نص خطبة دور المرأة في استشراف الحاضر والمستقبل

نص خطبة دور المرأة في استشراف الحاضر والمستقبل

عدد الزوار: 963

2017-02-13

الجمعة 5 / 5 / 1438 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

أسعد الله أيامنا وأيامكم بذكرى ميلاد عقيلة الطالبيين السيدة الحوراء زينب بنت فاطمة بنت النبي محمد (ص).

قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذي تَساءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقيباً﴾([2]).

موقع المرأة في النظرية الإسلامية:

سؤال يطرح نفسه: هل أعدت المرأة نفسها إعداداً محكماً من جميع الجهات وهي تستشرف عوالم عصر جديد؟ هل أعدت نفسها من الناحية الدينية كما ينبغي؟ هل أعدت نفسها على المستوى العلمي والتحصيل المعرفي كما ينبغي؟ وهل تقدمت في مسارها الفكري كما ينبغي؟ هل انخرطت في السلك الاجتماعي بما يتوافق ومعطيات المرحلة كما ينبغي؟

أسئلة ينبغي أن تطرح عند كل مناسبة تضاف إلى واحدة من رموز البشرية في الجانب النسوي، كذكرى ميلاد السيدة الزهراء (ع) وشهادتها، وميلاد الحوراء (ع) وارتحالها، والقائمة تطول، حيث إن في حياتهن الدروس والعبر والصفة الكاملة للإنسان الكامل في هذا الوجود، التي تشاطر الرجل دوره في بناء وإعمار هذا الكون.

وفي الآية الشريفة دلالة واضحة على أن المرأة قسيم الرجل، وأنهما من نفس واحدة، ولها خصائص تمتاز بها كما أن ثمة خصائص انفرد بها الرجل، ولكن لا هذه تؤخر من موقعها لصالح الرجل، ولا تلك تعطي الرجل الميزة في أن يتقدم عليها، وإنما الميدان هو المساحة التي ينبغي أن يتسابق فيها الطرفان، فمن قعد وقصر به علمه وأدبه وسلوكه وعطاؤه سيتذيل القائمة سواء كان رجلاً أم امرأة، وأما من كان قد أمّن وقوده بناءً على ذلك فهو المتقدم الذي يصل إلى منصة التتويج.

والتاريخ يقدم لنا نماذج ويطرح أسماءً كثيرة. ومن احتفينا بذكرى ميلادها الليلة الماضية وهي السيدة الحوراء (ع) قبسة تنير لنا الطريق في الاستدلال على الذوات الشامخة، لأنها من تلك الذوات الشامخة الرفيعة، وكيف لا يكون الأمر كذلك وأمها الزهراء (ع) وأبوها علي (ع) وأخواها السبطان (ع)، وهي عمة الكوكبة من الإمامة الحقة، وبالنتيجة هي ربيبة الحبيب المصطفى محمد (ص).

عقبات في طريق المرأة:

وعن هذا السؤال يتفرع سؤال آخر: هل تستطيع المرأة أن تتخطى جميع الصعوبات التي تعترض مسيرتها وهي كثيرة عبر العقود والقرون؟ فهنالك الكثير من القيود التي تواجهها في مسيرتها ومنها:

1 ـ القيود الرسمية المعاصرة: فلكل دولة توجهاتها الفكرية، وطموحها في الوصول إلى ما ترغب أن تصل إليه، ووفق ذلك توضع القوانين، حيث إن الذين يصوغون القوانين عبر التاريخ في معظم أطراف المشهد هم الرجال، وهؤلاء يجعلون القانون لصالح الرجل بلا شك، حتى في بعض الدول البدائية لا زالت المرأة تُعامل على أنها الهامش، وليس الأصل في الأصل، فتضاف تبصرة أو إفادةٌ مستدركة أو تهميش قصير على أن المرأة ليست بعيدة عن القانون، ويفرَّع لها فرع، أما لب القانون وأصله فيبقى يدور في جمع ما يمكن أن يجمع من المكاسب لصالح الرجل على حساب المرأة، وتبقى المرأة تدفع الضرائب.

والقوانين الوضعية في معظمها حتى لو صبغت بصبغة الديمقراطية والمساواة في الحقوق بين بني البشر، إلا أنها لا زالت تتحرك ضمن حدود دائرة ضيقة، والمشهد اليوم لم يعد مخفياً على أحد، وبأبسط متابعة أو التفاتة أو مراقبة يلحظ الإنسان الحالة المهترئة التي باتت واضحة المعالم فيما يضاف إلى بعض النماذج التي يفترض أن تكون قدوة لجميع الأنظمة على وجه الأرض.

2 ـ التزمّت الديني: وهو إحدى العقبات التي تعترض المرأة في مسيرتها. وأقول: (التزمّت الديني) وليس الدين، لأن الدين من أجل المرأة وصلاحها، وقد جعلها والرجل شركاء في قوانينه وتشريعاته، أما التزمت الديني فهو الدين الذي يصطنعه رجل الدين، ويريد أن يجعل منه لباساً لجميع الناس، فهذا يجعل المرأة مسحوقة منتهكة مسلوبة الحقوق.

فالمرأة ضعيفة أمام القانون لأن المشرع شرع القانون لصالحه، وضعيفة أمام الدين لأن من يفترض فيه الحماية للدين جيّر الدين لصالحه وجعله إضافة لما يريد. فأنت اليوم تسمع عن إضافة هنا، ثم تسمع في يوم آخر إضافة لجهة أخرى، والمشهد واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.

3 ـ الكبت الأسري: وهو واحدة من العقبات التي تعترض المرأة وتعيق تقدمها في الحياة، وأخذ المساحة التي منحتها السماء إياها، لا لشيء إلا لأن الموروث يضغط بهذا الاتجاه، وهو الموروث الذي اكتسبه الناس وتواضعوا عليه فيما بينهم رغم حقب الجهل التي كانت تسوس جميع توجهاتهم وأفكارهم.

والتفلّت من هذا الجانب يحتاج الكثير من التضحية، وهذا لا يعني الدعوة إلى الانقلاب على القانون الأسري أبداً، وإنما هنالك إضافات ليس لها أصل من دين، ولا مستند من عقل شخصي أو نوعي ناضج بالغ مرحلة التشريع والأخذ بيد المرأة لما هو الأحسن.

لذلك تُعضل المرأة في بيتها من قبل الأب أو الأم من أجل دراهم معدودة مثلاً، تكتسبها من وظيفة أو عمل، في التدريس أو الطب أو غير ذلك، وإذا قدر الله ومات الأب والأم ورث ذلك التعسف والكبت الإخوة الذين لم يجعل الله سبحانه وتعالى لهم ولاية على أختهم، إنما الولاية للأب أو الجد للأب، حال أننا نجد أنها تمتهن وتصادر في الكثير من الحالات.

4 ـ الضغط الاجتماعي: فهنالك أعراف ما أنزل بها الله من سلطان، تصطدم حتى مع فتاوى المراجع. ومع الأسف الشديد، نجد في بعض المجتمعات أن البعض يقاتل وينافح ويكافح من أجل موروث تم من خلاله تسيير حال مفردة من مفرداته وهي المرأة، وإن كان ذلك على حساب الإطاحة بالدين وإسقاط الفتوى، والشواهد على ذلك أكثر من رمل عالج.

5 ـ قلة الخبرة وقصر التجربة: وقد باتت المرأة تلملم بعض أوراقها وتثبت بعض أرقامها، لكنها لم تكتسب بعدُ الخبرة التي تستطيع على أساسها أن تدخل ميادين المناورة فتأخذ حقوقها، أو تصل إليها بأقصر الطرق وأكثرها يسراً على أقل التقادير. فالخبرة مهمة ولا تتحصل إلا من خلال التلاقح.

6 ـ وجود الرجل: الذي جعل لنفسه الولاية عليها دون حق من قريب ولا من بعيد، والمشهد في مساحات الأزواج ظاهر بيّن، فكم من امرأة اقترنت برجل ووقع الخلاف بينهما وكادت الأمور تصل للطلاق، ويفترض أن يكون الطلاق هو الحاكم، فالطلاق تشريع إلهي، ومن قال: إنه يستوجب اهتزاز العرش فهو مجسِّم، لأن العرش ليست له أركان حتى تهتز لطلاق هنا أو هناك، إنما هو أمر معنوي.

إن البعض اليوم يتقرّب من بعض الأسر الغنية من أجل الابتزاز المالي، فيبحث عن الخلاف لأتفه سبب من أجل أن يجني دراهم معدودة، فلا يطلّق إلا بمبالغ خيالية، ثم يدخلون معه في دائرة المساومة. وكم من بنت مظلومة في بيت أهلها اليوم تعيش معلقة، فلا هي مطلقة لتشق طريقها في الحياة، ولا الزوج يرجع إلى عقله فيعيدها إلى بيتها ومستقرها، ولا القاضي قادر على أن يعطي رأياً ويقوم بإجراء قانوني. وتبقى المرأة ـ وهي الكيان الضعيف المستهلك المصادر ـ مظلومة في أبسط حقوقها.

وكثيراً ما أكرر القول: إن البعض لا يتصور الظلم إلا في حاكم ظالم جائر يقطع الرؤوس، ولكن كم من الرجال أشد سوءاً في الظلم من بعض الحكام والسلاطين. وتبقى المرأة مصادرة من قبل الرجل.

وعلى المرأة لائمة أيضاً في أنها لم تفتش عن نقاط الضعف بغية إصلاحها من أجل أن تدخل حياض المرحلة الجديدة في حياتها العامة من جهة والخاصة فيما يرجع إليها من جهة أخرى. فعلى الصعيد المحلي ما هو دورها؟ وما الذي تقوم به؟ وعلى الصعيد الإقليمي كم هي الخطوات التي خطتها المرأة خارج حدودها لتثبت لها اسماً وترفع علماً؟ وكذلك في الميدان الدولي، وإن كان بعيد المنال، إلا أنه لا يصعب على المرأة القادرة والمكونة لنفسها في جوامع الكمال والوصول.

هل وضعت المرأة الخطط الدقيقة الكفيلة باستشراف المستقبل؟ أو أنها لا زالت تندب حظها وتعلق آمالها على رجل لا يلتفت إليها إلا من أجل دقائق في سواد ليل؟

هل تستطيع المرأة اليوم أن تحقق التقدم مع الحفاظ على حجابها وعدم الاختلاط؟ فلم يكن حجاب في يوم من الأيام عقبة أمام المرأة التي تريد أن تثبت لها قدماً وترفع علماً، والشواهد على ذلك كثيرة قبل الإسلام وبعده. وأما في يومنا الحاضر فالنماذج كثيرة جداً.

عوامل القوة بيد المرأة:

فالمرأة في مجتمعنا العربي، ومن ورائه المجتمع الإسلامي ـ وهي المعنية ـ لديها الكثير من روافد القوة والاقتدار، إذا ما اتكأت عليها خطت الخطوات نحو المستقبل، ومنها:

1 ـ القوة الإيمانية: المرتكزة في داخلها عن وراثة وتلقين، وعن قراءة ومتابعة، وبكل تفرعاتها. وبحمد الله باتت الفتاة اليوم تتهجى الكثير من المفردات، ولن يكون القادم من الأيام كما نحن عليه اليوم، فكما على المرأة أن تنتبه على الرجل أن يستيقظ من رقدته أيضاً، وأن ينهي مرحلة السبات التي كان فيها، فما كان بالأمس لن يكون هو عينه في القادم من الأيام.

2 ـ الاستقامة ومكارم الأخلاق العالية: التي ورثتها المرأة من بيئة صالحة، ونحن في هذه البلاد ـ بحمد الله تعالى ـ نعيش كرم الأخلاق وحسن السيرة في بيوتنا ومجتمعنا، ونسأل الله تعالى أن لا يغير من وضعنا إلا إلى ما هو الأفضل والأحسن والأجمل والأكمل والأفضل، إنه على ذلك قدير.

3 ـ الصبر والإرادة والقدرة على التضحية: ولو لم يكن من صبرها إلا الصبر على زوجها لكفى. وأعني به الزوج المتعجرف المنكر للنعمة الذي لا يميز بين ليله ونهاره، وخيره وشره، وصلاحه وفساده. فالمرأة قولة وتتمتع بالصبر، ويمكن لها أن تترجم لنا تلك الحالة.

تصوروا لو أن المرأة خرجت عن طورها وتخلت عن صبرها ما عسى أن تكون الحياة في البيت مع زوجها ليلاً ونهاراً؟ وكذلك مع أبنائها جميعاً؟ ومع المجتمع سراً وجهراً؟ لذلك أصاب من قال: إن المرأة قنبلة موقوتة.

4 ـ الاحترام الكبير للمرأة للحفاظ على عفتها وشرفها: وربما تكون المجتمعات العربية أكثر تشدداً في ذلك خصوصاً إذا كانت ذات طابع قبلي بدوي. فالرجل القبلي البدوي يرى أن قيمته المعنوية تحفظ في حفظ هذا الكائن البشري المستضعف. وقد التفت النبي (ص) لهذه الجهة ونبه عليها ودق ناقوس الخطر فقال: «اتقوا الله، اتقوا الله في الضعيفين، اليتيم والمرأة، فإن خياركم خياركم لأهله»([3]).

دور المرأة المعاصرة:

أما دور المرأة فهو كبير، فهي الأم والزوجة والبنت ولكل واحد من هذه الثلاثة دور كبير عظيم، ويكفي تجليلاً للأول أن الله سبحانه وتعالى جعل الجنة تحت أقدام الأمهات، لينبه الرجال على ما للأم بالنسبة للولد، وما للزوجة على زوجها، وما للأخت على أخيها. وما لها على المجتمع باعتبارها لبنة مهمة وأساسية فيه.        

كما أنها المتعلمة والعالمة والعاملة، فلا يكفي أن تعلم ما لم تشق طريقها إلى أرقى مراتبه.

أيتها الأخوات الفاضلات: المرحلة لم تعد تقتصر على الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعة، فنعمة التعليم العالي مفتحة الأبواب، والفرص تمر مر السحاب، وحيث إنها نعمة فعلينا أن نشكرها، ولكن من خلال التفعيل العملي في الخارج. وعلينا أن لا نضع السدود ونغلق الأبواب بوجه البنت التي تريد أن تكمل دراستها العليا، فما بيدنا اليوم قد لا يتسنى في الغد، فلا نرتكب من الأخطاء ما ارتكبه الأولون عندما حرموا البنت من الانخراط حتى في تحصيل معرفتها التي تمحو عنها الأمية، وأنتم أعلم بذلك وأدرى وأعرف، بحيث بقي الأبناء يدفعون الضريبة.

إن المرأة اليوم متعددة الأدوار، فدورها الاجتماعي كبير وواسع، ودورها الاقتصادي مكفول منذ اليوم الأول للرسالة التي جاء بها الحبيب المصطفى محمد (ص) ولنا في خديجة أسوة.

ثم الدور الإبداعي، فما الذي يجعل من المرأة الأحسائية وبنت الجزيرة العربية والخليج العربي، بنت الممكلة والعرب من المحيط إلى الخليج، ثم المسلمة، تلعب دورها كما ينبغي وأن لا يسلب منها من الحقوق ما لا يستدعي الوقوف عنده كثيراً، لأنه من أبسط حقوقها.

فالمرأة في مدرسة الإسلام تعني المساواة مع الرجل في جميع التشريعات، فما شرع في الإسلام عامٌّ. إلا بعض الخصوصيات التي ينبغي أن تحفظ، ولكن حتى ما حفظ من الخصوصيات والتفريعات للمرأة أكثر مما حفظ للرجل، لكن بعض الحداثيين والمغفلين السائرين على نهجهم أبوا إلا أن يعيشوا بحالة عوَر، وأحياناً عمى عن الحقيقة.

لقد أعطى الإسلام حق التملك للمرأة، والشريعة في ذلك واضحة بينة. كما أعطتها الشريعة مساحة كافية في المشاركة السياسية من خلال حضورها في البيعتين، العقبة الأولى والعقبة الثانية. وفي قضية أُقيمة بنت رقيقة شاهد حيٌّ على ذلك عندما قبل النبي (ص) بيعتها في الموضعين.

ثم المشاركة الجادة في ساحات الجهاد، من أجل رفع راية الإسلام والحفاظ عليها، وكذلك في الهجرة إلى الحبشة، وكذلك الهجرة للمدينة، إذ كان للمرأة نصيب مهم. بل حتى الخروج للغزوات وحمل السلاح، لا لتضميد الجراح فقط كما يحاول بعض الكتاب والخطباء أن يسوقوا لنا ذلك.

وقفة مع مقام الحوراء (ع):

وأما زينب (ع) فهي قدوة وأسوة، وعلى المرأة أن تتلمس طريقها من خلال معالم شخصيتها، فبيتها أعلى البيوت وأسماها. بيت أذن الله سبحانه وتعالى أن يرفع ويذكر فيه اسمه. هي بنت محمد (ص) وعلي وفاطمة (ع)، وما عسى أن يكون وراء ذلك؟.

أما مكانتها المعرفية فيقدمها الإمام زين العابدين (ع) بقوله: إنك عالمة غير معلمة. وأما عطاؤها الميداني فعلى كافة الأصعدة، فهي أول من فعّل الجانب الخيري النسوي بين المسلمين عندما تصدت للوصول لبيوت الفقراء في المدينة بعد واقعة الحرة، فكان من يدير هذا الملف زينب ابنة علي (ع).

كما كان لها عطاء في المدينة قبل كربلاء، وفي الكوفة بعد كربلاء، وفي الشام بعد الكوفة، وفي المدينة بعد الشام. وهي أدوار جليلة عظيمة، إلا أن البعض يستهلكنا في البكاء والنياحة على زينب (ع) ولو أنها عادت إلى حياتنا لقالت: كفاكم بكاءً علينا، وابكوا على أنفسكم، لأنكم لم تستفيدوا من معطيات كربلاء.

زينب صبرٌ، وتضحيةٌ، وعلمٌ، وبلاغةٌ. إنها التي تقف في وجه الظالم فتقول له: كد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا. هذه هي زينب التي نعرفها ونحبها ونذوب فيها، أما زينب التي يريد البعض أن يقدمها لنا على أنها تلك المرأة الضعيفة التي تستجدي العطف من يزيد وعبيد الله فهي زينبهم لا زينبنا.

زينب (ع) هي التي تضع يديها تحت جسد الإمام الحسين (ع) وترمق السماء بطرفها فتقول: اللهم تقبل منا هذا القربان، إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى. فهل هذه امرأة ضعيفة؟

لو كانت زينب ضعيفة مهزوزة لما بقي لكربلاء اسمٌ ولا رسم، لكنها أخذت قوتها من السماء بواسطة محمد وآل محمد (ع).

فلهؤلاء نقول: كفاكم متاجرةً بزينب (ع) وانتبهوا لأنفسكم، فلسنا كما كنا، ولن نرضى لجيلنا أن يكون كما كان يتلقف الغث، وإن كان مخلوطاً بالسمين أحياناً. فلن نقبل بعد اليوم لمجتمعنا القادم إلا السمين والأصيل والصحيح من سيرة محمد وآل محمد.

جمعنا الله وإياكم تحت قبتها النَّورى في الشام إن شاء الله تعالى إنه ولي ذلك. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يكتب لنا ولكم التوفيق، ويجعلنا وإياكم في بلادنا وسائر بلاد المسلمين آمنين مطمئنين، إنه ولي ذلك.

والحمد لله رب العالمين.