نص خطبة:قواعد الانضباط في حوزة قم تُعري الدخيل عليها
«أوصيكما وجميع ولدي وأهلي، ومن بلغه كتابي، بتقوى الله ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإني سمعت جدكما (ص) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام»([2]).
الحديث عن حوزة قم المقدسة موصول بما مضى، لأن حوزة قم تستحق الكثير من العناية بها، حيث إنها شكلت نقلة نوعية في المسار الديني بشكل عام على خارطة الدنيا، وعلى أتباع مدرسة أهل البيت (ع) بشكل خاص.
وعندما نريد أن نقطع المرحلة الزمنية إلى أقسام، سنجد أن قسماً كبيراً تفردت به مدرسة النجف الأشرف منذ عصر الغيبة إلى اليوم، وكانت مؤسِّسة ومؤصِّلة، ثم مدرسة إصفهان التي أشركت الكثير من عناصر البحث غير المألوفة في حوزة النجف الأشرف وقتئذٍ، ثم جاء دور النجف من جديد، ثم الخاتمة على يدي حوزة قم الكبرى، التي استطاعت أن تختزل التجارب التي قام بها من تقدمها من الحوزات العلمية، وأن تثبت لها حضوراً واسعاً مع تركيز واضح.
وقد ذكرنا فيما سبق أن حرم السيدة المعصومة (ع) هو نقطة الارتكاز التي منها ينبثق ويتحرك جميع ما في تلك المجرة العلمية من دوائر، وأشرنا إلى عناصر البعث والقوة على الحراك من خلال هذه النقطة، ألا وهي حرم المعصومة (ع).
ثم يأتي المسجد الأعظم، فهو الشاخص الثاني الذي قدم مدداً كبيراً لتثبيت قواعد هذه الحوزة العلمية، وهو بمثابة المسجد الهندي في النجف الأشرف حيث مهوى أفئدة طلاب العلم والمعرفة هناك.
والمسجد الأعظم يشتمل على مجموعة من الخصائص التي تعطي لرجل الدين وطالب العلم والمعرفة، السكون والاستقرار والارتباط بعالم ما وراء الطبيعة، مما يسهم بعد ذلك في أن يتحرك الإنسان في بذل الجهد ليصل إلى مراتب الرقي والكمال.
وكان هذا الجامع الكبير يشكل أحد المواقع للاعتكاف السنوي، فكان يدخل فيه طلاب العلم لتنقية نفوسهم، وتصفية الباطن من خلال العبادة التي تكفّل مراجعنا ببيان حدودها من حيث الشروط والواجبات والمنافيات.
وينبغي أن نعلم ـ من باب الإشارة ـ أن مسألة الاعتكاف بدأت تأخذ تشعباً في كثير من المواطن، كالقرى والأرياف والمدن وما إلى ذلك، وهي ظاهرة صحية في شكلها العام، ولكن ينبغي على الإخوة القائمين على هذه القضية أن يوظفوا هذه الشعيرة المقدسة كما أراد المشرع لها أن تكون، بعيداً عن التجملات، وتركيزاً على تنقية الباطن.
وفي هذا المسجد الأعظم كانت تلتقي مجموعة كبيرة من رجالات العلم، يتفاوتون في مستوى التحصيل فيما بينهم، مع تنوّعٍ في جانب التخصص، ففي تلك المنظومة رجال أنهوا مراحل حتى وصولوا إلى درجة القدرة على الاستنباط، بل ربما اندكّ في مجموع المعتكفين من هم في صدر المرجعية أيضاً. كما أن هناك رموزاً في الفلسفة كانوا ينخرطون في تلك الشعيرة, مما يضفي على الجو من حوله روح الانضباط والتوجه نحو الهدف، فإذا تمازج صفاء الروح باكتساب المعلومة رشد الإنسان وكمل.
والجانب الآخر الذي يحظى به هذا الجامع الكبير هو أن واحدة من أكبر مرجعيات الطائفة، بل هي المرجعية العليا، انطلقت من خلال دائرته، وهو آية الله السيد محمد حسين البروجردي رضوان الله تعالى عليه، فهو الذي أسس هذا الصرح العظيم، وجعله واحدة من الإضافات واللبنات التي أمّنت استحكاماً لحوزة قم المقدسة.
وكان ذلك السيد الجليل رقماً استثنائياً في المعادلة، فهو عالم من العيار الثقيل، مع تهذيب للنفس في الدرجات العلا، وسلطنة على علم الرجال والحديث، تخرج على يديه كبار الطائفة، وعلى رأسهم السيد الإمام رضوان الله تعالى على روحه الزكية.
وفي هذا المسجد أيضاً تُعقد حلقات الدروس العليا، أي البحث الخارج، وفيه أيضاً ارتقى الأعواد باحثاً في استنباطات المسائل الشرعية وفق النظم الحوزوي الأصيل، نخبةٌ من تلامذة الشيخ عبد الكريم الحائري، المؤسس لحوزة قم، وتلامذة السيد البروجردي، وهو الرقم الأقوى والأقدر الذي استطاع أن يعطي، فأعطى الكثير.
فمن الذين باحثوا من فوق ذلك المنبر من المسجد الأعظم آية الله العظمى السيد الكلبايكاني، الذي رجع إليه قسم من المؤمنين فيما بعد، وهو من تلامذة الشيخ عبد الكريم الحائري، والسيد البروجردي رضوان الله عليهما، وله تعليقات على بحوثهما.
وممن باحث في هذا المكان الشيخ الجليل كاظم التبريزي، وهو قلعة عظيمة في باب الفقاهة، وإن لم يحظ بما يستحق من العناية جراء عوامل وأسباب لا موجب للدخول فيها.
ومن أولئك الذي أعطوا وأثْرَوا من خلال ذلك المسجد، الشيخ حسين المنتظري رحمه الله، الذي أثرى في هذا الجانب، وكُتبه مقررة، وهو رجل معروف ومعلوم في هذه الجهة. وقد قال السيد الإمام في حقه: فقيه عالي المقام، ومحقق الزمان.
وممن تقلب على هذا المنبر العظيم الشريف، للدرس في هذا المسجد، السيد علي الفاني رحمه الله، الملقب بالخوئي الصغير، وهو فقيه وفيلسوف وعارف وحكيم.
ومنهم أيضاً المرحوم الشيخ جواد التبريزي رضوان الله تعالى عليه، الذي تخرج على يديه جمع من أهل العلم والفضيلة.
ومنهم الشيخ المرحوم اللنكراني رضوان الله على روحه الطاهرة، الذي اتخذ من هذا المسجد منطلقاً لبحوثه العليا.
ومنهم المرجع الكبير آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني أمد الله في عمره الشريف، الذي يشكل اليوم قلعة محكمة في علم الأصول، فلا يجارى فيه ولا يشق له غبار. ويلتف حول منبره اليوم ما لا يقل عن ألفي طالب، وهذا أوج العظمة والاقتدار.
ومنهم أستاذنا وشيخنا الجليل ناصر مكارم شيرازي، الذي يباحث من خلال هذا المسجد العظيم، وقد يعتبر بحثه البحث الثاني بعد الشيخ الوحيد، وفي فقاهته نوعُ تحديث وتلبيةٍ لمتطلبات الساحة والمجتمع من حوله.
وهنالك اليوم بحوث كثيرة تُعقد، منها بحث سماحة آية الله العظمى العارف، الفيلسوف الأول، الشيخ جوادي آملي، وهو يعطي أبحاثه في علم التفسير.
إلى غير ذلك من الرموز والأشخاص والأعلام والفقهاء والحكماء الذين يطرحون بحوثهم من خلال هذا الموقع الكبير.
تصوروا أيها الشباب، لو أن واحداً من شبابنا عندما يذهب إلى قم، ويجعل من برنامجه أن يتشرف بالنظر إلى محيا هؤلاء الأعلام الذين لا زالوا أحياءً، ويعيش واقع الحوزة من قرب، ما عسى أن يكون من الانعكاس الإيجابي على نفسه؟
وفي هذا المسجد الكبير توجد مكتبة آية الله العظمى البروجردي، مؤسس الجامع، وفيها نفائس المخطوطات، كما أن فيها تقريرات بحثه وكتباً أخرى.
ونحن ـ مع شديد الأسف ـ قبل أن نلقي باللائمة على شبابنا الذين قد لا يتاح لهم أكثر من مساحة الزيارة، فمن الحري بنا أن نلوم رجال دين، ربما تواجدوا في قم للكثير من السنوات، وهم لا يعلمون أصلاً بوجود مكتبة بهذه القيمة في أروقة هذا الجامع. فمن مصائب هذا المجتمع الانغلاق والانطواء على النفس، وحبسها في زوايا قصيرة الأضلاع، وإني أعتقد أنه حان الوقت أن نغادر هذه المساحة إلى أفق أوسع، وأن نبتعد عن التمسك بالطحالب، وأن نمسك بالأصول، لأن الطحلب لا يمكن أن يوصلك إلى ساحل نجاة، على العكس مما لو أمسكت بالأصل، فإنك سوف تصل إلى الغاية والهدف.
وفي هذا الجامع الكبير الشريف، كانت تقام صلاة الجمعة في أيام العسرة والحرج، عندما كانت الحرب المفروضة على إيران من قبل البعث البغيض، وصدام اللعين، وكانت المدن تقصف، والناس تُشرَّد، وقسم منهم يسقطون ضحايا جراء سقوط القنابل من الطائرات، وكان هذا المسجد هو المأمن والكنف الذي يلجأ إليه المؤمنون في أداء صلاة الجمعة العبادية السياسية. وكلنا يعلم ـ كما في أحاديث أهل البيت (ع) ـ أن الجمعة حج الفقراء، وفي الحج يشهد الناس منافع لهم، وكذا في الجمعة منافع كثيرة عبادية وسياسية وفكرية وعلمية وأخلاقية وما إلى ذلك، وهذه المأدبة المتنوعة نجدها حاضرة كثيراً في مساجدنا العامرة. فالجمعة سوق المؤمنين، وفيه يتبادلون بضائعهم، وهي ليس البضائع المادية المنهي عنها في القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾([3]). فالسعي إلى ذكر الله ليس فقط في حدود استماع الدعاء أو التسبيح أو القيام والقعود والركوع والسجود، بل إن البضاعة الحقيقية أن نتبادل وجهات النظر، وأن يأخذ أحدنا بيد الآخر، في سبيل أن يبحر به في عوالم من حوله.
هذا ما يتعلق بالمسجد الأعظم، ولا أريد أن أطيل.
أما المدرسة الفيضية، فهي ترتبط بالحرم الشريف عبر بوابة صغيرة من جهة المسجد الأعظم، وأخرى من جهة الرواق الذهبي. وهذه المدرسة شذرة في منتهى الروعة والجمال، لأن من أضاف لها أجهد نفسه في عملية التراش ، وهذه الحالة ربما لها نظائر في بلدان كثيرة، لكن تبقى قم هي الشذرة المشعة ذات البريق المتصل، رغم ما وقع عليها من ظلم.
والظلم على نحوين: ظلم البعيد، وهو الخصم والعدو، وهذا أمر يسهل التعامل معه، لكن أن يكون الظلم من الداخل أو من الخاصة فهذه مصيبة:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً على القلب من وقع الحسام المهند
فهذه المدرسة الفيضية العامرة، التي سوف نتحدث عن بعض خصائصها لأهمية الأمر، كان والد الشاه، وهو رضا شاه بهلوي قد صيّر منها مربطاً لخيل المسافرين! ومخازن لعلف الحيوانات! ومقهى يُتعاطى فيه الترياق! لكي يطمس معالم الحوزة وينهك مدينة قم، لكن شاءت القدرة الإلهية أن ينتفض المارد، وتتحول هذه الحوزة لتكون الأساس في قلب المعادلة وترتيب الأوراق، وتشذيب ما ينبغي أن يُشذب.
إن في هذه المدرسة العظيمة النابضة بالحياة العلمية دروساً من المقدمات وحتى البحث الخارج، ولكي تكون الصورة واضحة أود أن أبين معنى المقدمات والسطوح والبحث الخارج وما إلى ذلك من مراتب الدرس، كي لا نميز بين رجال الدين على أساس الشكل والمظهر، إنما على أساس المضمون([4]):
فالمقدمات: أن من ينتسب للحوزة العلمية يدخل أولاً في بداية الطريق، والمربع الأول في سلم التعليم([5])، فيدرس العربية بشكل جاد، ويفترض أن يتقنها بشكل كبير، فلا يجعل الحسينَ قاتلاً والشمرَ مقتولاً وهو يلحن في الإعراب، فلا نريد أن نسمع في اليوم العاشر من يقول: (قتل الشمرَ حسينٌ).
ففي هذه المرحلة يدرس الطالب الآجرومية، ثم قطر الندى، ثم شرح ابن عقيل (أو ابن الناظم) لألفية ابن مالك، ثم مغني اللبيب لابن هشام، وهذه دورة مركبة ومكثفة لطالب العلم في الحوزة العلمية تستمر لثلاث سنوات، فإن لم يتقوم لسانه فلا داعي لإكمال المسيرة، لأن الخيارات والبدائل معروضة.
ولا بد من الالتفات إلى أن اليوم ليس كالأمس، لأن الخطيب أو رجل الدين لا يتحدث أمام مجموعة من الفلاحين الذين لم تتهيأ لهم أسباب التعلم، لا لأنهم لم يستطيعوا ذلك، فطلاب المدراس اليوم ينتبهون إلى اللحن، ويؤاخذون عليه, أما طلاب الجامعات وأهل الاختصاص فإنهم قد يحرجون المتحدث إذا شخّصوا أن لديه لحناً.
كما يدرس طالب المقدمات علم المنطق، فإن كانت الفائدة من النحو هي صون اللسان عن الخطأ في النطق، فإن الفائدة من المنطق هي صون الذهن من الخطأ في الفكر، فمن أراد أن يدخل في موضوع فلا بد أن يرتب أفكاره وينظمها عن طريق المنطق، لكي تترتب لديه القضايا، ونسبها وكلياتها وعكوسها، فإن لم تتغربل هذه الأمور لديه فسوف يشذ، ويشذ المجتمع من ورائه، أما إذا ضبط هذه القضايا والقواعد فسوف يصل بحركة العقل إلى الجادة السليمة.
فإن رأيت رجل دين، لا يجيد النظم بين المقدمة والنتيجة فاعرف أنه لم يتهجَّ المربع الأول (المقدمات) بشكل صحيح.
ثم إن همة الناس في الحوزة العلمية اليوم ضعفت، ولم تعد كما كانت عليه بالأمس، فقد كانوا يقرأون الشمسية، ويشدّدون القواعد المنطقية في حركة الفكر، أما اليوم فراحوا يكتفون بالمختصرات والوجبات السريعة، وصارت الكتب العلمية تُبسَّط وتُمرَّر من خلال الأشكال والتمرينات والأمثلة، وكأنك في صف من الصفوف الدنيا في الابتدائية.
لذا أقول: يفترض في من ينخرطون في الحوزات العلمية منذ البداية أن يكونوا من طبقة النخبة، لكي يقدموا ويبرزوا.
لقد ذكرت في الأسبوع قبل الماضي أن في حوزة قم اليوم مئةً وخمسين ألف طالب مسجل رسمياً، لكن هذا لا يعني أن جميع هؤلاء سوف يكونون كالشيخ الوحيد أو الشيخ المكارم أو السيد السيستاني أو الشيخ الفياض، وأمثال هؤلاء الأعلام.
كما يدرس الطالب في المقدمات أصول العقيدة وفق مدرسة أهل البيت (ع) ولهذا الدرس طرق عديدة أيضاً، ففي الزمن السابق كنا نقرأ الباب الحادي عشر للعلامة الحلي، أما اليوم فقد تغيرت الأمور، وصاروا يدرسون مختصراً في علوم العقيدة، ولا ندري ما سوف يحصل في القادم من الأيام.
لقد شيعوا (شرح التجريد) للعلامة منذ زمن بعيد، ودفنوه، ولكن لا ندري في أية مقبرة!
أما في جانب البلاغة، فكانوا في الزمن السابق يقرأون المطوَّل للتفتازاني في علوم البلاغة، وهي العلوم الثلاثة المعروفة (المعاني والبيان والبديع) لذا نرى أن الشيخ الأنصاري، الذي كتب منذ مئتي سنة، فرض وجوده على الحوزة العلمية إلى يومنا هذا، أما اليوم فنرى أن الكثير من الموسوعات تصدر بعشرات المجلدات، لكن بلاغتها متهالكة ومتهاوية، وغير قادرة على أن تفرض وجودها، فهي أشبه بوريقات الصحف والمجلات، في حين أن البلاغة أساس في المربع الأول. وقد تركوا المطوَّل، وأدخلوا المختصر، ثم تركوا المختصر وشيعوه ودفنوه كغيره مما دفن. ولا تجد اليوم إلا (مختصر البلاغة) الذي لا يبني ولا يطور القدرة التعبيرية والتصويرية لطالب العلم.
وفي مرحلة المقدمات يقرأ طالب العلم الرسالة العملية للمرجع، وقد كان في الزمن السابق يدرس المختصر النافع للمحقق، أو التبصرة للعلامة، ثم يشفعه بالشرائع، الذي كان يقرأه في السنة الأولى، وهو عبارة عن بحث استدلالي مصغر، ومعنى ذلك أن طالب العلم عليه أن يعد العدة، وأنه أمام جامعة محكمة.
إن من وضع تلك المناهج كان ملتفتاً إلى أنك إن أردت صناعة سَبَّاح ماهر فلا تدربه في المياه الضحلة، وعليك أن تجرئه على المياه العميقة، ليخوض التجربة بجدية ويكتسب المهارات الكافية ليكون ماهراً. وهكذا الحال في الحوزة العلمية، لأن من يسبح في ضحالتها لا يستطيع اقتحام الأعماق، بل إن من يريد إغراقه يغرقه بسهولة عندما يجره إلى الأعماق.
إن الرسالة العملية لمراجعنا اليوم، وفي مقدمتهم سماحة السيد المرجع حفظه الله تعالى، فيها من القواعد الشيء الكثير، وقد تصل اليوم إلى أربع مجلدات، وفيها الآلاف من المسائل الشرعية محل الابتلاء، وبالتالي فإن طالب العلم لا يستطيع أن يهضمها بالشكل المطلوب، ولك أن ترى نتائج ذلك في الكثير من المواطن، كما هو الحال في الحج، فها نحن نجد حملة فيها العديد من رجال الدين، ولكننا نبحث عمن يرشدنا من أماكن أخرى. والمؤسف أن من ليس لديه الاستعداد لا يتحرج أن يكون على رأس الهرم، والمؤسف أيضاً أن بعضنا ينظر لكل من ارتدى العباءة أنه السيد السيستاني بعينه، ولكن بشكل مصغر.
كل ذلك يدرسه الطالب في مرحلة المقدمات، وهي المرحلة الأساسية في بنائه، وكل نجاح أو فشل يعود إلى هذه المرحلة.
وفي حوزة قم أدركوا أن الباب إذا ما فتح على مصراعيه فإن المئة والخمسين ألفاً سوف يصبحون مليوناً وخمسمئة، وربما أكثر، فاشترطوا أن لا يقبلوا إلا من أنهى مرحلة السطوح.
والسبب في ذلك أن بعض الطلبة قد يأتي من بلدان أخرى، ويحاول الدخول لحوزة قم، وربما شفّع البعض في ذلك فنجح، وهكذا يمكث في قم فترة من الزمن ثم يعود إلى بلده، فيظن الناس أنه درس في قم وأصبح بالمستوى المطلوب.
والأنكى من ذلك أنه ربما لا يدخل الحوزة أصلاً، ولم يعرف عن الحوزة العلمية سوى فترة المكوث في قم، فيعود إلى أهله وهو يحمل اسم هذه الحوزة العظيمة.
إن فترة المكوث لا تعني شيئاً في حسابات الجد والاجتهاد، فهناك من يمكث قليلاً، لكنه يجد ويجتهد ويتعب، فيصل إلى الهدف، والعكس بالعكس، فهناك من يمضي الوقت في قم للبركة.
فطالب العلم يتحرك في دائرة المقدمات، والكثير من رجال الدين يتوقفون كثيراً في هذا المربع.
-------------
ليلة الخميس القادم إن شاء الله تعالى لدينا ضيف الشهر، ونحن في بداية السنة السادسة من عمر الجامع، والضيف هو الدكتور أحمد العبدالوهاب اختصاصي علاج طبيعي، ونحن أدرى بشبابنا وما يحتاجون إليه في هذا المجال، سيما أنهم يمارسون الرياضة، وكذلك ما يعانية الكثير منا من أمراض المفاصل والعضلات والأعصاب وغيرها، وسيكون اللقاء بالأخصائي بعد صلاتي المغرب والعشاء.
وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.