نص خطبة كربلاء ملحمة الخلود

نص خطبة كربلاء ملحمة الخلود

عدد الزوار: 599

2011-12-19

إن مدرسة أهل البيت (ع) تستدعي دفع الثمن غالياً، والضريبة عالية التكاليف، لا لشيءٍ سوى أنهم يبنون حياتهم، ويستشرفون آخرتهم، على أساس ما ورد عن محمد وآل محمد (ص) وكم ضُيِّق عليهم، وكم صودروا وهجروا وسجنوا وأريقت دماؤهم في سبيل أبسط البسيط، مما يدلل على روح الانتماء، لكنهم ثبتوا واستقروا واطمأنت أنفسهم.

كلنا يعلم أن حركة التغيير تلفّ جميع زوايا العالم، ولا استثناء في ذلك أبداً لموقع دون موقع، ولا لموطن دون آخر، حتى أوربا التي كانت إلى عهد قريب تتباهى بالإنجازات في مساراتها الفنية والأدبية والاقتصادية وحتى السياسية، بعد الحسم العسكري الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، باتت اليوم تعلن، ولو على ضرب من الخجل أنها باتت على مقربة من فتح الأبواب على مستقبل لا تعلم نتائجه.

كل ما في الأرض اليوم من تحرك هنا وهنا، إنما يحركه عامل الثروة، فأينما استقرت الثروة سُلط عليها الضوء، وتحركت الجحافل باتجاهها، ونُصبت البوصلة نحو محور الصفر فيها.

وهذه الحقيقة لم يعد يتنكر لها أحد ممن يسمع أو يقرأ أو يذهب إلى أبعد من ذلك قليلاً، فيما لو ترك لنفسه مساحة للتفكير والتأمل فيما يجري هنا أو هناك.

إنها الفوضى البشرية التي اختارها الإنسان لنفسه عندما انحرف بالمسار منذ اليوم الأول، عما نصّت عليه الآيات الشريفة وبينته الروايات الصادرة عنهم (ع) .

فالانحراف خطير، وما دُفع هو أقل القليل، وما سوف يُدفع هو أكثر وأكثر، ما لم تعِ الأمة دورها، وتلتف حول محورها، وتقرأ بدقة وعناية ما لها وما عليها.

هذه المتغيرات تجذبنا إلى واحدة من المساحات الثلاث من الفوضى:

1 ـ الفوضى العشوائية: ومع الأسف، فإن لأمة العرب النصيب الأوفر منها، حتى لو كان ظاهر المشهد يعطي شيئاً من التقدم والارتياح، إلا أنه ينطوي في داخله على الكثير من المخاطر، فالعشوائية لم تقُد في يوم من الأيام صورة من صور النجاح التام، وإن غلفت في حالة من حالاتها أو جانب من جوانبها بمثل ذلك.

2 ـ الفوضى الموجَّهة: وهذه لها أثرها المباشر أيضاً في خلخلة المجتمعات، سواء اتحدت على نفسها بمسمى أمة أو دولة، أو بقيت تعيش حالة من التفرق والتشرذم، وإن حملت صفة المجتمع على نحو الخصوصية.

وهذه الفوضى الموجَّهة ربما يحركها المال، كما يحصل في كثير من المواطن، وربما تكون السياسة هي المحرك الأول، ولكل منهما رغبات ومصالح، وربما تحركها أجهزة الاستخبارات الخاصة والعامة، المحلية والدولية في وسط الأمة، لكنها فوضى مفتعلة مختلقة تدار عن بعد، والناس يندفعون وراءها، ولكن يُعمَّى عليهم ما يراد بهم.

3 ـ الفوضى الخلاقة: التي استنتجها الفكر الغربي ليقدمها بضاعة لشعوب العالم الثالث أو النامي المغلوب على أمره، بما تحمل الكلمة من معنى.

وهذه الفوضى الخلّاقة هي التي تسوس المنطقة اليوم، فتُسقط أنظمةً، وتأتي ببديل، وإن كان البديل لا يحمل من حظوظ النجاح وتقديم الحلول للأمة ما فيه الكفاية.

وبغض النظر عن أن يكون الإنسان مع أو على أو بمرأى، لكن النتيجة ستتضح بعد حين، كما عاش من تقدمنا حالة الثورات التي جرت على أساس الانقلابات العسكرية وكان المشهد أسوأ نتائج. وإذا كان هؤلاء الذين يديرون مشهدنا اليوم في بعض المواقع التي حصل فيها التغيير، فإن ما يُستشرف هو الأسوأ وليس الأحسن، اللهم إلا أن تتدخل يد اللطف، فتلطف بجميع آحاد الأمة، ولا لطف في هذا الكون إلا ما تمثل بالخلف الهادي من آل محمد (عج).

هذا الواقع الذي يلفّنا يُحدث في المجتمع تكتلات تتعامل مع المشهد على أساس من واحدة من ست جهات، أي أن حال الأمة أمام الفوضى الخلاقة المنتجة في الظاهر، يتلخص في الشرائح والاتجاهات التالية:

1 ـ الشريحة الأولى: اختارت الانسجام التام مع الوافد بكل أبعاده، الأدبية والسلوكية وما يترتب عليه من إفرازات، من تنظيمات وأحزاب وتكتلات وتوجهات، وربما مذهبيات مستحدثة، قد يأتي البعض منها على أنقاض ما قد يكون بعض المذاهب يعيش أواخر أيامه فيها، لكن هؤلاء الجماعة قد يصطفون هذا الجانب لأنفسهم، وهو الانسجام مع الوافد بكل مفرداته.

2 ـ الشريحة الثانية: وهم من يحاولون اتباع الطرق الخاصة المفضية إلى اندكاك المجتمع فيها بكل مكوناته، وهذه المجموعة تختلف عن تلك التي تقدمتها، حيث إنهم يمتطون المقولة المشهورة (الغاية تبرر الوسيلة).

 3 ـ الشريحة الثالثة: قد تنتهج في التعامل مع ما هو موجود، الطرق الملتوية وغير المألوفة، من قبيل ارتكاب الجريمة المنظمة، وما من حركة حصلت في الآونة الأخيرة إلا وللأيادي القادرة على تحريك مشرط الاستئصال على نحو الجريمة المنظمة المخفية تارة والمعلنة تارة أخرى، نصيب واضح فيها.

4 ـ التمرد على الأنظمة القائمة: وبظني أن من الأفضل أن لا تَسأل الأنظمة من الشعوب: لماذا الحراك والتمرد والتظاهر؟ وفي بعض المواقع لماذا انتهاج أساليب أكثر حدة في التعامل مع الأنظمة؟ والأجدى بها والأجدر أن تسأل نفسها هي: لماذا يحصل هذا؟ إن الشعوب تختلف في حاجياتها ومتطلباتها ورغباتها وآمالها وتطلعاتها، وبقدر ما تحمل الأمة من التطلعات، بقدر ما تُعدُّ من آلية الحراك في سبيل الوصول إلى ما تتطلع إليه. وأعتقد أن من حق الشعوب جميعاً على وجه الأرض أن تنشد الأفضل.

وهنا علينا أن نوازن بين أمرين: الحق والمطلب، فالحق لا ينبغي أن يتوقف فيه أحد ممن بيده القرار في أن يقف مانعاً من وصوله لذي الحق، أما المطلب فهو الذي يبقى في دائرة النقاش فيما يصطدم بالمنفعة أو لا يصطدم.

فالقوميات في الدول المختلفة إنما عُبّر عنها بالقوميات، لأنها تعيش حالة من القيمومة المتقوّمة على أساس من مجموعة من النُّظُم التي تبانت عليها فيما بينها، كلون العبادة وطريقة النَّظْم في داخل القبيلة أو المنطقة، والانتماء المذهبي، وما إلى ذلك. وهناك مجموعة من الحقوق تلازم ذلك كله، وهي حقوق طبيعية لا تحتاج إلى عملية قيصرية، إنما لا بد أن تكون الولادة فيها طبيعية تماماً. فكما أن للمسلم الحق، فكذلك المسيحي، من حقه أن ينفرد بدور عبادته، وكما أن أبناء المذاهب من حقهم أن يأخذوا حالة من الارتياح والانفراد في التعاطي مع سلوكياتهم العبادية، كذلك من حق أتباع المذاهب الأخرى أن يأخذوا مساحتهم، بل يفترض في الأمة أن تغادر هذه المساحة من المطالبة بالمسجد أو الحسينية أو سور المقبرة، فهذه ليست (مطالب)، إنما هي (حقوق) طيبعية ولا تحتاج أن يسعى أحدنا في سبيل تحصيلها، أو أن ينحني على الأيادي، بل إن هذه الحقوق مكفولة حتى في الدول غير المسلمة، فمن باب أولى أن تكفل لمن في البلد المسلم.

فإذا تحصل المواطن (الأقلّي) على هذه الحقوق الطبيعية، فسوف يعيش حالة من الاستقرار، وينأى بنفسه عن مساحة الشد والجذب.

ولنأخذ مثالاً بسيطاً مما عشناه في هذه السنة، وسابقتها (1432) ففي العام الماضي كانت الشعائر الحسينية في مناطقنا يشوبها حالة من الشد والتوتر، وربما التوثب أيضاً من أكثر من طرف، على العكس من ذلك تماماً مما عليه الحال في هذه السنة.

ثم نسأل: ما الذي تغيّر في هذه السنة عن العام الماضي، عندما كانت القبضة فولاذية يصعب فكها، ثم فتحت في هذه السنة؟ بل ما الذي يقدمه لنا الحسين (ع) من خلال كربلاء؟ إنه لا يقدم لنا سوى الأدب، والسمو في الأخلاق، والمحبة، وهذا ما نسمعه ونقرؤه ونتلقاه ونربي عليه أنفسنا. بل الأكثر من ذلك نستطيع أن نقول: يفترض أن نسجد لله سجدة شكر طويلة جداً، في أن يبني المجتمع نفسه بنفسه على أساس من روافده التي يعيش فيها. وأما المطالب فتبقى في مساحة المشروع، مع الأخذ بنظر الاعتبار تقديم الأهم على المهم، وترتيب الأولويات بحسب الأهمية، ومع شديد الأسف، لا زلنا نعيش حالة من الخلط بين هذين المفهومين، الحق والمطلب.

فربما تكون الجماعة التي تشعر بحالة من الامتهان وضياع الحق، تشعر كذلك بدافع للتمرد، وربما يكون التمرد على أساس من البعد الثاني وهو غياب المطلب.

5 ـ الانطواء على النفس: وهذه الجماعة ليست وليدة اليوم، إنما هي منذ زمن الإمام علي (ع) حيث دفع علي وأتباعه الضريبة، وكذلك في زمن الإمام الحسن (ع) وأما في زمن الإمام الحسين (ع) فحدِّث ولا حرج. بل حتى المشهد الذي نعيشه في هذه العصور، قد يرى بعضنا يوماً ما أن هناك مبالغة في رسم معالمه المتعلقة بيوم الطف، ولكن هذه النقلة التقنية العالية، والتوظيف المهني أو غير المهني في الصراع المحموم، كشف لنا أن ما يمكن أن يقوم به الظالم، هو أكبر مما يمكن أن يتصوره الإنسان العادي.

فمثلاً، كان بعضهم يتعجب عندما يقف على هذا المشهد الحسيني في كربلاء، وهو أنّ الحسين (ع) خرج ذلك اليوم إلى القوم، يسألهم أن يسقوا طفله ماءً، وأن الكبار إذا كان لهم ذنب، فما ذنب الصغار؟ لكن السهم أسرع إلى نحر الرضيع قبل أن يبل شفتيه بشربة ماء. ولو أن المشهد وقف عند هذا الحد لقلنا: كفى، إلا أنه أخذ بعداً أكثر مأساويةً في مثل هذا اليوم، بناءً على الرواية التي ذكرت أن الإمام زين العابدين (ع) جاء إلى كربلاء ليواري القتلى، في حين أن بني أمية على كثرة من سقط منهم من الجيف في محاربة الحسين (ع) إلا أنهم لم يغادروا مسرح المعركة إلا وقد دفنوها. لكن الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه بقوا صرعى على الرمضاء دون غسل ولا دفن، فالمشهد مأساوي ودموي، وبظني أن ما يقوم به البعض من الظلمة في الأنظمة المعاصرة، إنما هو بمثابة استجداء للدروس من ذلك اليوم، فكلما تصوروا مشهد الطف هانت المشاهد أمامهم، وراحوا يرتكبون ما يرتكبون.

فمما فعله الإمام زين العابدين (ع) في ذلك اليوم، أنه قام بجمع أشلاء الحسين (ع) فالحسين (ع) لم يدفن كتلة واحدة، فضلاً عن الرأس الذي طافوا به في الأقطار، فقد قطع خنصره من أجل خاتم، بل قطعت يده كلها من الكف أو من الكتف على بعض الروايات، وهي التي حملها الإمام زين العابدين (ع) وألحقها بالجسد. وما عساك أن تتصور جسد قتيلٍ على الأرض، يُقلب على وجهه، ويذر التراب على ظهره، لتستقر حوافر الخيل عليه؟!

بل إن المشهد المأساوي لم ينته عند هذا الحد، فعندما دفن الإمام زين العابدين (ع) جسد الإمام الحسين (ع) وجسد ولده علي الأكبر، جاء ليبحث عن الطفل عبد الله الرضيع، وكانت زينب (ع) قد أخبرته أن الحسين (ع) دفنه بين الخيام، فأخرجه، ولكن بأية حال؟ لقد أخرجه مقطوع الرأس! فلم يكفهم السهم الذي حز وريده، إنما أخرجوه واحتزوا رأسه. والسبب في ذلك أن بعض القبائل أرادت أن تدخل مجلس ابن زياد، لتفتخر أنها قتلت هذا الطفل الرضيع!.

إن هذه المشاهد المأساوية هي ضريبة التفرج، وقد كانت مشاهد كربلاء تجري، وحالة التفرج هي سيدة الموقف.

6 ـ أما الجماعة السادسة فهي التي يتسلل إليها اليأس حتى تؤول بها الأمور إلى الانتحار لتتخلص من هذه الدنيا، وحالة الانتحار لها أسباب وصور كثيرة، وليس هناك مبرر شرعي لها أبداً، ومن قتل نفسه فهو إلى النار، كائناً من كان، لأنه لا ينتحر إلا بعد أن يتخلى عن ثوابت الإيمان، لكن حادث الانتحار قد يُسَيَّس ويُستغل من قبل جماعة أو حزب أو تنظيم أو دولة، ويجير لصالح هدف مرسوم له. وبالنتيجة إن أصل الانتحار تعبير عن حالة من اليأس والإحباط.

ومن الشواهد المعاصرة على ذلك، التونسي محمد بو عزيزي، الذي انتحر في أحد شوارع تونس، حيث نجد أن الحدث تعرض للتحليل، مع أنه حالة انتحار من الدرجة الأولى، وقد ثار هذا المنتحر في وجه نظام اقتصادي سيئ، من أجل لقمة العيش، ولم يكن في حسبان بو عزيزي أن ما قام به سوف يؤدي إلى الإطاحة بواحد من أعتى الأنظمة وأكثرها إجراماً في الوطن العربي. إلا أن هناك جماعة استطاعت أن توظف الحدث وتستفيد منه.

وقد يسأل سائل: هل أن المشهد التونسي اليوم أفضل مما كان عليه بالأمس؟

لا شك أنه سوف يُسوَّق البرلمان الحر، والانتخابات الحرة، وحكومة الشراكة الوطنية، وغيرها من العناوين، لذهنية المواطن العربي أو الشرق أوسطي أو حتى العالمي، لكن النتيجة واحدة، إن لم تكن أسوأ، وهذا لا يعني أن الإنسان لا ينشد الأفضل، بل من حق أي جماعة أو أمة أن تنشد الأفضل، إلا أن هذا هو الواقع.

لقد تحرك الإمام الحسين (ع) من أجل إيجاد حالة التغيير للرجوع إلى المحور، لأن الأمة اندفعت بعيداً، فأرادها أن تستقر من حيث الحركة على أساس من المحورية، التي دفع الضريبة الباهضة من أجلها، وهي الرجوع للكتاب والسنة، انطلاقاً من قوله (ص): «إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي». ففي كل زمن يفترق الكتاب عن العترة، وفي أي مجتمع تجد التجزئة بين الكتاب والعترة، عليك أن تنعى حالة تلك الأمة أو المجتمع. فلا يمكن أن نقرأ القرآن ونستنطقه ونسير بهديه ما لم نمسك بحجزة الثقل الآخر، وهذه حقيقة نبوية ثبتها الرسول الأعظم (ص) وأرادتها السماء للأمة، فالقرآن أصول وقواعد وكليات، والتفريع الذي يسوس حياة الإنسان بالمباشرة هو عبارة عن السنة الطاهرة المطهرة، ومن عسى أن يكون أميناً عليها إلا من نزل الوحي في بيته، وجاء النص بعصمته؟ وهو محصور في أهل بيت النبوة (ع).

لقد تقضت العشرة الأولى من المحرم، المصبوغة بالمأساة، ومن حقنا أن نلتقط أنفاسنا ونسأل: ما الذي أخذناه من عاشوراء؟ وما الذي تركه عاشوراء فينا؟ وما الذي نستشرفه في القادم من الأيام بناءً على الزاد الذي أخذناه من مأدبة الحسين بن علي (ع) ؟

إن مصباح الحسين يشع بأنواره، ولكن كم استهدينا به؟ وما هي المساحة التي أضأناها من خلاله في داخلنا وفي المجتمع من حولنا؟

وسفينة النجاة، وهي أكبر السفن، هل قطعنا التذكرة التي تسمح لنا بالركوب فيها، من خلال ما قُدِّم في عاشوراء؟

في الزمن السابق كانت عاشوراء لا تقرأ إلا باللغة العربية والفارسية والأوردو، لتمركُز الشيعة في هذه الأمم الثلاث، ولكن بحمد الله، شاء من شاء وأبى من أبى، فقد صار المشهد الحسيني والعاشورائي والكربلائي يدخل في بيوت جميع القوميات على وجه الأرض، فلأول مرة في هذه السنة يستمع تفاصيل المشهد الحسيني من يتكلم أغرب اللغات، فمن كان يتصور أن اللغة السواحلية التي ينطق بها الكثير من الأفارقة وأصحاب الحدود البحرية في المحيط الهندي إلى تخوم المحيط الأطلسي، تصدح بمقتل الحسين بكل تفاصيله؟

ومن ذا يستمع بأذن صاغية، ووعي كامل، لمقتل الإمام الحسين (ع) في كربلاء ثم لا يتأثر ولا يؤثر؟ اللهم إلا أن يكون حجراً.

فليس من لغة اليوم، من اللغات الحية المعروفة أو غير المعروفة، إلا وهي تعرض المشهد الحسيني، وتصدح بذكر عاشوراء، من الإنكليزية والألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانية والروسية والصينية واليابانية والسواحلية، وما إلى ذلك من اللغات، وهذا هو الفتح الكبير.

لقد أرادوا أن يطفئوا النور، وأن يحطموا المصباح، وأن يغرقوا السفينة، لكن الربان حكيم، بل إن الإمام الحسين (ع) سيد الحكماء. فعندما جاء بعنصر المرأة لتشارك في الطف، وجاء بالطفل والرجل الكبير الذي يرفع حاجبيه عن عينيه بعصابة، ثم يرسم تلك الملحمة، فإنه كان يدرك ما يحصل، ويستشرف المستقبل. وعندما يصر على حمل النساء بقوله: شاء الله أن يراهن سبايا، فهو يرى أنه سبي الكرامة، إذ لم يحدثنا التاريخ أن سبياً أحدث ثورة أقوى من مستوجبها، إلا ما حصل في ثورة الطف، وكانت زينب رائدة تلك الملحمة بعد الواقعة.

أسأل الله تعالى أن ينفعنا في عاشوراء، وأن يثبتنا على هديه، وأن يجعلنا متحابين على أساس منه. وقد قلت في أحد الأماكن: في يوم عاشوراء تمازجت دموعنا، واختلطت أيادينا، لكننا لا نريد أن يكون ذلك أمراً وقتياً آنياً، إنما نريده حياً باقياً في مسيرة حياتنا، كي نصل إلى نتيجة.

وفي الختام أود أن أذكّر أن ليلة الأحد القادم سيكون هناك خسوف كلي للقمر في مناطق كثيرة، وجزئي في مناطق أخرى، ولا بد من صلاة الآيات، وسيكون ذلك بعد صلاة المغرب والعشاء إن شاء الله تعالى، وأرجو أن يهتم الجميع بصلاة الآيات، لا سيما النساء، لأننا نلاحظ أن الكثير منهن يتسامحن بها، وهو ما نلاحظه من خلال الوصايا، فأكثر ما يرد في وصايا النساء قضاء صلاة الآيات، وهو مؤشر على التسامح في هذه الصلاة الواجبة.

نسأله تعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وأن يأخذ بأيدينا لما فيه الأفضل، وأن يحفظ لنا حالة الأمن والأمان والاستقرار، وأن يهبنا حالة من الانفتاح على بعضنا، ونحن اليوم بمسيس الحاجة أن ينفتح بعضنا على الآخر حتى في إطار أتباع مدرسة أهل البيت (ع). وعلى الآخر أيضاً أن ينفتح علينا، سواء كان بصفة المسؤولية أم غيرها.

والحمد لله رب العالمين.