نص خطبة :فتن ما قبل الظهور
فتن ما قبل الظهور:
قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِيْنَ اجْتَرَحُوْا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِيْنَ آمَنُوْا وَعَمِلُوْا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُوْنَ﴾([2]).
نحن في زمنٍ أقرب ما يكون من الوعد الصادق الذي وعد الله سبحانه وتعالى المستضعفين في الأرض بالنصر والغلبة، ولكن ما من حركة إلا ويسبقها الكثير من الإرهاصات، وهي تختلف فيما بينها شدةً وضعفاً، حتى أن البعض منها يتحول إلى عنوان الفتن، وفتن الزمان تختلف فيما بينها قوةً وضعفاً، والناس كذلك يختلفون في التعامل معها، فمنهم من يقتحم العقبة، ومنهم من يجفل عندها، ومنهم من يكبو بعد خطوات يخطوها، ومنهم من يستطيع أن يتجاوز كل ذلك وهو في حالة من التكامل.
بل إن الإنسان منذ وجد على هذا الكوكب، وهو يحمل في داخله الكثير من التناقضات، لذا نجد أن مسار العدل يقابله الظلم، والحكمة والعلم والمعرفة يقابلها الجهل وما ينحلّ عنه، والثراء الفاحش غير المقنن لا بد أن يولِّد في الاتجاه المعاكس طبقة من الطبقات المسحوقة، يعبَّر عنها بالمساكين، وهم الأسوأ حالاً من الفقراء على الأرض.
ثم هنالك عدالة مبسوطة يتقلب في ظلالها أناسٌ، بما لتلك العدالة من اعتبار بوضع واضع، لذلك تبقى صنيعة الإنسان، ومهما ألبسناها من عنوان تبقى هي العدالة المقنَّنة باتجاه معين، ومن صنع البشر غير الكامل. وهي بدورها يقابلها ظلمٌ وجورٌ وتعدٍّ ومصادرة وسفك دماء وتهجير عوائل ومصادرة حقوق وكبت حريات وما إلى ذلك.
والفتن على نحوين:
أ ـ الفتنة العامة:
ويندرج تحتها الكثير من العناوين، أمرُّ عليها مروراً سريعاً:
1 ـ الفتنة الأسرية: فكثير من الأسر اليوم باتت تتهاوى وتضمحلّ، لا لشيءٍ إلا لأنها دخلت الامتحان ولم تكن في مستوى الامتحان، فأخفقت، ومن الطبيعي أن إخفاقتها كانت تتناسب مع ما كانت عليه من الإعداد والاستعداد.
فعندما نقرأ بعض القضايا المدوَّنة، أو نستمع إلى بعض القضايا التي يسردها أصحابها، أو من هم على مقربة منها، أو نشاهد بعض ما قد يُسلط عليه الضوء من خلال الشاشات المفتوحة، نلمس ـ بما لا يدع مجالاً للشك ـ أن فتنة الأُسر باتت تشغل مساحة لا يستهان بها من واقع الأمة. وفي هذا مؤشر خطر، لأن الأسرة هي القاعدة الأساس، إن صلحت صلح ما تفرع عنها من بناءات، وإن تعثرت فلا شك أن البناء الذي تم تشييده على أساس منها، وإن تمظهر بهذا العنوان، إلا أنه سوف يتهاوى ولو بعد حين، ولن يكون أصحاب تلك الأسرة بمنأىً عن تداعياته.
2 ـ الفتنة الاجتماعية: وهي ما يكون فيه الناس خبط عشواء، إذ ترى أحدهم كحاطب ليل لا يهتدي سبيلاً، ولا يدري إن كان أمسك بعود أو وضع يده على أفعى تحمل السم الزعاف، فيكون مشهد الفرحة بما جمعه أولاً يعاكسه اتجاهاً ما قد يدفع من الضريبة القاسية التي قد تنتهي به إلى إتلاف النفس بلدغة تلك الأفعى.
أيها الأحبة: إن المجتمع نسيج متعدد الألوان، متشعب الأطراف، متكثر المفردات، وأساس بنيته هو الأسرة، لأنه عبارة عن أسرة هنا، وأخرى هناك، ثم نجمع الجميع فيتشكل المجتمع. ولا شك أن هناك الكثير من الأسر الصالحة، ولكن في الوقت نفسه هناك العديد منها ما لا يتَّصف بهذا الوصف، والنتيجة أن المجتمع ممتزج المقدمات، منها الحسن ومنها السيء. والنتيجة المستخلَصة من هذا النسيج لا يرتضيها الإسلام، لأنه طيب في ذاته، ويؤسس للطيب من حوله، ولا يقبل إلا أن يكون ما ترتب على معطياته من مبادئ وقيم طيباً أيضاً.
ومجتمعاتنا الإسلامية والعربية تئنُّ تحت سياط كثيرة، من التشرذم والتفكك واللاأبالية، وهذا ما يسوس الكثير من مواقعنا الاجتماعية.
3 ـ الفتنة الاقتصادية: وفي هذا يُمتحن الناس فيما بينهم، فربما يكون رب العمل هو الأساس في إتلاف الوضع، وخلط الأوراق، ومصادرة الحق، وربما يكون رب الأسرة، أو سائس المجتمع، أو الحاكم المسلط على رقاب العباد أو الأنظمة في شرق الأرض وغربها، التي توغل في إغراق المشهد بالبؤس الاقتصادي على قاعدة جوّع كلبك يتبعك، وهي حالة أسس لها الإنجليز في أوائل القرن المنصرم، ولا زالت عجلتها تدور في أذهان الكثير ممن يتربعون على عروش الأمة.
4 ـ الفتن السياسية: وهي التي لم تصل إلى درجة الاشتعال الموجب للانصهار في من ينضوي تحت خيمتها، كما هي عليه اليوم. صحيح أن الأمة مرت بأزمات، ودفعت الكثير من الضرائب، فهناك شباب تمت تصفيتهم، ونساء لم يسلمن من طائلة الاستئصال، وأطفال لم تشفع لهم البراءة، فضلاً عن الأموال والدور وما إلى ذلك، ولكن ما يجري هذه الأيام لا يمكن أن نوجد حالة من المقايسة بينه وبين ما مضى على الإطلاق، والشواهد على ذلك أكثر من أن يستقصيها المتتبع ولو بالتأني. فما من موقع من جسم الأمة اليوم إلا وهو ينزف، سواء على نحو الدفق أم التقطير البطيء، فلا فرق أن تجري الدماء ممزوجة باللحم والعظم، كما في مظاهر التفجيرات البشعة التي لا يدير عجلتها إنسان يحمل كرامة أو هوية أو مصداقية في عالم الإنسانية من حوله، أو أن يُترجم عبر قطرات دم ترشح من جلود المسلمين والمؤمنين في أكثر من طامورة وطامورة، ربما تحظى طامورة السندي بن شاهك من الاحترام والتقدير أكثر منها، على أنها الرقم الأسوأ والبصمة السوداء في وجوه من تقدم من خلفاء وحكام. فسواء كان الدم من هنا أم هناك فالنتيجة واحدة، والمأساة تكمن في أن المسلم بيده (يُذكِّي) المسلم، ومعلوم أن الإنسان غير قابل للتذكية، وعلى هذا فقس ما سواه.
5 ـ الفتنة الفكرية: التي باتت تُطِلُّ برأسها من خلال أكثر من موقع وموقع، وهذه الفتنة ربما تكون مؤسِّسة لمرحلة قادمة، ستكون أشد سوءاً ووطأةً على أتباع المدرسة الإسلامية في عنونها العام، أو من ينتمي لمدرسة أهل البيت (ع) بمعنىً أخص. والسبب في ذلك أن الفرد المسلم لم يثقف نفسه بما يتناسب والقفزة النوعية التي يحاول البعض منا أن يتعامل معها كالنعامة، تدس رأسها في التراب والصياد يعدو خلفها، ويوجه السهام نحوها.
فلا بد من الحكمة والحرص على مصلحة الأمة والمحافظة على الهدوء والسكينة، ولا يحصل ذلك إلا إذا كان هناك رادع ووازع من دين وعاصم من ضمير ومؤمِّن من وعي مبني على أساس من العلم والمعرفة الحقة، ولولا ذلك فإن النتيجة إن لم تكن سوداء فهي ضبابية.
وقد رفع القرآن الكريم شعار القراءة، وخاطب النبي (ص) بقوله: ﴿اقْرَأْ﴾، فكيف لا نكون نحن معنيين بهذا الخطاب.
أيها الأحبة، يا من تسيرون على نهج محمد (ص) وعلي (ع) وتنتمون إلى رسالة السماء، لنسأل أنفسنا جميعاً: كم نعطي للقراءة من الوقت المهدور من أعمارنا في اليوم؟ حتى أولئك الذين يكتبون ويعلقون ويعقبون، كم يقرؤون؟ وإذا ما قرأوا كم يحسنون في من قراءتهم؟
ب ـ الفتنة الخاصة (فتنة الدين):
وهي آخر مراحل الامتحان الإلهي لبني البشر، فقد مرت البشرية بامتحانات، وحصلت انتكاسات، وتجاوزت مراحل في بعض المراحل الزمنية، بل الأكثر من ذلك أنها رفعت مناراً، ولكن متى تأتّى ذلك؟ هذا ما سأقف عليه في آخر الكلام.
وهنالكم إشكالية الابتعاد عن الثوابت الدينية، فلو أن الأمة رجعت للثابت الديني لتصححت الإخفاقات في الفتن الخمس التي استعرضتها، ولو أن الإنسان اتكأ فعلاً على هذا الجانب، بأن لا يقول إلا على أساس تكليف شرعي واضح بين، ولا يفعل إلا بناء على مثل ذلك، فلا شك أن النتيجة ستكون إيجابية، ولكن إذا شُبِّه للإنسان، وعمي عليه المشهد في ناظريه، فسوف تكون النتيجة واضحة، بينها لنا الإمام الباقر (ع) حيث قال: «خطب عليٌّ أمير المؤمنين فقال: أيها الناس: إنما بدء وقوع الفتن أهواء تُتَّبع، وأحكام تُبتدع، يخالف فيها كتاب الله، يتولى عليها رجالٌ رجالاً، فلو أن الباطل خَلَص لم يخفَ على ذي حجىً، ولو أن الحق خلص لم يكن اختلاف، ولكن يؤخذ من هذا ضغثٌ ومن هذا ضغث فيمزجان، فيجيئان معاً، فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى»([3]).
فمجمل ما يجري إنما هو نتيجة لأهواء تُتبع، وأتذكر هنا ما جرى أواخر أيام الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، الذي وصل للسلطة في انقلاب عسكري، فقد تقدم به العمر لكنه بقي متشبثاً بعرش الرئاسة في تونس. وقد كانت حركة النهضة الإسلامية في تونس قد بدأت في أيامه، وكان في حسبانه أن يقضي على الإسلاميين الذين نُعتوا اليوم بالإخوان المسلمين، ولو أن العناوين اليوم أصبحت رخيصة باهتة لا قيمة لها، سواء أطلقت على أشخاص أو مجاميع أو تشكيلات وتنظيمات. فعندما يطلق لقب (الإخواني المسلم) على الفرد فلا بد أن يراعي دم المسلم وعرضه وماله، فهذه حرام على المسلم، إلا أن هؤلاء اليوم يقتلون النفس المحرمة وينهبون الأموال ويهتكون الأعراض، فلا مطابقة بين العنوان والمعنوَن. وعلى هذه فقس ما سواها.
فقد ترتب على أهواء هؤلاء ورغباتهم ونزواتهم وشهواتهم، ما نشاهده اليوم. وقد كانت الأمور بالأمس غير معروفة للملأ، وكان قتل امرئ في غابة جريمة، أما اليوم فالجميع يعلم بما يجري.
وهنالك أحكام تُبتدع، ولا خصوصية لمذهب من المذاهب في هذا المجال دون آخر، وقد كنا نتصور أن هذه القضية عند المذاهب الشقيقة فقط، أما اليوم فقد حصل ذلك حتى في مذهبنا، فقد تُخبرُ أحداً أن المرجع يقول: كذا، وأن المرجعية تعني الرجوع إليها في التكليف، فيجيب: أنا أقلد، ولكن لا شأن لي بالمرجع! ناهيك عمن يتسنم مقام المرجعية من ليس أهلاً لها بناء على الضوابط المذكورة في الرسائل العملية.
ولا يظنَّنَّ أحد أن المجاملة في مثل هذه الأمور هي لدى العامة من الناس، إنما هي داء مستشرٍ حتى في الطبقة العليا من العلماء، وإذا كان أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر، فلأنها تجعل القائل يدفع الضرائب، فلمَ لا تكون في وجه إمام فاسد يدعي المرجعية ويؤسس لواقع أكثر فساداً؟ فمتى يتكلم العلماء في هذا المجال؟ هل ينتظرون أن يقع الهرج والمرج ويقع السيف بين الناس؟ نعم، المطلوب أن يكون الرد بأدب وعلم ومسؤولية ودين، لا ما نراه اليوم من توزيع النعوت والأوصاف، بأن فلاناً ضال، والآخر مرتد.
فما وقع فيه الإرهابيون من ولوغ في الدماء التي لم تسلم منها بقعة من الأرض حتى في بلادنا، إذا استمر على هذا المنوال فسوف يصل إلينا، ودونك الأيام الآتية.
فهذه أهواء متبعة وأحكام مبتدعة، يخالف فيها كتاب الله كما يقول الإمام أمير المؤمنين (ع) وهذا ما نراه يحصل اليوم.
يقول (ع): «ويتولى فيه رجالٌ رجالاً»، فلا تكون الولاية عندئذٍ لله «فلو أن الباطل خَلَص لم يخفَ على ذي حجىً» لكن المشكلة في أن الباطل ليس ظاهراً بما فيه الكفاية، لذلك يخفى على الناس، إلا من كان منهم ذا إدراك ووعي ومعرفة، لذلك لا يسلم منه حتى رجل الدين الكبير.
ثم يقول (ع): « ولو أنَّ الحق خلص لم يكن اختلاف، ولكن يؤخذ من هذا ضِغثٌ ومن هذا ضِغث فيُمزجان، فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى». فترى أن الحق ممتزج مع الباطل، فيستولي الشيطان على أوليائه الذين أسسوا للهوى المتبع والحكم المبتدَع، ولا ينجو إلا من سبقت لهم من الله الحسنى.
فتنة التخلي عن المسؤولية:
ومن الفتنة في الدين النأي بالنفس، وهو ما نراه اليوم، حيث يُنبَّه البعض إلى مسؤوليته الشرعية فيجيب قائلاً: دعوني من هذا، أين نحن من ذلك، اترك الأمور وشأنها، ولا تجعل نفسك عرضة لكراهية الناس! فهل التفت النبي (ص) إلى كراهية قريش أو حبها؟ ألم يصل الأمر بأمير المؤمنين (ع) أن يقول لهم: ملأتم قلبي قيحاً؟ ألم يرفض المشركون النبي (ص) ؟ وهل رضي الجميع ممن كان حول علي (ع) بما كان يفعل؟ هكذا يقال لنا أحياناً، بأن الناس سوف تبغضنا وربما لا يأتون للصلاة في المسجد، وما إلى ذلك من التحذيرات، ولكن ليكن ذلك كله، لأن أساس العمل لا يمكن أن يكون على أساس رضا الناس، بديلاً عن رضا الله تعالى.
كيف ندفع الفتن؟:
والسؤال الرئيس هو: كيف يمكن أن نتخلص من الفتنة ونعالجها؟
الجواب: هنالك العديد من الخطوات والمسارات التي ينبغي أن نسلكها للخلاص من الفتنة:
1 ـ العودة إلى الله تعالى من خلال القرآن الكريم، الناطق بالحق، والذي صدع به الرسول محمد (ص). ولنراجع أنفسنا في هذا المجال، ففي رمضان لم تفارق أيدينا القرآن الكريم، وأقل ما كان يقرأ من القرآن في رمضان جزء واحد منه، ولكن ما إن انتهى الشهر ودخلنا في شهر شوال، حتى فارق أيدينا، فكم قرأنا من القرآن الكريم خلال هذه الأيام الثمانية من شهر شوال؟ ولا أريد أن أتحدث هنا عن التدبر والتفكر والتفسير والاستنطاق، إنما أسأل عن القراءة فقط.
2 ـ الرجوع إلى مدرسة أهل البيت الأطهار (ع)، فهي التي تمنحنا العصمة، لأنهم معصومون، وكلامهم نور، ومتى ما انطبع النور في الصفحة البيضاء ترك أثره.
3 ـ الوقوف على مناشئ الفتن عند حدوثها، فالفتنة داء معنوي، وكما أن الداء الجسدي المادي يعرض على الطبيب المختص، ولا يجتهد في تحديد الدواء، كذلك في الداء المعنوي، إذ لا يمكن أن يشفى منه المريض ما لم يعرض نفسه على مختص، ليدرك المناشئ التي أوصلت الأمور إلى تلك الحدود، وربما يكون للمريض دور في ذلك. ففي الكثير من الأحيان يكون لنا دور في الفتنة، لأن المجاملة في الفتنة هي المنطلق، ففي اليوم الأول يمكن أن نضع للفتنة حدّاً، إلا أن المجاملة تفسح المجال، وتصبح الفتنة تجرّ الفتنة، فتتورم وتكبر، ولا يستطيع أحد السيطرة عليها، سواء المجتمع أم الأنظمة أم غيرها، لذا تسقط عروش الملوك والرؤساء، لأنهم لا يتعاملون مع منشأ الفتنة، إنما يأتونها من أطرافها على الظنة والتهمة.
4 ـ التمسك بنهج علماء الأمة (الأمناء عليها): فالعلماء كثيرون، لكننا نؤكد التمسك بالأمناء، لا بكل من لبس العمامة والعباءة أو تزيّا بزي العلماء، ومارس نشاطات معينة، كصلاة الجماعة وغيرها. أما أهل البيت (ع) فقالوا: «فأمَّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه»([4]). أما أن يدخل الحوزة العلمية فيتعلم فيها زمناً، طال أم قصر، ليكون مستحقاً لقب رجل الدين فلا. صحيح أن أروقة الحوزة العلمية يفترض أن تكون الظرف الأنقى والأطهر والأقرب إلى الله بواسطة محمد وآل محمد (ص) إلا أن من دخلها ليس بالضرورة أن يتخلق بأخلاقها، فإذا ما وجدت شجرة معوجة، أو نخلة منحنية، أو ثمر لم يكتمل فلا بد أن نراجع الظرف المذكور.
5 ـ تفعيل دور التقوى، لذا نجد أن مبدأ التقوى في القرآن الكريم قد أُسس له على لسان النبي (ص) وفُرِّع له على لسان علماء الأمة، ومن هنا لا تجد خطبة من خطب الجمعة إلا ويشار فيها للتقوى، ويوصى بها، وهي شرط من شروطها.
فإذا استطعنا أن ننجز هذه العوامل الخمسة التي ذكرناها، فلا شك أننا سوف نتجاوز الفتنة ونصل إلى ما هو المأمول.
نسأله تعالى أن يصب شآبيب رحمته على روح من يقضي من شيعة أهل البيت (ع) ظلماً وعدواناً في كل مكان، بل من جميع المسلمين، فلم يعد الظلم اليوم يقف عند حدود الشيعة فحسب، إنما تجاوز حتى بلغ الجميع، في باكستان وأفغانستان والعراق، فصار دم المسلمين أرخص من أي رخيص، حتى من ماء الصحة.
أقول: إنني أقف بالضد من أي إنسان يسعى لقتل أخيه الإنسان، في نفسه أو كرامته، كائناً من كان، اتحد معي في المذهب أو الدين أم اختلف، فالإنسانية هي الميزان الذي يجب أن نتعاطى الأمور على أساسه. فقد كان النبي (ص) يعرف من تآمر عليه، ولكن ماذا اتخذ بحقهم، وماذا فعل؟ وكذا كان أمير المؤمنين (ع) حتى مع قاتله.
ولكن من المؤسف أن نرى اليوم أن ثلاثة أو أربعة يُقتلون في أوربا أو أمريكا أو غيرها من دول الكفر، فتهب دول الشرق الأوسط وسائر دول العالم للشجب والاستنكار، فما الفرق بين هؤلاء وهؤلاء؟
نسأله تعالى أن يرحم برحمته الواسعة من قضى من المسلمين عامة، وشيعة أهل البيت خاصة في كل مكان، وأن يلطف بعوائلهم، وأن يرد غائلة السوء عن بلاد المسلمين، وأن يجعل هذا البلد آمناً مستقراً بحق محمد وآل محمد الطاهرين (ص). وأن يمن على الجرحى الذين سقطوا في أكثر من موقع بالصحة والعافية، وأن يردَّ السوء في نحر من أراد السوء بأمة المسلمين في أي مكان كان، إنه ولي ذلك.
وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.