نص خطبة:قراءة في تاريخ علم التربية (3)

نص خطبة:قراءة في تاريخ علم التربية (3)

عدد الزوار: 919

2017-11-04

الجمعة 1439/1/29هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

في الحديث الشريف المروي عن الإمام الصادق (ع) عن رسول الله (ص): «صلاتكم عليّ مجوزة لدعائكم ومرضاة لربكم وزكاة لأعمالكم»([2]).

وفي الحديث الشريف عن سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله (ص) يقول:«الحسن والحسين ابناي، من أحبهما أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغض الله أدخله النار»([3]).

التربية خارج دائرة الأسرة والمدرسة:

لا زال الحديث عن التربية وما لها من أثر في بناء الفرد الذي إذا تكثر تشكلت منه المجتمعات والشعوب والقبائل والأمم.

وفي الأسبوع الماضي تناولنا شطراً يتعلق بما تقوم به الأسرة من وضع للقواعد ورفع للأعمدة وتجسير فيما بينها. وحديثنا اليوم حول التربية خارج محيط الأسرة والمدرسة، ومما لا شك فيه أن لذلك بالغ الأثر في شخصية الولد أو البنت، بل ربما تكون هذه المرحلة هي الأكثر خطورةً، لأن الأبناء إنما يتلمسون طريقهم للخارج بعد أن تكون الأعمار تقدمت قليلاً، والملكات عندهم تطورت، والتطلعات باتت أكبر من أن تُسيَّج بسياج.

إن مرحلة المراهقة من أقسى المراحل التي يمر بها الأبناء والبنات، لكن مع شديد الأسف، عند الكثير من الأسر ربما تكون قد اقتربت من ملف الأبناء في مراهقتهم، لكنها تضرب صفحاً عما يعصف بالفتاة في سن مراهقتها، وهو الأقسى والأخطر، لأسباب يطول شرحها.

وأود أن أشير استطراداً إلى أن ضيف الشهر هذه الليلة هو الأستاذ علي صعيب، وهو استشاري أسري له محاضرة في هذا المكان، بعنوان: كيف نبني حياةً زوجية متوافقة.

أيها الأحبة: لا ينبغي أن نقلل ـ خصوصاً في هذا الزمن وهذه المرحلة ـ من صعوبة التعامل بين الآباء والأمهات من جهة، والأبناء والبنات من جهة أخرى، فاللغة تختلف، والثقافة تختلف، وعامل العاطفة في الآباء والأمهات يتغلب في الكثير من الأحيان، ويفرض وجوده على الميدان الأسري. فالأبناء لما تشتد وتكتمل القوة العقلية عندهم بعدُ، خصوصاً في مراحل المراهقة كما ذكرت، ورجل الدين لا يمكن أن يعطي أكثر مما أخذ، لأن كل إنسان يرجع إلى ثقافته ومحتده. وبحمد الله تعالى، أنه أنعم علينا بأساتذة أجهدوا أرواحهم وأبدانهم ليل نهار في سبيل الوصول إلى علوم ومعارف يساعدون على أساسها الآباء والأمهات في تجاوز مثل هذه المراحل.

الحاجة لمختلف العلوم: 

لذا من اللازم علينا أن نعطيهم المساحة الكافية التي على أساس منها يطرقون الأبواب، ويفصحون عما في داخلهم، ويفرغون من العلوم التي اكتسبوها. فالعلم ليس حصراً في مساحة علماء الدين، فهذا يسدّ مساحة معينة من حاجيات الإنسان، فالإنسان يحتاج إلى الكثير في حياته، كالطب، وهو علمٌ قائم بذاته، فلا ننتظر من رجل الدين أن يسعفنا في هذا الملف.

وكذلك الهندسة، فللمهندس دوره، ولا يمكن لرجل الدين أن يلعب دور المهندس، فهذا تخصص، والمهندسون درسوا في الجامعات وتخصصوا في مجالهم، وارتقوا إلى مصافّ الدراسات العليا، وألحقوا السنة بالسنة التي تليها، وتغربوا عن أوطانهم، كما هو الحال في رجل الدين في يوم من الأيام، حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه. وهؤلاء لهم مساس مباشر في حياتنا، وفي تأمين البيئة المناسبة للإنسان الذي يُتأمل فيه مشروعاً مستقبلياً.

فالمهندس عندما يفرغ جهده بعد تحصيله المعارف في سبيل تأسيس أصول بناء (بيت) لأسرة من الأسر، فإنه سوف يلاحظ جميع الجوانب، كالقدرات المادية والمستوى الثقافي والموقع والحيثية الزمانية والمحيط حول البيت من حيث القرب والبعد، والجيران والاكتظاظ السكاني، وغير ذلك من الأمور التي يأخذها بنظر الاعتبار في وضعٍ ما. ورجل الدين أجنبي عن هذا المجال، وهو أجنبي عن رجل الدين. ويبقى هذا الحقل لذوي الاختصاص.

ثم ندلف قليلاً إلى رجال الأعمال، الذين تناط بهم أيضاً مسؤوليات ومهمات كبيرة، فرجل الأعمال لا يعني أنه من يعمل في الميدان لتحصيل رصيد أكبر، إنما ينتظر منه الكثير في المساحات والميادين الخيرية، ومنها تأمين الحاجات للأسر، إما ذات الدخل دون المعدل، أو الأسر الفقيرة المعدمة، وإن كان قد اختلط الحابل بالنابل، فالمظاهر الخارجية قد لا تسعفك على تحصيل الحقيقة في تلك الدوائر التي يمكن أن تمد يدك لها وتأخذ بها إلى الشاطئ الآخر، ولكن بالنتيجة هؤلاء أيضاً يقومون بدور كبير، فهم الذين يوفرون لرجل الدين أيضاً ما يحتاج إليه إذا ما أراد أن يحلّق بجناحين، وهم الذين يؤمّنون سد العوز في الكثير من المساحات، إما على نحو اللزوم الشرعي، كالموارد الشرعية في الأخماس والزكوات وأمثالها، أو من باب الإنفاق المندوب، قال تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّوْنَ﴾([4]). والمال من موارد الحب التي يسعى الإنسان لتحصيلها، فيكون الإنفاق منها من أعمال البر.

وهذا بالنتيجة لا يحصل لرجل الدين غالباً، لأن الغالبية العظمى من رجال الدين لا يتمتعون بأرصدة مالية عالية، بحيث يجارون من خلالها رجال الأعمال. نعم، ما من قاعدة إلا ولها شواذ، وثمة ما يخرج منها استثناءً، فنحن لا نعمم هذا الحكم، إنما نقول: القاعدة هكذا، وهي أن رجل الدين ليس لديه رصيد مالي كبير، وإن وجد خلاف ذلك فهم قلة ممن يمتلكون رؤوس الأموال.

وهؤلاء ـ أعني رجال الدين الذين يمتلكون الأموال الطائلة ـ نستطيع أن نتعامل معهم وفق واحد من اتجاهات ثلاثة:

1 ـ أنهم رجال أعمال فقط، ونرفع اليد عن عنوان (رجل الدين) فيهم.

2 ـ أنهم رجال دين، ونرفع اليد عن كونهم رجال أعمال.

3 ـ أن نجمع بين هذين الاتجاهين، وهو والحق.

أيها الأحبة: البعض يتصور أن رجل الدين ينبغي أن يعيش تحت خط الفقر، لكي يكون في نظره ونظر غيره ورعاً تقياً مؤمناً قريباً من الله أكثر من سائر الناس، وهذا وهمٌ ليس في محله، فالإمام علي (ع) كان يعمل بيده في أيام النبي (ص) ويستنبط الماء ويحيي الأرض، ويغرسها وتدرّ عليه أموالاً، وهذا من حقه المشروع، ولنا في علي وآل علي أسوة، وهذا هو الواقع.

نعم، على رجل الدين إذا ما تهيأ له ذلك أن يضع في حسابه أمراً جديداً قد أضيف إلى ملفه السابق، فهو رجل دين توفرت فيه صفة رجل الأعمال، فهو مالك للثروة قادر على تحصيلها، فينبغي عليه أن يتعاطى الواقع بناء على وضعه الجديد.

العلم والورع:

وبالنتيجة يبقى رجل الدين مفردة من مكوّنٍ عام، وهذا المكون يحترم ويقدر بقدر ما يقدم، أما إذا أخذ مساراً آخر فعلى الأمة أن تتعامل مع الموقف كما هو الحال مع أي مفردة أخرى في المجتمع، فمن غير الصحيح أن نتخذ من موقف سلبي لمعلمٍ في مدرسة ذريعةً للتعميم على عنوان المعلمين، أو من موقف طبيب في مستشفى أو رجل أعمال أو غير ذلك من سائر العناوين. فرجال الدين كسائر أفراد المجتمع، لا يتمتعون بعصمةٍ، نعم، ربما تكون الحالة التي يعيشونها تؤهلهم أن يتقدموا في هذا المجال، ولكن ليس بالضرورة أن يكونوا قد تقدموا ووصلوا للهدف. بل هنالك الكثير من النماذج التي أخفقت، ولدينا الكثير من الشواهد سواء ما مرّ منها في التاريخ، أو ما عشنا شطراً منه في حياتنا.

فمن تلك الشواهد أن أحد العلماء فتح الله عليه حتى وصل إلى مقام المرجعية، فصارت الأموال من الحقوق الشرعية تجبى إليه من شرق الأرض وغربها، وتكونت لديه حاشية طويلة عريضة. وكان له زميل يتفوق عليه في أيام الدراسة في القدرة على تحصيل العلوم والمعارف، وكان يستظهر النصوص والشواهد والآيات ويفهم الدرس لأول وهلة، وكان هذا المرجع إذا ما صعب عليه فهم مفردةٍ ما في تلك الأيام يرجع إلى زميله هذا. ولكن هذا الرجل لم يوفق أن يصبح مرجعاً أو وجهاً من وجوه الطائفة. فتقدم العمر بهما، وشاء الله تعالى أن يمرض هذا الرجل العالم مرض الموت، فعاده صاحبه المرجع الذي ذكرته أولاً، وسأله عن حاله، فأجاب: وهل ترى حالاً أسوأ من حالي هذا؟! فقال له المرجع: هوّن عليك واصبر، فلا رادّ لقضاء الله تعالى، فإن كتب لك السلامة فبها، وإن جاءك الأجل فهو الحق، وأنت في الحالين لا خيار لك، وكل شيء بيد الله تعالى، وليس لنا جميعاً إلا أن نشكر الله تعالى على السراء والضراء.

فقال له: أتذكر أنني كنت أفضل منك في أيام الدراسة؟ وكنت ترجع إليّ في فهم المطالب والمفردات؟ قال: نعم. قال: هنا تخلَّف العدل الإلهي! فليس من العدل أن تصبح أنت مرجعاً للطائفة وأنا لا أكون كذلك!. فاستغرب المرجع هذا الكلام، ثم قرّب منه القرآن ليقرأ فيه لتهدأ نفسه وتطيب روحه، فقام بفعل قبيح يصعب قوله عليّ وسماعه عليكم، إذ أخذ القرآن من المرجع وفتحه ثم بصق فيه وأغلقه، والعياذ بالله من فعله.

إن هذا المحيط الخارجي يعصف بالكثير من الناس إلا من قُدّر له رقابة جيدة من أبوين يحملان المسؤولية والشعور بها، أو إخوة تقدموه وتقلبوا في الكثير من المجالات، أو رفاق صالحون.

أصناف المحيط الخارجي:

والمحيط خارج الأسرة يوصلنا للمدرسة، وهذا بدوره يوصلنا للمحيط العام، والمحيط العام عبارة عن كثير من المجالات، وهي موزعة ما بين الخير والشر وما هو مخلوط من الأمرين.

وهذا المحيط الخارجي مؤثر على تشكيل أو تَشكُّل حالة الناشئ ذكراً كان أم أنثى، ومساحاته كثيرة.

ولنسأل أنفسنا هذا السؤال: كم هي النسبة المئوية التي تقف مع أبنائها لتستشرف واقع الأبناء خارج حدود المحيط الأول (الأسرة) والمحيط الثاني (المدرسة) ؟ وكم هي نسبة من يجلسون مع أبنائهم جلسة صداقة لا جلسة الأب المتسلط مع الولد الضعيف؟ جلسة الأب المتحمل للمسؤولية، يشعر أن امتداده الطبيعي هم هؤلاء الأبناء الذين يدرجون بين يديه. كم نسبة هؤلاء؟

إن للأسرة انعكاساً على تشكيل الواقع الاجتماعي خارج حدودها، لأنني عندما أغرس النواة في الخارج، إن كانت صالحة ستؤثر بالمحيط، وقد تتأثر به، وبقدر ما تتشكل وتتكون فيها عناصر القوة والقدرة بقدر ما تعيش حالة من الاستقرار والقدرة على التأثير في المحيط من حولها، والعكس صحيح، وهذا في الابن والبنت معاً. 

الوطن والثقافة الوطنية:

والأمر الآخر هو الثقافة الوطنية وما لها من واجبات ومردودات في الوقت نفسه، فالإنسان عندما يعيش محيطه لا يمكن أن ينفصل عنه، لأنك من هذا المكون، من مائه وترابه وهوائه ونوره، أي من هذه العناصر الأربعة التي تتكامل فيما بينها ليتشكل منها إنسان سويّ على وجه الأرض، فهذا يولد في هذا البلد، وذاك يولد في بلد ثانٍ، فتكون علقة الانتماء متجذرة، وليس من السهل أن يرفع الإنسان يده عنها حتى تحت الضغوط القاسية، إذ يبقى الإنسان يحمل هوية الوطن الذي ولد فيه، ويسمى في الاصطلاح الفقهي مسقط الرأس.

والحالة الحضارية المتقدمة الموجودة اليوم ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير في تحديد مفهوم الوطن، وما له وما عليه من التزامات. فإذا شعر الإنسان بأهمية الوطن فسوف يعيش مرتاح البال ويرتب أوراقه كما يحب، وسيجد نفسه في حدود حاضنة طيبة مباركة، وهذا بالتأكيد ينعكس على الإنسان.

فعدم شعور الإنسان بروح الانتماء له آثار سلبية وخيمة بلا شك، متى ما ترك مساحة منها تم استغلالها من قبل الآخر ودفعت الضريبة باهضة التكاليف، وها نحن نرى ما يحصل في الدول من حولنا.

الصحبة والأصحاب:     

ثم يأتي دور الرفقة والجماعة، وهي مساحة مهمة، وهي عصب أساسي في تشكّل الفرد، فثقافتنا في المعظم هي ثقافة سمعية، ونسبة القراء في وسط الأمة قليلة جداً، بدليل أن المكتبات العامة خاوية على عروشها، لا يطرقها إلا من يلزمه البحث والحاجة في تحصيل المصدر.  

بل إن بعضهم ينقل لي فيقول: كنت أمين مكتبة في حاضرة علمية معينة، وكنت أعرف أحد الشباب من الدارسين في تلك الدائرة، وكنت أتوقع أنني سوف أرى ذلك الشاب يتردد على المكتبة كل يوم للضرورة الماسة، ولوجود المصادر المتوافقة مع ما اختاره من البحث العلمي، والتي لا توجد إلا في هذه المكتبة وإن وجدت فهي باهضة الثمن، إلا أنني لم أر له عيناً ولا أثراً لا في يوم ولا يومين ولا أسبوع، فقلت في نفسي: ربما يحتاج إلى شهر، وانتظرت شهراً، إلا أنه لم يظهر له أثر. وإلى آخر السنة لم يطرق تلك المكتبة العامة في الحاضرة العلمية المذكورة.

يقول الإمام الحسن (ع): «وإذا نازعتْكَ إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك»([5]). فانظر من يعينك على التفوق فصاحبه، وعلى تحصيل المراتب العلا في العلوم والمعارف. أما صحبة المكاشرة والمجاملة والضحك والولائم لا بد أن تتجاوزوها، لأن القادم صعب، ولا يذلل إلا بالعلم والمعرفة، وهذه الجلسات على حساب تحصيلكم للعلوم والمعارف. فالصحبة الطيبة تأخذنا نحو الخير، أما صحبة السيئة فتأخذنا نحو الشر والعياذ بالله.

ومن المواقع الموجودة اليوم الاستراحات، التي باتت تحاصر الأسر، وتحاصر المجتمع داخل القرية والمدينة، ولن يستطيع أحد إلغاء الاستراحات وأماكن تجمع الشباب، ولكن من الممكن أن نشد العلاقة معها، وأن نكون قريبين منها، فشبابناً طيبون، ملتزمون، محبون للخير، بل إنهم لم يجتمعوا إلا من أجل ذلك. ولكن يكفي أن تُغرَس نبتةٌ غير صالحة في وسطهم فتفسد الجميع.

لذا أنصح وألتمس من أحبائي أن يأخذوا بعين الاعتبار في تكوين الإنسان أن يكون متفوقاً قريب النسيج مما أنتم عليه حتى يعطي زخماً ويضخ دماً جديداً في هذه المجموعة، أما إذا وجدتم من يقطع الطريق بينكم وبين المساجد أو الحسينيات أو حتى الفواتح من الأرحام، بسبب ساعة أو ساعتين يقضيها مع الشباب فضعوا عليه علامة استفهام، لأن هذا التراجع سوف يدفع بكم إلى تراجع أشد سوءاً.

لقد قلت قبل سنوات: إذا كان الغرض من وجود الشباب في الاستراحة عدم المجيء للجامع أو الصلاة في جماعة المؤمنين أو المسلمين عامة، فعلى الأقل تقام الجماعة في الاستراحة، كي لا نحرم الثواب، وتكون لدينا صلة وعلقة بالصلاة.

قد يقول قائل: ولكن ليس لدينا اطمئنان بمن يؤمنا في الاستراحة. أقول: إذا اجتمع جماعة في مكان للاستراحة، ولم يجدوا بينهم من يثقون به ليضعوا أمانة الصلاة في يده، فليقرأوا الفاتحة عليهم وعلى استراحتهم، فصلاة الجماعة لا يشترط فيها سوى العدالة وطيب المولد وحسن القراءة، ولا يشترط في الإمام أن يكون رجل دين. فعلى أقل تقدير تقام هذه الشعيرة المقدسة بأي حال ممكن.

ونحن للأسف الشديد نحفظ الكثير من الروايات في إقامة الشعيرة الفلانية أو الفلانية، ولا أريد أن أقلل من قيمتها، ولكن صلاة الجماعة من أعظم الشعائر، وكذلك مجالس الإمام الحسين (ع) وأمثال ذلك من الشعائر المهمة.

وممن تلقى على عواتقهم مسؤولية كبيرة أيضاً: دور العبادة والتوجيه الديني، فرجل الدين مسؤولية وليس عنواناً، فالناس تقدم الخدمة لرجل الدين والاحترام، بل تفرش الطريق له وروداً كي يعبر، ولكن المهم في الأمر هو مقدار ما يقدمه لمجتمعه من الخير. إلا أننا مع الأسف نشهد أحياناً انقلاباً في المعادلة، وهو مقدار ما أسسه من الشر في المجتمع، لا مقدار ما قدم من الشر.

وكذلك وسائل الإعلام الحديثة، فهي أشبه بالسكين، التي يمكن أن تستخدم في المطبخ فيما هي مخصصة له، ويمكن أن يُطعن بها إنسان وتزهق روحه. فلا أحد يمنعك من  استخدام الجوال، ولا من شراء ما هو الأحدث والأفضل في هذا المجال، ولكن ما هو الهدف؟ وكيف تستخدمه؟ هل فيما يقربك إلى الله؟ أو ما يقربك من غيره؟ فوسائل الإعلام الحديثة أصبحت تعصف بالمشهد بشكل كبير.

نسأله تعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.