب مسماراً في هذا الاتجاه من أجل التثبيت، وربما يكون أول من يحدث ثقباً في ظهر السفينة، ويودي بنفسه ومن معه وبالمجموع أيضاً.

3 ـ والأمر الثالث وهو المهم جداً هو: وضوح البرنامج للحملة عند عموم الحجاج. فكلنا يعلم أن في هذه السنة حصلت مجموعة من الأخطاء، ودفع ضريبتها أولاً وبالذات الحاجّ، وقد تكلمت في الأسبوع الماضي عن الحجاج، وأشرت إلى عدم درك الحاج للقانون، أوصله إلى ما وصل إليه، أما اليوم فالكلام مع أصحاب الحملات.

وهنا أحذر من الحملات (الطفيلية) ذات البعد المادي الصرف، التي تأخذ ولا تفي، وتجعل من الكذب مطية لها للوصول إلى أهدافها المادية. فالصور التي نقلها بعض الحجاج الذين تم إرجاعهم، تكشف لنا فداحة الخطب، وسوء تصرف (الحملة دار)، وتخليه عن القيام بالمسؤوليات المناطة به.

ومن الشواهد على ذلك، أن أحد الحجاج الذين تم إرجاعهم، جاءني إلى المكتب، فقلت له بصراحة: إن القانون لا يخدم المغفلين. يقول هذا الحاج: كانت معي أمٌّ كفيفة البصر، وقد تم إرجاعنا معاً.

أقول: من حق الدولة أن تُرجع من لا يمتلك تصريحاً، وعلينا أن لا نتعالى على القانون، فلم يوضع هذا القانون إلا جراء خبرات أوصلت إلى هذه النتيجة، ليكفلوا لكل ذي حق حقه. فهناك الملايين من المسلمين قد يموتون ولا يتسنى لهم الوصول، لعدم الإمكانية، بينما نصرّ نحن على المزاحمة، ولا أعني بذلك فئة أو طائفة معينة ولا مدينة، إنما أعني كل من شُرِّف أن يكون من أبناء هذا البلد، بلد الوحي والمسجدين والنبي الأعظم (ص)، فعليه أن يقيّم هذه القيمة، وعليه أن يعيش شعوراً بما يتقضى من حسرات في نفوس إخوة له مسلمين خارج حدود هذا البلد.

يقول هذا الأخ الحاج: كانت لي أم كفيفة البصر، منعنا وإياها من الذهاب، وبعد أخذ وعطاء حصلت عملية الإرجاع، ووصلنا إلى محطة البنزين ونزلنا عندها، فقالت الأم: هل وصلنا إلى الحرم؟!

ويقول هذا الحاج أيضاً: إنه لم يذهب للحج منذ ست سنوات، وهو يستحق التصريح، وأن أمه لم تذهب مطلقاً، ومن حقها التصريح أيضاً. فقلت له: لماذا لم يقم (الحملة دار) بمتابعة إصدار التصريح؟ فقال: تعهد لي (الحملة دار) بذلك، وطلب إلي أن آتيه في اليوم التالي، أو ما بعده، وهكذا راح يماطل ويسوّف حتى وقع الفأس في الرأس.

وهناك رجل آخر، وهو عسكري، ونحن نعرف أن وضع العسكري صعب جداً، فلا يُمنح عطلة حج إلا أن يكون التصريح بيده، إلا أن (الحملة دار) لم يسعَ في إصدار التصريح له. وبذلك سوف يتحمل هذا العسكري تبعات ما يحصل، بسبب الذهاب المفترض للحج، الذي لم يتحقق خارجاً، ولا يوجد ما يدلل بصفة رسمية على حصوله.

إن (الحملة داريّة) بشر في نهاية الأمر، وعلى هذا فإن (الحملة دار) يعذر في مساحات معينة، ولا يعذر في الكثير منها. وقد جعلت الشرط الأول فيه أن يكون متديناً.

تصوروا أن أحد أصحاب الحملات جاءه بعض الحجاج الذين عادوا للبلاد، فطلبوا منه إرجاع المبلغ، والمصالحة على ما تم إنفاقه إلى لمدينة، فقال لهم: تخيروا بين أمرين، إما أن تصبروا للسنة القادمة فأتعهد بنقلكم للحج، أو أنني لا أعطيكم شيئاً.

وتزداد الأمور سوءاً وتعقيداً لمن يتحفظ على الأخذ والملاحظة على رجال الدين، أن من هؤلاء من يتصف بهذا العنوان، وينتسبون إلى الحوزة العلمية بحق أو باطل. ومن الطبيعي أننا لا نرضى أن يقال: هذا من فعل رجال الدين، ولكن حان الوقت الذي نقول فيه: فلان أو فلان، فنعين ونخصص، كي لا يؤخذ البريء بالمسيء، وكي يحذر الناس من هؤلاء. فليس كل من لبس العمامة أو تصدى للصلاة صار من رجال الدين، فصلاة الجماعة تصح وراء كل عادل من المؤمنين يوثق بعدالته، ولا علاقة لها برجل الدين أو غيره. فصلاة الجماعة وراء فلان أو فلان لا تقدم ولا تؤخر، فهناك من يتقاعد عن عمل في شركة معينة، فيتزيّا بزي الدين، وربما يدخل الحوزة يوماً أو يومين، والحوزة مشرعة الأبواب والحمد لله تعالى.

هذا من جهة (الحملة دار)، وهناك جهة أخرى وهي الإرشاد الديني في حملات الحج، وهؤلاء في بعض الأحيان لا يقلون سوءاً عن (الحملة دار) السيئ([11])، فالإرشاد الديني لا يعني بيان الحكم الشرعي فقط، إنما يفترض بالمرشد الديني أن يتمتع بصفات، أبرزها بيان الأحكام الشرعية على حد الانضباط، وهذا ما لا يتمتع به جماعة من المرشدين، بل إن في بعض الحملات أحياناً قد يكون هناك عشرون أو أكثر من رجال الدين، لكنهم بلا حراك ولا نشاط، فالحج لا يقبل القسمة على اثنين، فإن حصل الخطأ انهدم كل شيء، وقد لا ينفع الترقيع.

فمن الأخطاء الكبيرة مثلاً، كيفية مواجهة هذا المستجد، وهو أن هؤلاء صُدّوا عن الحج، فما هو تكليفهم؟ هل ينحرون أو يقصرون أو يحلون إحرامهم؟ 

إن الذي حصل أن مجموعة كبيرة من الذين صُدُّوا، وإلى يوم أمس، لم يحلوا من إحرامهم، رجالاً ونساءً، وقد تنقلوا في مجموعة من محرمات الإحرام، فهل هذا من مسؤولية الحملة دار؟ وإن كان بعضهم أيضاً يحشر أنفه في كل شيء.

فلمَ لا يقوم رجل الدين بتكليفه الشرعي؟

إن عدم النزول للميدان العملي في الحملة يترك المساحة كبيرة أمام (الطفيلي) الذي لم يمسك بعدُ بأسباب العلم، ولم يضع يده على الأحكام الشرعية كما ينبغي. وها نحن اليوم نرى الكثير من المفردات في هذا الشأن، وقد كررتُ أكثر من مرة، أن أحدهم يُسأل عن الحكم فيجيب، ثم يفتح الرسالة العملية فيقول: الحمد لله الذي جعل رأي السيد الخوئي موافقاً لرأيي!

4 ـ مراقبة مجريات الحملة: فالمال والنساء سبيل الانحراف في الأمة.

يقول أحدهم: عندما تسأل البعض مسألةً ما، أو تريد مناقشته، فإنه يتهرب منك، أما عندما تسأله امرأة ناعمة الصوت، فكأنه على سفح جبل (قاسيون). وأنا هنا لا أريد أن أجرح أحداً ما، إنما أريد أن أصلح العيوب التي بانت وظهرت.

خذ هذا المثال شاهداً على سوء التصرف في المال: لو ضربنا ثلاثمئة حاج في ثمانية آلاف ريال من كل حاج، لكان المجموع الكلي مليونين وأربعمئة ألف ريال، وإيجار السكن لثلاثمئة حاج في منى يكلف أربعمئة ألف ريال، إلا أن البعض يكون (لصاً) من نوع آخر، فهو لص ذكي داهية (متديّن، يقيم الليل في الحرم، ويصلي صلاة الليل في الحرم)، فيقول لهؤلاء الحجاج: إن العبادة مستحبة، فلا داعي للسكن في منى، وبذلك يجعلهم يتعبّدون في الحرم ليلتين، يكابدون تعباً على تعب، بحيث يمتعضون من العبادة، في سبيل أن يضع أجرة السكن، وهي أربعمئة ألف، في جيبه.

فيا أيها الحاج المغفل، الذي تؤخذ من حيث تشعر أو لا تشعر، إن هذا العمل لم يكن قربة إلى الله تعالى، ولا رغبة في استظهار العبادة، ولا انصهاراً في معطياتها، وإنما هو سبيل لاستخلاص مجموعة من النقود من جيبك، وإلباسها لباس الدين.

وهذا ما لا يريد لنا البعض أن نقوله.

وربما هناك من هو مريض النفس فيقول: السبب في هذا الكلام، أن (أبا عدنان) لا يذهب إلى الحج. أقول: كنت أذهب للحج، ولو أردت الذهاب لما سبقني غيري، والبعض يعلم، أننا في الوقت الذي لم يكن غيرنا يستطيع أن يخرج بمئة وعشرين حاجاً، كنا نخرج بمئتين وخمسين حاجاً.

أما التلاعب بالتصاريح فحدّث ولا حرج، فهناك مئات الألوف من الريالات المستفادة منه. وكذا اللف والدوران في الأكل والسكن وغيرها.

ونحن هنا لا نلوم الأجهزة الخاصة في أن تضرب بيد من حديد على جميع الأشخاص الذين أوجدوا حالة من الإرباك، وهذا حق طبيعي يجب أن لا نمتعض منه.

 

ليلة الثلاثاء القادمة ذكرى البيعة للإمام علي (ع) وإن شاء سيكون حفلنا متناسباً مع المناسبة.

 

وهناك سؤال وردني من أحد الإخوة الذين لا أعرفهم شخصاً، يقول فيه: عهدنا وتعودنا من سماحتكم الصراحة، وعدم المجاملة، والصدع بكلمة الحق، ولكن ما رأيناه منكم في القيام من أعمال عرفة يوم العيد، إنما هي مجاملة على حساب الدين، فأرجو مراجعة النظر في هذه المسألة، لأننا لو سلمنا جدلاً جماعة السيد الخوئي كيف يصومون يوم الأثنين

ج:لا أدري كيف ربط السائل هذه بهذه، فلا علاقة بين الأمرين، لأننا قلنا إن جماعة السيد الخوئي لا بد لهم من الاحتياط، لأن الهلال ثابت بالنسبة لهم، أما نحن الذين نرجع للسيد المرجع أو السيد القائد أو مجموعة أخرى من المراجع لم يكن ثابتاً لدينا، فعملنا بتكليفنا في التأخير يوماً واحداً. فعلى الآخر أن يحتاط هو، لا أنني جاملته كما في كلام السائل الذي يبدو أنه قرأ المشهد مقلوباً، وفقني الله وإياه.

والحمد لله رب العالمين.