نص خطبة: قراءة في واقعة الطف من منظور أعلام الطائفة

نص خطبة: قراءة في واقعة الطف من منظور أعلام الطائفة

عدد الزوار: 1364

2017-10-10

الجمعة 1439/1/8هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين.

السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين جميعاً ورحمة الله وبركاته.

قال الحكيم في كتابه الكريم: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلُوا في‏ سَبيلِ‏ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾([1]).

الحسين عبرة وعبرة:

الحديث عن كربلاء فيه الكثير، وله مساحة كبيرة للحزن واللوعة، ومساحة أكبر للدروس والعبر. فالإمام الحسين (ع) بعد مرور أربعة عشرة قرناً من الزمن إلى يومنا هذا، لم تُجلَّ صفحة نهضته بشكل كافٍ للعبور بمدرسته وملحمته إلى آفاق الدنيا، حيث إن الإمام الحسين (ع) أعلن ثورته التي تعني التغيير في واقع الأمة التي دخلت دورة نسيان ليست بالقليلة، أو التي يمكن أن يغض الطرف عنها من حيث الاستدارة والالتفاف على الكثير من الأصول التي أصلها النبي الأعظم محمد (ص).

إننا نستغرق كثيراً في الروايات التي تحث على الزيارة مثلاً، ونحن نرضع ذلك من صدور أمهاتنا مشفراً بقطرات دمٍ باسم الحسين (ع). ونُستهلك في روايات أخرى تؤكد على البكاء وما له من الأثر، وهو ما لا يجهله الرضيع منا ناهيك عن شيخ كبير عاش عمراً طويلاً.

فالحسين (ع) مدرسة تعني الوعي والفكر والأدب والفن والجمال والصدق والقرآن الناطق،.والحسين (ع) يعني الإنسان في أروع صوره وأكملها وأتمها، حيث الكرامة التي كرم الله بها بني البشر. وهو (أيقونة) حياة فاضلة، وأيقونة عالم آخر يتطلع إليها الأنبياء والرسل ناهيك عن سائر البشر. وهو يعني الكرامة والصبر والتضحية والفداء والوعي، وهو بكلمة واحدة يعني (الدين) والدين يعني الحسين. فإذا ما أردنا أن نقرأ المشهد كاملاً فعلينا أن نقرأه من جانبيه.

أيامٌ تزحف، يأكل بعضها بعضاً، فنحن على مشارف الانتهاء من الأيام العشرة التي هي أشبه بدورة روحية يفترض على الإنسان الحسيني أن يحصد من خلالها أعلى الدرجات وأتمها. فالإمام الحسين (ع) لم يدعنا للحضور إلى مجالسه ككتل بشرية، إنما دعانا للحضور بواقعنا الروحي، بالنفس الصافية المصفّاة الطاهرة المنتقاة.

الإخلاص لله:

إن نهج الإمام الحسين (ع) كما بينه هو لأحد أصحابه، في رواية عن الإمام الصادق (ع) عن أبيه عن جده قال: «كتب رجل إلى الحسين بن علي (ع): يا سيدي أخبرني بخير الدنيا والآخرة، فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإنه من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس. ومن طلب رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس، والسلام»([2]).

فنحن إما أن نطلب رضا الله فلا يعنينا إن سخط الناس علينا، وبذلك نكون حسينيين كما قال الإمام الحسين (ع) أو أن نسلك الطريق الآخر وهو رضا الناس، فلا يعنينا أن يرضى الله علينا والعياذ بالله من ذلك، والنتيجة معلومة.

ومع شديد الأسف حتى هذا الدرس لم نقرأه، وإن قرأناه لم نستحضره، وإن استحضرناه لم نفعّله، وإلا لما وصلت بنا النوبة إلى ما وصلنا إليه، إذ أصبحنا نقسم المقسّم، فهذه حسينية صاحبي أحضر فيها، وتلك حسينية الحي الذي أسكن فيه ولن أتعداه إلى غيره،  والخطيب الفلاني لا يعنيني من قريب ولا من بعيد، فهو ليس من بلدتي، أو لا يتفق  معي في مرجعيتي، أو لا أنسجم معه في فكرتي، وعلى هذه فقس ما سواها. حال أنك لا تستطيع أن تجمع الناس جميعاً على فكر واحد، وطريقة واحدة، ومنهج واحد، فأعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله. فالله تعالى خلق الناس كذلك، فهل ستقف أنت أمام حكمة الله وقدرته وقضائه وإرادته؟

هذا هو حال البشر، وعلى المؤمن أن يصانع وجه الله تعالى، فلا يعنيه ما قال الناس وما أرادوا، فلو أنهم أرادوا لك خيراً فلن يزيدوا فيه شيئاً ما لم يشأ الله لك ذلك، ولو أرادوا بك سوءاً فلو اجتمع الإنس والجن من ورائهم ظهير فلن ينالوا منك قدر أنملة، لأن الله حاميك وكافيك: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾([3]).

ثم يأخذنا الإمام الحسين (ع) إلى محطة ثانية فيقول: «إن الناس عبيد الدنيا، والدين لعقٌ على ألسنتهم، يحوطونه ما درت معايشهم، فإذا مُحِّصوا بالبلاء قل الديانون»([4]). ففي قراءتنا لقصة الحضارة نجد أن من أسباب هجر الناس للديانات السابقة هو هذا الجانب، أي أن الدين لما بات يتدخل في بعض المنعطفات من حياتهم من أجل التقويم قرأوا في ذلك الاصطدام بين مصلحتين، فغادروا مساحة الدين بحثاً عن المصلحة الدنيوية الصرفة.

النهضة الحسينية في نظر العلماء الأعلام:

فالإمام الحسين (ع) يبين الحال العام للناس بأنهم إذا ما تعرضوا للابتلاء عادوا لأصلهم، وهو أنهم عبيد الدنيا، إلا ما ندر من النخبة والأمة الصادقة المصدقة، بدليل حركات التغيير الكثيرة التي تلف العالم من ذلك اليوم إلى يومنا هذا، فلو لم تكن تلك النخبة حاضرة لما حصلت تلك الحركات.

1 ـ الإمام الخميني:

وقد قرأنا عن بعض تلك الحركات ولم نشهدها بأنفسنا، وقسم منها شهدناه بأنفسنا وعشنا طرفاً منه، ورأينا ما ترتب عليه من الآثار العظيمة، ولعل هذا المجمع والمحفل الإيماني في دار العبادة هذه واحدة من تلك الحسنات التي تضاف لمن أحدث ذلك التغيير بناءً على أنه أخذ قبساً من نور الحسين بن علي (ع).

وهذا الذي أحدث التغيير المذكور هو السيد الإمام (قدس سره) الذي أوقد شمعة في عالم مظلم، أبصرها واهتدى إليها من لم يكن  على قلبه غشاوة ولا على بصره ستار.

يقول الإمام (قدس سره): لقد أوضح لنا سيد الشهداء (ع) واجبنا. أي أوضح الطريق الذي يجب أن نسلكه ونسير وفقاً لرموزه التي وضعها كإشارات دالة على نهاية الطريق، فالحسين مصباح الهدى. وأن لا نخشى قلة العدد، فلم تكن الكثرة في يوم من الأيام ممدوحة على لسان الشرع، إنما الممدوح هم القلة الواعية التي تدرك معنى المسؤولية المناطة بها، والملقاة على عاتقها، أما الهمج الرعاع، والكثرة الكاثرة التي لا تعي الدور والمسؤولية فهي تشكل العقبات وتضع الحواجز دون مسار التصحيح الذي أراده النبي الأعظم محمد (ص) ونهض بعهدته الإمام الحسين (ع).

ويضيف السيد الإمام: الإمام الحسين يدلنا على أننا ينبغي أن لا نخشى قلة العدد في ميدان الحرب، وأن لا نهاب الشهادة. وقد ورد هذا المعنى في كلام علي الأكبر يوم قال لأبيه الحسين (ع): إذن لا نبالي أن نموت محقين. فهذه قراءة مبكرة لمدرسة الإمام الحسين (ع) قبل أربعة عشر قرناً من الزمن، فما حال قراءة أبنائنا اليوم لذلك المشهد؟

ثم يضيف قائلاً: وكلما سما فكر الإنسان وهدفه كلما زادت معاناته بالمقدار نفسه. فبقدر ما يكون لدى الإنسان وضوح في الرؤية وسمو في الفكر سيتحدث ويفصح عما في نفسه، ويقدم ما لديه من رؤى، وعندئذٍ يتخندق الآخرون، بدافع الحسد تارةً، أو بدافع الجهل تارةً أخرى، أو الوقوع في حالة من التضليل غير المحسوسة تارة ثالثة، وعلى هذه فقس ما سواها. وما من مصلح أو مغيِّر في هذه الحياة، إلا واعترض طريقه أمثال هؤلاء.

وهنا يقف المرء أمام طريقين: إما أن يقرأ الحسين (ع) كما أراد فيكون في سفينته ويستضيء بمصباحه، وإما أن يأبى إلا التنكب عن ذلك الطريق، فليس إلا الرجوع القهقرى والانتكاسة العظيمة، وقد يجر معه الآخرين في تلك الانتكاسة إلى الهاوية.

والعلماء المراجع الأتقياء الذين يحملون وعياً وإدراكاً كسيدنا الإمام (قدس سره) أحسنوا القراءة لكربلاء، لذلك أوجدوا تغييراً في داخلهم، والأمة من حولهم، بل البشرية كلها. فعندما تنصهر في معطيات مدرسة كربلاء يعني أنك حسيني، ولكن ما هي تلك المعطيات؟ هل ما نشهده من مشاهد مخجلة تتسبب في عرقلة المسيرة؟ أم أن وراء ذلك أشياء وأشياء منشأها عدم القراءة.

وأؤكد هنا للجيل الطيب المبارك الذي فيه اليوم الأستاذ والطبيب والمهندس والمحامي وأمثالهم، على القراءة وما لها من الأهمية، فالشاب الذي لا يقرأ، والخريج الذي لا يتابع القراءة، ورجل الدين الذي لا يستغرق في القراءة، وأمثال هؤلاء، عليك أن تقيم لهم مأتماً جنائزياً، وأن تكثر من قراءة الفاتحة عليهم وإن كانوا أحياء، لأنهم موتى في الواقع، فالحياة في العقل المنتج للفكر العامل على تصحيح المسار، وإلا فإن الكتل البشرية من اللحوم والعظام موجودون في كل زاوية من العالم، ولا يمثل تجمعهم شيئاً.

2 ـ الشيخ بهجت:  

كان الشيخ بهجت ـ وهو أحد مراجع الطائفة في قم، ومن خريجي قم والنجف معاً ـ رجلاً عظيماً سالكاً يملك نفساً طيبةً وروحاً صافية وعروجاً متقدماً، وهو من الشذرات التي صقلها السيد علي القاضي الطباطبائي (رضوان الله عليه) وأحسن إدارة مشهدها السيد الإمام (رضوان الله تعالى عليه)، وهو ابن الحسين (ع) وابن فاطمة الزهراء (ع) وهو رجل عظيم غير خافٍ شأنه.

إن البعض قد يتصور أن الأمور في حدود مسبحة تدور في يده، أو محبس في إصبعه، وهذا تصور خاطئ، فقد حضرتُ درس الشيخ بهجت ورأيته، فكانت صلاته عروجاً، وصمته عروجاً، ودرسه الفقهي الذي تشرفت بحضوره عروجاً، وجلساته الخاصة ذوباناً، فهو ينفصل عن محيطه ليعود إليه بعد فترة فيحقق السفر الرابع من الأسفار المتعالية عند أرباب الحكمة.

يقول الشيخ بهجت: إن لم تحافظوا على صلواتكم، لو بكيتم على سيد الشهداء مليون قطرة من الدموع لما شفعت لكم في الآخرة.  

أيها الشباب الطيب، يا من عمرتم الحسينيات، وعمرتم البيوت بأعلى الصلوات، وغسلتم الداخل بقطرات الدمع بهذا الشهر العظيم الحزين، اسمعوا ماذا يقول هذا المتألّه العظيم العارف الحكيم السالك. وهذا القول يتنافى مع قول القائل: إن قطرة كجناح  البعوضة تطفئ لهب جهنم. نعم تطفئها، ولكن بشرطها وضوابطها، وعلى رأس الشرائط الصلاة. وإلا فإن الكافر يمكنه أيضاً أن يبكي على الحسين (ع) مرة واحدة فيدخل الجنة. هذه هي القراءة الواعية للنص من قبل هذا الحكيم العارف الفقيه.

3 ـ السيد فضل الله:

وممن أدلى بدلوه في هذا المضمار السيد محمد حسين فضل الله، المرجع الواعي المثقف، يقول: علينا أن نتمثل الإمام الحسين (ع) أي نجعل منه القدوة التي نقتديها في حياتنا قولاً وعملاً. علينا أن نتمثل الإمام الحسين (ع) في هذا الموسم وغيره.

إننا نجد أن البعض لا تمثل له قضية الحسين (ع) إلا هذه الأيام العشرة، ثم ينتهي كل شيء، بل إن البعض قد لا يتمثل له ذلك إلا باليوم السابع والعاشر، وربما لا يتمثل للبعض إلا باليوم العاشر فقط ثم يطوى البساط. لكن السيد محمد حسين فضل الله (رحمه الله تعالى) يقول: علينا أن نتمثل الإمام الحسين (ع) في هذا الموسم وغيره من المواسم، وأن نتحرك ليكون الإمام الحسين (ع) القدوة لنا في ثورته، وأن نتعلم منه كيف نصبر على التحديات ونواجهها، وأن نتعلم منه كيف نأخذ بأسباب العزة والكرامة بما يتناسب والواقع الخارجي.

والثورة لا تنحصر في الحاكم الظالم فقط، إنما يتسع مفهومها ليشمل الثورة على الواقع المر الذي نعيشه، فربما تكون الثورة على النفس، أو على الواقع في البيت والأسرة، ولا بد أن تثور على الواقع المتخلف، أو أن تكون الثورة في المجتمع، حيث ترفع الصرخة مدوية طلباً للإصلاح، كما فعل ذلك الإمام الحسين (ع) وما يضرك أن يقرأك الآخرون من خلال مرئياتهم أو الأمراض التي ينطلقون بناءً على تداعياتها فيكون الحسين (ع) القدوة لنا في ثورته وإصلاحه وموقعه القيادي؟ فأنت أيها الصغير سناً، الكبير عقلاً وتطلعاً، عليك أن تقرأ في الحسين (ع) القائد كي تصنع من نفسك قائداً في حدود الدائرة التي تعيشها، ثم تتسع شيئاً فشيئاً.

وأي مصلح لم تعترض طريقه الكثير من التحديات؟ لكنهم عبروها بسلاح الصبر، والذي أسس للصبر وفعّله هو الإمام الحسين (ع) لأنه القرآن الناطق، قال تعالى: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَبْرِ﴾([5]). فالحق هو الصلاح والإصلاح، والصبر وتحمل الأذى هو الوسيلة التي تقود لتحقيق ذلك.     

أما العزة والكرامة فلا توهب لأحد من الناس، إنما تؤخذ أخذاً، بما يتناسب والواقع الخارجي.

4 ـ الشيخ اليعقوبي: 

ومن مراجع النجف الأشرف المعاصرين الشيخ اليعقوبي (حفظه الله تعالى) وهو من الفقهاء الذين يفعّلون الكثير من العناصر، وهو الامتداد الطبيعي لمدرسة المرجع الشهيد الصدر الثاني يقول: لا يجوز في الشريعة القيام بكل عمل غير عقلائي، أو فيه ضرر على النفس، أو يوجب إهانة للدين ولمدرسة أهل البيت (ع) وإنما خرج الإمام الحسين (ع) طلباً للإصلاح في أمة جده والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن أراد مواساته بصدق فليعمل على تحقيق أهدافه المباركة.

ولا شك أن أهداف الإمام الحسين (ع) هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، صحيح أن المواساة في حضور المجالس والبكاء وإطعام الطعام وغيره من الأمور المهمة، ولكن لا بد أن تسأل نفسك أيها المواسي: ما هو واقعك في البيت والمجتمع ومع الناس؟ فهذا هو المهم الذي دعانا الإمام الحسين (ع) إليه في مدرسته.

5 ـ الشهيد المطهري:

أيها الشباب: لنقرأ الملحمة الحسينية للشهيد العظيم الفقيه المفكر الفيلسوف المطهري الذي استشهد قبل حوالي سبعة وثلاثين عاماً، إلا أنه ما زال حياً، وهذا مصداق الآية الشريفة: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الّذِيْنَ قُتِلُوْا فِي سَبِيْلِ اللهِ أَمْوَاتَاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُوْنَ﴾([6]). فهم يرزقون في عالم الغيب، ونحن نُرزق من عطائهم الخالد.

إنني أدعو الشباب أن يقرأوا لهذا الرجل العظيم المجدد الواعي، صحيح أنه لم يتصدّ للمرجعية، إلا أنه كان أهلاً لها، لكنه رأى أن تكليفه أن ينصهر بالشباب ليأخذهم إلى دائرة الإيمان الواعي والفكر الحضاري وتسويق مدرسة أهل البيت (ع) بما يؤمّن لأتباع مدرسة أهل البيت (ع) النهوض بعد الكبوة، والتقدم بعد التقهقر، وصدارة  المشهد بعد التأخر، وهكذا كان الأمر.

لذا أتمنى على الشباب أن يقرأوا تراث هذا الرجل الذي لا زال تراثه حياً منذ أكثر من أربعين سنة.

وقد ذكرت في الخطبة السابقة نصاً من كتابه الملحمة الحسينية وهو قوله: استشهد الإمام الحسين (ع) ثلاث مرات: استشهد على يد اليزيدين بفقدانه لجسده، عندما قتل في كربلاء ومُثّل به. والثانية على يد أعدائه الذين شوهوا سمعته وأساؤوا لمقامه، وأما الثالثة فعندما استشهدت أهدافه على يد البعض من أهل المنبر الحسيني، وكان هذا هو الاستشهاد الأعظم، فالحسين (ع) ظُلمَ بما نسب له من أساطير وخرافات. فالمؤامرة الثالثة هي قتل أهداف الإمام الحسين (ع) على يد بعض أنصاره، وهم هذه الجماعة التي قتلت أهدافه ومبادئه وقيمه السامية الرفيعة التي تحرك من أجلها وسقاها بدمه. فالمنبر المتخلف هو المسؤول عن قتل تلك الأهداف، أما المنبر الواعي كمنبر الشيخ الجليل الكبير أحمد الوائلي (رضوان الله عليه) فقد كان أنموذجاً رائعاً للمنبر المشرّف. إلا أنه للأسف الشديد صار يُسب ويشتم في بعض مواكب العزاء عند منبر الإمام الحسين (ع) مع أنه لم يسافر أحدٌ بقضية الإمام الحسين (ع) منبرياً كهذا الرجل الشاهد على الأمة وإن غاب.

إن هؤلاء الشاتمين للشيخ الوائلي (رحمه الله) لو لم يجدوا منابر مغذية للحقد والكراهية والمؤامرة على الأهداف والمبادئ الحسينية وصرف الناس عن الحق والحقيقة لما تفوهوا بشيء بهذا الشأن. فهم أناس بسطاء يعمر قلوبهم حب الحسين (ع) إلا أن قطاّع الطرق ولصوص الدين يسرقونهم مع شديد الأسف.

إن المنبر الحسيني وسيلة مؤثرة جداً، لكننا اليوم في القرن الحادي والعشرين الميلادي ونسمع الكثير من القضايا التي لا تتناسب حتى مع العصور القديمة الموغلة في القدم.

إن أهل البيت (ع) قرآن ناطق، فماذا يعني القرآن في وسط الأمة؟ لا شك أنه يعني الوعي والتعقل والتفكر والتدبر والمحبة والتعاون والصدق والمؤاخاة والحوار والانفتاح والمحبة الدائمة، والله سبحانه وتعالى هو الرحمة المطلقة.

لقد جاء النبي (ص) من أجل الإنسان بما هو إنسان، في الشرق والغرب وفي كل زمان ومكان، فلا معنى لاختصار النبي (ص) في حدود المسلمين، لأننا لم نقرأ الرسول (ص) ولم نقرأ الإسلام كما ينبغي.

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.