نص خطبة سماحته بعنوان مفترق الطرق إكمال الدراسات العليا أم العمل

نص خطبة سماحته بعنوان مفترق الطرق إكمال الدراسات العليا أم العمل

عدد الزوار: 1940

2011-07-03

بعد عام دراسي حافل، طويت صفحته في قاعات الامتحان، انصرف الأبناء والبنات إلى أحد طريقين: إما طريق التقدم في المشوار الدراسي، أو الطريق الذي يأخذ إلى موقع التوقف والرجوع، ولا شك أن أصحاب الطريق الأول رسموا جراء جهودهم المضنية خلال عام دراسي كامل، ابتسامة على ثغور الآباء والأمهات، هي الأغلى بين الابتسامات التي توزع في أكثر من موقع وموقع.

لهؤلاء نقول: إن كلمات التبريك قد لا تفي؛ لأن ما قدموه وما حققوه أكبر من ذلك بكثير، ولكن نزولاً عند ما تجارى عليه العرف، نقول من صميم القلب: ألف مبروك ومبروك لكل فرد من أبنائنا وبناتنا، الذين استطاعوا أن يحققوا آمال الآباء والأمهات. أما الفريق الآخر فنشدُّ على يده، ونأخذ به إلى ما نأمل أن يكون عليه في يوم من الأيام، بحيث يلحق بركب من تقدم، ليستطيع بعد أن يتخطى مواطن السلب والأخذ بمواطن الإيجاب، أن يرسم ابتسامة في القادم من الأيام. ولهؤلاء ندعو أيضاً من صميم القلب أن يكون القادم من أيامهم أكثر إشراقاً مما مضى.

أما الشباب والأخوات الذين تخرجوا، فالسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح عليهم هو: ماذا تنتظر أيها الشاب وأيتها الأخت الموفَّقَين بعد التخرج؟ هناك مسيران: الأول أن يواصل كل منهم مسيرته العلمية حتى يصل إلى ما هو الأكثر رقياً وتقدماً، والثاني أن يشقَّ طريقه في الحياة من خلال ساحة العمل، ولكل واحد من هؤلاء نصيب، ونسأل الله تعالى أن يذلل الصعاب التي ربما تعترض طريق البعض منهم، وأن يجعل طريقهم مملوءاً بالورود.

وربما يكون العمل هو الخيار الأكثر عمليةً؛ لأن الذين يرغبون أن يواصلوا مسيرهم التعليمي هم بالنتيجة مجموعة معينة، وهي المتفوقة بين الناجحين، وهؤلاء أيضاً أمام مجموعة من الدوائر، منها ما يكون الإنسان هو المسؤول عنها، ومنها ما يكون للمجتمع نصيب في أن يقوم بجزءٍ من المسؤولية، وربما تكون المسؤولية الكبرى والدائرة الأوسع بعهدة من بيدهم الأمر في هذه البلاد.

إن التحصيل العلمي العالي والمعدل متعب، كما أن التوفيق، أو ما يعبر عنه
بـ (الحظ) ـ وهو ما لا نرغب أن يكون له أثر في المعادلة العلمية في ترتيب الأوراق ـ له نصيب في نهاية المطاف، والأسوأ من هذا وذاك أن تكون هناك عوامل طارئة ودخيلة على المشهد، تفتح الأبواب، أو تقف حائلاً دون من يستحق أن يواصل مسيرته ويقدم إبداعه من مستوى الواقع من حوله، شخصياً وأسرياً واجتماعياً وأممياً.

وهناك صنف آخر ربما لا يكون لديه المؤهلات الكافية، ولكن تُفتح أمامهم الأبواب لا لشيء إلا على أساس الفئوية، وأحياناً ـ ونقولها بكل مرارة ـ الطائفية، التي ما تغلغلت في مجتمع إلا وأوردته المهالك، وكانت النهاية غير المحمودة، وهذا ما لا نأمل أن يكون له عينٌ ولا أثر في بلد مهبط الوحي والرسالة التي لا تفرق بين عربي ولا أعجمي، ناهيك عن التفرقة بين مذهب وآخر.

وما نأمله ونتمناه ونحنُ في هذه الحالة والوضع من حولنا أن تكون الحكمة في محلها هي سيدة الموقف؛ لأننا لسنا مع الإصلاح الاندفاعي الذي لا يرتب عليه إلا آثار السلب كما تشاهدون، وإنما الإصلاح المبني على الأسس والقواعد والأصول، فهو الذي يصل بالمجتمعات إلى ما هو المطلوب.

هذا عن المسار الأول، وهو المسار العلمي، وإكمال المسيرة العلمية.

أما المسار الآخر، وهو مسار العمل والكفاح، فيكفي لكل شاب وشابة أن يتخذ من أهل البيت (ع) قدوة لهم في شق هذا الطريق. فقد مرت بنا ذكرى شهادة الإمام الكاظم (ع) ـ رزقنا الله وإياكم زيارته والشفاعة على يديه ـ الذي لم يعمر طويلاً، وكانت هناك حصة لا يستهان بها من عمره الشريف قضاها من سجن إلى سجن، ذكرت بعض الروايات أنها قاربت الخمس عشرة سنة، قضاها من طامورة إلى طامورة، ومن سجَّان شقي إلى سجان أشقى، لكنه رغم ذلك ملأ الخافقين بعطائه العلمي، وإلى جانب هذا العطاء لم يتخلَّ عن دائرة العمل.

دخل عليه أحدهم وهو في ضيعةٍ له، وقد غاصت قدماه في الطين وعرق بدنه في يوم شديد الحرارة، فقال له: ألا يكفيك هؤلاء الغلمان يا بن رسول الله ؟ فأجابه: ألا يكفيني أن يكون رسول الله (ص) وجدي أمير المؤمنين (ع) هما القدوة لي؟ فالنبي عمل بنفسه، وكذلك علي (ع) وميدان العمل شرف وكرامةٌ وعزة ورفعة وسمو وبناء وحضارة وتقدم، والعكس من ذلك هو الصحيح.

إن العمل شرف شخصي، وخدمة وطنية، وقضية دينية، فهذا مثلثٌ لا يمكن أن نفكك بين أصلاعه، فإذا استقام هذا المثلث، واشتدت الأضلاع فيما بينها، فسوف نقرأ مجتمعاً راشداً في جميع جوانب حياته، ينعم بالسعادة، ويعيش في رفاه مرفوع الرأس عالياً.

وطلب الرزق من الحلال من أرقى وأسمى الصفات، فهناك من يطلب الرزق من الطرق الطبيعية المقننة  شرعياً، والتي قررها الله عز وجل. وهناك من يختار له طريقاً معوجاً في تحصيل الرزق، والمهم لديه أن الحلال ما حل في يده ودخل في حسابه، والحرام ما حُرِمَه، فلا يسأل عن مصدر المال ولا سبب استحقاقه. وهذه الفئة من الناس بعيدة عن مجتمعنا إن شاء الله تعالى، فالأعم الأغلب من الناس هم من يلتمسون الرزق الحلال من الطريق الحلال، ونسأله تعالى أن يطرح البركة في ذلك.  

جاء في الكافي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: «من طلب الرزق في الدنيا استعفافاً عن الناس، وتوسيعاً على أهله([3])، وتعطفاً على جاره([4]) لقي الله عز وجل يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر»([5]). هذا هو شأن من يبحث عن الرزق الحلال ويسعى وراءه، لا أن يقال له: أنت تسعى وراء الدنيا، وهي لا تستحق كل ذلك. صحيح أن الدنيا بعدها قبر، لكن الحياة لها ضريبتها والتزاماتها واستحقاتها التي أرادها الله تعالى، فقد أوجدنا الله تعالى في الحياة لنكدح، ونحمل نفوسنا عناءً، ونرهق أجسادنا لنحصل على سعادة معنوية.

فمن لا يريد طلب الرزق من مظانه، أو من لا يريد أن يعمل، فهؤلاء على خلاف منهج الأئمة (ع)، وهم شريحة معطَّلة، لا أنهم يشتكون البطالة وعدم وجود الفرصة في العمل.

والبطالة تجر في نهاية الأمر مجموعة من السلبيات، لذا نرى أن النظم العالمية، سواء القديم منها أم الحديث، الديني منها والوضعي، تضع هذه الشريحة من المجتمع في رأس الأولويات التي تنهض بها الحكومات المشكلة، بل إن بعض الحكومات تسقط جراء عدم التعاطي مع هذا الملف كما ينبغي.

فالبطالة تعني الفقر والجهل والفساد، وسوء الاستغلال من الطرف الآخر، فإذا ما تم سدُّ هذه الثلمة استطعنا أن نصل إلى ما هو المطلوب.

يقول الإمام أمير المؤمينن (ع): «إنَّ أخسرَ الناس صفقةً، وأخيبَهُم سعياً، رجلٌ أخلق بدنه في طلب آماله([6]) ولم تساعده المقادير على إرادته، فخرج من الدنيا بحسراته، وقدم على الآخرة بتبعاته([7])»([8]). فالعاطل عن العمل بذرة سوء، والمسؤولية أولاً وأخيراً ملقاة بكل تبعاتها ـ إلا النزر اليسير الذي يمكن أن ينهض به من ينهض ـ في جهة من بيده القرار، لذا فإن التدخل المباشر من أصحاب القرار، في تحسين الوضع في شرائح واسعة من المجتمع، تئن تحت سطوة البطالة والفقر والعوز، أمر في غاية الأهمية والإلحاح، يفترض أن يلتفت له، ولو لم يحصل ذلك فإن التبعات واضحة، ولا يحتاج الأمر إلى من يرشد ويوجه ويشير.

إن طلب الدنيا تارة يكون مطلباً دنيوياً صرفاً، وأخرى يكون مطلباً دينياً، وهناك ترابط وثيق بين الدين والدنيا، فلا معنى لترك الدنيا كليةً من أجل الدين، بأن نترك العمل ونتفرغ للصلاة والعبادة، أو أن نرفض وظيفة في إحدى مناطق المملكة بحجة أنها بعيدة عن المسجد أو الحسينية أو الأبوين والأهل. ألم يتغرَّب آباؤنا وأجدادنا ويركبوا البحر، أو يغوصوا في أعماقه، أو يهاجروا إلى مناطق بعيدة في الصحراء، فتصهرهم حرارة الشمس،   كل ذلك في طلب الرزق، وأن يعيشوا العزة والكرامة في المجتمع الذي يعيشون فيه؟ وأبناؤنا وبناتنا اليوم هم أبناء وبنات أولئك الرجال والأمهات، وكلهم أصحاب قيمة يفترض أن يحافَظ عليها، وأن تؤدي ما يناط بها من مسؤوليات.

والذي يبين لنا حقيقة مفهوم طلب الرزق، والكد والعمل وبذل الجهد، هو الإمام الصادق (ع) حيث قال له رجل: والله إنا لنطلب الدنيا ونحب أن نؤتاها([9])، فقال له (ع): «تحبُّ أن تصنع بها ماذا» قال: أعود بها على نفسي وعيالي([10]) وأصل بها (رحمي)([11]) وأتصدق بها وأحج وأعتمر، فقال (ع): «ليس هذا طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة»([12]).

فما دام الإنسان يطلب الرزق من الحلال، وينفقه في الحلال، فهذا عمل أخروي وليس دنيوياً فحسب، وبذلك يكون المؤمن قد عاش عزيزاً كريماً في الدنيا، ثم يقدم على حياة أخرى فيها من العزة والكرامة ما هو أكثر وأوسع.

هذه هي أبعاد مدرسة أهل البيت (ع) التي تتجلى في الحديث المذكور عن الإمام الصادق (ع) وغيره من أحاديث الأئمة الأطهار (ع)، وبالتالي عندما تمر بنا مناسبة أحد الأئمة الأطهار (ع) فعلينا أن نطرق المفاهيم التي تتماشى مع سيرة ذلك المعصوم الذي نعيش ذكرى شهادته أو ولادته أو ذكرى المبعث وأمثال تلك الذكريات.

ما أريد قوله هنا أن بين العبادة والعمل حالة من المفاضلة، فأيهما أفضل؟ أن ينصهر الإنسان في ميدان العمل تماماً بلا عبادة، فيدخل في عالم التزامات العمل، كالوقت الإضافي وغيره، وما يترتب على ذلك من وصل الساعات بالساعات في مجال العمل، أو أن ينصرف للعبادة؟ هذه الموازنة والمفاضلة أقرها نبينا محمد وآل محمد (ع).

عن الإمام الصادق (ع) أنه سأل يوماً علي بن عبد العزيز عن عمر بن مسلم، قائلاً: ما فعل عمر بن مسلم([13])؟ قال فقلتُ: جعلت فداك، أقبل على العبادة وترك التجارة، فقال (ع): ويحه، أما علم أن تارك الطلب لا يُستجاب له؟([14]).

إننا اليوم بحاجةٍ إلى عمل ضمن الضوابط الشرعية والقانونية، خارج دائرة الغش وأمثاله، فالإمام الصادق (ع): «معاشر الشيعة: كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً»([15]). فالتدريس أمانة، لا أنه مسمى وظيفة، فهناك جيل كبير أُودع أمانة في يد المعلم، وبإمكانه أن يربي الأمة فيرتقي بها إلى الرفعة والسمو والصراط المستقيم وتحقيق الهدف السامي، أو ينحدر بها إلى الحضيض، فعندما نرى بعض المتسكعين في الطرقات لا بد أن ندرك أن جزءاً من المسؤولية يقع على عاتق المدرسين، لأن الدولة وضعت أمانةً في أيديهم، ويفترض أن يكونوا مسؤولين عنها مسؤولية شخصية ووطنية ودينية واجتماعية، ويفترض أن لا تضيع هذه المسؤولية من بين أيدينا.

إن دائرة المدرسة أوسع من نطاق التعليم، فهي تربية وتعليم، والتربية قبل التعليم، فإذا رأى الطالب أستاذه ليس بمستوى من التربية والخلق الكافييين، واحترام الوظيفة والوقت، مما يؤهله أن يكون قدوة، فلا شك أن ذلك ينعكس عليه سلباً.

وكذا الحال مع الطبيب، فعندما تتحول مهنة الطب وتنحرف عن مسارها في المسؤولية الإنسانية فإنها تتحول إلى متاجرة وسرقة لما في جيوب الناس. وهكذا في الجوانب الأخرى من الحياة.

ومن هنا يتدخل رسول البشرية محمد (ص) في صياغة المشهد المفترض فيقول: «ومن غش مسلماً في شراء أو بيع، فليس منا، ويحشر يوم القيامة مع اليهود؛ لأنهم أغشُّ الخلق للمسلمين»([16]). وهي رواية يرويها العامة والخاصة، وللأسف نرى اليوم أن الغش قد تفشى، وأعطي أسماء جديدة، وجعل من أخلاقيات التجارة، فهو (غش تجاري) أو (أخلاق رياضية) لكنه هو الغش المنهي مهما تعددت أسماؤه. فلا أخلاق في التجارة إلا التي أقرها ورسمها الشرع، وتجسدت عملاً في الخارج بسيرة محمد وآل محمد (ص).

أيها الشاب: عليك أن لا تيأس في طلب الرزق ولا تكون قصير الهمة، فإن أغلق في وجهك باب فهناك أبواب أخرى كثيرة.

يحكى أن أحد التجار من الحكماء كان له ولد، وكان بإمكان الولد أن يعيش حالة الرفاه بعيداً عن التعب والشقاء، لكن التاجر لم يشأ أن يعيش الولدُ كَلاً عليه، مع أنه يملك من الأموال ما يكفي لعيشه طيلة حياته وأبعد من ذلك.

وفي صبيحة أحد الأيام، أعطى لولده مبلغاً من المال، وقال له: اسمع يا ولدي، إنك اليوم بلغت سن الرشد، وبإمكانك أن ترسم طريقك في الحياة، وهذا المال لك، استعن به على شؤونك. فأخذ الولد المال وغادر مفارقاً أباه، وسار حتى بلغ إحدى المدن القريبة، فلما جنّ عليه الليل، نزل في أحد المقاهي، في ليلة من ليالي الربيع، فرأى القمر الجميل، واستشعر الهواء العليل، ومكث شطراً من الليل هناك، ثم تحرك باتجاه الصحراء. ومن المعروف أن في الصحاري جمالاً خلاباً، لا سيما في الليل.

وبينا هو سائر إذ لمح في الظلام شيئاً، فقصده، وإذا به ذئب قد أنهكه الجوع والهزال حتى أشرف على الهلاك، فقال في نفسه: كيف يعيش هذا الذئب وهو في صحراء قاحلة؟ وما هي إلا لحظات حتى سمع صوتاً هادراً مرعباً يمزق صمت الصحراء، فتفحصه وإذا هو أسد قادم، فانتحى جانباً ليجد ملاذاً وملجأً في أكمة قريبة، وراح يراقب المشهد عن قرب، فرأى أن الأسد يجر معه فريسة، ويقترب قريباً من الذئب، حتى طرح الفريسة قريباً منه، فأكل منها حتى شبع، ثم تركها وانصرف، فتحرك الذئب بمشقة حتى وصل إلى ما تبقى من الفريسة، فأكل هو الآخر حتى شبع.

فلما رأى الرجل هذا المشهد قال في نفسه: ما دام الرزق مكفولاً هكذا، فلم أتعب نفسي في السعي والكد؟ إن هذا الذئب لم يسع لرزقه، إنما سخر الله له ملك الحيوانات حتى أتاه برزقه. وهكذا رجع إلى مدينته وأهله، فاستقبله أبوه وسأله عن الحال فأخبره بما جرى، فقال له الأب: يا بني، ما أردت لك أن تطلب العيش وأنت ذئب متهالك، إنما أردتك أن تكون ذلك الأسد، فقد اصطاد بنفسه وجهده، وأكل حتى شبع، ثم تصدق بما في يده.   

وخلاصة الأمر أن في العمل فوائد كثيرة تعزُّ على الحصر، أهمها:

1 ـ أنه يولد النشاط والحيوية في الحياة.

2 ـ يزيد في المدركات العقلية.

3 ـ اكتساب الخبرة العملية.

4 ـ توسيع العلاقات العامة في المجتمع.

5 ـ عزة النفس والشرف.

والأكثر من هذا وذاك أننا نتمثل في العمل ما كان عليه محمد وآل محمد (ص).

 

وفي الختام لديَّ إشارة عنوانها: علماؤنا بين التخزين والتأبين، فها نحن نعود إلى المربع الأول، لنقول: رحم الله آية الله فلان، ونقف عند هذا الحد، أما في حياته فلا ننبس ببنت شفة، فلم لا يكون آية الله في حياته؟ ولماذا الآن؟ ماذا ينتفع بها هو وماذا ننتفع نحنُ؟ وهكذا يموت من يموت فنذكره بخير عند مماته دون أن نلتفت إليه في حياته.

 

في القريب إن شاء الله تمر بنا ذكريات مواليد الإمام الحسين (ع) والإمام السجاد (ع) وقمر بني هاشم أبي الفضل العباس (ع) وسوف نجمع هذه المواليد الثلاثة كلها في ليلة الثلاثاء بعد الصلاة، ونسأل الله تعالى أن نوفَّق من خلال هذا العمل، ونُدخل به السرور على قلب الخلف الباقي من آل محمد (ع).                



([1]) طه: 25 ـ 28.

([2]) الكافي، العلامة الكليني1: 17، كتاب العقل والجهل. 

([3]) بأن لا يجعل الإنفاق في حدود الأكل والشرب في حدود معينة، إنما يوسع على العيال ويرفههم، فإن كان بإمكانه توسيع المنزل مثلاً أو تغييره للأحسن، فهو مستحسن، لا أن يكون بيت العمر حتى القبر. وكذا الحال في السيارة والأثاث وكل ما من شأنه أن يحسن وضع العيال.

([4]) وهي مسألة ملحة تلقي بثقلها وتبعاتها على الجيران، ونحن مع الأسف، نجد في بعض المناطق
ـ ونأمل من الله تعالى أن يأخذ بأيدي أهلها وأن ينبههم إلى ما هو الأفضل ـ أن الجار لا يدري بما يجري لجاره. لكننا عندما نعود إلى موروثنا الاجتماعي قبل سنوات يسيرة، نجد أن الجار كان أكثر حناناً على جاره حتى من أخيه أو القرابة القريبة منه، أما اليوم فيخرج المريض من بيت الجار ويعود بعد أن يشفى، وجاره لا يعلم بحاله. فلو التفت الجار إلى جاره في هذه الدائرة وتوسعت معه شيئاً فشيئاً، بات يشعر بالمسؤولية أمامه، وعندئذٍ نجد شباباً طيبين، وأبناءً يُراهَن عليهم عند إجراء المعادلات.  

([5]) الكافي، العلامة الكليني5: 78.

([6]) هناك الكثير ممن يتعب نفسه في السعي وراء آماله فلا يحصل عليها، لأنه يأمل في ما لا يمكن، أو ما هو مستصعب، أو ما يريد نيله دفعة واحدة دون تدرُّج، فهو يتمنى والأيام تمر، وقواه تضعف، وإذا به يجد نفسه بعيداً حتى عن أدنى مراحل السلم العملي في الحياة. 

([7]) لأن من عاش عاطلاً في الدنيا فرّط كثيراً في حق نفسه وأهله ومجتمعه ووطنه وأمته. 

([8]) غرر الحكم، للآمدي: 167.

([9]) أي أننا نسعى وراء الدنيا، ونحب أن نحصل عليها فنكون أغنياء.

وكنت قد تعرضت في مناسبات سابقة إلى ما ورد عنهم (ع) أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، فذكرت أن ذلك يشمل الأمر الدنيوي وليس الديني فقط، لأن العمل الدنيوي في حدّ ذاته قد يكون عملاً دينياً بلحاظ آخر، فالطبيب والمهندس والعامل وغيرهم، لا يخدمون أنفسهم فقط، إنما يعود عملهم بالخير والمنفعة على المجتمع والأمة من حولهم، وفي ذلك ثواب عظيم أيضاً.    

([10]) أي أوسع عليهم فلا أجعلهم يسألون الناس.  

([11]) وهنا أشد على أيدي الأحبة، خصوصاً المقتدر منهم، إذا أراد أن يتصدق أو يخرج حداً شرعياً، أو يمدَّ يد عون، فالرحم أولى به. ولا يتركنَّ أحدكم أخاه يقف على باب غيره.     

([12]) الكافي، العلامة الكليني5: 72.  

([13]) لاحظوا كيف أن الأئمة (ع) يتفقدون أصحابهم ويسألون عنهم.  وقد كان عمر بن مسلم من التجار الكبار، فقرر أن يتفرغ للعبادة ويترك التجارة. والمعروف للجميع أن الرافد الاقتصادي في الأمة أمر في غاية الأهمية، فلا مرجعية ولا مشروعاً حضارياً بدون هذا الرافد. ثم إن الإمام سوف يأتيه الفقير والسائل والمحتاج فيكون الرافد المالي عوناً له على سدِّ الحاجات.

وقد نلاحظ البعض في أيامنا هذه أنه يقتِّر على نفسه وعياله ليزور الإمام الحسين (ع) طمعاً في الثواب والفضيلة، لكنه في المقابل يترك عياله يصارعون الفقر، فأين الثواب الذي يريد تحصيله ؟ وأين هي مسؤولياته تجاه الأسرة والعيال ؟ والأسوأ من هذا أن يأكل البعض مال اليتيم ليزور به الإمام الحسين (ع)! أو يظلم قسيمة الورثة، أو يفعل ما يفعل من المنكرات ليزور أحد المعصومين، وهذا بلا شك سوف يحرم شفاعة الإمام الحسين (ع) يوم القيامة، لأنه خالف الشريعة التي من أجلها استشهد الحسين (ع). والأئمة طيبون لا يرضون إلا الطيب من الطيبين.          

([14]) تتمة الحديث: إن قوماً من أصحاب رسول الله (ص) لما نزلت ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾ أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا: قد كُفينا، فبلغ ذلك النبي (ص) فأرسل إليهم فقال: ما حملكم على ما صنعتم؟ قالوا: يا رسول الله، تُكُفِّل لنا بأرزاقنا، فأقبلنا على العبادة. فقال (ص): إن من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب. الكافي، الشيخ الكليني5: 84.

([15]) وسائل الشيعة، الحر العاملي12: 193.   

([16]) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق4: 13.