نص خطبة:قراءة جديدة لولاية عهد الإمام الرضا عليه السلام (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.
في الحديث الشريف في فضل الصلاة على النبي (ص): «لَنْ يَلِجَ النارَ من صلى عليَّ»([2]).
وفي الحديث الشريف عن النبي (ص) أيضاً: «أوحى الله إلى بعض أنبيائه: قل للذين يتفقهون لغير الدين، ويتعلمون لغير العمل، ويطلبون الدنيا لغير الآخرة، يلبسون للناس مسوك الكباش، وقلوبهم كقلوب الذئاب، ألسنتهم أحلى من العسل، وأعمالهم أمرّ من الصبر. إياي يخادعون، وبي يستهزئون، لأتيحن لهم فتنةً تذر الحكيم حيران»([3]).
الفقاهة واحدة من النعم التي لا تدرك إلا بعد جهد وعناء طويل، لكن ذلك لا يعني أنها لا يمكن أن تدرك، فأصحاب الهمم العالية والطاقات والإمكانيات والمواهب الذين يتطلعون لما هو الأفضل، بمقدورهم أن يصلوا وأن يحققوا ذلك.
من ثمرات القبول بولاية العهد:
في الحديث حول ولاية العهد للإمام الرضا (ع) ذكرنا أن ثمةً أموراً عالية القيمة، رفيعة المنزلة، لو أننا أردنا أن نقرأها قراءة تاريخية فسوف نقف على الكثير من مفترقات الطرق، بعضها يأخذنا إلى أقصى اليمين والآخر إلى أقصى اليسار، غير أن الجادة الوسطى هي التي ينبغي أن يلتقي عليها المساران.
إن الإمام الرضا (ع) بقبوله ولاية العهد اختصر الكثير من المسافات وقلّصها إلى الحد الأدنى الذي يمكن أن يوقَف عنده دون إخلال بالغرض الأساس، ألا وهو ذلك الذي انتدب الإمام الحسين (ع) الأمة في سبيل تحقيقه، وهو الإصلاح، سواء في بُعده الخاص بالنفس، أم بعده العام في أبناء الأمة قاطبةً.
1 ـ العرض العلمي لمعطيات التشيع:
فمن الآثار المترتبة على قبوله ولاية العهد وذات الفائدة الكبيرة، بعد فترة من الإقصاء والتهميش لأبناء علي وآل علي (ع) هي القدرة على عرض معطيات مدرسة أهل البيت (ع) التي كانت مقصاةً فترة من الزمن، بحيث أُدخل شطرٌ منها في عالم النسيان عند البعض من أتباع بعض المدارس.
ومن الملاحظ في مسيرة الإمام الرضا (ع) أنه كان يلقب بالفقيه لكثرة الفروع ذات المساس المباشر بحاجات الناس، مما أوجد جواً وتوجهاً خاصاً صوب هذا الإمام العظيم الذي بات يفرغ عن مدرسةٍ نسيها الزمن، وقيّد حركتها قسوة الحاكم العباسي بدرجة كبيرة. فقد طرق الإمام الرضا (ع) أبواب التفسير والفقه، لكنه الفقه العملي، فمن السهل أن يصنف العالم دورة في الفقه والمسائل الشرعية من الطهارة إلى الديات، فالمصادر اليوم متوفرة، والتقنيات الحديثة في الاستقطاع متيسرة، ولكن ليس من السهل أن يقترب من الفقه العملي للناس، الذي يعيش الناس وهم بمسيس الحاجة له، فهذا هو المهم. لذلك تضيع بعض الجهود، وتُشتت بعض الطاقات في أمور تكررت كثيراً، فلا تجد ما يشدّك للكثير من الموسوعات الفقهية المسطرة، حتى باتت مسألة القص واللصق، كأنها في أجواء تبادل المعلومات في وسائل التواصل الاجتماعي بين سائر الناس، فهي تحكم الكثير من الموسوعات التي تملأ رفوف المكتبات.
فالإمام الرضا (ع) كان ينتقي ويقترب من واقع الأمة في أفرادها، لذلك كان يتعامل مع الفتوى على أنها علاج لمرض.
كما أنه انفتح على أبواب الفقه في جميع مكوناته وعناوينه، لأن الحاجة الماسة كانت تفرض نفسها. ومما يحقق ذلك ويساعد عليه وجود حالة من المتنفس لأتباع مدرسة أهل البيت آنذاك، مما حرك الذهنية فوصلت إلى ما وصلت إليه. وهذا أمر لا يمكن التقليل من أهميته، بأن يقبل الإمام ولاية العهد في سبيل أن تأخذ علوم أهل البيت (ع) وآراؤهم ونظرياتهم وعطاءاتهم ومنهجهم مساحتها كما ينبغي من الدائرة الإسلامية الكبرى، بل هذا إنجاز كبير جداً.
2 ـ فتح أبواب الحوار مع الآخر:
والأمر الآخر الذي ترتب على ولاية العهد هو فتح باب الحوار مع الآخر، الذي يحكي لوناً آخر من ألوان وأطياف الساحة الإسلامية. وهذا الأمر أتاح له (ع) أن يفتح مساحة واسعة للرد والبدل، بين أتباع جميع المدارس الإسلامية، لذلك حضر في مجلسه، وهو مجلس العلم والفتوى والمناظرة والقضاء والفصل في الحكومات، أرباب المذاهب الإسلامية قاطبةً دون استثناء، فالمكوّن الشيعي بجميع مذاهبه، والمكوّن السني بجميع مذاهبه، أي أن المنظومة المذهبية الإسلامية كانت حاضرة بين يديه.
والإمام (ع) كان يمتاز بخاصية لا تتوفر في غيره من أرباب المذاهب الأخرى، هي أنه عندما يستندُ إلى دليل كان يرويه بطريق معصوم، عن أبيه عن جده حتى ينتهي لرسول الله (ص)، وهذا امتياز خاص. فأولئك الذين كانوا يضربون آباط الإبل من أواسط آسيا، ويجتازون المصاعب، ويضعون أنفسهم في دائرة الخطر والتلف في سبيل الوقوف على راوٍ لحديثٍ في أزقة مكة أو المدينة، أصبح الإمام الحامل لفكر أهل البيت (ع) وأحاديثهم بين ظهرانيهم.
لقد قطع هؤلاء العلماء المسافات الطويلة للتشرف بلقاء الإمام الرضا (ع) الذي كان يمثل ولاية العهد في الجانب السياسي، وإمامة الأمة في الفتوى. فحصل أن كان الإمام يفيض عليهم بعطاءاته، وحصل ما حصل من الحوارات والنقاشات والرد والبدل. ومن الطبيعي أن مجالس العلماء التي تحترم نفسها لا تغادر مساحة الدليل والدليل المقابل، ولا تنحو منحى الشخصنة، إنما تتعاطى مع ما يفيضه الإنسان من عطاء وعلم.
من هنا فإنك متى ما وجدت السب والشتم والتسقيط سيد الموقف، فاعلم أن المحرك وراء ذلك عمامة يسكنها ألف شيطان وشيطان، لأن العلماء الأتقياء البررة أتباع الدليل، يميلون معه حيث مال، وحجتهم آيةٌ محكمة، أو حديث صحيح معتبر، وما كان خارج ذلك فهو اجتهادات شخصية وكلها محل تأمل.
فالإمام الرضا (ع) إذا تكلم فكلامه الفصل، والنقاش يقع بين أطراف المذاهب الأخرى، وكل منهم ينتصر لقوله، فيبحثون فيما بينهم عمن هو الأقرب لقول الإمام (ع) أما قوله هو فيمثل الميزان والمعيار. ألا يكفي هذا عظمةً؟ ألا يدلل على قدرة هذا المذهب واستحكامه من حيث الأصول والقواعد؟
3 ـ البناء الفكري لأتباع أهل البيت (ع):
كما أن الإمام (ع) عمل جاداً على بناء ذات الإنسان الموالي، وهذه القضية لا تختصر في زمن الإمام حال وجوده، بل لا تزال آثارها إلى اليوم نتلمسها من خلال الموروث الذي خلفه وراءه.
إن موروثنا عظيم، وإن دخل فيه غثٌّ، فلا ينبغي أن ننظر إليه بعين واحدة، فالبعض اليوم مع شديد الأسف ركب مطية الشيطان في النيل من بعض الأصول في هذا المذهب الشريف، وهذه مصيبة وكارثة. وأقول هنا بشكل صريح: من كانت لديه الرغبة في مغادرة هذا المذهب فليفصح عن ذلك ويعلن عن مغادرة المذهب لأي مساحة يشاء، كي لا يحمّل المذهب تبعات ما يتفوه به ويتبناه، والعمامة لا تستر على توجهات أي إنسان كان، بل على العكس من ذلك قد تكون العمامة مرشدة لواقع مرير في داخل ذلك الإنسان.
مشكلتنا أننا نستغرق في باب الطهارة والصلاة وغيرها حتى نصل في الوساوس إلى مساحة قريبة من تلبية الرغبة لإبليس، كي يبعدنا عن الله سبحانه وتعالى، أما الأمور الأخرى كالدين المعاملة وغيرها فإنا نوصد الباب عليه.
فالإمام الرضا (ع) عمل جاداً على بناء الإنسان المحسوب عليه، وحاول أن يجعل منه أنموذجاً راقياً، بمعنى أن الرائي لو رآه متحدثاً قرأ فيه أنفاس الرضا (ع)، وإذا رآه يقوم بعمل ما، قرأ فيه حركات الإمام الرضا (ع) وهكذا من تَقدَّمه من آبائه ولحقه من أبنائه (ع).
وهذا البناء كان في اتجاه أساس وهو العقيدة، فكان (ع) يعمل على تثبيت العقيدة في وجدان الإنسان الموالي، فيما يعنيه من أحكام أولية وفيما يتفرع عن ذلك من آثار.
4 ـ مواجهة حركات الانحراف:
وقد كان دور الإمام الرضا (ع) متعقباً لمرحلة صعبة، بعد هزات عنيفة هزت المكون الشيعي، وهي هزات في مساحة العقيدة.
فمن تلك الهزات العقدية ما عرف بحركة الفطحية، وهم جماعة من أتباع مدرسة أهل البيت (ع) أتباع عبد الله الأفطح ابن الإمام الصادق (ع)، وقد انتهجوا منهجاً ومذهباً خاصاً بهم، إلا أنهم من المحسوبين على مدرسة أهل البيت (ع). وقد تبعهم جماعة من الناس، كما يحصل اليوم في الكثير من التحركات التي تسلك طريقة: (خالف تعرف) فهو أقصر الطرق الموصلة للشهرة، بقطع النظر عن كون المخالفة حقاً أم باطلاً. وهذا الطريقة تنجح بشكل كبير، لا سيما في المجتمعات الجاهلة التي لا تسبح إلا في المياه الآسنة والفكر الضحل والحكايا والروايات الموضوعة المدسوسة المسمومة للقضاء على المذهب من داخله.
هذا عن الفطحية، أما الإسماعيلية فقد تركوا لهم بصمة أيضاً، وإسماعيلية الأمس ليسوا إسماعيلية اليوم.
ثم الواقفية، وهم الأخطر، وهؤلاء نشأوا بسبب دراهم معدودة وصراع على أموال، إذ استشهد الكاظم (ع) وكانت بيد بعض وكلائه أموال، فرفضوا دفعها للإمام من بعده، وادعوا أن الإمام الكاظم لم يمت، وأنه كان كعيسى (ع)، رفعه الله إليه، وأنه المهدي المنتظر، وهذه طامة كبرى، وكانت فترة قاسية صعبة على أتباع مدرسة أهل البيت (ع).
ومما يميز تلك الحركة ويجعلها أكثر خطورة أن فيها بعض أصحاب الإمام الكاظم (ع) ووكلائه، وكان بعضهم قريباً من الإمام (ع). لذا ينبغي أن لا يعجب البعض ولا يستغرب إذا حصلت لدينا بعض الهزات اليوم. فإن حصل صراع بين بعض الوكلاء بسبب أموال فهو أمر طبيعي حصل في الماضي ويحصل.
إننا عندما نحتفل بمواليد أهل البيت (ع) ونحضر مجالس العزاء لهم، فلا بد أن ننتفع بتلك المجالس، وإلا فإننا نسيء من حيث لا نشعر.
5 ـ قطع الطريق أمام السلطة:
لقد قبل الإمام الرضا (ع) ولاية العهد، وبقبوله قطع الطريق على ما كان يجول في ذهن المأمون من مؤامرة، فقد رفع المأمون شعار الرضا من آل محمد (ع) وعمد لوجههم وسيدهم الإمام الرضا (ع) ليعرض عليه الأمر، فإن لم يرض به يكون قد ألقى حجته عليهم وعلى شيعتهم، بأن الأئمة (ع) لا يريدون التصدي للإمامة والقيادة. والبديل كان جاهزاً، وهو أخو الإمام الرضا (ع) زيد بن الإمام الكاظم (ع). وهذا أيضاً من الأمور الواقعة التي صرح بها القرآن الكريم، وليس أمراً مستغرباً. قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾([4]). فليس غريباً أن يكون الأب مقدساً والابن غير صالح. فمن الخطأ إذن أن نتعامل مع أبناء الأئمة (ع) على أنهم مثل الأئمة، ومن باب أولى أن لا يكون التعامل مع أبناء المراجع أو أبناء العلماء أو الوكلاء أو أئمة الجماعة أو غيرهم على هذه الوتيرة، فليس الابن كالأب. قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِيْنةٌ﴾([5]).
من هنا استطاع الإمام الرضا (ع) أن يقطع الطريق على المأمون كي لا يأتي بشخص آخر يجعله بموقع التصدي لأمور المذهب، فيصرفه حيث يشاء يميناً وشمالاً.
هذا الأمر يقودنا إلى ضرورة التصدي للشؤون المهمة في حياة الأمة، وعدم الجلوس في البيوت. فربما يدعونا البعض إلى ترك الحبال على الغوارب، وليس هناك أكثر راحة وسلامةً من ذلك، ومن طبيعة الإنسان أنه يميل للراحة والدعة، ولكن، هل هذا هو الدين الذي تغرّب من أجله النخبة من أبناء الأمة؟.
يقول الشهيد الصدر الأول (رضوان الله تعالى على روحه المقدسة) عن هذه الطبقة من رجالات العلم: الهاربون من مسرح الحياة الاجتماعية المنعزلون عن الناس زهداً وتعففاً وتقوىً كما يدّعون، هم في الحقيقة هاربون من المسؤولية.
نظرة في الجمال:
أيها الأحبة: إن هؤلاء وأمثالهم لا يدركون معنى الجمال، فجمال العالم وصاحب الشأن بأداء مسؤوليته. ومن المؤسف أن الكثير منا أيضاً لا يعرف معنى الجمال، فهنالك جمال حسّي ظاهري شهودي، وآخر معنوي روحي لاهوتي. والعاقل من يميز بين الجمال وضده.
فالجمال عند الفلاسفة عبارة عن صفة تلحظ في الأشياء تبعث في النفس سروراً ورضاً. أي أنها تلفت الانتباه وتجعلك تعيش حالة من التأمل والتخيل. فهل رأيت من ينظر إلى حديقة غَنّاء ثم يعرض بوجهه؟ أو يبصر امرأة جميلة تحل له فلا يتأمل فيها؟.
ويعدّ الجمال واحدة من النسب الثلاث التي على أساس منها يؤسَّسُ للقيم في أوساط البشرية، وهي: الخير، الحق، الجمال. ولكي نطبق هذه النسب على الواقع لنأخذ مثالاً حياً على ذلك، وهو النبي محمد (ص) فهو خيرٌ مطلق، وحق مطلق يقيني، وجمال كامل.
والجمال على ضربين: حسي ومعنوي، فكل أمر يدركه عقل الإنسان، ويصدقه القلب ويهش له ويطرب ويحن إليه، مع القدرة على لمسه والوصول إليه فهو جمال حسّي، أي أنه مجسدٌ خارجاً، ومن أبرز مصاديقه الإنسان. أما الجمال المعنوي فهو ما يُدرَك بالعقل والفكر والبصيرة المنفتحة، أي أن عامل القلب يُعطّل هنا بسبب وجود العاطفة فيه، ومن الممكن أنه يزيغ.
ومصداق الجمال المعنوي يُقتنص من الكلام تارةً، ومن الفعل تارةً أخرى. فمن الأول الكلام الجميل، كبيتٍ من الشعر نطرب له، أو آية من القرآن الكريم، والقرآن كله جميل. ومن الثاني أي جمال الفعل، فالعمل الصالح، وهو أجلى مصاديقه.
وفي الأيام الماضية ودع الوطن العربي عملاقاً من عمالقة الفن الأصيل الهادف، وهو المرحوم عبد الحسين عبد الرضا. وهذا الفنان يكفي أنه إنسان، والإنسان لا بد أن يُحترم، مسلماً كان أم غيره، طالما أنه احترم نفسه كإنسان، ومن لا يحترم الإنسان لإنسانيته فقد انسلخ من إنسانيته.
هذا الرجل كان يمثل أجلى مصاديق التميز، في الجمال والمحبة والهدوء والسكينة والوسطية والواقعية والثبات والسماحة والوطنية، فكل تلك الشذرات هي التي رسمت معالم أيقونة عبد الحسين عبد الرضا.
لذا نقول: إن الذين يودعون عبد الحسين عبد الرضا لم يودعوا جسداً ميتاً، إنما كانوا يودعون الفن الهادف.
إن المدارس الدينية ـ مع شديد الأسف ـ حاربت الفن، وأفقدت الجمهور الكثير من امتيازاته، تصوروا لو أن الفن المسرحي قدم لنا هجرة النبي (ص) كما ينبغي، وعرض لنا معطيات الرسالة كما ينبغي، وجسد لنا دور علي (ع) كما ينبغي، وقدم لنا مشهد كربلاء كما أراد الإمام الحسين (ع) وغير ذلك من الأحداث، فهل كان الحال يبقى كما هو عليه اليوم؟ فمتى نستيقظ من نومتنا؟
إن من خرجت الآلاف لتشييعه لم يكن آية عظمى، ولم يكن رئيس دولة، إنما هو ممثل، غاية ما في الأمر أن ما أوصله إلى هذا المقام هو التفاته إلى أن مفردة الإنسانية لا بد من الحفاظ عليها، لذلك كُرّم من الناس على أنه إنسان. ولذلك أيضاً، بكاه العربي وغير العربي، والمسلم وغير المسلم، إلا من كان في قلبه مرض وزيغ.
إن الفن قيمة حضارية، ولكن عند الأمم التي تعي قيمته، فما أوصل أوربا لما هي فيه من تقدم هو المسرح، وكذلك الأوبرا التي أوصلت أوربا في مسارها الفلسفي إلى ما وصلت إليه.
نسأل الله تعالى الرحمة لأرواح من مضى من شيعة أمير المؤمنين، ومن المسلمين والمسلمات، والشفاء للمرضى ونسأله قضاء الحوائج، وفتح الذهنيات، وتصحيح المسارات، والحفاظ على الأمن في بلادنا وسائر البلاد، وحفظ الحجاج في عامهم هذا والآتي من الأعوام إن شاء الله، ودفع غائلة السوء من أي جهة بدرت. ونسأله أن يعجل الفرج للخلف الباقي من آل محمد (عج).
والحمد لله رب العالمين.