نص خطبة بعنوان:الوسطية عبر تاريخ الأمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.
﴿وَابْتَغِ فِي مَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيْبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِيْنَ﴾([2]).
بين الوسطية والتطرف:
الوسطية من الأمور التي أخذت مساحتها في وسط الأمة عبر تاريخها الطويل، ولا يعني ذلك أنها تسيّدت الموقف في جميع مراحله، إنما وقف أمامها الكثير من النتوءات التي يعبّر عنها في الكثير من الأحيان بحركات التطرف في وسط الأمة، فما ذُكرت الوسطية إلا وفرض التطرف نفسه. فمنذ أن غاب النبي (ص) عن الوجود والأمة تتخبط في الكثير من اتجاهاتها.
والوسطية تعني الاعتدال في كل الأمور، فمتى ما عاش الإنسان الاعتدال في التعاطي مع المفردات خارجاً، أصبح ممثلاً شرعياً للوسطية. وهي تارة تكون في الأفكار، وتارةً في المواقف، وثالثة في أسباب الحياة بالمطلق.
العرب قبل الإسلام:
وبطبيعة الحال أن الشعوب تختلف فيما بينها بناءً على الثقافة التي تحدرت عنها. فالأمة العربية لها ثقافتها قبل الإسلام وبعده، وعلى الكاتب إذا أراد أن يحاكم الأمة العربية أن يكون منصفاً، ولا يتجاوز دائرة الإنصاف عندما يتحرك القلم بين أنامله، لأن هذه الأمة لا تستطيع أن تستدير دورة كاملة على محور ارتكازها لتتنكر لماضٍ فيه الكثير من الحسنات، مع وجود مناطق للفراغ والتخلف. فالإسلام ثبّت الكثير من تلك الجوانب الإيجابية التي كان العرب يتعاطونها في حياتهم.
وقد وضع كتّاب التاريخ المنصفون أيديهم على الكثير من تلك المواطن أو الحالات التي كان يتقلب فيها العرب. وبطبيعة الحال أن العرب أبناء الصحراء القاحلة التي تنعدم فيها الكثير من أسباب الحياة، لذلك كانت الحياة عنيفة شديدة يحكم الكثير من نواحيها لغة القوة، بحيث تنعكس حتى على أسماء الأشياء والذوات والمناطق والحيوانات وغيرها. فالفرد العربي إذا أراد أن يختار اسماً لدابته تجد أن هنالك فرقاً كبيراً بين ما هو مدوّن له، وما هو مدوّن لغيره من أبناء القوميات.
فلكل من شعوب العالم ثقافته. للهندي ثقافته، وللفارسي ثقافته، وللروماني ثقافته، وهذه الثقافات تتحرك وفق تلك المرتكزات وتنعكس على ثقافتها وتصرفاتها اليوم. وهذا أمر طبيعي.
أثر البيئة في المجتمع العربي:
من هنا لا يستطيع أحد أن يدعي أن الإسلام أنهى تلك الصور التي عاشتها الأمة العربية قبل الإسلام. ففي الجاهلية لم تكن الأمور كما قُدّمت وتُقدم لنا اليوم ـ مع شديد الأسف ـ لأن زمن الجاهلية إنما هو ظرف زماني عاشته الأمة العربية قبل بعثة النبي الأعظم محمد (ص). وإلا فإن هذه المنطقة كانت المنطقة الوحيدة التي فيها الديانتان السماويتان اليهودية والنصرانية، ففي جنوبها في نجران كانت الديانة النصرانية، وفي شمالها في المدينة المنورة وما يلحق بها كانت اليهودية. أما في شرق الجزيزة العربية فكانت المجوسية التي لا يوجد دليل واضح وصريح على كونها ديناً، لأنها لا تتبنى التوحيد، إنما تتبنى الاثنينية.
فلا بد إذن أن يكون لتلك الديانات إسقاط على حياة الناس في الجزيرة العربية، لكن التاريخ لا يقدم لنا في هذا الجانب ما يرفع عنا عناء البحث، إنما هنالك شذرات تضمنتها بعض النصوص الأدبية وبعض الملحقات في بعض الكتب، لكن القدر المتيقن أن الحنيفية ـ وهي ملة إبراهيم (ع) ـ كانت تشغل مساحة ليست بالقليلة في منطقة الحجاز، ولا سيما في مكة المكرمة. بل الأكثر من ذلك أن بني هاشم كانوا أكثر المتشددين في تلك الديانة الإبراهيمية مع وجود الديانة المسيحية إلى جانبهم، التي كان يعتنقها قوم في مكة. حتى أن خال خديجة بنت خويلد لم يكن على الحنيفية، إنما كان مسيحياً.
والذي يهمنا في هذا الصدد أننا إذا أردنا التطرق إلى جهة أو أمة أو شعب أو تكتل بل حتى لأفراد لهم قيمتهم، فعلينا أن نتحرك بناءً على مبدأ الوسطية وليس التطرف.
معالم الوسطية:
لقد قيل في الوسطية: إنها منهج فكري وموقف أخلاقي وسلوكي. فلو التزم من يتبنى هذا الخط بجميع لوازم هذا التعريف لعاشت الأمة في جميع المناطق التي تتواجد فيها عيشة طيبة، لكنها ـ مع شديد الأسف ـ ترفع في كثير من الأحايين الشعارات وتنفق الكثير من الجهد والوقت في التنظير، ولكن تبقى الأمور معلقة على الصعيد العملي.
وللوسطية ضوابط، ويترتب عليها آثار كثيرة. فمن الأمور التي تسند للوسطيين في حراكهم محاولة التوفيق بين الثابت والمتحرك، بمعنى الثابت الشرعي والمستجد المعاصر، فهذه من مهمات الإنسان الوسطي، وهي من الصعوبة بمكان، إذ يصعب إيجاد حالة من التوفيق بين هذين المسارين، لا لأن الثابت الديني لا يترك له مجالاً، ولا لأن المستجد المعاصر لا يترك له مجالاً، فالثابت لا يمنعه من الانفتاح على المعاصر، كما أن المستجد المعاصر لا يطلب منه أن يتخلى عن الثابت الشرعي الديني، إنما المراد هو التمسك بالثابت مع حالة من التعاطي المقبول والمجدي مع المستجد المعاصر.
فالدين في ثوابته لا يضع حاجزاً بين الفرد والمستجد المعاصر، والإشكالية تكمن فينا نحن، سواء في من يدّعي التدين، أو في من يدعي الوسطية. فهناك من يدعي التدين وينأى بنفسه عن الوسطية، ويرى أنها مصادرة للدين، لأنها تؤول إلى رفع اليد عن الثابت، ومتى ما رفعنا اليد عن الثابت فهذا يعني اللادين. وهذه قراءة خاطئة، فمن قال ذلك؟ وأي وسطي دعا إلى ذلك؟ بل حتى الذين تجاوزوا مرحلة الوسطية إلى مساحة الحداثة المعتدلة لا يطالبون الحداثي أن يرفع يده عن الثابت الديني، وإلا ما معنى أن يكون الحداثي في الصفوف الأولى من صلاة الجماعة، والأكثر حرصاً على تلاوة القرآن، والتعاطي لمفاهيم سطّرها وجسدها الإسلام؟ فلا شك أن تلك الحساسية منشؤها الأنا.
إن تلك الحالة من الموازنة التي تفرزها لنا حالة الوسطية عند النخبة من أبناء الأمة تجعلنا ندفع الكثير من الضرائب، لأنها تعني وضع اليد على المصاديق، فلا تكتفي بالمفهوم كما هو، أو بالمبدأ بما هو مبدأ، إنما تعنى بالمصاديق التي انحلت عن تلك المفاهيم بسبب مطابقة خارجية. وهنا تبدأ المشكلة، حيث يتشدد هذا ويتشدد ذاك، حتى ينتهي الأمر لدى المتدين أن يتحول الفرع عنده إلى أصل من حيث لا يشعر، والمتحرك إلى ثابت من حيث لا يدري. وعندما يقف مع نفسه وينفرد بها يجد أنه ضرب مشواراً بعيداً عما ينبغي أن يتحرك على أساسه، وهو الدفاع عن الثابت. فالزيادة في الشيء كالنقيصة، حتى في العبادة، فمتى ما اندفع المرء وراءها لمديات بعيدة كانت النتيجة وخيمة سلبية في الكثير من الأحيان. فهناك من لم يعتد صلاة الجماعة مثلاً، بسبب الانشغال هنا أو هناك في مجالات العمل أو الدراسة أو المشاكل. فيجد من يأخذ بيده إلى المسجد، وهناك يجد الأجواء ملائمة، والمؤمنين يعيشون حالة من المحبة والمودة فيما بينهم، فيستلطف الجو، ويكون من المواظبين في التردد على المسجد. وبعد أيام من ذلك يحمّل النفس ما لا تحتمل.
فلكي تصل بالنفس إلى درجة من الاستقرار تحتاج إلى مران تدريجي، بأن تسير معها رويداً رويداً حتى تصل.
ومع مرور الأيام تصبح الأمور معكوسة، بأن يكون هذا المتدين (الجديد) في الصدارة فيما تتناقص سهام الأول الذي أرشده للطريق. وهكذا يصل إلى حالة من التطرف الشديد.
المرونة في الفتوى:
إن المرونة في الفتوى تعتبر مطلب المجتمع اليوم. إلا أن المرجع لا يمكنه أن يفتي بخلاف الضوابط الشرعية. ولكن نقول مرة أخرى: من قال: إن المجتمع يريد فتوى بخلاف الضوابط الشرعية؟ فالمجتمع متدين، ولا يسمح لنفسه أن يخرج من هذه الدائرة ليُنعت بعدم التدين. إلا أن البعض يقول: إن العصر اليوم تعقدت الحياة فيه كثيراً، والفتاوى المحنطة أو المجمدة ما عادت تعطي للمتدين المساحة الكافية أن يقوم بعهدة التكليف في حدوده، كي لا يفقد الكثير من مصالحه.
ولا شك أن الاجتهاد مرّ بمراحل كثيرة وتطور فيها وانعكس ذلك التطور على الكثير من صيغ الفتوى، فالفتاوى التي نعيشها اليوم تختلف في الكثير من الأحايين عما كان مجمعاً عليه في يوم من الأيام، لأن آلية الاجتهاد تطورت، وتطورت ذهنية الفقيه كذلك بسبب الثقافة التي اكتسبها من الانفتاح على القراءة في كافة الأصعدة.
ففي يوم من الأيام كان من يحمل بيده صحيفة في أحد المحافل الحوزوية يرتكب في نظر الكثيرين جريمة لا تغتفر! أما اليوم فتجد أن الفقيه أشد حرصاً على الاطلاع على الواقع، ولا واسطة له إلا المقروء أو المسموع أو المرئي. فلا يمكن أن تحاكم ذهنية فقيه انفتح على المشارب الثقافية والعلمية والمعرفية من حوله بفقيه أبى إلا أن يوصد الأبواب أمامه.
لذا تجد أن هناك مطلباً لدى الناس ـ وهو مطلب مشروع ـ أن ينفتحوا على مسار المرجعيات المنفتحة. فإذا كان هذا المطلب يخضع للضوابط الشرعية، وهي عبارة عن التماس الأمارة الشرعية في رفع العهدة عن النفس في دائرة التكليف، فلا كلام في مشروعيته.
فلا إشكال أن المرونة في الفتوى اليوم تجد من يميل إليها ويحاول أن يقترب إليها كثيراً. من هنا ينبغي أن يسترعى الانتباه من قبل من يهمهم الأمر.
الانفتاح وعدم التعصب:
ومن دعائم الوسطية أيضاً: عرض الإسلام ضمن دائرة الانفتاح وعدم التعصب، بمعنى الدعوة في سقف المرونة. فالنبي (ص) يخاطبه القرآن الكريم قبل أكثر من 1400 سنة قائلاً: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيْظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوْا مِنْ حَوْلِكَ﴾([3]). فنحن الذين ندّعي اليوم أننا أمناء على هذه الرسالة بحسب انتمائنا لهذا الدين الحنيف ـ وهو دين كل من قال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله ـ ونرتبط به بهذا الميثاق الغليظ، يلزمنا أن نقدم الإسلام كما هو، سهلاً سمحاً مرناً قادراً على التعاطي مع جميع القضايا مهما اشتدت وصعبت.
فالقرآن الكريم سهل فيما أصّل، وكذلك السنة المطهرة فيما فرّعت. أما التزمّت والوحشية في نفوس بعض من ينتمي للإسلام فمنشؤها الجهل بحقيقة الإسلام ليس إلا، لأن الإسلام يعبر عن نفسه أنه رسالة سمحاء، وأنه رحمة للعالمين، فكيف أصبح جحيماً على البشرية اليوم بسبب من ينتمي إليه كذباً وزوراً؟
إن الإسلام اليوم ـ مع شديد الأسف ـ يسوَّق بلغة الدم واللعن والسب والتضليل وهتك الأعراض وما أشبه ذلك.
التمسك بالأصول والثوابت:
ومنها أيضاً التمسك بأصول القضايا الدينية، والابتعاد عن التمظهر والتشكل. فهنالك صلاة نؤديها أنا وأنت، لكن للصلاة قالبها التي رسم حدودها الدين، ولا شيء سوى دائرة الدين. لذلك تجد بعض الصلوات توصف بالبدعة، أو دعاء أو ممارسة شعائرية توصف بالبدعة، لأنها ليست من رحم الدين، ولا من مصادره الصحيحة، إنما هي وليدة أمر آخر، قد يكون رؤيا أو قراءة أو غير ذلك، فتحرك بها جماعة والتفوا حولها، وسارت بها الركبان، فأصبحت واحدة من الثوابت، وهذه مصيبة.
فمن التمظهرات التي لا علاقة لها بالأصل اللحية المطلقة، فهي ليست من الثوابت، بل إنها إذا زادت عن الحد المعقول، فهي ولحى بعض البهائم، في بعض البلدان الباردة سواء! فهناك من يقتل جماعة في مسجد وهو مُلتحٍ، فهذا تَشكّل وتمظهر بصفة الإسلام ولكن بثوبها الأسود.
وكذلك في طول عود المسواك، إذ يكفيه قطعة صغيرة من هذا العود، ولا حاجة لأن يكون طويلاً زيادة عن الحد. فالإسلام الذي ضحى من أجله أهل البيت (ع) والصحابة لا يمكن أن يختصر في لحية مرسلة ومسواك طويل! أو أن يحصر في شعيرة مبتدعة.
إنني هنا أتكلم فيما يخص الطرفين، لأن حالة التمظهر لا تنحصر في طرف بعينه دون آخر، إنما هي عند الجميع. فهذا يرى أن تلك المظاهر هي التشيع، وذاك يرى أنها التسنن. وكلاهما ليس كذلك. فالإسلام قرآنٌ تكفل بنظم الحياة، وسنة مطهرة جاءت لبيان الثابت، وهذا ما نفهمه عن محمد وآل محمد (ص). أما أن يكون مظهر المسلم بشكل غير لائق، ولا يعتني بنظافة نفسه وملابسه فهذا لا يمت للدين بصلة.
لقد كان النبي (ص) إذا خرج لصلاته يخرج بعمامته السحاب، وكانت تسمى السحاب لشدة بياضها. وكان المسلمون في تلك البيئة الشحيحة من الماء يعتنون بنظافتهم، فكيف لا يُعتنى بالنظافة اليوم في هذه النعمة العظيمة وتوفر الماء؟.
هذا هو التدين الأعوج غير المبني على أساس صحيح، وإلا فإن الدين على العكس من ذلك تماماً، ومن أراد المزيد فليسأل العلماء: ﴿فَاسْأَلُوْا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُوْنَ﴾([4]).
الإسلام نظام متكامل:
ومن دعائم الوسطية والاعتدال فهم الإسلام على أساس الوحدة التكاملية فيما بين تشريعاته. فمشكلتنا اليوم في من يتنور بطريقة معوجة، أنه ينتقي من الدين ما يعجبه، ويدع ما لا يعجبه، باعتبار أنه ذهب إلى أوربا أو أمريكا بضعة أيام. وهذا النوع من اجتزاء القضايا أمر مرفوض.
يقول النبي الأعظم (ص): «إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق»([5]).
المبادئ والقيم الأساسية:
ومنها أيضاً تسليط الضوء على المبادئ والقيم الأساسية في الدين، وهذا أمر مهم، لا أن نركض وراء المستحب ونترك الواجب، أو نزور الإمام الحسين (ع) ولكن نأكل أموال الناس، بأن نقترض ولا نسدد. أو أن نقيم مجالس العزاء، ونلبس السواد لشهرين متتابعين، ولكن لا نراعي برّ الوالدين، ولا أدب التعامل مع الجيران، ولا مع المحيط. فلأننا لم نسلط الضوء على الأسس والمبادئ والقيم الأساسية التي نطق بها النبي الأعظم محمد (ص) وساد بها الوجود وقعنا في ما وقعنا فيه. فالإسلام إنما انتشر بتلك القيم السامية، لا كما يدعي البعض اليوم أنه انتشر بالسيف. ومن المؤسف أن تُسوَّق لغة المستشرقين على ألسنة بعض المعممين. فقد سوق أصحاب الاستشراق لهذه الفكرة لثلاثة قرون، منذ القرن السابع عشر حتى العشرين. بأن الإسلام لم ينتشر إلا بالسيف، ولولا السيف والقوة لما وصل إلى ما وصل إليه، وإلا فإنه لا يمتلك مقومات الانتشار والبقاء.
وقد دأب علماؤنا منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا على البحث في هذا الأمر، كما في بحوث الشيخ البلاغي، والشهيد المطهري، والشهيد الصدر وغيرهم، وأثبتوا أن الإسلام إنما انتشر من خلال مبادئه وقيمه التي تجسدت في ذات النبي (ص) وهو الذي تميز بالخلق العظيم.
فالإسلام سافر في الأقطار بالأخلاق، كالصدق في المعاملة، والأمانة، والوفاء بالعهود، ومد يد العون للضعيف أينما كان. فالإسلام دين الرحمة، وليس هناك من آية في القرآن تحث على قتل الناس وإكراههم على الدين. ففي يوم فتح مكة أمرهم أن ينادوا: اليوم يوم المرحمة، وأصبحت بيوت مكة محل أمن وأمان لمن دخل فيها، حتى من بيوت أشد الناس عداوة له، وهو أبو سفيان، حيث نادى المسلمون: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
أما إذا استمر هذا الحال الذي نحن عليه اليوم، من التسويق السيئ للدين على كافة الأصعدة، فسوف يخرج الناس من دين الله أفواجاً، كما دخلوا فيه أفواجاً.
فلا بد أن يتحمل كل منا مسؤولياته تجاه الدين، مع زوجته وعياله ومجتمعه وأمته، وإلا فإن الأمور ستؤول إلى ما لا تحمد عقباه.
نسأله سبحانه وتعالى أن يحفظ الإسلام والمسلمين، وأن يدفع غائلة السوء، وما يراد بهذا الدين وما يخطط له، وأن يجعلنا وإياكم في بلادنا وسائر بلاد المسلمين آمنين مطمئنين، إنه ولي ذلك.
والحمد لله رب العالمين.