نص خطبة علي (ع) توأم الرسول (ص) ومظهر الكمال

نص خطبة علي (ع) توأم الرسول (ص) ومظهر الكمال

عدد الزوار: 662

2012-06-14

 

في ساحة القدس القدس العلوي:

في الحديث الشريف عنهم (ع): «من أحب أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليوالِ علياً بعدي، وليعادِ عدوه، وليأتمَّ بالأئمة الهداة من ولده...» ([2]).

بارك الله لنا ولكم مولد سيد الوصيين، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وأعاد الله علينا وعليكم المناسبة، وعلى عموم المؤمنين والمسلمين، وهم في حال أحسن مما هم عليه اليوم.

الحديث عن علي (ع) فيه من العذوبة ما لا يُدرك في جهات أخرى، لأن علياً (ع) منبع الصفاء، وهو الفرات العذب، وهو الصنيعة لله، وهو الرعاية من النبي محمد (ص).

لئن بدأ علي حياته في بيت الله تعالى، فقد ختمها في بيت من بيوته، وعلي (ع) مع النبي الأعظم (ص) في الدنيا والآخرة.

في الحديث الشريف: «إذا كان يوم القيامة، أوقفُ أنا وعلي على الصراط، فما يمر بنا أحدٌ إلا سألناه عن ولاية علي (ع) فإن كان معه وإلا ألقيناه في النار، وذلك قوله تعالى: ﴿وَقِفُوْهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُوْلُوْنَ ([3])» ([4]).

علي (ع) هو التوأم الطبيعي للنبي الأعظم (ص) خلا النبوة، وهو منه بمنزلة الروح من الروح، والنور من النور، والضياء من الضياء، وقد اختارته السماء وصياً، واختارت الأمة لنفسها وصياً غيره، وشتّان بين الاختيارين، لأن الاختيار الأول تحوطه العصمة المطلقة، والدراية المطلقة، أما الاختيار الآخر، فهو وإن تعددت ركائزه، وتشعبت طرقه، إلا أنه يبقى ضمن دائرة ضيقة جداً، سيتضح حالها عندما ندلفُ قليلاً في الحديث حول هذه القضية.

البعد الروحي في شخصية علي (ع):

علي (ع) امتيازٌ في كل شيء، ولا غرابة في ذلك، لأن علياً (ع) أرادت له السماء أن يجسد الامتياز في كل أبعاده، فهو في بعده الروحي الواعي لا يُجارى، إذ إنه البَكّاء في الليل في محراب العبادة، حين يَضرب الليل سدوله، وعلي يتهجد لله سبحانه وتعالى في ثوب الضعيف الفقير الذليل المسكين المستكين.

ولم يكن هذا الرجل العظيم روحياً فيما تؤمّنه لنا معطيات اللغة، أو ما تعارف عليه أرباب الديانات السابقة، إنما هو رجل الروح الواعية المدركة لكل الأبعاد من حولها.

ومن هنا نقتبس درساً، أن المعيار والميزان في روحية الإنسان، ليس كثرة التسبيح والتهليل والركوع والسجود ووصل الشهر بالشهر صوماً، والقرآن الذي لا يقع من يد حامله، فهذه مظاهر، والواقع أن يكون هنالك وعي، فندرك لماذا نسبّح ونهلل ونصوم ونحمل القرآن؟

إن علياً (ع) يستحثنا بروحيته الواعية أن نتحرك من خلال هذه الإشراقات.

البعد التربوي والسلوكي:

ما عسى أن نقرأ في شخصية علي (ع) في هذا البعد، والمربي له والكفيل والمراعي هو النبي محمد (ص)؟ فقد أخذ من النبي الأعظم (ص) أعلى مدارج التربية، وأرقى مسالك السلوك، وإذا أردنا أن نقرأ علياً فعلينا أن نقرأه من خلال بيته، سواء في دائرة العصمة، والتوأم فاطمة بنت النبي محمد (ص) أم في المرحلة الثانية التي تخلَّف فيها عنصر العصمة في الجانب الثاني من مكونات الأسرة، أي بعد استشهاد فاطمة (ع) حيث دخل إلى بيت فاطمة الزهراء (ع) من لا يتمتعُ بعصمة، لكنه اصطبغ بها، لأن الإمام علياً (ع) أفرغ من وجدانه المعصوم على مكونات بيته ما استوجب أن يصطبغ بصبغة العصمة المكتسبة من لم يُخصَّص بها ،كزينب الكبرى (ع) التي عشنا ذكرى رحيلها، أو في أبنائه الذين خلقوا أن يكونوا أن يكونوا مصداق العصمة، والنتيجة أن بيت علي (ع) هو بيت امتياز، فمحمد بن الحنفية لم يكن معصوماً، لكنه شكل رقماً في المعادلة، وكذلك العباس (ع) لم يكن معصوماً، لكنه شكل رقماً آخر فيها، وهكذا الأبناء الآخرون. أما ما يقال عن بعض أبناء علي (ع) فهو من فعل الناصبة الذين نصبوا له العداء، وما زالوا يتوارثون ذلك. فلم يشذ أحدٌ من أبناء علي (ع) عن طوق علي وآل علي.

البعد الإنساني:

إن هذا البعد في شخصيته (ع) بعد مهم، ولو أن الأمة أنصفت نفسها لسافرت بعلي (ع) والإنسانية من حولها إلى أرقى مدارج الكمال، لأن علياً (ع) يشكّل الجذوة في مسار الإنسان التكاملي.

فهذا الإنسان العظيم، بعد أن آلت إليه الخلافة، بين للأمة مجموعة من الأمور التي كانت مغيبةً أو غائبة في بعض الظروف، وأهم ما يمكن أن يُستدل به، هو قصته مع ذلك النصراني الذي بذل جهداً في أوساط المسلمين كأحدهم، فلما ضعف حاله وكف بصره، جلس يتكفف الناس ويستجدي، فوقف الخليفة بالحق، المعصوم، ليربت على كتفه، ملتفتاً إلى جمعٍ ممن كانوا حوله قائلاً: «أستعملتموه حتى إذا كَبِرَ وعَجَزَ منعتموه؟ أنفقوا عليه من بيت المال»([5]).

من هذه القضية نتلمس الأسباب التي وقفت وراء إقصاء عليٍّ (ع) عما أُمِّرَ فيه، فقد أراد للأمة أن تعيش إنسانيتها، لكنها أبت إلا أن تتخلى حتى عن هذا البعد مع شديد الأسف.

البعد الإبداعي:

وحدّث عن هذا البعد ولا حرج، ففي باب المعارف الإلهية له مسيرٌ، وفي باب المعارف المادية مسير آخر، ثم هنالك رؤية لاستشراف المستقبل لا تهتدي لها نظيراً أنّى التفتَّ، يميناً أو شمالاً، ولو أردتَ لك مسعفاً من تاريخٍ فلن يُقدَّمَ لك نقيرٌ.

لقد التفت علي (ع) إلى حال الأمة وهي تلقي مجموعة من العناصر التي تشكل تكاملاً في كينونتها، ألا وهي اللغة، جراء الدخيل على الأمة والمجتمع العربي، ووجد أن الأمر إذا ما استمر في حال الانحدار، فهذا يعني أننا سوف لن نقرأ القرآن كما نزل، وإن لم يكن الأمر كذلك فلن نستهديه ولن نستنيره، ثم لن نسير بعد ذلك وفق معطياته.

كما رأى أن السنة النبوية سوف تذهب أدراج الرياح إن لم يضع الضابطة التي على أساس منها يُقوَّم اللسان، وهكذا وجد أن حال الأمة سوف يتبدل، لأنها إن فقدت لغتها فقدت جميع عناصر التكامل في داخلها، فوضع القواعد الأساسية لعلم النحو واللغة، وبه عصم الأمة العربية وأعطاها مدداً وقدرة على البقاء إلى يومنا هذا.

والمؤامرة اليوم كبيرة على أمة العرب، أمة النبي محمد (ص) حتى على لغتها، فما عدنا نفرّق بين من يمسك بأسبابها، ومن يفتقد أدنى قواعدها، واختلط علينا الحابل بالنابل، فلا الكبير في قومه يرتّب جملة خبرية يحسن السكوت عليها، ولا الراعي الصغير يستطيع أن يفعل، ما خلا جماعة أخذت على عاتقها جانب التخصص، ونسأل الله تعالى أن يوسع في دائرتهم.

فرض الواقع الموضوعي:

  وهذا من الأبعاد المهمة في شخصية علي (ع) حيث فرض الواقع على العدو قبل الصديق، وهذا مكمن القوة، فإنّ مَن حسدوه ونصبوا له العداوة والبغضاء، وتحركوا في مشروع تصفيته جسداً لا روحاً، ومطاردة أتباعه في كل صقعٍ وتحت كل حجر ومدر، إنما تحركوا في هذا البعد، وهو فرض الواقع.

ولا يمكن لأحد أن يفرض نفسه على الواقع من حوله إلا إذا كان صادقاً مع نفسه، متكاملاً في بنائه، يُفعّل الآليات من حوله، ويعطي للطرف الآخر احترامه كما ينبغي، وهذه العناصر في ذات علي (ع) من المسلّمات التي سلم بها عدوه قبل صديقه.

يقول معاوية بن أبي سفيان بعد مقتل علي (ع) : ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب([6]).

من هو الإنسان الذي تُطبق كلمة المحبين والأعداء على تقدمه وتكامله؟ إنه علي بن أبي طالب (ع).

ومما يحزّ في النفس أيها الحبة، أن تجد كاتباً أو باحثاً أو عالماً، ممن لا يشارك علياً حتى في ديانة، ثم يكتب عنه كتاباً بعنوان: الإمام علي صوت العدالة الإنسانية، وهو في ربع قرن من العمر، ذلك هو جورج جرداق، البالغ من العمر آنئذ 26 عاماً، وهو نصراني الهوى والديانة، وقد راح يكتب عن علي (ع) ما لو اجتمعت عقول أدباء اليوم ومفكريهم وأصحاب السليقة السليمة منهم، لما أتوا بعشر وريقات مما كتبه عن علي.

ولنسأل أنفسنا: ما هو عامل المفارقة؟ إنه يكمن في هذه الزاوية، وهي أن من كتب ولم يكن مع علي في ديانة، فقد كتب من خلال موقع التجرد، أما من حاول أن يكتب عن علي (ع) فقد لبس عباءة ثانية، لذلك كبا به قلمه في الكثير من المواطن، أما من يعاديه فلسنا معه في قريب ولا بعيد ولا قليل ولا كثير.

التصدي للسياسة والحكم:

لقد واجه علي (ع) بعد أن آلت إليه الخلافة موروثاً صعباً، تنوء به العصبة أولو القوة، ذلك هو موروث السقيفة، التي أرهقت كاهل المسلمين إلى يومنا هذا، ولا زال المسلمون يدفعون ضريبة الانحراف عن مسير علي (ع) ومسيرة السماء.

لقد خلفت السقيفة وراءها روح الاستعلاء على آحاد الأمة عند طبقة معينة، وظلت هذه الحالة تسايرهم لأكثر من ربع قرن من الزمن. وجاء علي (ع) ليخفف من حدتها، لا أن يستأصلها، فدون ذلك خرط القتاد. حاول أن يخفف من جرعتها، لكنه دفع نفسه المقدسة في النهاية ضريبةً، لأن الجماعة لا يروق لها ذلك، والمنتفع في كل مكان لا يسلّم، ما دام ثمة شيءٌ من النفع يصل إليه.

كما خلفت السقيفة وراءها قلباً للمفهوم الرباني للرسالة إلى مفهوم سلطوي عشائري، حتى قائل قائلهم: تلاقفوها يا بني أمية، تلاقف الكرة بيد صبيانكم. وهكذا تحولت الرسالة، المتمثلة بالإمامة في مرحلة الانتقال، إلى ملك عضوض.

وحاول علي (ع) أن يصحح هذا الأمر، لكنه لم يتسنَّ له ذلك، وخير دليل على ذلك أن ما رسمه من أنّ        الحسن (ع) يكون إماماً للأمة لم يَتأتَّ له، لأن المبادئ والقيم التي رسمها وأصّل لها لا تتفق مع ما أُصِّل له طوال ربع قرن.

أيها الأحبة: إن الحق والباطل إذا تكرر ثبت، والسنة والبدعة إذا تكررت ثبتت، فالناس يأنسون ويألفون.

ومما واجهه علي (ع) إبان فترة خلافته: مفهوم تعدد السلطة، وإقصاء فرض الطاعة الإلهية، وقد ترتب على ذلك تفريغ الإمامة من عنصر التأثير فيها، وهو شأنية الأمر المولوي، وهو لا يتأتى إلا للنبي أو الإمام أو المجتهد الجامع للشرائط، على مختار الكثير من علمائنا. فعندما نُزع هذا العنصر، وغيب من ذهنية الأمة، جاء علي (ع) يحمل عنوان الخليفة غير المفترض الطاعة في نظر الآخرين، فكان يقول لهم: العدو يغزوكم، فإن كان في صيف قيل له: أنظرنا إلى الشتاء، وإن كان في شتاء قيل له: أمهلنا إلى الصيف. حتى وصل الأمر بعلي أن يقول: «اللهم إني قد مللتهم وملوني، وسئمتهم وسأموني»([7]).

إنه صدر الرحمة، وقلب الحنان والعطف، حتى مع ألدّ خصومه. فقد دخل على الرجل وهو على فراش الموت، رحمةً وشفقة به، فقال له: هلا قلتها تنفعك يوم القيامة؟ فالتفت إلى علي وهو يقول: النار ولا العار!. لقد أراد أن ينتزعه في آخر حياته من قعر جهنم، لكنه رضي بالنار. هكذا كان الإمام علي (ع) يواجه أناساً من هذا القبيل، وجماعة من هذا الصنف.

في مواجهة النفاق: 

لقد تشكّل عن هذا طابور مخيف وهو طابور المنافقين في وسط الأمة، وهو الذي أرهق علياً (ع) ولا زال يرهق الأمة، في الطليعة المؤمنة منها.

يقول جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم علياً[8].

إن النفاق هو العقبة الكؤود في طريق الرسالات والقيم، وقد حذرت السماء من المنافق بسورة كاملة، ولم تكتف بآيات معينة، وإن ترددت في مواطن متفرقة هنا وهناك. وما انفكّ النبي (ص) يحذّر من هذه الطبقة وسط الأمة.

أيها الأحبة: إن من يرتكب الفواحش الظاهرة، وإن كان فاسقاً في المصطلح الشرعي، وسيئ السلوك، إلا أنه لا يخيف كثيراً، وكذا المرابي والكذاب، لكن المنافق يصيب في المقتل. يقول النبي (ص): «إنّي لا أتخوّف على أمتي مؤمناً ولا مشركاً، فأمّا المؤمنُ فيحجُزُه إيمانه، وأما المشركُ فيقمَعُهُ كفرُهُ، ولكنْ أتخوَّفُ عليكم مُنافقاً عَلِيمَ اللسان، يقول ما تعرفون، ويعمل ما تُنكرون»([9]).

إن من قتل علياً (ع) كان منافقاً، لأنه ممن يقتدي بعلي (ع) في صلاته، ومن تآمر على علي (ع) كان يقتدي بالنبي (ص) في صلاته، ومن حاربه في الجمل وصفين والنهروان كانوا من القراء والصحابة والتابعين، فلم ينزلوا من السماء كجند مجندة لمحاربته، ولم يخرجوا من الأرض ليحاربوه، ولم يأتوا من أدغال أفريقيا ومجاهيل آسيا، إنما هم أبناء الجزيرة العربية، من اليمن جنوباً إلى أقصى الجزيرة، مروراً بالقلب منها. ولئن طويت صفحة الجمل وصفين، فإن صفحة النهروان لا زالت مفتوحة إلى يومنا هذا. يقول فيهم علي (ع): «مصارعُهُم دون النُّطْفة، والله لا يُفلِت منهم عَشَرة، ولا يَهلِكُ منكم عَشَرة»([10]).

وانتهت المعركة، ولم يبق منهم إلا دون العشرة، ربما ثمانية أو ثلاثة أو أقل أو أكثر، ولكن انظروا إلى ما تولّد عنهم.

إن طابور الخوارج اليوم ـ وهم الإرهابيون في أي مكان كان ـ مهما جُنِّدوا لجهة هنا أو هناك، لاستكبار عالمي أو من في ركبهم، فهم خوارج هذه الأمة، ويبقى الخارجي هو الخارجي، لا يتحسس خطره إلا من أريق له دم على يديه، أو انتُهب له مال، أو هُتك له عرض، أو صودرت قيمه ومبادئه.

كان النبي (ص) يضرب على هذا الجانب في الكثير من المواطن، وعلي (ع) ما انفكّ عن بيان هذا الأمر والتحذير منه.

يقول (ع): «أَمَا واللهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلَانٌ،‏ وإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَلَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ([11])، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً([12])، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً، وَطَفِقْتُ أَرتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ([13])، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ، يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّه،  فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى([14])، فَصَبَرْتُ وفِي الْعَيْنِ قَذى، وفِي الْحَلْقِ شَجا، أَرَى تُرَاثِي نَهْباً، حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلَانٍ بَعْدَهُ. ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الْأَعْشَى:‏

شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُوْرِهَا    ويَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ

فَيَا عَجَباً! بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ، إِذْ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ([15])، لَشَدَّمَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا([16])، فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ([17])، يَغْلُظُ كَلْمُهَا، وَيَخْشُنُ مَسُّهَا، ويَكْثُرُ الْعِثَارُ فِيهَا، والِاعْتِذَارُ مِنْهَا‏‏»([18]).

أيها الأحبة: المنافق هو الذي يُخفي نفسه وراء عناوين مستعارة، فإذا كَتب كَنّى، وإذا هدد تلثّم، وإذا تكلّم أعجم، هؤلاء هم المنافقون، ومن كان يحمل قضية وليس فيه نفاق، فعليه أن يُضحِّيَ من أجلها في وضح النهار، ومن يحمل مسؤولية الكلمة عليه أن لا يتقنع بالأسماء المستعارة ليضع اسمه على كتاب، وليختم بيانه باسمه، وليوقّع باسمٍ صاحَبَه ويصاحبه إلى قبره، أما أن نُكنّي أو نستعير الأسماء، فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حالة الضعف والنفاق، والعياذ بالله تعالى.

لذا علينا أن نكون حذرين أمام بعض المؤلفات والرسائل والعناوين والكتابات التي تخرج هنا أو هناك ضد هذا أو ذاك، وهي لا تحمل اسماً صريحاً يمكن التفاهم معه، ومن لا يحمل اسمه، ولا يرتضي لنفسه أن يعنون باسمه، فهو أحقر من أن يذيِّل المرء كلامه بشيء من تعليق.

مسائل شرعية:

1 ـ مسألة التضليل في التنقل داخل مكة المكرمة لمن يقلد سماحة السيد المرجع السيستاني (حفظه الله تعالى): إن سماحة السيد يرى أن مكة هي الحديثة، فيدخل فيها العزيزية والششة والبنك وغيرها، فمن يدخلون إلى مكة ليلاً، أو يتنقلون داخلها في الليل، فلا إشكال عليهم أن يتنقلوا في السيارات المغمورة، أما في النهار فيتعين عليهم أن يركبوا السيارات المكشوفة. ومن أراد من هؤلاء أن يتجاوز هذه المسألة، فإن سماحة السيد المرجع يفتي بالاحتياط الوجوبي، وبإمكانهم أن يرجعوا إلى سماحة آية الله العظمى الشيخ الفياض، ويأخذوا عنه، وعندئذٍ يسوغ لهم التنقل بالسيارات المغمورة.

2 ـ البيرة (الفقاع): وقد تكلمت عنها قبل ثلاث سنوات ونيف، وأعيد الكلام فيها بناء على فتاوى هنا وهناك.

أيها الأحبة: بيان موضوع المسألة له أثر كامل في إ