نص خطبة خطاب المرحلة وكسر القيود
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيتنا خالصةً لوجهك الكريم، يا رب العالمين.
المسؤولية في إطارها العام:
في الحديث الشريف عن الحبيب المصطفى (ص): «كلكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ وهو المسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسؤولة عن رعيتها. والخادم في مال سيده راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في مال أبيه راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته. وكلكم مسؤول عن رعيته»([2]).
المسؤولية في اللغة هي عبارة عن الأعمال التي يكون الإنسان مطالباً بها وسوف يسأل عنها. فما يقوم به من أعمال يعني الالتزام والمسؤولية عن أعماله. أما في الاصطلاح فهي عبارة عن القدرة على أن يُلزم الإنسان نفسه أولاً، وأن يفي بذلك الالتزام بواسطة جهوده ثانياً.
والمسؤولية ـ بناءً على النص الشريف الذي تلوناه ـ في رقبة كل إنسان على هذا الوجود، مهما تغيرت الصفة التي ترافقه، ذكراً كان أم أنثى، صغيراً أم كبيراً، موظفاً في دائرة أم لا، رئيساً أم ملكاً أم مرؤوساً. كل هؤلاء مسؤولون، وهنالك التزامات ألقيت في عهدتهم، ولا بد من النهوض بأعبائها.
والناس يختلفون فيما بينهم في درجة التحمل، فبعضهم يبلغ به التحمل حدّ التضحية بالنفس، كما مر بنا في مشهد كربلاء، وإلا ففي الحسابات الطبيعية، لو كان غير الحسين بن علي (ع) لانسحب وألقى حبلها على غاربها، وترك الأمة تتخبط، ولما رسم هذا الطريق الذي على أساسه يصلح حال الأمة، كما أراد في نهضته بقوله: إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي.
وهذه المسؤولية يقصر عنها البعض، ويتحملها البعض الآخر، وتثقل الضريبة وتخفّ بحسب درجة التحمل، والأيام تفعل فعلها، وكذلك المكان والناس حباً وبغضاً، وتستقر السفينة في نهاية المطاف وتستوي على الجوديّ، ويقال: {بُعْدَاً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِيْنَ}([3]).
إن العرب عندما تقول: النصر صبر ساعة، فلا يعني ذلك في ميدان الحرب فقط، إنما يجري في جميع الميادين. ففي ميدان الدراسة هنالك حرب ليست بالهينة، ومع الصبر والتحمل والمطاولة، يصل إلى المرء إلى نتيجة، ويُتوَّج بتاج الكرامة. وكذلك في مجال الوظيفة أو ممارسة الهواية أو في أي مجال من مجالات الحياة، حتى في بناء أسرته، فهو يكافح لتستمر الأسرة لعقود، حتى يقف عند مساحة الحصاد، التي يشعر بموجبها أنه انتهى إلى منجز هام قدمه للبشرية من حوله، من بنين وبنات، صالحين وصالحات، مسلحين بسلاح العلم والمعرفة.
المسؤولية في الإطار الديني:
وهذا المفهوم للمسؤولية توسّعَ أكثر، فقد ابتدأ صغيراً ضيقاً يتماشى مع حاجيات الناس وكيفياتهم، وبمرور الأيام أخذ مساحات أكبر، وتوسعوا في مؤداه، بحيث شملت هذه الدائرة البعد الثقافي والسياسي والحركات المدنية في أكثر من مكان ومكان، والحراك المؤسسي والديني، وهو بيت القصيد الذي يعنيني أمره، ولا يعني ذلك أن الأمور الأخرى التي ذكرتها لا تحظى بأهمية، بل على العكس من ذلك، هي في منتهى القيمة والأهمية، ولكن هنالك ترتيب أوراق على أساس من تقديم الأهم على المهم، ولا أقل فيما يعنيني أمره في هذه الساعة. فأنا أؤمن بمسار التخصص، وأعطي لكل ذي حق حقه، فلا يمكن أن أصادر جهود إنسان متمرس، بذل من عمره الكثير في جهة من الجهات، ثم أدخلُ بكل طاقتي دون أن أكون مهيَّئاً لتقليب تلك الأوراق التي تخصص فيها، وهذا أمر طبيعي.
وبطبيعة الحال هنالك اليوم خلط بين ما يتصف بصفة التخصص، وفي شأن من يكون هذا؟ ولمن يضاف هذا الوصف؟ لكن بالنتيجة عدم النظم والانتظام يدخلنا في دائرة ما نحن فيه اليوم، من ضياع وشتات وتشرذم، وحمل فئة على فئة، وما وراء ذلك من الأمور.
وفي جانب المسؤولية في الجانب الديني أقول: هنالك أمر لا بد أن نضعه نصب أعيننا ما عشنا، وهو قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}([4]). فلا يجادل أحدٌ عن أبيه، ولا أمه، ولا أبنائه، ولا مسؤوله في العمل، ولا رئيسه، ولا مرجعه، ولا إمام جماعته، إنما تجادل كل نفس عن نفسها.
فهذه المرأة التي تعيش في كنفها، والتي حملتك في بطنها تسعة أشهر، ولاقت ما لاقت من العناء والتعب، وذلك الأب الذي أنفق عمره في سبيل أن يرتقي بك، ويضع أقدامك على الطريق كما ينبغي، والزوجة التي تشاطرك الحياة وتعيش معك الحلو والمرّ، وتشاركك في بناء الأسرة، هؤلاء كلهم تذهل عنهم ويذهلون عنك يوم القيامة: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيْه}([5]).
وبقدر ما تكون المسؤولية ثقيلة، يكون المرء يوم القيامة مشغولاً بنفسه. فإمام الجماعة يختلف عن المأموم، وملك الدولة يختلف عن الرعية، والمرجع يختلف عن المقلِّدين، ورئيس العمل يختلف عن الموظفين، ورب الأسرة يختلف عن الأبناء، وهكذا دواليك، فبقدر ثقل المسؤولية وحجمها يكون الوقوف يوم القيامة.
من هنا فإن من يقف متفرجاً على الناس من خلال برج عاجيّ، ليس له إلا مبضع التشريح، وقلم النقد، واللسان المسلط على الآخرين، سيكون مشغولاً بهذه الأمور والبواعث والأفعال التي صدرت خلال أيام حياته، ويأتي يجادل عن نفسه.
وسوف توفَّى هنالك كل نفس ما عملت، بلا ظلم ولا جور، وسوف يكون المرء رهيناً بعمله، وستكون النتيجة إما ذات اليمين أو ذات الشمال.
الوكالة الشرعية تكليف لا تشريف:
من المسائل المهمة في هذا الباب، الوكالة الشرعية عن بعض المراجع، الأحياء أو الأموات، وقد تصدَّيتُ للوكالة لفترة من الزمن، ربما تقرب من عشرين سنة. ولا بد أن أبين بعض ما يتعلق بهذا الجانب فأقول: إن الوكالة ليست وساماً يعلقه الإنسان ويستعرض به في المجالس، إنما هي مسؤولية تجعل منك جندياً في خدمة أصغر إنسان من أبناء وبنات المجتمع، ومن يرى في الوكالة غير ذلك، فعليه أن يراجع حساباته، فهذه ليست شهادة جامعية كي تفخر بها، وليست رئاسة عمل، ولا موقعاً جهوياً بنته القدرات التي قدمتَها للأمة. فإن أردت أن تتشرف بها، وشعرت أنها تكمل نقصاً فيك، فأنت وشأنك، أما أنا ففي اعتقادي أن من يريد أن يتسنّم مقام الوكالة، يفترض أن يكون بحدّ ذاته متكاملاً، لا أن يكمل نقصاً في نفسه، لأنه إذا كان يعيش حالة النقص في داخله الأسري أو الاجتماعي أو العلمي أو الفكري أو الأدبي أو العطائي والعملي في وسط المجتمع، فسوف يسعى لتكميل ذلك النقص، ولن ينصرف لخدمة الناس. وهذا ما نعيشه اليوم، وتعيشه المناطق الأخرى.
وقد يتصور البعض أن ترك الأمور تسير كما هي هو الحل، لكن الحق والإنصاف أن هذا التصور أشبه بمواد التخدير التي تنتهي في وقتها، ثم يشعر المريض بالألم، فإن مادة التخدير إنما تزرّق في الجسم لأمر صعب في حينه، ولا بد من التخدير لإبعاد الألم، ولكن بمجرد الانتهاء من العملية الجراحية أو خلع السن، يعود الألم بأسوأ مما كان. هذا هو رأيي في الوكالة، سواء كنت وكيلاً أم لا.
وقد حصل قبل ثلاث سنوات تعليق للوكالة، وهو يختلف عن سحب الوكالة وإلغائها، لذلك صُدم بعضهم لما عرف أنه تعليق وليس إلغاءً وسحباً للوكالة. فسحب الوكالة تترتب عليه الكثير من الأمور الخطيرة جداً، لذلك حاول السيد المرجع (حفظه الله) تجاوز هذه الحالة.
فالتعليق للوكالة شأنه شأن أي تعليق لأي عمل، كما لو كان هنالك موظف، يُطلب منه في فترة معينة أن ينقطع عن العمل.
كسر القيود:
والأمر الذي اضطرني للنزول لهذا الواقع، هو أنني رغم مرور ثلاث سنوات من التعليق، لم أُسأل عما تحت يدي، ولكم أن تدركوا مدى الخلل الموجود، فقد كان يفترض أن أُسأل عما عندي، وأن يطلب مني دفعه لجهة ما، أو إيصاله لذوي الشأن، أو صرفه في موضعه. وهذا يدل على وجود خلل في المؤسسة المالية.
هذا هو واقعنا المر الذي لا يروق للبعض أن نبينه، وليس مهماً عندي أن يروق أو لا يروق، إنما المهم أن نفكر في يوم المجادلة عن أنفسنا، فهنالك حساب وقيامة وعقاب، وهذا هو المهم عندي، الذي يشغل بالي كثيراً.
في زمن سيد الطائفة أبي الحسن الإصفهاني رضوان الله عليه، حصلت حادثة مع أحد الوكلاء، وضغطت الحاشية على السيد المرجع رحمه الله، وطالبته بسحب الوكالة، ولم يكن آنذاك ما يسمى بتعليق الوكالة، فهذا الأخير مصطلح جديد، لكن السيد أبا الحسن الإصفهاني، لشدة ذكائه وفطنته واحتياطه وتقواه، وعلمه بما تقوم به الحواشي الغواشي من دسّ وتشويه، قام بعمل آخر.
هذه الحادثة ينقلها الشيخ أحمد معرفة بقوله: إن أشخاصاً جاؤوا إلى المرجع الأعلى المرحوم آية العظمى السيد أبي الحسن الإصفهاني وطلبوا منه أن يسحب وكالته من أحد العلماء، الذي قالوا عنه للسيد الإصفهاني بأنه لا يستحق هذه الثقة والاعتماد والوكالة المرجعية، فاستمع السيد الإصفهاني للشكوى والطلب، ولكنه لم يتفوه بكلمة، حتى انفضّ المجلس. ثم جاؤوا في اليوم التالي وأعادوا الكلام على السيد، وكذلك لم يعطهم السيد الإصفهاني كلاماً. وفي اليوم الثالث حضروا عنده، وكرروا قولهم بإلحاح، فقال السيد رضوان الله عليه: لقد تأملت في الموضوع كثيراً، ولكني رأيت أن هذا العالم كان قبل وكالتي يستميل قلوب نصف الناس، وبوكالتي أصبح يستميل قلوب كل الناس، فأنا إذن أعطيته النصف لا أكثر، والآن إن سحبت ثقتي منه وألغيت وكالتي فسوف تسقط مكانته بين الناس كاملة، حتى النصف الذي يخصه. وهذا ظلمٌ لحقه، وتجاوز عليه. إذن لا يمكن اللعب بسمعة الناس والاعتداء على مكانتهم.
بناء على هذا، قررت ـ وأنا في كامل الارتياح والانبساط، بعد تجاوز كل العقبات خلال ثلاث سنوات، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه بعون الله تعالى، وبركة أهل البيت (ع) ووقوف المؤمنين الأخيار الذين يحملون الوعي ـ ردّ جميع الوكالات إلى مصادرها، وكلّي ثقة ومحبة وتقدير لهم جميعاً، ويبقى مكانهم في قلبي وعلى رأسي، وأستنير بهديهم، وأدافع عن كيانهم.
مجموع الوكالات لديّ هي عشرون وكالة شرعية، كلها سوف تصل إلى أصحابها، مع أني لم أسعَ في طلب وكالة، إلا وكالة واحدة، فكلها جاءتني بالوسائط، ولم أسع إليها، ولم يشكّل لي ملف إلا لوكالة واحدة. ورغم العقبات المطروحة وصلتني تلك الوكالة ونشرتها في أحد الأيام هنا في هذا الجامع.
إن هذه الوكالات العشرون، سبعٌ منها مات أصحابها، رحمة الله عليهم، وثلاث عشرة منها أصحابها أحياء، والآن أرفع يدي عنها. والوكالة المعلقة من سماحة السيد المرجع، لو كانت مسحوبة لكان لي فيها كلام، لكنها معلقة، ولم يتحقق فيها ما أراد الآخرون، بل كانت خيبة لهم.
أسباب ردي للوكالات:
وقد يسأل سائل: ما هي الأسباب التي دعتك لذلك؟ أقول:
1 ـ إن الوكالة كانت مرحلة من المراحل، وقد تخطيتها، ولست مضطراً أن أبقى أسيراً لها إلى يوم الدين، وهنالك أيضاً من يقوم عني بأعبائها. وأقول أيضاً: والله، كما أني لم أستلم راتباً حوزوياً واحداً في مسيرتي العلمية كلها، لم أستفد ريالاً واحداً من هذه الوكالات، وأنا مسؤول عن كلامي أمام الخلف الباقي من آل محمد (عج). أقول هذا لأصحاب النفوس المريضة الذين يتكلمون في المجالس ولا يأتون لمواجهتي لمدة ثلاث سنوات.
فالوكالة كانت مرحلة، وأنا أؤمن بنظرية المراحل، وأنا مرحلي في فكري، فقد أكون اليوم في هذا المربع وغداً في مربع آخر، وقد أرتضي هذه الفكرة اليوم ثم أعرض عنها.
2 ـ الرغبة في الأخذ بزمام المبادرة لدفع الأسوأ، وذلك بسبب وجود أصحاب النفوس المريضة أيضاً. فكما تسلل أصحاب هذه النفوس إلى بعض المواقع، أخشى أن يُلوّحوا بعصاها، وأنا غني عنها، فأقول لهم: خذوها وأريحوني منها.
3 ـ قطع خط الرجعة مع مسار الوكالة المعلقة، لأنني لن أعود إلى هذا المربع أبداً، مهما كلّف من ثمن، ويبقى المرجع الذي أراه هو الأعلم والأعلى كما هو في نفسي، وأرجع إليه، ويبقى معززاً مكرماً، وما جرى حسابه في الآخرة.
4 ـ بناءً على مسار المرحلية، فإنني بحاجة إلى الراحة، فجميع الموظفين عند بلوغهم مرحلة من العمر يحالون للتقاعد، فلماذا لا نتقاعد نحن أيضاً؟ بل نتقاعد من الكثير من الأعمال، حتى من صلاة الجماعة. فالمكان المخصص للصلاة هو بيت الله تعالى، وليس ملكاً لي، فإن كان الله وفقني لتشييد هذا الصرح العظيم، فهو شرف من الله لي، كما أن محبة المؤمنين ووقفتهم لها الدور الكبير في ذلك. ولكن هذا لا يعني أن يكون الجامع ملكاً لي، إنما يأتي يومٌ ما أكون فيه بعيداً عنه، ويحل غيري محلي.
5 ـ التخلص من القيود المفروضة على الكلمة: فهناك من يتعامل مع الوكالة على أنها عصا يضرب بها من يريد أن يتكلم بحرية، سواء عند التدخل في قضية معينة، أم عند تنبيه وتثقيف المجتمع. أما أن فأحترم حريتي، ولا أرضى أن أكون عبداً قنّاً لأحد، إنما أنا وكيل، شأني شأن الموظف، فإن لم يرق لي العمل فلست مضطراً لمواصلته. ولست مستعداً أن أُجلد بوكالة، إنما أريد أن أحافظ على شرف الكلمة، والارتقاء بوعي المجتمع، وطرح الفكر الذي أرتئيه، ولا يعنيني أمرٌ آخر بالمرة.
فأنا حرّ في الكلمة والرأي، وكذلك في الموقف، فليس من حق أحد أن يفرض عليّ عدم زيارة بيت المرجع الفلاني مثلاً، أو عدم المشاركة في المنتدى الفلاني، أو عدم حضور مجلس الجماعة الفلانية. وقد تنفست الصعداء في العام الماضي في زيارتي للنجف، عندما تخلصت من القيد الذي أريد للوكالة أن تقيدني به، فما بالكم بالتخلص من جميع القيود؟.
خلاصة الأمر: أن هذه الوكالات سوف تعود لأصحابها واحداً بعد الآخر، وبعدها لا مبرر لأحد أن يعترض على أيّ رأي عندي بخصوص الكثير من القضايا، فلا يقل مثلاً: لماذا تنتقد التطبير؟ أو لماذا ترفض الممارسة الفلانية؟ أو لماذا تدافع عن الشيخ الوائلي؟ فهل أسكت عندما أسمع بأذني لعن الشيخ الوائلي؟
إنني أرى أن هذا تكليفي الشرعي، فالدفاع عن شعائر جدي المقدسة واجب عليّ، وأرى أننا لا بد أن نبكي عليه ونلطم مع العقل، لا بالجنون. فنحن سفراء ثورة الإمام الحسين (ع) للبشرية عامة، لكننا أصبحنا ممجوجين حتى في داخل نسيجنا المذهبي.
لهذا فإنني أريد التخلص من القيود المفروضة على الكلمة والرأي والموقف، ولذلك أنهيها بهذا الشكل وهذا المسار. وهو أنني أرفع يدي عن الوكالات كلها اعتباراً من هذا اليوم.
إجازاتي في الرواية والاجتهاد:
لديّ أيضاً سبع إجازات بالرواية عن المعصومين (ع) بطرق في أعلى درجات الجودة والاعتبار، بحيث أنني إذا رويت رواية فإنني أرويها وفق الطريق الذي أعتمده عبر علماء الطائفة الكبار، أصحاب البحث والتحقيق. وهذه الطرق توصلني من علمائنا اليوم إلى المعصومين من آل محمد (ع).
ولديّ أيضاً خمس إجازات اجتهاد من أساطين الحوزة العلمية في قم من مراجع وأساتذة بحث خارج لا يشق لهم غبار. وهذه لا يمكن إرجاعها، لأنها تمثل جهدي، وثمرة تعبي وسهري لسنين، وتحملي في هذا السبيل، فهي وسام شرف أعلّقه، لأنها لم تأتني مجاناً. فبعضهم أمضيت سبع سنوات تحت كرسي درسه.
وفي الختام أذكّر بقوله تعالى: {وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسيباً}([6]). فأنا من هذا المكان أحيي الجميع، وأحترمهم، وأقدرهم، وأريد أن أعيش حياتي كما أشاء، فلم يبق من العمر أكثر مما مضى، ولا بد أن أخلد للراحة، وأتفرغ لتنقيح الأحكام الشرعية التي أرتئيها بعيداً عن دائرة التقليد، وأن أكمل بعض الكتابات والبحوث التي بدأتها منذ فترة ولا زالت معلقة. بعبارة أخرى: أريد أن أكتب لي حياةً بعد الموت، والحياة بعد الموت لا تكتب إلا بالقلم.
وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.