نص خطبة: زمن الظهور نصرٌ للمستضعفين

نص خطبة: زمن الظهور نصرٌ للمستضعفين

عدد الزوار: 445

2014-08-27

بارك الله لنا ولكم حلول العيد السعيد، وجعله الله تعالى يمناً وسعادةً وبركة، وأعاده الله علينا وعليكم، والأمة العربية والإسلامية المغلوب على أمرها في حال أحسن مما هي فيه، وأن يدفع السوء والبلاء عن إخواننا المستضعفين في غزة.

ذكرى الغيبة الكبرى:

حديثنا حول ما حدث في مثل هذا اليوم، وهو دخول الإمام الخلف الباقي من آل محمد (عج) في الغيبة الكبرى.

فللإمام المهدي (عج) غيبتان، الأولى هي الصغرى، وقد تقضّت في حدود سبعين سنة، ثم خرجت التواقيع الخاصة لتبدأ الأمة رحلتها مع غيبة كبرى.

ولهذه الغيبة الكبرى إرهاصات قبل حدوثها، فكان الذين يعيشون على مقربة من الإمام، يحظون ببعض أسراره في حالة من الترقب لغيابه (ع) عنهم طويلاً، وكان الأمر يقترب من حالة الاطمئنان عندهم، بل ربما أكثر من ذلك، أما عموم أيتام آل محمد (ص) الذين كانوا يعيشون في ذلك  الدور، فقد كانوا يتلمسون في الغيبة الصغرى حالة من التحضير لما هو أقسى.

والإمام المهدي (ع) لم يبشر به هذا الدين فقط، إنما جاء ذلك في النصوص المقدسة للديانات السابقة، اللهم إلا الاسم الذي لم يذكر هناك، إنما هناك قرينة أن على أن  المراد به هو الخلف الباقي، لا سيما مع الاستعانة بروايات أهل البيت (ع) إذ يصبح الأمر واضحاً جلياً.

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُوْنَ([3]). ومن المعلوم أن الوراثة العامة المستفادة من النص لم تتحقق إلى يومنا هذا، فلا أصحاب الرسالات الخاصة، ولا أصحاب الرسالات العامة من أولي العزم تحقق لهم ذلك، ابتداء من نوح إلى إبراهيم إلى موسى إلى عيسى، عليهم السلام جميعاً، بل حتى النبي الأعظم محمد (ص) الذي خرج من الدنيا وهو قلق على وضعها، مخافة أن تقع الأمة فيما حذرت منه رسالة السماء، ألا وهو الانقلاب.

نظرة في الفتوحات:

والمعلوم أن الدولة الإسلامية في عهد الرسول الأعظم (ص) كانت محدودة في حدودها الجغرافية والبشرية المعروفة، وبعد رحيله توسعت رقعتها بسبب الفتوحات، وهي محل  أخذ وردّ فيما هو السبب والغاية منها.

ومما يؤسف له أن من يقرأ الفتوحات الإسلامية من الأندلس غرباً إلى الصين شرقاً، حيث وطأت جحافل المسلمين تلك البقاع، فإن تلك القراءات إما أن تكون سلبية النظرة بالمطلق، فتضع خطين متقاطعين على جميع تلك الفتوحات، لا لشيء إلا لأنها كانت في عصر ووضع معينين، بمعنى أنها تحاكم المضاف إليه وليس المضاف. وبعضها يُصحح الفتوحات مطلقاً، بما فيها من جرائم ارتكبت، وما من حرب على وجه الأرض إلا وتقع فيها مثل هذه الجرائم، إما من الطرف المنتصر أو المهزوم، فليس بالضرورة أن يكون المنتصر هو المسؤول عن الجريمة حصراً. والشواهد في الماضي والحاضر كثيرة، فها نحن نرى واحداً من أقوى العساكر العالمية، يقف في مقابل أناس عُزّل، لا يملكون سوى أسلحة بدائية، ولو كانت أسلحة فعالة لما وصلت الأمور إلى ما صلت إليه. فهم يجابهون تلك الآلة العسكرية المدمرة، وتلك العنجهية والإرهاب في أجلى صوره، بصدورهم العارية، وبأرواحهم التي يحملونها على أكفهم.

وهنالك من يحاول أن ينصف الفتوحات بوقوفه في قراءته في برج عاجيٍّ، ثم يحاكم على النوايا والضمائر.

وقسم رابع أراد لنفسه أن يعيش الحدث من خلال ما نُقل إلينا في صحائف التاريخ، فيغوص في أعماقه ويصل إلى النتائج بعيداً عن الضغوطات الفكرية والجهوية والحزبية والمذهبية وغيرها، وهذا ما نحتاج إليه اليوم.

أمل الأمة ومنقذ العالم:  

لقد مرت ألف وأربعمئة سنة على تلك الأحداث، ولم تتعظ الأمة من الماضي ولو بدرس واحد، لذا فإنها تخرج من مستنقع لتقع في آخر أسوأ منه، حتى وصلنا اليوم إلى مرحلة أصبحنا فيها (كشّافة العيوب) والجميع متفرج مع شديد الأسف، فلا بلد يختلف عن بلد، ولا جماعة تختلف عن جماعة.

إن الكلام لا ينقذ موقفاً، والتهديد لا يعالج قضية. وأمل الأمة منذ زمن النبي (ص) في خيار واحد لا ثاني له، وهو التمسك بالعروة الوثقى، والارتباط الصحيح بالمسلك السماوي الذي جسد على وجه الأرض بناءً على معطيات الفيض المحمدي العلوي.

يقول النبي الأعظم محمد (ص): «لا تذهب الدنيا حتى يقوم بأمر أمتي رجلٌ من ولد الحسين، اسمه اسمي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً»([4]).

صحيح أن هناك روايات في موروثنا تنص على لفظ (شيعتي) وأخرى بلفظ (شيعة علي) في موروث الآخرين، إلا أن معظم النصوص جاءت بلفظ ­(أمتي) أي أمة محمد وأمة الإسلام عموماً، وهي التي تجمع جميع المفردات الدالة على مذاهب وفرق، أي أن النبي (ص) لا يريد أن يقول: إن شيعة علي (ع) وأيتام آل محمد (ص) وحدهم سوف يُنتشلون من الواقع، إنما هي الأمة بأجمعها.

فإذا ما أذن للمهدي (عج) بالفرج فإن الهبة ستكون هبةً عالمية بمساحة الكون، ومن الخطأ أن نُغلق ظهوره، ونحصر مساحته ضمن دائرتنا الضيقة، فنحن بالنسبة للعالم من حولنا لا نشكل رقماً مخيفاً أو مزعجاً، إنما العالم بأسره، من أقصاه إلى أقصاه، سوف ينتفض عند ظهور الإمام المهدي (عج).

لذا نرى اليوم أن الذين يحاولون رعاية مصالحهم من الماديين، لا سيما في معسكر الغرب، يُنشئون ورش عمل، ومؤتمرات، ومراكز للبحوث المركزة حول هذا القادم، الذي يختصر مسافة جميع الأنبياء والرسل والأولياء في حركته، فالدنيا منذ خلقت إلى يومنا هذا تبحث عن هذا المنقذ، فعلاج الأمة وصلاحها وعدالة البشرية كلها تكمن فيه، فما أجلّها من عظمة!.

إننا كنا ولا زلنا نعيش حالة من التناحر، والتدابر، والتقاطع، والقذف بما لا موضوعية له، وما إلى ذلك. وها هو العالم الإسلامي اليوم أمامك، ودونك القنوات التلفزيونية التي نشاهدها دوماً، فنشعر كأن العدو في مقابل العدو، فقد ضاعت الأخوة والصداقة والعلاقة القومية والدينية بل وحتى العلاقة الإنسانية.

فالحديث الشريف يؤكد قيام رجل من ولد الحسين (ع) وإن كان في روايات الآخرين أنه من ولد الحسن (ع). فحتى في هذه النقطة نجد أن الأمة عندما تختلف في الحسن والحسين يحدث الهرج والمرج.

كما أن قوله (ع) اسمه اسمي أضيف له في بعض النصوص عند غيرنا «واسم أبيه اسم أبي» ليزيد في الاختلاف بين الأمة.

ثم إن النبي (ص) لم يكتف بهذا النص الذي رواه العامة والخاصة، فهنالك نصوص أخرى يقول: «ثم يقوم قائمنا يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً ويشفي صدور قومٍ مؤمنين»([5]). فهو يملأ الدنيا بأجمعها، والعالم بأسره ينتظر فرج آل محمد (ص).

وفي بعض النصوص: «هم شيعته» أي شيعة الإمام المهدي (عج) ولا يعني أنهم من كانوا على خط الولاية فقط، إنما الذين شايعوه في نهضته، فمن يسير في ركب الإمام عندما ينهض هم أكثر وأكثر ممن سار على الطريق قبل خروجه، لأنه سوف يكون كالشمس في رابعة النهار، ولا يستطيع أحدٌ أن ينكر وجوده.

بعض إرهاصات الغيبة:

إن هذه الغيبة مرت بمراحل، ذلك أنه عند وقوع الغيبة لا بد أن يحصل خلل ما، كما في غياب الحاكم عن الدولة، والشواهد على ذلك كثيرة، منها ما حصل في العراق قريباً عند سقوط الطاغية بشكل مفاجئ، وما زال يحصل إلى يومنا هذا، وكذلك ما حصل في مصر عند سقوط فرعونها، ولا زال يحصل. أما ليبيا فلا بد أن نكبر عليها أربعاً، حيث ذهبت أدراج الرياح.

لقد قلت ذات مرة أن الأمة في يوم من الأيام سوف تترحم على صدام، بسبب ما يرون من المصائب. فالناس تُطحن طحن الرحى، والقيادات سالمة أمينة.

إننا نرى أن أول معركة قادها النبي (ص) قدم فيها أهله، وكان أحد الشهداء عمه عبيدة بن الحارث، فلم يكن النبي (ص) متفرجاً.

وأكرر في هذه المناسبة وفي كل مناسبة، كما كررت في الماضي وأقول: والقادم أعظم، لأن الأمة لا تحترم نفسها. يقول الحديث الشريف: «لتأمرُنَّ بالمعروف، ولتَنهُنَّ عن المنكر، أو لَيُسْتَعْمَلُنَّ عليكم شراركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم»([6]).  

ويُسأل الإمام الصادق (ع): لماذا ندعو فلا يستجاب لنا؟ فيقول: لأنكم لا تعرفون من تدعون. فإن كان الداعي لا يعرف الله فكيف يستجاب له؟. فعدم معرفتنا بقدرة الله تعالى تغرس في نفوسنا هذه الحالة.

مفهوم الاستضعاف:

قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ‏ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى‏ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً([7]).

إن هناك خطأ في قراءة مفهوم الاستضعاف، لأن الضعيف يختلف كثيراً عن المستضعف، فالضعيف من لا يملك حولاً ولا طولاً، كالمرأة في بيت زوجها، والطفل. أما المستضعف فهو القادر، إما قوةً أو فعلاً، لكنه لا يستطيع أن يحرِّك القوة، ولا أن يتماشى مع الفعل، فهذا مطالب بالهجرة، كما في القرآن الكريم: ﴿إِنَّ الَّذينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمي‏ أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيْمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفينَ‏ فِي الأَرْضِ قَالُوْا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهاجِرُوا فيها﴾([8]). فالضعيف لديه مبرر، أما المستضعف فلا مبرر له.

والاستضعاف ليس في القتل والسجن وأمثالهما فحسب، إنما قد يكون استضعافاً في العقيدة، لذا وجبت الهجرة أحياناً لهذا السبب، فإن لم يستطع المسلم أن يمارس عقيدته في مكان وزمان ما، تعيّن عليه الخروج.

وربما يكون الاستضعاف فكرياً، إذ لا يستطيع الفرد أن يتفوه بحرف أو حرفين أو أن يركب جملة من مبتدأ وخبر. ولا يكون هذا النوع من الاستضعاف من الحاكم الظالم فحسب، فربما يكون من المحيط والمجتمع، الذي يتحول بمجموعه إلى ظالم يمارس الإرهاب الفكري الذي لم يتعرض له رأس الهرم من قريب أو بعيد، في أي بلد كان. فهذا ظلم من مجتمع أو جماعة تجاه فردٍ مستضعف، ونوع من أنواع الإرهاب الفكري.

وقد يكون الاستضعاف اقتصادياً، فلا تكاد تضع حجر أساس لمشروع إلا وبدأت الإشكاليات والمعرقلات هنا وهناك. وعلى هذه فقس ما سواها من الأمثلة.

فعندما يأذن الله تعالى للمهدي (عج) ويقوم بأعباء الإمامة الفعلية، فلا مكان عندئذٍ للاستضعاف الديني، أو الفكري، أوالاقتصادي، أو الأدبي، أو الفني، أو الاجتماعي، أو الأسري، أو الشخصي، لأنه يمسح على الرؤوس فترشد العقول، وهي حركةٌ مبعثها ومصدرها (كن فيكون). ونحن نعتقد ونؤمن أن المهدي (عج) هو الامتداد الطبيعي للنبي محمد (ص) وكما كانت الولاية بيد جده وأجداده الطاهرين وأبيه، فهي بيده أيضاً.

كلمة للشباب:

لقد أثبت شبابنا المؤمن الطيب للجميع في هذه السنة أنه لا يقبل إلا الارتباط بالله وأهل البيت (ع) وينبذ جميع الطرق، وإن تلونت كالحرباء، ولان ملمسها كالحيّات، والدليل على ذلك المساجد، حتى تلك التي كادت أن تكون في عداد المنسي، عجّت هذه السنة بأصوات المؤمنين مهللة ومكبرة وداعية ومتضرعة إلى الله تعالى، وهذا دليل على إقبالهم على الله تعالى. 

وبما أنهم مقبلون فلا بد من إحسان ضيافتهم، وعدم غلق الأبواب في وجوههم، وكذلك فتح القلوب والصدور لهم، وهم لا يريدون منا أكثر من ذلك.

لا يريدون أكثر من بسمة صادقة مبعثها الروح وكلمة طيبة منطلقها القلب السليم والرؤية الواضحة.

إن الشاب لا يريد من أحدنا سوى ما في فكره وقلبه وعقله، فلا هو يبحث عن مال ولا جاه ولا مصالح خاصة، إنما يبحث عن النقاء والطهر.

والأمر الآخر أن القرآن الكريم في هذه السنة كان له حضور غير طبيعي في المساجد والحسينيات، ونأمل من الله تعالى أن يكون الحال في السنوات القادمة أكثر عمقاً وسعة واستفادة، فإن القرآن الكريم إذا تربع في الصدور، فإنه ينوِّر المجالس، ومما لا شك فيه أنه أهم الأركان التي نتكئ عليها في استنارة الطريق واستيضاح الهدف والوصول إلى الغاية.

والأمر الثالث هو الاعتكاف، الذي أقيم في المساجد، بما يقرب من ثلاثين موقع اعتكاف. فلو قدرنا أن في كل موقع خمسين فرداً، فهذا يعني أن المجموع ألف وخمسمئة شاب. وهذا مكسب عظيم بلا أدنى شك، لأن هذا التطهير للنفوس سوف ينعكس على سلوكهم مع أنفسهم وأهلهم والناس من حولهم.

وفي هذه السنة كان هنالك اعتكاف للنساء أيضاً، وهي ظاهرة جيدة،  ولكن ينبغي أن تُقرأ قراءة أكثر جودة، لأن المرأة لها أحكامها الخاصة التي تختلف فيها عن الرجل في هذه المفردة، فاعتكافها من الأمور المحمودة، ولكن لا على حساب حقوق الزوج والأسرة. فهذا خلاف الشرع، وعليها أن تؤدي حقوق زوجها كما أراد الله تعالى.

فالمرأة ملكة متوَّجة في بيتها، مسؤولة عن مملكتها الخاصة مع زوجها وعيالها، وعبادتها حسن التبعل لزوجها، فإذا انعكس عليها من خلال الاعتكاف سلوك آخر فقد تحقق الغرض من الاعتكاف، لأنه يراد منه محو الماضي وتنقية القلب والروح للآتي، وتصحيح المسيرة.

نسأله تعالى أن يكتب لنا ولكم التوفيق، وأن يعيد شهر رمضان علينا وعليكم وأن يعيد العيد علينا وعليكم وعلى الأمة الإسلامية عامة وهي في أحسن حال وأن يجعل بلاد المسلمين آمنة مستقرة سيما هذا البلد، وأن يدفع غائلة السوء في نحور من أرادوا السوء بالأمة في دينها وذواتها ومقومات الحياة فيها.

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.