نص خطبة :شهر رمضان فرصة لجرد الأعمال ومراجعة الكشوفات

نص خطبة :شهر رمضان فرصة لجرد الأعمال ومراجعة الكشوفات

عدد الزوار: 1955

2011-08-05

كل الأيام ربيع إذا مرت على الإنسان وهو في طاعة الله تعالى، ولكن أن يضاف أحد الشهور إلى الذات المطلقة فإن استشرافاً جديداً يلقي بظله على المشهد. إنه شهر رمضان، فيه الكثير الكثير، ولكن للحضور القرآني في ليالي هذا الشهر وأيامه خصوصية، تبدو واضحة في روايات أهل البيت (ع) التي تحثنا وتدفعنا لنكون أكثر التصاقاً بكتاب الله عز وجل، ونحن في مسيس الحاجة فعلاً أن نعود إلى السماء، ونؤوب إلى الله تعالى من خلال دستور اختطه لنا.

يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾ إلا أننا نرى أن هذا القرآن بين أيدينا، وعلى رفوف مكاتبنا، وفي حقائب أبنائنا وبناتنا، وربما علقناه تميمةً على صدور الأطفال، وربما رجعنا له ولذنا به للاستشفاء، ولكن، هل أن معطيات القرآن هي هذه فقط؟ أو أن أشياء كثيرة تقف مكنوزة بين دفتيه ؟

القرآن عطاء السماء، وعطاء السماء لا يُحدّ ولا ينفد، وبناء على ذلك حريٌّ بنا جميعاً أن نستجيب دعوته ونستفيد من معطياته، سواء في حدود المضامين أم المصاديق التي أشارت إليها الآية بقوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

في القرآن الكريم دعوة للعبادة، ونبذ الشرك والظلم والطغيان، ودعوة للقراءة والتدبر، وفيه وفيه من الكنوز، لكن التدبر والتفكر والوقوف على حدث مضى ينبغي أن نوليه اهتماماً.

والسبب في ذلك أنكم سوف تجدون بما لا مزيد عليه من الوضوح، حالةَ الصفاء التي يعيشها الإنسان المؤمن عندما يكون صائماً، ويترتب على صيامه أن يتخلص من الكثير من الثقل المادي، فإن أراد أن يستظهر نصاً ساعده الصوم على ذلك، وإن أراد أن يستنطق نصاً آخر فشهر رمضان يعينه عليه.

والإمام الباقر (ع) يقسم قراء القرآن إلى ثلاثة، كلهم يصدق عليهم أنهم قراء، ولكن لكل قارئ منهم ما يميزه عن الآخر.

يقول (ع): «قراء القرآن ثلاثة، رجلٌ قرأ القرآن فاتخذه بضاعة، واستدر به الملوك، واستطال به على الناس([3]). ورجل قرأ القرآن فحفظ حروفه وضيع حدوده([4])، ورجل قرأ القرآن ووضع دواء القرآن على دائه([5])»([6]).   

وهذا القسم الأخير هو القارئ الحقيقي الذي يأتي يوم القيامة على مرتفع، يرمقه الناس بأبصارهم، فيغشاهم نوره، لأنه يعمل بمعطيات القرآن، ويرتب الآثار على قراءته.

إن القرآن الكريم عالج معظم القضايا التي ترتبط بالجانب النفسي للإنسان، ومنها الكبر والحسد وغير ذلك. ولو أردنا أن نستدل على كل عنوان من هذه العناوين، لرأينا أنه ما من كبيرة إلا شخصها القرآن ووضع في قبالها نصاً بمثابة الوصفة الإلهية التي كلها حكمة.

ومن الجدير بنا هنا أن نسأل أنفسنا: من أي الأقسام الثلاثة نحنُ ؟

أضف إلى ذلك أن القرآن الكريم له بعده الزمني، وهو يُحَدُّ بالماضي والحاضر والمستقبل، ولنا أن نسأل أيضاً: مع أيٍّ من هذه الأبعاد الثلاثة نتعاطى ؟ هل نتعاطى مع الأمثال المضروبة للناس في القرآن الكريم على ما جرى لما مضى من الأقوام والأمم ؟ أو مع ما نعيشه اليوم بلحاظ قوله تعالى: ﴿أفلا يتدبرون القرآن([7]) أو فيما هو الآتي من الأزمنة ؟ والآيات التي تتناول عامل الزمن وما له من المدخلية كثيرة.

إن الماضي يقدم لنا الدروس التي صنعتها عقلية وفكر وعطاء الإنسان في سائر الأمم ممن مضى، فتلك الأمم تعني الحضارات والقيم والمبادئ، نعم تختلف من أمة لأمة، ومن مجتمع لمجتمع، فربما تكون أمة من الأمم قد بنت فكرها ونتاجها وعطاءها الإنساني على أساس جذوة السماء، أي أن لحن النبوة موجود فيها، وربما تكون أمة أخرى لا تحظى بهذه الخاصية، لكنها رسمت لها مساراً وأسست أسساً بنت عليها منظومة الحراك في بعده الاجتماعي فيما بين الناس، وما يربط تلك الأمم بما هو في عالمها أو وراء هذا العالم وهو الأهم، حتى الذين لا يؤمنون بمبدأ الإله الواحد، يؤمنون أحياناً أن وراء هذا العالم عالماً آخر، وهذه الصورة من الإيمان توجِد حالة من الحراك الذهني عند هؤلاء، فكل منهم يترجم صورة الخلود وما يشير إلى الخلود بمصاديق متناثرة هنا وهناك.

لذا فإن دعوة القرآن الكريم صريحة وواضحة، وكذلك التعاطي معها يعد من أسهل الأمور الممكنة خصوصاً في أزمنتنا الحاضرة، فما عاد يصعب أو يتعذر على الإنسان أن يتنقل من موقع إلى موقع، وأن يقرأ ما جرى على الأمم السابقة، فنحن في جزيرة العرب نحظى بتاريخ أمم وحضارات سلفت، بل لو أنصفنا المنصفون لاعترفوا أن الجزيرة العربية هي المهد الأول لكل حضارة رسم معالمها الإنسان على وجه هذا الكوكب، وآخر الحفريات الأثرية في أمريكا الجنوبية (اللاتينية) إذا ما أسعف الباحثين الوقوف على مداليلها يجد أن هناك ربطاً وثيقاً بين حضارات نشأت قبل ستة عشر قرناً قبل الميلاد تتفق مع بعض النقوش الموجودة المكتشفة في شرق الجزيرة العربية، لكن هنالك مسؤولية ينبغي أن يقوم بها كلٌّ من موقعه، فهناك الجهة الرسمية بما تملك من الأجندة، والجهات الشخصية أيضاً بما تملك من أجندة، فهناك الكثير من المعالم الأثرية التي اكتشفت في الأمم السابقة كانت بجهود شخصية تراكمت، وحملت من عناصر التكامل الشيء الكثير في دفع حركة تثبيت ما للإنسان على هذا الكوكب من عطاء. فالماضي يقدم لنا تلك الدروس والعبر: ﴿وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

ويتصور بعض الناس أننا عندما نقرأ في آية من آيات القرآن أو سوره ما يشير إلى ضرب المثل عن أمة من الأمم أن هذا الأمر لا يعنينا ولا يقدّم ولا يؤخر، وهذا غير صحيح، فلو لم يكن الهدف من وراء ضرب الأمثال أخذ العبرة والعظة واجتناب مواطن السلب والسقوط التي وقعت فيها الأمم السابقة، والسعي الحثيث لتحصيل ما هو الأفضل في القادم من الأيام، لأصبح استعراض هذه الأمثلة من خلال القرآن الكريم أمراً عبثياً، وحاشا أن يصدر العبث من أحكم الحكماء، وهذه الأمور تعنينا بلا شك.

فعندما يتحدث القرآن الكريم عن قوم لوط وما حل بهم، أو عن أصحاب الرسّ وما وقع عليهم، أو غير ذلك، فهو يحذرنا من مغبة الركون إلى ما يستوجب السقوط فيما سقطت فيه تلك الأمم، ولا يعني بالضرورة أن هناك تعريضاً مباشراً بجهة من الجهات أو فرقة أو طائفة أو شخص، فالقرآن الكريم عندما يستعرض مجموعة من الحوادث، وهي لا تتجاوز حدود الدائرة الضيقة، ويسلط عليها المجهر السماوي، فإنه يريد من ذلك أن لا تتسع الرقعة، ونحن اليوم أمام معادلة صعبة جداً، فإن أشار أحدنا إلى حالةٍ ما، وما يترتب عليها من المخاطر، قيل: إن هذه لم تصل بعدُ إلى حد الظاهرة، لتستحق تسليط الضوء عليها. وإن انتظرنا حتى تصل إلى حد الظاهرة قيل: هذا من تقصير العلماء؛ لأنهم لم يقوموا بدورهم، ولا ندري هل نغلق باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونعطل واحداً من أشرف الفروع التي أصَّلتها السماء، أو نتحرك ونتعاطى مع هذا الفرع الأصيل؟

يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ([8]). وهذه الآية نزلت في اليهود، في قضية مشهورة حصلت مع النبي محمد (ص) في صدر الدعوة، حيث ادعى بعض اليهود أن ما جاء النبي (ص) لا يعنيهم، وأنهم يكفيهم ما لديهم من التوراة، فقال لهم القرآن الكريم إنكم عطلتم التوراة، إذ إنها بشرت بهذا النبي (ص).

وهذا النص القرآني مضرب مثل، وله القدرة على الحراك والتماشي، بمعنى أن هذا النص يخاطب الأمة المسلمة الراشدة أنها إذا ما تنكبت الطريق، وأحدثت فاصلاً بينها وبين القرآن فالنتيجة واحدة، ويكون شأنها وشأن أولئك اليهود واحداً.

لذا فإن هذه الأمة عندما وقعت في مجموعة من نقاط الضعف والتعثر أو السقوط أحياناً والتخلي عن القيام بالمسؤوليات، والجري وراء ما رسمته السماء، كان ذلك بسبب عدم التعاطي كمال ينبغي مع جوهر النص.

ومن هنا نجد أن القرآن الكريم كثيراً ما يكرر: أفلا يتدبرون، أفلا يعقلون، لأولي الألباب، لعلهم يتفكرون، وهكذا. ولكن مع شديد الأسف، على مدى أربعة عشر قرناً من الزمن، ولا زال أصحاب العقول المغلقة لهم مجموعة من الأوكار التي يركنون إليها، ويملأونها نعيقاً ونهيقاً.

ولا يوجد منبع أصفى وأنقى أطيب وأطهر مما هو منحلٌّ ومنحدر عن محمد وآل محمد، وخير معين للأخذ بعطائهم هم علماء الأمة وحصونها.

يقول شيخنا المرجع الكبير ناصر مكارم الشيرازي (حفظه الله) في تفسير الأمثل، الجزء الثامن عشر، بعد استعراضه للأقوال في هذه الآية الشريفة: على أي حال، يعتبر ذلك تحذيراً للمسلمين كافة من أن ينتهوا إلى ما انتهى إليه اليهود.

هذا هو المنهج الذي يمكن من خلاله أن نتدبر ونتفكر ونستفيد من القرآن الكريم، وعندئذ لا مجال للاعتراض من قبل البعض على الإشارة إلى الظواهر السلبية ونعتها بما نعتها به القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارَاً([9]) فمن يحمل هذه الصفة لا بد من الإشارة إليه في الجملة، كما يشار للظالم بأن الظلم حرام وممقوت، وإلا فإن الظالم سوف يفعل ما يشاء دون رادع، يمزق الصدور، ويدوس الكرامات، وينتهب الأموال، وينتهك الأعراض، ويصادر الناس في كرامتهم، كل ذلك أننا نحاول أن نبعد الآية الكريمة الفلانية عن الحاكم الفلاني.

وهكذا يصبح الحال أننا لا نتكلم عن أكل مال اليتيم ولا الربا ولا غير ذلك من الذنوب والآثام والأعمال، بحجة أن بعض الناس يقوم بها، وإذا ما تحدث أحد عنها قيل له إنك تعني فلاناً من الناس.

ولو قدر لهذه المجاميع من البشر أن تعيش في زمن النبي (ص) لما تركوه يخطو خطوة واحداً، أو يتكلم بحرف، إلا قالوا له: إنك تعني زيداً أو عمراً من الناس، وهذه مشكلة في حد ذاتها.

وفي كل الأحوال ينبغي أن نتحمل إذا ما أردنا أن نغسل ماضياً مغلقاً، وننفتح على ما حولنا، وأن نتسلح بالصبر، ولن يجري على أحد من البشر ما جرى على نبي الأمة (ص) ومن استجاب لدعوة القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ([10]) فعليه أن يصبر ويتحمل تأسياً بالنبي (ص) الذي ورد عنه قوله: «ما أوذي نبي مثل ما أوذيت»([11]).

وبالتالي فإن القرآن الكريم له ماضٍ نعتبر به، وحاضر يدعونا إلى ما يحيينا، وهو الحكم الحق فيما قد يقع فيما بيننا، وهو الذي يقدم الدواء الذي نضعه على الداء على حد تعبير الإمام الباقر (ع) .

أما عن المستقبل، فيقول الإمام علي (ع): أما إني سمعت رسول الله (ص) يقول: سيكون بعدي فتنة([12])، قلت: فما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال: كتاب الله، فيه نبأ ما كان قبلكم([13])، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، ما تركه من جبار إلا قصمه الله»([14]). وهذه هي الأبعاد الثلاثة التي تحدثنا عنها سابقاً، وهي الماضي والحاضر والمستقبل، ونحن اليوم في دائرة المطالبة الحثيثة والأكيدة التي ينبغي أن نلتفت إليها.

كيف نتعامل مع القرآن؟

هناك ممارسات عديدة نلحظها في تعاملنا مع القرآن الكريم، حيث يحصر التعامل معه فيها وأبرزها:

1 ـ التعامل معه على أنه عامل من عوامل البركة فقط، وذلك بتعليقه على صدر الطفل أو في داخل السيارة، أو ما إلى ذلك من الأماكن، لكي يدفع عنا (العين) مثلاً.

ومما يلاحظ هنا أن الناس كلما رشدت عقولها وتقدمت استسلمت للخرافة والبدعة والسحر والشعوذة أكثر! أما المؤمن المتسلح بالإيمان فيفترض به أن يضع علامة حمراء على مثل هذه الأمور، وإذا أراد أن يستعيذ فعليه أن يتعوذ بما عوذ به رسول الله (ص) الحسن والحسين (ع) وهما المعوذتان.

وقد طرحتُ قبل سنتين أو ثلاث الأرقام المخيفة والمرعبة التي تُنفَق على مثل هذه القضايا، وبإمكانكم الرجوع للموقع لتعرُّف ذلك، فالكثير من هذه الأمور صارت اليوم تجارة، بل حتى بعض دور تحفيظ القرآن وتعليمه أضحت اليوم تجارة، وما عادت كما كانت بالأمس، حيث يجلس العالم في مسجد النبي (ص) أو مسجد الكوفة يعلّم القرآن.

2 ـ الاستشفاء وطلب العافية: فالقرآن علاج نفسي بلا شك، لكن التركيز هنا يتم على العلاج الجسدي في الأعم الأغلب.

3 ـ افتتاح المراسم العامة، كحفلات التكريم والمواليد والتأبين([15])

4 ـ طلب الثواب الإلهي بالقراءة: وهذا لا إشكال فيه، فإن قراءة القرآن فيها أعظم الثواب.

5 ـ حصر القراءة في أيام الشهر الفضيل: فبعض الناس لا علاقة لهم بالقرآن إلا في شهر رمضان، وعلى خجل، حيث التسويف والتأجيل، وبمجرد أن ينتهي هذا الشهر الفضيل كان القرآن أول ما يوضع على الرف.

6 ـ اتخاذه للزينة: حيث نرى أن القرآن صار يهدى بحلة قشيبة جميلة، وهو يستحق التعظيم والإجلال، إلا أن عظمة القرآن لا تنحصر في وضعه في ظرف من الفضة أو الذهب ليهدى، إنما عظمته في أن نتعاطاه بالشكل الصحيح.

7 ـ اتخاذه للاستخارة والتفاؤل: فهناك من يتصل بنا في وقت مبكر من النهار، ويقول إنه رأى مناماً، ويريد أن نفتح له القرآن، أو أنه يريد الاستخارة بالقرآن حصراً. وهذه الظاهرة أصبحت اليوم واضحة.

وقد حذرتُ في يوم من الأيام، وأكرر التحذير هنا بأن أكثر من يحاول أن يبين أكثر مما يستفاد من ظاهر الآية، والدخول في أسرار الناس، وجرهم للإفصاح عن بعض الأمور، هو أشبه بعمل (النَّوَريين) في سوريا.  فهم يدّعون معرفة أسماء الأشخاص وبعض خصوصياتهم ومطالبهم. فبعض أصحاب الخيرة، بل الأغلب منهم إنما يضحكون على الذقون، ونحن أبناء الحوزة ونعرف كيف تجري الأمور. وهذا القرآن بين أيدينا يخاطب النبي (ص) قائلاً: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ([16])، ولم يقل له إذا عزمت فاستخر.  

وأخيراً: ليس كل من حمل القرآن أو قرأه فهو قرآني يجسد روح القرآن، فقد كان الحجاج معروفاً بظلمه وجوره، وقد سجن الآلاف في سجون مكشوفة لا تقيهم الحر ولا البرد، لكنه مع ذلك كان معلماً للقرآن.

* * *

وفي الختام لدي بعض التنبيهات الضرورية:

1 ـ إن صلاة المغرب في شهر رمضان كما هو المعتاد، باستثناء النوافل، وتكون أول الوقت، وستكون ليلة الثلاثاء إن شاء الله تعالى، وعلى الجميع أن يسارع للحضور بأن يكون متواجداً أول الوقت.

2 ـ الأحكام الشرعية ومعطيات التفسير القرآني ستكون قبل الصلاة بربع ساعة أو أكثر بقليل.

3 ـ المشاركون في الإفطار اليومي عليهم أن يُبكِّروا في تحضير ما لديهم من أكل وشرب، قبل حلول صلاة العشاء. وفي تفطير الصائم ثواب عظيم، حيث ورد في بعض الروايات: «من فطَّر صائماً فله مثل أجره»([17]).

4 ـ إحياء مراسم ليالي القدر: وسوف نستفيد من مجموعة من الخطباء الكبار إن شاء الله تعالى.

5 ـ ليلة الثلاثاء ليس هناك محل للأخوات للصلاة، وسوف يكون المجال مفسوحاً لهن في ليالي القدر إن شاء الله.

ونختم كلامنا هذا بحديث شريف في كنز العمال عن الحسن بن علي (ع) عن النبي الأكرم (ص) قال: «أكثروا الصلاة علي فإن صلاتكم علي مغفرة لذنوبكم»([18]).   

             



([1]) طه: 25 ـ 28.

([2]) الحشر: 21.  

([3]) وهذه طبقة معروفة في المجتمع، فقد كان القرآن الكريم يتاجر به في زمن الأمويين، ولم يكن بعيداً عن هذا الدور في زمن العباسيين، ومعظم الحكام الذين تقلبوا على رؤوس الأمة تاجروا بالقرآن وقرائه في كثير من الأحيان.

وفي زمن المد الناصري يعلم الجميع ما لهذا المد من ارتباط بمشارب أبعد ما تكون عن الدين وأصالته، كان سوق القراء في أعلى درجات التوهج، ولا أحتاج لسرد أمثلة على ذلك، فكلكم سمع وما زال يسمع ما هو مضبوط بالصوت والصورة. 

([4]) وهو اليوم أمر معروف في محافل الأنس القرآني كمال تسمى، وهو التركيز على استظهار أرقام الآيات والصفحات والآيات، ولكن لا شيء وراء ذلك من الحدود، فهذه رسوم ومظاهر فنية، لا تقدم ولا تؤخر، ولا يسأل عنه المرء يوم القيامة، إنما يسأل عن حدود الله في القرآن. بل الأكثر من ذلك، أن بعض الناس، مع أنه يقف على دقية الاستظهار في هذا الجانب، إلا أنه من أشد المضيعين لحدود القرآن.   

([5]) هناك الكثير من الأمراض النفسية التي لا علاج لها سوى القرآن.   

([6]) الكافي، العلامة الكليني2: 627.  

([7]) النساء: 82، محمد: 24.  

([8]) الجمعة: 5.

([9]) الجمعة: 5.  

([10]) الأحزاب: 21.  

([11]) كشف الغمة، للإربلي3: 346.

([12]) إننا نعيش اليوم فتناً لم يرها آباؤنا ولا أجدادنا، صحيح أن هناك فتناً مرت، لكنها ليست بالحجم ولا النوع الذي نراه اليوم. ومن المؤكد أن الآتي منها أكثر وأصعب وأخطر.

([13]) فلا تنبذوا القرآن وراء ظهوركم كما فعل اليهود مع التوراة، بل اجعلوه دستور حياة لتكونوا بمنجى من الفتن.  

([14]) أعلام الدين، للشيخ الصدوق:99.

([15]) وما دمنا مررنا بهذه النقطة فلا بد أن نشير إلى ظاهرة برزت كثيراً هذه الأيام، وهي إقامة مراسيم الأربعين لبعض الأشخاص، في حين أن هؤلاء لم يقدموا شيئاً في حياتهم، لا لأنفسهم ولا لمجتمعاتهم ولا للأمة من حولهم، والأولى من ذلك كله أن ترد المظالم التي ارتكبها بحق العباد وحق نفسه، بدل أن ينفق في هذه المناسبة ما هو أحوج إليه في ذلك. أو أن تقضى عنه الصلوات التي لم يكن يحسن طهارتها  ولا قراءتها في حياته، وسوف يسأل عنها في حياته. وكذا الحال في الصوم وسائر العبادات.

لقد كانت إحدى وصايا العم الشيخ حسين الخليفة رحمه الله عدم إقامة الأربعين في ذكراه، وكان يقول: إن الأربعين للإمام الحسين (ع) وليست لأيٍّ كان.

لذا ينبغي أن تلاحظ هذه الأمور بدقة، فالبلاد فيها موارد للإنفاق فيما هو أهم من ذلك بكثير. والأخطر من ذلك أن يُقترض لذلك الأموال، والأنكى بعد ذلك أن لا يفي المقترِض بما اقترض من الناس. وأحذِّر هنا من التساهل في القرض، لأن الكثير من المقترضين، يقبل يديك لتقرضه، ولكنك سوف تقبل رجليه فلا يعيدها لك. بل قد تعطيه القرض فلا يسلم عليك بعد ذلك، وكل ذلك بسبب الابتعاد عن القرآن.      

([16]) آل عمران: 159.  

([17]) الكافي، العلامة الكليني4: 68.  

([18]) الجامع الصغير، للسيوطي1: 209.