نص خطبة:قراءة النص الديني بين سندان الموروث ومطرقة الحدثة

نص خطبة:قراءة النص الديني بين سندان الموروث ومطرقة الحدثة

عدد الزوار: 3389

2019-03-28

الجمعة 1 / 7 / 1440 هـ - 8 / 3 / 2019 م

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وآله الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيتنا خالصةً لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

دور العلماء في حفظ الشريعة:

في الاختصاص عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: «المتعبد على غير فقه كحمار الطاحونة، يدور ولا يبرح. وركعتان من عالم خير من سبعين ركعة من جاهل، لأن العالم تأتيه الفتنة فيخرج منها بعلمه، وتأتي الجاهل فتنسفه نسفاً، وقليل العمل مع كثير العلم، خير من كثير العمل مع قليل العلم والشك والشبهة»([2]).

لقد حُمل عن الناس ثقلٌ كبير بواسطة علماء الأمة من الماضين والمعاصرين، وكفوهم المؤنة، والعلماء في حركتهم، يرتِّبُ المتأخرُ منهم الأثرَ على من تقدم. مع شذرات تشعُّ في بعض المفاصل الزمنية، لتتكشف عن قامة علمية يُنظر إليها بعناية خاصة. وهذه الفئة أقل من القلة بين علماء الأمة، وأعني بالأمة جميع العناوين المندرجة في قاسمها المشترك، ألا وهي الرسالة الحقة التي جاء بها النبي الأعظم محمد (ص) عن ربه.

ما هو النص الديني؟:

وقد وصلتنا نصوص كثيرة، وكانت قد مرت بمن تقدم من الأجيال، من العلماء وغيرهم، ثم انتهت إلينا. ولا زال علماؤنا يتحركون في وسطها، يجمعون فيما بينها تارةً، ويطرحون أخرى، على قاعدة أن الجمع أولى من الطرح ما أمكن، كما هو مقرر في الأروقة العلمية.

والنص الديني عبارة واسعة تشمل الكثير من النصوص الدينية، حتى تلك التي عفا عليه الزمن، أو جاءت الرسالة المحمدية لنسخها. والمراد بالنص هنا أخص من ذلك بكثير، وهو ما اندرج تحت مفهوم (القرآن الكريم)، أو (السنة المطهرة). فالقرآن الكريم هو ما عند جميع المسلمين بلا اختلاف بينهم فيه، من جميع مذاهبهم المنضوية في منظومة الإسلام والمشتركة في قواسمه. أما (السنة المطهرة) فلها أبعادها ومفهومها المختلف بين المسلمين، (فالسنة) عند غير الشيعة، تعني ـ فيما تعنيه ـ الأحاديث التي وصلتنا عن النبي (ص) بواسطة أصحابه، ويندرج في الصحبة عندهم حتى أهل البيت (ع) كما هو صريح في موسوعاتهم الكبرى، وكتبهم المخصصة للبحث في هذا الجانب. أما (السنة) عند أتباع مدرسة أهل البيت (ع) فتشمل قول النبي (ص) وما جاء عن الأئمة المعصومين (ع) من علي (ع) حتى الخلف الباقي من آل محمد (عج).

وهذه النصوص الدينية عبارة عن مجموعة من الألفاظ والتراكيب، ويصدق ذلك على القرآن الكريم والسنة معاً. وهذا اللفظ الذي يُبنى عليه مكوّن (الكتاب والسنة) له مساران: مسار عام، ومسار خاص.

أما المسار العام، فهو ما يحتمل له الانطباق على أكثر من معنىً ومعنى، على العكس من المسار الثاني، وهو ما ليس له القابلية في الانطباق إلا في حدود ما أطلق عليه اللفظ، واستدعي المعنى على أساس من معطى ذلك اللفظ تركيباً، مادةً وهيئة.

وهذا الأمر يستدعي التوقف قليلاً، وطرح السؤال التالي: هل أن كلام العلماء من السابق، وكلام العلماء في اللاحق، يندرج في ضمن المسارين المتقدمين؟ بمعنى آخر: هل يصدق عليه أنه (نصٌّ ديني)؟ وبعبارة أوضح: هل فتوى المرجع، وكلمة الخطيب، وما يقرره المؤلف، هو في سياق النص الديني أيضاً؟ أو أن النص الديني يبقى في حدود (آية قرآنية) أو (حديث شريف) وينتهي الأمر عند هذا الحدّ؟

من الواضح أننا بمقدورنا أن نعطي حكماً بالمطلق بخصوص فتاوى الفقهاء، وهو أنها ليست نصوصاً دينية، فلا يمكن تعميم تلك الصفة القدسية الخاصة بالآية والحديث لتشمل كلام العلماء، من الفريقين. لأن المعصوم في الخارج هو القرآن الكريم، ومحمد وآل محمد فحسب، ولا معصوم سواهم. وكل ما عدا ذلك لا يصار إليه، ولا يُدّعى له القدسية والعصمة بحيث لا يستطيع من يأتي من بعده تغيير الحكم الذي أصدره. فما من فقيه إلا تتبع الفقهاءُ الآخرون أقواله وفتاواه، وحاكموها، وهذا دليل على أن مساحة القدسية فيها الكثير من المسامحة. نعم، عند الرجوع إلى المرجع وأخذ الحكم عنه، باعتباري من مقلديه، أكون ملزماً بذلك، إلا أن هذا الإلزام لا يعني التعدية إلى الآخر.

ومن هنا نُدرك أن المسامحة في إطلاق تعبير (المقدس) على كثير من الأمور القولية والفعلية، فيه مساحة كبيرة للتأمل والتوقف، بل الرفض، وذلك لنعيش مع النص بما هو نص.

قراءتان للنص الديني:

أيها الأحبة: لدينا اليوم قراءتان للنص الديني، وليست قراءة واحدة، ومن أسباب ما يعصف بالمجتمع اليوم، من حالة التخلي عن الانتماء المذهبي أو الديني، عدم القبول لحراك القراءة للنص الديني، ولو أننا تركنا المساحة لمن يرغب في القراءة أن يقرأ بما أوتي من قوة، ثم أخذناها إلى مساحات الرد والبدل والنقض، وتأسيس الدليل والبرهان، لما حصل ما يحصل، وربما يكون القادم أسوأ، ما لم نغير بعض الأمور التي نصفها نحن بصفة القدسية، والتي لم تعط لها تلك القدسية، لا من الله في كتابه، ولا من النبي وآله في السنة المطهرة، غاية ما في الأمر أن الناس تبانَوا عليها وتعارفوا، وساروا معها إلى مسافات بعيدة.

من هنا فإن الحديث الذي استفتحنا به الكلام، يضعنا على الخطوة الأولى في الطريق الطويل الممتد، وهو أن عبادة العالم تختلف عن عبادة غير العالم، لأن العالم يعبد على بصيرة من أمره، فلا تلتبس عليه الموارد، ولا تداهمه الفتن، على العكس من العابد الذي لا يتكئ على أساس من حصيلة علمية، فترى الرياح تتقاذفه ذات اليمين تارة، وذات الشمال تارةً أخرى. وقد ضربت فيما مضى مثلاً بذلك الراهب الذي كان يتعبّد، وابتعد عن الناس، ولاذ بدير في قمة جبل يشرف على سهل من تحته، وخلا بربه، فلا يصل إليه إلا الأوحديّ من الناس، ولكن عندما ائتُمن على أمانة خانها، وكانت الأمانة فتاة سلمها له أهلها ليحفظ شرفها، فجاءه إبليس من أوسع الطرق.

فحريٌّ بنا أن نكون عُبّاداً، ولكن على علم ووعي وبصيرة وهدى، أما العبادة التي لا يحركها هذا الرافد، فسوف نتخلى عنها في يوم من الأيام، بل على العكس من ذلك تماماً، قد ننتقدها بل نسعى لهدمها. وهذه هي المشكلة التي نعيشها اليوم.

لدينا إذن قراءتان للنص الديني ـ كما قلنا ـ ولكن لا بالمطلق، إنما هنالك قيود، على أن الأصل هو الإطلاق. ومن يخشى من قرع الحجة بالحجة هو الإنسان الضعيف، كائناً من كان، وفي أي زمان أو مكان أو قضية. فمن يلجأ للمنافذ الكثيرة للهروب من مواجهة الواقع، ما هو إلا ضعيف، وهذا من أوضح أدلة الضعف. أما من كان على قدرة كافية في تلقي القراءة الجديدة ومناقشتها وطرح ما لديه من أدلة، فسوف يصل إلى النتيجة المرجوة.

فالقراءة الأولى للنص الديني، هي القراءة المتعارفة، كما جرى عليه منهج علمائنا كابراً عن كابر، من الصدوقين، إلى الشيخ المفيد، إلى الشيخ الطوسي، وهكذا إلى يومنا هذا. فهذه قراءة في نسق واحد، ونظم واحد، وهي القراءة الموروثة. أي أن التعامل مع النص الديني يكون من خلال قواعد منظومة، لا يتجاوز حدودها الفقيه أو الباحث.

وهذه القراءة قدمت وأعطت الكثير، وحافظت على الشريعة في الكثير من المواطن. ولا زالت اليوم هي سيدة الموقف، وأكثر ما في عمليات الاستنباط اليوم هو بناء على هذا النسق من القراءة الموروثة.

وقفة مع القراءة المعاصرة للنص الديني:

والقراءة الثانية هي القراءة المعاصرة للنص الديني، وهذه القراءة هي ما نعيشه اليوم، والتي يحاول البعض أن يجعلها سيدة الموقف. وهي تعني ـ بعيداً عن حالات التشكيك ـ استخدام نظريات حديثة، وأخرى مطوَّرة. أي أنها من الموروث أيضاً، ولكن أُضيف إليها، وطُورت وأصبحت أكثر تقدماً، وأدارت ظهرها قليلاً لما كانت عليه سابقاً من الموروث.

وهذه المدرسة بدأت في أوربا بعد الفترة المظلمة، فتقدمت أوربا على أساس من استنطاق النص الديني المسيحي. وروّاد مدرسة التحديث اليوم، يسعون من أجل أن يحركوا الآليات في النص الديني، فإذا تحركت تلك الآليات في النصوص الدينية، فمما لا شك فيه أنها سوف تحدث صدمة للمجتمع، بصفتيه الخاصة والعامة، أي المجتمع الحوزوي في دائرته الخاصة، والمجتمع بما هو مجتمع يتصف بصفة الانتماء لمدرسة ما، سواء عند الشيعة أم السنة.

وبالنتيجة أن هذا الأمر لا بد منه، ولو بعد حين، وقد تصمد مدرسة الموروث لفترة معينة من الزمن، ولكن لا مندوحة من قبول الأمر الواقع الذي سيفرض نفسه في القادم من الأيام، لأن من يقرأ الساحة من حوله، يجد أن مدرسة الموروث باتت تتخلى عن بعض المواقع، وترفع أقدامها لتتخلى عن بعض المواقع لصالح القادم. ولا إشكال في أن تكون قديماً متجدِّداً، لكن الإشكالية تكمن في أن تحصل حالة التجديد لا على أساس من التدريج، إنما على أساس من الدفعة الواحدة، أو (الصدمة)، وعندها يضيع المجتمع ويتشتت، وتتقطع جميع العلاقات في دائرتها الخاصة (الحوزة) أو (الجامع) وفي المنظومة العامة فيما هو أوسع من ذلك (المجتمع). ففي المجتمع الشيعي الخاص هنالك (حوزة) وفي المجتمع السني الخاص هنالك (الجامع). ولا فرق أن يكون الأثر المذكور عند أتباع هذا المشرب أو ذاك، فالنتيجة واحدة.

ثم إن هذه الحالة من القراءة، هل هي جائزة أم محرمة؟ هنا يأتي الموروث ليضغط أيضاً، جراء بعض التحسس المعين، حال أن الأصل هو الجواز، وما عداه يتم الحديث عنه تفصيلاً، فيؤتى بالقرائن والفروع بناء ما هو أصل، من خلال مدرسة موروثة وصلتنا، وهي مقبولة ومحترمة.

ولهذه القراءة المعاصرة اتجاهان أيضاً:

الأول يدعو لتجديد القراءة، مع الرغبة الجادة في الحفاظ على روح النص الديني نفسه، من خلال الإفادة من كل ما هو متاح من آليات جديدة تقدم فيها الإنسان علمياً، كما هو الحال في علوم اللغة، والعلوم الإنسانية، وكلاهما يمثل الرافد الأصيل للنص المقدس، لكن على أساس من الوعي. أما إذا تحسسنا من القادم، فمما لا شك فيه أن النتائج ستكون سلبية، فإذا انفتحنا على القادم، فمما لا شك فيه أن النتائج ستكون إيجابية، والأمور تقدر بقدرها وتوزن بموازينها.

ويفترض هنا بأهل الحل والعقد أن يكونوا هم أصحاب المبادرة في الاحتواء، وعليهم أن لا ينتظروا من الشارع العام أن يكون صاحب مبادرة، لأن الشارع فيه الواعي والغافل، والعالم والجاهل، فإذا خلطنا بين هذا وذاك فلن تكون النتيجة جيدة، إنما تكون منقوصة مثلومة. وهذا الثلم، مع مرور الأيام يتسع، ثم يتسع، حتى نجد أن فلاناً غادر مساحة المذهب، ثم تبعه فلان فغادر مساحة الدين كله، وفلاناً اختار اللادين، وهكذا.

بالأمس القريب كنت في خدمة بعض الإخوان في بعض القرى، فرأيت أن الوضع ـ الذي لم يكن مخيفاً من قبل ـ قد أصبح مخيفاً، والأرقام في ازدياد. فلم لا نسعى إلى لملمة بعض الأوراق، ونطور من خطابنا، ونحسّن من أدائنا في القراءة، كي نضمن بعض الأمور ونحافظ على المكَّون؟.

فهذه القراءة، بهذا الشكل الذي طرحناه، قراءة إيجابية مرحَّب بها بلا شك. فهي تعتمد آليات حديثة ولكن في حدود الحفاظ على الأصالة. فعلى سبيل المثال، لا يمكن لحاكم من الحكام اليوم، أن يصنع السيوف والرماح للحفاظ على كيان دولته، بل يتعين عليه أن يجلب أحدث ما أنتجته المصانع في العالم من أجل حفظ الأمن والنظام. فإن كان هذا معقولاً ومقبولاً في الجانب الأمني والعسكري والاقتصادي، فمن باب أولى أن نستفيد من الآليات المتوفرة في الجانب الديني، وإلا فإن مجموعة من العلوم التي ندرسها اليوم ونستنبط منها الأحكام الشرعية قد لا يتوفر فيها عنصر التوافق المذهبي أصلاً، فعلم أصول الفقه وضع الحجر الأساس له أتباعُ المذاهب الأخرى، ومن تقدموا في اللغة العربية وقطعوا الأشواط البعيدة فيها هم أتباع المذاهب الشقيقة الأخرى، وهذا لا يعني رفع اليد عنها، لأن العقل يسمو ويرتفع إذا انفتح، ودخل دائرة النقاش، وراح يستنطق ويستخلص، فهذه المراحل الثلاث، إذا مشى فيها الإنسان إلى آخرها استطاع أن يكون بمثابة مفردة مهمة في دفع عجلة الموروث إلى ما هو منتظر، وفي غير ذلك ستكون الأمور صعبة جداً.

أما المسار الثاني ـ وهو ما نخافه ونخشاه، وهو يتحرك مع شديد الأسف، وله أنصار وأتباع بطبيعة الحال، فلا رقابة هناك، ولا عمل جاد في سبيل الأخذ والرد والبدل ـ فهو ما لا يبتغي من وراء تجديد القراءة للنص والخطاب الديني، إلا هدم الدين، وخلخلة الثوابت في الموروث، خصوصاً في أصل قواعده. بحيث إنه يتناول حتى الآية الصريحة، فيحاول تحريكها، حال أنها قابلة لتحمل أكثر من معنى، كما أشرنا في أول الكلام.

فقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾([3])، لا يمكن توجيهها يميناً ولا شمالاً بما يؤدي إلى إلغاء بند القصاص من قانون العقوبات الإسلامي. وهكذا الكثير من الشواهد.

والسؤال هنا: ما هو سبيل التعامل مع هذا الصنف الأخير الذي يبتغي هدم الدين كما ذكرنا؟

لدينا في مقام التعاطي مع هذا الاتجاه مساران لا ثالث لهما:

الأول ـ اتباع الحجة والبرهان، وهو ما ينبغي أن يكون، قال تعالى: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن﴾([4]). ولا بد أن يكون الجدال من خلال العقل، لأنهم يدّعون أن أصل حركتهم هي العقل، وأن العقل هو الرافد والأساس والمرتكز، وقد تكلمت عن العقل كثيراً فيما مضى من الخطب، في مناسبات مختلفة، وذكرت أن العقل ليس حكماً فصلاً في جميع الموازين، وإلا لأصبح جميع البشر معصومين، وهو أمر غير معقول مطلقاً.

الثاني:أضف إلى ذلك الشرع، واللغة، بأن نسبر أغوارها، والواقع، أو ما يعبَّر عنه بالعُرف، فهذا لا يمكن إلغاؤه، والعرف في الكثير من الأحايين يشكل حالة ضغط على الباحث، سواء كان باحثاً دينياً أم أكاديمياً، فلا يمكن التخلص من العرف ومن تبعاته.

وبناء على ذلك، أي إذا تحركنا على أساس العقل والشرع واللغة والواقع، فعندئذٍ لا تبقى مساحة لأيٍّ كان أن يطلق مفردة التكفير بإزاء المقابل، ولا يبقى مجال للتضليل، أو دعوى المؤامرة، فها نحن اليوم نجد البعض، بمجرد أن تختلف معه يتهمك بالتآمر على الدين أو المذهب، وهذا باطل، فليس كل من اختلف معك يكون متآمراً على الدين أو المذهب.

فالنبي (ص) يقف أمامه أعرابي فيقول: اعدل يا محمد، ولم يقل له النبي (ص): إنك متآمر. إنما التفت إلى علي (ع) فقال له: يا علي اقطع لسانه. فأخذه علي (ع) إلى الوادي، وقال له: خذ ما تشاء وانصرف إلى أهلك. وكان النبي (ص) يريد من قطع اللسان، كفّه عن الكلام الزائد بإرضائه، وليس القطع الحقيقي. ولو كان غير علي (ع) لما استطاع أن يقرأ النص النبوي كما قرأه علي (ع) وفهمه.

ومن هنا نقول: إن القراءة الواعية للنص لم تكن وليدة اليوم، ولا يمكن للحداثي أن يدعي أنها من ابتكاراته، أو أنه يقرأ وأنت لا تقرأ، أو أنه يفهم أفضل منك، فالإمام علي (ع) هو رائد الحداثة في قراءة النص، ولكن من مدخل حماية النص، وليس التآمر عليه، وخلط الأوراق بين الناس.

ولهذه القراءة آثار كثيرة سوف نأتي عليها إن شاء الله تعالى.

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.